بين الحين والآخر تتناقل وسائل الإعلام أنباء حول قضايا لغسيل الأموال تورط بها مشاهير أو شخصيات عامة أو سياسية، ثم تتوالى الأخبار حول تجميد أرصدتهم البنكية ومنعهم من السفر وما إلى ذلك من إجراءات تجعلهم تحت السيطرة، والسؤال هنا هل غسيل الأموال خطراً إلى هذا الحد؟.
سنجيبك عزيزي القارئ في هذا المقال عن تساؤلاتك حول غسيل الأموال وخطواته وآثاره السلبية علينا نحن كأفراد في المجتمع.
اقرأ أيضاً: 5 معلومات رئيسية عن الاقتصاد التحتي
أولاً: ما هو غسيل الأموال ؟
الأصل أن يكون مصدر الأموال معروفاً ومشروعاً، ويقصد بذلك أن تكون ملكية المال تابعة لشخصية طبيعية أو اعتبارية ناتجة عن أنشطة مشروعة. في حين أن الأموال الناتجة عن أنشطة غير مشروعة مثل جرائم الاختلاس والمخدرات وتجارة السلاح وتجارة الآثار وغيرها من الجرائم ينتج عنها أموال غير مشروعة.
وبما أن الأنشطة المشروعة ينتج عنها أموالاً مشروعة، والأنشطة غير المشروعة ينتج عنها أمولاً غير مشروعة، فإن هذه الأموال تعد مؤشراً يثير قلق وتساؤلات السلطات القانونية والهيئات الرقابية، التي تقوم بملاحقتها قانونياً ومصادرة هذه الأموال، لذلك يحرص مالكي هذه الأموال إلى توفير غطاء قانوني يضيف صفة الشرعية لها، ومحاولة قطع الصلة ما بين المصدر الأصيل والحقيقي لهذه الأموال كي تظهر أنها أموال مشروعة، يطلق على هذه العملية “غسيل الأموال أو تبييض الأموال“.
تعريف الإنتربول
غسل الأموال هو إخفاء أو تمويه هوية العائدات التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني بحيث يبدو أنها تأتت من مصادر مشروعة. ويرتبط في كثير من الأحيان بجرائم أخرى أشد خطورة مثل الاتجار بالمخدرات أو السرقة أو الابتزاز.
وتنطوي هذه العملية في العادة على جريمتين: الجريمة الأولى التي استفاد منها المجرمون ونتج عنها المال، والجريمة الأخرى هي محاولات إضفاء الشرعية على هذه الأموال، وقد تنتج الأموال القذرة ابتداءً عن أنشطة غير مشروعة مثل:
زراعة وتصنيع النباتات المخدرة أو المتاجرة بالجواهر والمواد المخدرة من خلال جلبها وتصديرها، وعمليات الاختطاف ، واحتجاز الأشخاص وجرائم الإرهاب وتمويلها، وجرائم النصب وخيانة الأمانة والتدليس، والغش، والفجور والدعارة وتجارة البشر، والاتجار وتهريب الأثار، والرشوة واختلاس المال العام، وجرائم تزييف العملة.
اقرأ أيضا: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟
ثانياً : ما هي خطوات غسيل الأموال؟
تمر عملية تبييض الأموال وتحويله من أموال غير مشروعة إلى أموال مشروعة بثلاث مراحل:
-
مرحلة الإيداع
تبدأ عملية غسل الأموال في اللحظة التي يتم اكتساب الأموال بها، حيث يبدأ البحث عن طرق توظيف أو إحلال لهذه الأموال كي تدخل النظام المالي لأول مرة، يتم التخلص من كميات كبيرة من النقود غير الشرعية بعدة أساليب مثل الإيداع في المصارف أو المؤسسات المالية ، أو شراء سلع باهظة الثمن يسهل بيعها والتصرف بها.
تعد هذه المرحلة من أصعب مراحل غسيل الأموال، حيث أنه من السهل اكتشافها في هذه المرحلة خاصة وأن عمليات تبييض الأموال تشمل كميات كبيرة من الأموال السائلة، ومن السهل التعرف على من قام بعملية الإيداع واكتشاف علاقته بمصدر الأموال. -
مرحلة التمويه والتعتيم
يشار لهذه المرحلة بمرحلة الهيكلة وهي مرحلة أكثر تعقيداً، تهدف إلى قطع الروابط ما بين الجريمة والمال الذي نتج عنها، تتضمن مرحلة التمويه حركات دولية للمال وعمليات مصرفية معقدة بهدف ادخال الأموال في النظام المصرفي الشرعي، مما يجعل تتبع المال من قِبل السلطات أمراً صعباً.
يقوم الغاسلون في هذه المرحلة بتقسيم الأموال لمبالغ صغيرة لاستثمارها في خيارات مالية متقدمة، كما تتم تكرار عملية تحويل الأموال من بنك لآخر، ويزيد تعقيد هذه العملية عند تحويل الأموال إلى بنوك تلتزم بقواعد صارمة فيما يخص السرية البنكية في بلاد أخرى وهي ما يطلق عليه الملاذات المصرفية الآمنة، وتتميز هذه الملاذات الآمنة بالتساهل قي قوانينها وسهولة تأسيس الشركات. -
مرحلة الادماج
في هذه المرحلة الختامية يتم إضفاء الطابع الشرعي على هذه الأموال، ولذلك يطلق عليها “مرحلة التجفيف” حيث يتم ارجاع الأموال إلى المجرم بعد أن تصبح مشابهه للأموال المشروعة، حيث يتم دمج وادخال الأموال في الدورة الاقتصادية والنظام المصرفي كي تبدو عوائد طبيعية لصفقات تجارية، في هذه المرحلة من الصعب التمييز ما بين الأموال المشروعة غير المشروعة إلا من خلال البحث السري حول هذه العمليات، وتعتبر هذه المرحلة الأكثر أمناً والأقل خطراً.
لاحظ: أن مصدر المال هو ما يجعل غسيل الأموال غير قانوني ، وفي ذات الوقت فإن عملية غسل الأموال غير قانونية أيضًا.
اقرأ أيضاً: كيف تحدد أسعار صرف العملات ؟
ثالثاً: ماهي طرق غسيل الأموال؟
تكمن أهمية غسيل الأموال بالنسبة للمجرمين في أنه من غير الممكن استخدام هذه الأموال لأنهم غير قادرين على توضيح مصدرها، مجهولية المصدر ستعطي السلطات مؤشراً للتنبه لوجود جريمة ما، لذلك يلجأ المجرمون إلى عدة طرق لإضفاء الشرعية على هذه الأموال، وهنا سنورد بعض الطرق التي يتم غسيل الأموال من خلالها:
-
انشاء شركات أو مشاريع
وهمية يلجأ غاسلي الأموال إلى انشاء مشاريع ومن ثم يبدأ بالتلاعب في حسابات المشروع بحيث يبالغ في التكاليف ثم يبالغ في الارباح المحقق، وبذلك يمكنه ضخ جزء من الأموال القذرة عن طريق المشروع الذي انشأه.
-
الشراء نقداً
يقوم غاسلو الأموال بشراء صكوك مالية أو سيارات فخمة أو تحف أو عقارات بسعر أقل من السعر الحقيقي (ودفع الفرق بين السعر الحقيقي والمعلن في السر) وثم بيعها بالسعر الحقيقي لتبرير دخول مبالغ ضخمة لحساباتهم بصورة مشروعة.
-
الشركات العقارية
هذا النشاط هو المفضل لغاسلي الأموال حيث يصعب التنبؤ به أو تتبع أرباحه، فمثلا لو تم شراء أرض فإنه يبالغ في ثمنها من ناحية ثم يبالغ جداً في بيعها بأسعار عالية، وهكذا يكون قد تمكن من ضخ جزء من الأموال القذرة مرتين مرة في التكاليف ومرة في الربح المتحقق.
-
الاستشارة المالية
غالبا ما تستخدم وظيفة المستشار المالي كتغطية لعمليات غسيل الأموال الناتجة عن الرشوة، فبعد أن يقوم بتسهيل عقود أو معاملات مقابل الرشوة، يقوم بالعمل كمستشار مالي (سواء اثناء عمله الأصلي أو بعد التقاعد) ويسجل هذه الأموال المتحققة بأنها دخل مقابل الاستشارات المالية.
-
انشاء جمعيات خيرية واجتماعية
حيث يتم ادخال الأموال على اعتبار أنها تبرعات وهمية ثم يتم إعادة الأموال للمبيضين إما مقابل خدمات وهمية يقدمونها، أو توزيع مبالغ صغيرة على المحتاجين وكتابة وصولات بمبالغ أكبر من المبالغ الموزعة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي ؟
رابعاً: ما الآثار السلبية المترتبة على الغسيل الأموال؟
تتنوع الآثار السلبية المترتبة على هذه الظاهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ما يلي:
- يؤدي غسيل الأموال إلى زيادة السيولة النقدية المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في الناتج القومي.
- انتشار الفساد داخل الدولة من خلال شراء ذمم رجال الشرطة والقضاة والسياسيين، وهذا يؤدي لضعف كيان الدولة وتزايد خطر جماعات الإجرام المنظم.
- اتساع نشاط الاقتصاد الخفي، فهناك علاقة طردية ما بين الاقتصاد الخفي وجريمة غسيل الأموال.
- انخفاض معدلات الادخار وذلك لانتشار الرشاوي والتهرب الضريبي وانخفاض كفاءة الأجهزة الإدارية وفسادها.
- انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، نظراً لوجود قوة شرائية وهمية ناتجة عن انشطة اقتصادية غير مشروعة.
- تحقيق العجر في ميزان المدفوعات وافساد المناخ الاستثماري وتشوية المنافسة، وتشويه صورة الأسواق المالية.
- تشوية سمعة الدولة والتأثير سلباً على علاقتها بالمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- الحد من قدرة السلطات المختصة على تنفيذ السياسات الاقتصادية بصورة فعّالة.
- إيجاد ثغرة تمكن غاسلو الأموال من الوصول إلى مراكز مؤثرة في الدولة يترتب عليها انتشار الفوضى وتهديد الاستقرار السياسي.
- إضعاف النمو الاقتصادي وذلك لتركز الموارد المالية في استثمارات وهمية ليست ذات جدوى اقتصادية كبيرة.
- تقويض استقرار في سوق الصرف نتيجة التقلبات التي تنشأ عن حركة وتدفق الأموال.
- إيجاد فروق كبيرة في توزيع الدخل و الثروة الاقتصادية.
يقدر البنك الدولي حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً بما يقارب 2.5 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وتعد هذه النسبة نسبة كبيرة نظرا لما ينتج عن عمليات غسيل الأموال من أخطار وانتشار لأنواع من تافساد في المستويات الوظيفية المختلفة للتغطية على عمليات تبييض الأموال، كما تؤدي لانتشار عصابات الجريمة المنظمة التي تحمي هذه العمليات، وعلى الرغم من أن غسيل الأموال يمثل عمليات ضخ نقدي في النظام الاقتصاديإلا أنه لا يؤثر إيجابياً على الاقتصاد، لذلك تسعى الدول بشتى السبل لمكافحة هذه العمليات والمحافظة على استقرارها.
Valuable article 👌👌👌