يعتبر الشمول المالي عاملًا ريئسيًا في الحد من الفقر وتعزيز الرخاء الاقتصادي، وقد زاد الاهتمام به والتركيز عليه بعد الأزمة المالية العالمية لما له من دور في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
ما هو الشمول المالي؟
يقصد بالشمول المالي تمكين جميع شرائح المجتمع سواء أفراد أو شركات من الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية من خلال البنوك والمؤسسات المالية المختلفة ، بعض النظر عن صافي الثروة الشخصية أو حجم الشركة، بهدف تحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي الشامل.
الشمول المالي يسعى لادماج الفئات من ذوي الدخل المنخفض- المهمشين ماليًا- ممن لا ينخرطون في التعامل مع النظام المصرفي، بالتعامل مع القطاع المصرفي من خلال التعاملات الرقمية المالية باستخدام الهاتف المحمول، وذلك عبر انجاز التعاملات المالية بطريقة الكترونية تتميز بالبساطة والسهولة وانخفاض التكاليف.
حيث يسعى الشمول المالي إلى إزالة جميع الحواجز التي تستثني الأشخاص من المشاركة والاستفادة من خدمات القطاع المالي لتحسين حياته، بحسب تقرير البنك الدولي فإن 1.7 مليار بالغ في عام 2020 لا يتعاملون مع البنوك أو يعانون من نقص في البنوك أي ما يقارب ثلث سكان العالم.
تشمل الخدمات المالية المعاملات والمدفوعات، ومنتجات الادخار، والتسهيلات الائتمانية، والقروض بالإضافة إلى خدمات التأمين، كما يتضمن حماية المستهلك والشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتثقيف والتوعية المالية، وتقديم الخدمات الرقمية، ويتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام، يشمل جميع المناطق الجغرافية بجودة عالية وضمان لحق المستهلك.
يقوم الشمول المالي على ثلاث ركائز أساسية:
- إتاحة الخدمات المالية
- استخدام الخدمات المالية من قبل المواطنين والشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
- أن تكون الخدمات المالية بجودة مناسبة وأسعار مقبولة.
اقرأ أيضًا: ما هو الهدف من الوعي المالي؟
قطاعات الشمول المالي.
في سبيل الوصول إلى الفئات المستهدفة يتم العمل من خلال عدة قطاعات:
- الثقافة المالية والوعي المالي.
- قطاع التمويل الأصغر.
- أنظمة المدفوعات الالكترونية.
- حماية المستهلك المالي.
- تجميع وتحليل البيانات ومؤشرات الأداء.
- تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة.
يتم تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة عن طريق الاقراض، أو الشراكة، أو التمويل عبر منصات الإقراض.
نشأة الشمول المالي
نشأ الشمول المالي بسبب حاجة الأفراد منخفضي الدخل للوصول إلى الخدمات المالية التي يمكنها أن تثري حياتهم المالية بشكل إيجابي. جذور الشمول المالي ظهرت في القروض الصغيرة ليشمل الخدمات المالية الأساسية التي تؤدي إلى بناء مستقبلًا ماليًا صحيًا للملايين في العالم.
في ثمانينيات القرن الماضي ولدت القروض الصغيرة على يد الاقتصادي محمد يونس،حيث قدم أول قروض بمبلغ 27 دولار أمريكي من جيبه لمجموعة من النساجات في بنجلادش، ثم أنشأ بنك الفقراء الذي يمنح قروضا صغيرة للفقراء بفوائد متصاعدة.
توسع الإقراض الاصغر من آسيا إلى مناطق أخرى خاصة في أمريكا اللاتينية، أغلب مقدمي خدمات الإقراض الأصغر هي منظمات غير حكومية غير ربحية من حيث الأصل.
في أوائل القرن العشرين أصبح مصطلح التمويل الأصغر يعكس التحول في فهم حاجة الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، فهم يريدون ويحتاجون الخدمات المالية مثل المدخرات، والتأمين، وتأجير الأصول، وغير ذلك.
اقرأ أيضًا: الفرق بين الادخار والاستثمار | طريق الثروة.
الائتمان الأصغر أو التمويل الأصغر يتم تقديمه من قبل منظمات غير حكومية حيث يتم تحويلها الى مؤسسات خاضعة للتنظيم ومرخصة لقبول مدخرات الودائع، من ثم بدأت البنوك التجارية في تقديم الخدمات لقطاع التمويل الأصغر.
الشمول المالي والوعي المالي وبناء الأصول يجسد حقيقة أن المؤسسات المالية التي تستهدف شريحة الدخل المنخفض توفر الخدمات المالية إلى 200 مليون شخص أي 10% من الاحتياجات العالمية في 2016.
يسعى الشمول المالي إلى الاستفادة من العاملين الحاليين في القطاع المالي مثل البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر، وشركات التأمين، وبرامج المعاشات الحكومية، من خلال ربطهم مع الجهات العاملة غير المالية مثل مشغلي شبكات الهاتف المحمول، ومنافذ البيع بالتجزئة، وذلك بهدف توسيع نطاق التوعية إلى أكبر وأوسع ما يمكن.
اقرأ أيضًا: هل تؤثر أسعار الصرف على حياتنا؟
أهمية الشمول المالي
بشكل عام يساعد الشمول المالي في تسهيل الحياة اليومية والتخطيط للأهداف طويلة الأجل، وقد أدى الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا المالية إلى توفير أدوات مبتكرة لمعالجة ضعف الوصول للخدمات المالية، وابتكار طرق جديدة للأفراد والشركات للحصول على الخدمات المالية بتكلفة معقولة.
بالإضافة إلى العديد من الفوائد التي نجنيها من الشمول المالي:
- يضمن حصول الأفراد والمؤسسات على المنتجات المالية المناسبة لظروفهم واحتياجاتهم، مما يؤدي إلى تحسين مستواهم المعيشي ودعم النمو الاقتصادي للأفراد والدولة على حد سواء.
- تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار المالي للدولة، لأنهما يتحققان عندما يكون نسبة كبيرة من أفراد المجتمع يتعاملون مع القطاع المالي غير الرسمي.
- تحفيز المؤسسات المالية على تطوير منتجاتها، وتعزيز روح المنافسة فيما بينها مما يضمن تقديم منتجات مالية بتكلفة أقل وطرق أسهل مما يحقق مصلحة المستهلكين.
- ادماج الأفراد في النظام المالي، مما يسهل العمليات المالية اليومية مثل تحويل الأموال استقبالها، وحماية المدخرات التي تساعد الأفراد على إدارة التدفقات المالية والاستهلاك.
- تمويل المشاريع الصغيرة، ومساعدة أصحاب الشركات على الاستثمار وتنمية أموالهم.
- يهتم الشمول المالي بشريحة كبيرة من المجتمع، حيث يستهدف الفئات المهمشة والمتعثرة من خلال توفير منتجات تلبي احتياجاتها، مثل أصحاب الدخل المحدود والفقراء، والنساء وأصحاب المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والشباب.
- مواجهة تحديات المجتمع مثل الفقر والبطالة، لأن الشمول المالي يعد حلقة مهمة في زيادة فرص العمل، والحد من تأثير التقلبات الاقتصادية داخل الدولة.
- يلعب دورًا مهما في الدول العربية، حيث يعتبر من داعمي الجهود المبذولة في سبيل تطوير البنية التحتية، وجذب الاستثمار، وتنفيذ الاستدامة المالية.
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي؟
معوقات الشمول المالي.
- الحاجة إلى تحسين الثقافة المالية.
نقص وعي الأفراد بالمعرفة المالية يؤدي إلى عدم الإستفادة من الخدمات والمنتجات المالية التي تتناسب مع احتياجاتهم، هناك الكثير من المواطنين لا يعرفون كيفية التعامل مع الخدمات المالية أو يتعاملون معها بشكل خاطئ مما يفقدهم الكثير من حقوقهم، تحسين الثقافة المالية يؤدي إلى قرارات مالية أفضل واستغلال المنتجات المتاحة التي تلبي احتياجاتهم، من خلال استخدام تدابير أكثر فعالية وأقل تكلفة.
- الفقر المدقع.
المواطنون الذين يملكون القليل من المال أو لا يملكون المال أصلًا ليس لديهم أي حاجة إلى الخدمات المالية، أضف إلى ذلك أنه من الصعب على الفقراء وذوي الدخل المنخفض الحصول على الخدمات المالية الأساسية.
- عدم وجود وثائق هوية رسمية.
يعد عدم وجود وثائق هوية رسمية أحد أهم العوامل التي تمنع الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات مصرفية من الوصول لخدمات المؤسسات المالية مثل شركات الوساطة المالية والبنوك، معظم المؤسسات المالية تفرض متطلبات توثيق صارمة ومفصلة، سواء لفتح حساب أو إجراء تحويلات مالية. وبناء على ذلك يتم منع الأشخاص الذين يفتقرون إلى الوثائق المطلوبة للوصول للخدمات المالية.
- الثقة من المستهلكين
أحد معوقات الشمول المالي أن هناك نقص ثقة من المستهلكين فيما يتعلق بالأمان والموثوقية في الخدمات المالية، على الرغم من انتشار هذه الخدمات مثل الخدمات المالية عبر الهاتف والعملات الافتراضية، لذلك لابد من تعزيز الثقة في هذه الأساليب الجديدة، لابد للسلطات من السعي لإصدار ارشادات وانظمة واضحة تضمن حماية المستهلك، واتاحة معلومات عن المنتجات المالية تمكن المستهلكين من اتخاذ قرارات مستنيرة.
اقرأ أيضًا: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟
مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية.
سعت السلطات والهيئات المالية العربية بالتعاون مع صندوق النقد العربي لصياغة مبادرة الشمول المالي في المنطقة العربية، حيث تم تشكيل فريق عمل إقليمي في 2012 يعمل على تطوير سياسات واجراءات لتعزيز الشمول المالي عربيًا، كما تم تحديد يوم السابع والعشرين من شهر أبريل \ نيسان من كل عام مناسبة لإحياء اليوم العربي للشمول المالي.
قام صندوق النقد العربي بتأسيس وإرساء مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية ، حيث تم إطلاق المبادرة في يوم 14 سبتمبر 2017 بمناسبة منتدى التحالف العالمي للشمول المالي المنعقد بشرم الشيخ في مصر، بحضور مؤسسات النقد العربي ومحافظي البنوك المركزية.
تعمل هذه المبادرة في المنطقة العربية على دعم سياسات الشمول المالي بهدف زيادة انتفاع المواطنين والمؤسسات بالخدمات المالية الرسمية التي تلبي احتياجاتهم، حيث تم العمل على الجوانب التالية:
- الاستراتيجيات والبيانات المتعلقة بالشمول المالي.
- تمكين المرأة مالياً.
- تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
- تمويل الشركات الناشئة ورواد الأعمال.
- الاستفادة من التقنيات المالية الحديثة والتمويل الرقمي.
- التمويل الزراعي الريفي.
- البنية التحتية للأسواق المالية.
- حماية المستهلك المالي والتوعية المالية.
هدف مبادرة الشمول المالي العربي طويلة الأجل هي إرساء وتطبيق سياسات وخدمات الشمول المالي المستدام عربيًا، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة طويلة الأجل، كما تسعى لتحسين سبل المعرفة وإمكانيات صانع السياسات فيما يتعلق بالشمول المالي.
اقرأ أيضًا: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي
يلعب الشمول المالي دورًا اجتماعيًا جوهري يخدم فئة محدودي ومتوسطي الدخل، مع إعطاء المرأة دعمًا خاصًا وكذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال السعي لضمان وصول الخدمات المالية لهم.
على الرغم من ذلك يرى بعض الاقتصاديين أن الشمول المالي اخترع من البنك الدولي للسيطرة على الأموال خارج النظام المصرفي، لأن هناك عدد كبير من الفقراء لا يتعاملون مع البنوك، أموال هذه الفئة في حال جمعها تشكل مبالغ كبيرة نظرًا لضخامة عدد الفقراء، لذلك يرى بعض الاقتصاديين أن من مساوئ الشمول المالي سيطرة البنوك المركزية الدولية على بيانات العملاء في العالم كله.