هل فكرت يوماً في سبب تحديد ثمن السلعة بهذا المقدار دون غيره، أو هل أختلفت مع العامل في أنّ سعر الخدمة المقدمة مبالغ فيه؟، ألم يخطر على بالك يوماً لماذا الألماس غالٍ جدا على الرغم من أننا نستخدمه كإكسسوار؟، أذن كيف تحدد قيم السلع والخدمات، وما هي الأسس التي يمكن التقييم عليها؟ وهل هذه الأسس متفق عليها بين المدارس الاقتصادية؟
في هذا المقال سنعرض كيف ولماذا تعطى القيم للأشياء، ووجهة نظر المدارس الاقتصادية فيه. هيا صديقي القارئ إلى هذه الرحلة البسيطة والممتعة حول تحديد قيم الأشياء.
ما هو مفهوم قيمة الأشياء؟
يعد مفهوم قيمة الاشياء من أهم المصطلحات التي يرتكز عليها علم الاقتصاد ويتمحور حولها، ويطلق في اللغة على قدر الشيء وثمنه، أما الاقتصاديون فإنهم يقصدون بها “القوة التي تملكها السلعة او الخدمة في الحصول على سلع وخدمات أخرى عن طريق التبادل، وتتوقف على الطلب في ارتباطه بالعرض”.
فلو أنّا افترضنا أننا نتعامل في نظام مقايضة، فإن قيمة السلعة تتمثل فيما تساويه من سلع أخرى، على سبيل المثال الدجاجة قيمتها ثلاث كليو من القمح، والقميص قيمته أربعة كيلو من الأرز، وبناءً على ذلك فإن القيم تتغير وفق رغبة الأفراد بالسلعة، فلو أن الأفراد لا يرغبون كثيراً في السلعة فإن قيمتها تلقائيا سوف تنخفض، وهذا ما يطلق عليه قانون العرض والطلب في الاقتصاد.
اقرأ ايضا :رحلة النقود من القمح إلى الدولار
أما القيمة عند الفقهاء في المعاملات المالية الإسلامية ” هي الثمن الحقيقي للشيء”، أي أنها تكون في نفس السلعة وليس في رغبة الناس بها، وقد ميز الفقيه ابن عابدين بين القيمة والثمن والسعر: “الفرق بين القيمة والثمن: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء زاد على عنها أو نقص، والقيمة: ما قوّم به الشيء، بمنزلة المعيار من غير زيادة أو نقصان”.
وأما السعر: “هو الثمن الذي تقف فيه الأسواق والتسعير إيقافها على ثمن معلوم لا يزاد عليه”،
وما سبق يعني أن الثمن هو ما يتفق عليه البائع والمشتري بعد التفاوض، والقيمة هي ما يراه المختص مساوياً للسلعة مع الأخذ بالإعتبار تكلفتها، وأما السعر فإنه يرتبط بالعرض والطلب في السوق، ولتوضيح ذلك نتفرض أنّ بائعاً لديه محل ملابس وقيمة القميص الواحد 7 دولار وهو عرضه للبيع بعشرة دولارات، لكن فاوضه المشتري على القميص واتفقا على اعطائه القميص مقابل تسعة دولارات.
في هذه الحال فإن السبعة دولار هي قيمة القميص، وثمنه تسعة دولار، فلو أننا فرضنا أن رغبة الزبائن على هذا النوع من القمصان زادت، عندها سيرتفع سعر القميص ليصبح إثنى عشر دولار وهذا سوف يكون سعر القميص.
الفرق بين القيمة والسعر
السعر هو ثمن المنتج في السوق .
القيمة هي مايوافق مقدار الشيء ويعادله ولها انواع نذكر منها: القيمة الاسمية – القيمة السوقية – القيمة الحالية.
أنواع القيمة في الفكر الاقتصادي التقليدي
ميز الاقتصاديون بين نوعين من القيم للسلع وهما: القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية
• القيمة الاستعمالية
هي قدرت السلعة على إشباع حاجة بشرية مباشرة من خلال قيام الفرد باستعمال هذه السلعة بحد ذاتها. إذن يقصد بها المنفعة المتحققة من الاستعمال الشخصي للسلعة، وهذه لا تستلزم وجود سوق للمبادلة، وعلى ذلك فإن السلع جميعها تتمتع بقيم استعمالية.
• القيمة التبادلية
هي ما تساويه السلعة عند مبادلتها بسلع أخرى، ويعبر عنها بالعلاقة الكمية المتمثلة في النسب التي تُبادل بها سلعة بصفات معينة مع سلعة أخرى بصفات مختلفة عن الأولى، وهذه لا تختلف في اللحظة الواحدة والمكان الواحد من شخص لآخر.
بالتالي فإنها لا تتحقق إلا حال وجود أفراد مستعدون لمبادلة السلع فيما بينهم، ويكون التبادل على أساس تنوع القيم الاستعمالية. لذا فإن السلع الاقتصادية هي التي تتمتع بقيمة تبادلية على عكس السلع الحرة التي لها قيم استعمال فقط.
وبناءً على ما سبق فعند الحديث عن القيمة في الاقتصاد فإن المقصود بها هي القيمة التبادلية، أي مقدار السلع التي يمكن مقايضتها مقابل الحصول على وحدة واحدة من السلعة المقصودة، وقيم الأشياء تحدد في السوق بدلالة النقود، لذلك يطلق على النقود أنها مقياس للقيمة. ويقصد بذلك أن النقود لها قوة شرائية، أي مقدار السلع التي يمكن مبادلتها بوحدة النقد الواحدة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر سلوك الأفراد في الأسعار
التيارات الاقتصادية التقليدية في تحديد القيمة
التيار الأول: التيار الموضوعي
ينظر هذا التيار الى السلعة نفسها نظرة عينية، فينظر الى ما بذل فيها من عمل وما أنفق من نفقات في سبيل انتاجها، والمعيار الذي يحدد قيمة السلعة هي المنفعة التي يمكن أن تعود على المستهلك من السلعة.
ومن النظريات التي جاءت لإثبات هذا السياق: نظرية العمل ونظرية الإنتاج.
• أولا: نظرية العمل
ترى النظرية أن القيمة الطبيعية للسلعة تتوقف على مقدار ما بذل فيها من عمل اثناء انتاجها، فالعمل هو المصدر الوحيد لتحديد قيم الأشياء وهو مقياسها في ذات الوقت، يعلل أصحاب هذه النظرية نسبتهم القيمة الى العمل بسبب حاجتهم لمقياس عام غير قابل للتغير تقاس به السلع، فالنقود في نظرهم لا تصلح لأن تكون مقياساً عاماً للقيم لأنها في تغير مستمر بالتالي لا تصلح لأن تكون مقياسا.
أعطى أصحاب هذه النظرية أهمية بالغة للسلع الرأسمالية، إلا أنهم اعتبروها بمثابة عمل مخزون جاء نتيجة جهود ماضية.
الانتقادات الموجهة لنظرية العمل
1. أهملت هذه النظرية جانب الطلب وأثره في تحديد القيم.
2. عدم إمكانية تفسير تغير قيمة السلعة من وقت لآخر، على الرغم من أن كمية العمل المبذولة في إنتاجها ثابته.
3. لا تحدد هذه النظرية قيم الأشياء التي لا يدخلها العمل.
4. لا تفسر لماذا تكون بعض السلع عالية القيمة رغم انها يبذل فيها عمل قليل وبعضها قيمتها منخفضة رغم انه يبذل فيها عمل أكبر.
• ثانيا: نظرية نفقة الإنتاج
تطورت نظرية العمل الى نظرية نفقة الإنتاج على أيدي الاقتصاديين، وهي نظرية أوسع وأشمل من نظرية العمل فهي تحتوي عناصر الإنتاج الأخرى المكونة لنفقة الإنتاج بما في ذلك الأرباح التي تخصص نتيجة المخاطرة والجهد المبذول في تنظيم عملية الإنتاج.
حيث تعتبر تكاليف الإنتاج وحدها الثمن الضروري اللازم لإنتاج السلع، واشترط لتحديد القيمة للسلعة أن تتحدد في فترة طويلة وفي المنافسة الكاملة، وذلك على أساس النفقة الكاملة أي النفقة التي تنفق على عناصر الإنتاج وتستخدم في انتاجها.
ويكون العمل في هذه النظرية هو أحد عوامل الإنتاج وليس العامل الوحيد في تعيين القيم ويعتبر الثمن هو مكافئاً لنفقة الإنتاج الكلية.
الانتقادات الموجهة لنظرية الانتاج
1. اهملت جانب الطلب في التحليل.
2. لم تفسر تغير قيم السلع المختلفة من وقت لآخر.
3. لم تفسر أسباب ارتفاع قيمة السلعة النادرة التي لا تتحدد قيمتها بنفقات الإنتاج.
4. لا تعطي تفسير لقيم كثير من السلع مثل الثروات الطبيعية والسلع النادرة.
ثانيا: التيار الذاتي
هذا التيار يعتبر تحديدها متوقف على المنفعة المتحصلة من استهلاك السلعة واشباعها لحاجة معينة. وأبرز النظريات أوضحت هذا التيار هي النظرية الحدية.
• نظرية المنفعة الحدية
ترى هذه النظرية أن الأشياء تتحدد قيمتها بمنافعها، ولكن ليس المقصود هو المنافع الكلية إنما المنفعة النهائية المستمدة من الوحدات الأخيرة منها. أي أنها ارتكزت في تفسيرها الى جانب الطلب.
حيث يرون أن القيمة تعتمد كليا على المنفعة النهائية، وأطلق عليها اسم المنفعة الحدية: وهي عبارة عن المنفعة الشخصية التي يحصلها المستهلك من استهلاك وحدة إضافية من السلعة.
فهذه النظرية تعتمد على الاتجاه الذاتي في تحديد القيم، الذي يقابل جانب الطلب على السلعة لتحديد قيمتها.
تقرر هذه النظرية ان الحاجات المختلفة قادرة على اشباع رغبات المستهلكين وانه كلما زادت الوحدات المستخدمة في الاشباع قلت قيمتها تدريجياً والعكس كلما تناقص عدد الوحدات زادت قيمتها وهذا ما يعرف بقانون تناقص المنفعة الحدية.
• الانتقادات الموجهة لنظرية المنفعة الحدية
1. تربط قيم السلع بمقدار منفعتها إلا أنها لا تفسر الحالات التي تكون القيم منخفضة في حين منفعتها كبيرة والعكس.
2. أهتمت بجانب الطلب في تفسير القيم وأهملت جانب العرض.
3. تفشل النظرية بمفردها من تفسير قيم الأشياء تخضع لمؤثرات ظروف الإنتاج بالإضافة الى المنفعة، فالسلعة قد يرتفع سعرها لانخفاض الإنتاج او يزيد لسبب او لآخر.
اقرأ أيضاً: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا
ثالثا: التيار التوفيقي
حاول هذا التيار التوفيق بين التيار الذاتي والموضوعي في التفسير، فهو يرى أن تحديد القيمة تشترك فيه المنفعة والكلفة للسلعة، النظرية التي مثلت هذا التيار هي نظرية التوازن الاقتصادي.
نظرية التوازن الاقتصادي
تسمى هذه النظرية أيضا “النظرية الحديثة للقيمة” ، تقوم هذه النظرية على أساس الجمع بين العرض والطلب في نظرية واحدة، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الأفكار عن القيم لا تتعارض مع بعضها البعض، فقد نجح في إيضاح أن الطلب والعرض يقرران القيمة معاً، ليحددا سعر التوازن مع أخذ عنصر الزمن بالاعتبار.
فقد أدخل عنصر الزمن في تحديد القيم عندما تم التفريق بين الفترة قصيرة الاجل والفترة طويلة الاجل، ففي الفترة قصيرة الأجل يكون الدور الأكبر في التحديد للطلب “المنفعة”، أما في الأجل الطويل فإن نفقة الإنتاج تلعب دور رئيسي في تحديد القيمة والثمن.
كما أن مقتضى النظرية أن قيم السلع مرتبطة بالعوامل المؤثرة فيها مباشرة مثل المنفعة أو نفقة الإنتاج أو ندرة السلعة والعرض والطلب في السوق، بالإضافة الى قيمتها التبادلية مع السلع الأخرى. بالتالي فإنها ترتبط بكل العناصر المباشرة المؤثرة فيها.
اقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي السارق الخفي
وختاما يعد هذا الاختلاف والتطور في مفهوم القيم تطورا طبيعياً، نظراً لتطور نظريات الاقتصاد ذاتها، ونحن كبشر لابد أن نستمر بالبحث والتفكر في الظواهر الاقتصادية من حولنا.