استكمالًا لسلسلة أنواع السوق في الاقتصاد نتحدث في هذا المقال عن سوق احتكار القلة، يقع هذا السوق بين سوق الاحتكار التام وسوق المنافسة الاحتكارية، حيث يسيطر عدد قليل من البائعين على السوق ويتحكمون في سعر المنتج.
تعريف احتكار القلة
سوق احتكار القلة ( Oligopoly) نوع من أنواع الأسواق يحتكر عدد محدد من البائعين سوق سلعة ويتحكمون في سعرها، يكون عدد الشركات في هذا السوق عادة قليلًا بحيث يؤثر قرار إحدى الشركات تأثيرًا عميقًا على غيرها من الشركات في سوق السلعة.
يضم هذا النوع من الأسواق عادة الصناعاة الثقيلة مثل صناعات التعدينية مثل الحديد والزنك والنحاس، والنفط والكيمياويات، والسفن والسيارات.
شروط سوق احتكار القلة
حتى يتصف السوق بأنه سوق احتكار قلة لابد فيه الشروط التالية:
- وجود عدد قليل من المشروعات العملاقة تسيطر على غالب إنتاج الصناعة.
- سيطرة المنافسة غير السعرية على السوق، وذلك لأن المنافسة السعرية عالية الخطورة.
- وجود عوائق قوية تحد من دخول مشروعات جديدة إلى السوق، مثل ضخامة رأس المال الابتدائي، وحقوق الامتياز، وبراءات الاختراع.
اقرأ أيًضا: ما يجب أن تعرفه عن الاحتكار في الاقتصاد
خصائص احتكار القلة
يتصف احتكار القلة بمجموعة من الخصائص:
- قلة عدد البائعين، يتميز هذا السوق بقلة عدد البائعين وكثرة عدد العملاء، وبمجموعهم يمتلكون قوة اجتكارية في السوق.
- وجود قوة احتكارية للمشروعات القائمة مما يتيح لها التحكم في الكميات والاسعار.
- الترابط والاعتماد المتبادل بين المشروعات، فقرار أي منتج في سوق احتكار القلة يتولد عنه رد فعل من المنتجين الاخرين في السوق دفاعًا عن نصيبهم في السوق نظرًا لقلة عدد المشاركين فيها، لذلكك لا يمكن التغافل عن ردود أفعال المنافسين عند اتخاذ القرارات.
- وجود دافع لدى المنتجين في السوق للتواطؤ والاتفاق بهدف زيادة الربح،ويساعد على ذلك قلة عدد المنتجين.
- منحنى الطلب غير محدد،لأن المنتج يتوقع ردود أفعال مختلفة عند تغيير السعر.
اقرأ أيضًا: تعرّف على 4 شروط لسوق المنافسة الكاملة
أنواع سوق احتكار القلة
تتعدد الصور التي يتخذها احتكار القلة، لذلك تتعدد نظريات تفسير سلوك المشاركين في السوق وذلك بحسب درجة الاتفاق فيما بينهم، ويمكن التمييز بين قلاق صور رئيسية:
- احتكار القلة المنظم والموثق.
- احتكار القلة القائم على التواطؤ دون تنظيم أو توثيق.
- احتكار القلة دون من التنظيم والتوثيق ودون تواطؤ.
أولًا: احتكار القلة المنظم والموثق
داخل نموذج احتكار القلة يوجد عدة نماذج ضمنية وهي نموذج الكارتل المركزي، ونموذج اقتسام السوق، ونموذج كورنو.
-
- نموذج الكارتل المركزي: يمثل اتحاد مجموعة من المنتجين الذين ينتجون سلعًا متجانسة، يتم الاتفاق فيما بينهم لتنظيم توريد السلع والخدمات إلى السوق والتحكم بالأسعار، يتم توثيق هذا الاتحاد باتفاق يقره القانون ويلزم جميع الأعضاء به.ينتج عن هذا الإتفاق منظمة يتم تمثيل الأعضاء فيها، تتصرف هذه المنظمة على أنها منتج واحد فهي تتصرف بعقلية المنتج الواحد فيما يتعلق بتحقيق الربح. المنظمة هي من تتخذ القرارت الرئيسية المتعلقة بالأسعار وحجم الإنتاج التوازني وحصص الأعضاء من الإنتاج كما تحدد سياسة التسويق المتبعة لتحقيق مصلحةالكارتل.من خلال الكارتل يسهل التحكم بأسعار السوق فيمكنهم البيع بهوامش سعر أعلى، كما يمكنهم إيجاد حواجز للدخول للسوق، كما تقل نسبة ما يخصص للإعلان حيث يكون المنتج معروف لدى العملاء.من الأمثلة على الكارتل المركزي منظمة البلدان المصدرة للنفط الأوبك، شركات الاتصالات.
- نموذج اقتسام السوق: في هذه الصورة من صور احتكار القلة المنظم ينبثق عنها منظمة مركزية تمثله ، ويكون هذا النموذج موثق بالقانون، يقتصر دور المنظمة على تنسيق كيفية اقتسام السوق فلا يوجد إلزام بسعر محدد ولا يتم إعادة توزيع الأرباح من قبل المنظمة.لا يشترط في نموذج اقتسام السوق أن تكوم قسمة السوق بالتساوي، إلا أن ما يحدد حصة المنشأة هو حجمها، كما يمكن أن يكون الاقتسام على أساس جغرافي حيث يخصص لكل منتج منطقة معينة، وقد يكون الاقتسام على أساس فئوي حيث يخصص لكل منتج توريد السلع لجهة محدد كأن يحتص أحد المتجين بتوريد سلعة محددة للمؤسسة الاستهلاكية في حين يختص منتج آخر بالتوريد لبقية السوق.
- نموذج كورنو: عندما تنتج الشركات سلعًا متجانسة مع عدم وجود عوامل تمايز، في حال عدم وجود فرصة للتواطؤ أو تكوين كارتل، وهنا تعتمد الشركات في تحديد كمية انتاجها على توقع ما سينتجه المنافسون وذلك خلال سعيها لتحقيق أكبر ربح.
اقرأ أيضًا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا
ثانيًا: احتكار القلة القائم على التواطؤ دون تنظيم أو توثيق.
في هذا النموذج من نماذج احتكار القلة لا يكون هناك اتفاق مكتوب بين المنتجين، ولا توجد منظمة ترعى وتمثل الاحتكار، لكن يوجد تفاهم ودي على الإنتاج والأسعار، غالبًا ما هذا التفاهم الودي برعاية المنشأة التي تتميز بالقيادة السعرية. في بعض الحالات تكون القيادة السعرية للمنشأة الأخفض كلفة وقد تكون للمنتجة الأكبر حجمًا:
- القيادة السعرية للمنشأة الأخفض كلفة: فلو افترضنا وجود منشأتين تتمتع احدهما بتكاليف إنتاج حدية اخفض من الأخرى، فستملك هذه المنشأة القوة لفرض السعر في السوق وتلتزم المنشأة الأخرى به وتعامل السعر المحدد على أنه إيراد حدي، حيث تتحدد الكمية التي تنتجها في السوق عندما يتساوى الكلفة الحدية مع الايراد الحدي.
- القيادة السعرية للمنشأة الأكبر حجمًا: في حال وجود منشأة كبيرة بين مجموعة من المنشآت الصغيرة، تحسم القيادة السعرية لصالح المنشأة الأكبر حجمًا وتذعن المنشأت الصغيرة لها، وذلك تجنبًا لحرب أسعار معها وكذلك للحفاظ على استقرار السوق.
اقرأ أيضًا: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي
ثالثًا: احتكار القلة دون من التنظيم والتوثيق ودون تواطؤ.
على الرغم من أن المتوقع في هذا النموذج تعرضها لحرب سعرية نتيجة لعدم وجود اتفاق أو تواطؤ، إلا أن هذا النموذج من نماذج احتكار القلة التي تكون أكثر تسببًا بجمود الأسعار!.
في هذا النموذج لا تستطيع المنشأة أن تتنبأ بالطلب الذي ستواجهه نظرًا لصعوبة التنبؤ بردود فعل المنشآت الأخرى.
ففي حال قررت احدى المنشآت – داخل سوق احتكار القلة هذا أن تخفض سعرها، فإن ردود فعل المنشآت الأخرى ستكون واحدة من الاحتمالات الآتية:
- أن تتابع المنشآت الأخرى في السوق المنشأة المبادرة لرفع أو خفض السعر، بالتالي فإن الزيادة أو النقص من الكميات المطلوبة نتيجة تغيير السعر ستتوزع على جميع المنتجين ويكون نصيب المنشأة المبادرة قليلًا ومحدودًا.
- أن لا تتابع المنشآت الأخرى المنشأة المبادرة سواء رفعن الأسعار أم خفضتها، إلا أن المنشأة المبادرة سكتسب عملاء أكثر حال تخفيض أسعارها وستفقد الكثير منهم لو أنها رفعت أسعارها.
- أن لا تتابع المنشآت الأخرى المنشأة المبادرة حال رفع الأسعار وستكون هذه المنشآت مستفيدة من عملاءها الذين تحولوا عنها نتيجة رفع الأسعار، في حين أن المنشآت تتبع المنشأة المبادرة حال خفض السعر حتى لا تخسر هذه المنشآت عملاءها القدماء.
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر سلوك الأفراد في الأسعار
آثار احتكار القلة
يترتب على احتكار القلة عدة آثار مقارنة بالمنافسة التامة، نوردها فيما يلي:
- الناتج في سوق احتكار القلة أقل مما هو عليه في سوق المنافسة التامة، وهذا فيه اجتزاء من الرفاهية المجتمعية.
- في سوق احتكار القلة يكون السعر أعلى من السعر في سوق المنافسة الكاملة، وهذا أيضًا يجتزأ من الرفاهية المجتمعية.
- في سوق احتكار القلة لا تتحقق الكفاءى الفنية، حيث لا يصل المنتج إلى الحد الذي يدني التكاليف المتوسطة في الأجل القصير، بالإضافة أنه لا يختار حجم مشروع يدني التكاليف المتوسطة في الأجل الطويل.
- عدم تحقق الكفاءة التخصصية فالسعر يكون دائما أعلى من التكاليف الحدية.
- ارتفاع تكاليف الدعاية والإعلان في سوق احتكار القلة وترحيل هذه التكاليف على الجمهور.
- وجود ارباح اقتصادية في المدى البعيد، حيث أن المنتجون يمتلكون القوة لوضع عوائق أمام الدخول إلى السوق.
اقرأ أيضًا: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي
ينتشر سوق احتكار القلة في جميع انحاء العالم يتزايد انتشاره خاصة في الصناعات الثقيلة والتكولوجية، على الرغم من أن هذه الشركات تبقى منافسة للشركات الأخرى ضمن سوقها الخاص، إلا أن ذلك لا يمنع السعي لتشكيل تحالفات وتحقيق فائدة أكبر للمجموعة ككل.