نسمع شكوى الناس من حولنا بشكل متكرر عن ارتفاع أسعار السلع المكملة وظلم البائعين وأصحاب المحلات، وعدم مراعاتهم لحال الناس، هل كنت تتوقع عزيزي القارئ أن دوراً مهماً في صناعة هذا الواقع تشارك أنت نفسك في صناعته!، وأنك من أهم العوامل التي تلعب دوراً فاعلاً في تحديد الأسعار، سنعرض في هذا المقال كيف يؤثر سلوك الأفراد في أسعار السلع المكملة والخدمات المتاحة، فهيّا بنا.
غالبا ما يقرن مفهوم الطلب بالعرض، فدائماً نقول “الطلب والعرض”، يمثل الطلب جانب المستهلكين حيث يمثل الكميات التي يكون الفرد مستعداً لشرائها عند الأسعار المختلفة، في حين يمثل جانب العرض البائعين فهي الكميات التي يكون البائعين على استعداد لبيعها عند الأسعار المختلفة. فكيف يؤثر سلوك الأفراد في أسعار السلع المكملة.
بناءً على ما سبق فالطلب هو رغبة المستهلكون المقرونة بالقدرة على الشراء، فما هي المحددات التي التي تتفاعل مع طلب الأفراد، وكيف يؤثر سلوك الأفراد في تحديد السعر؟
اقرأ أيضاً: هلع التسوق في الأزمات – كيف يدفعنا الخوف لتخزين السلع ؟
1- سعر السلعة
أسعار السلع المكملة
يزيد طلب الأفراد على السلعة وإقبالهم عليها كلما انخفض سعرها، والعكس فإن رغبة الأفراد بالسلعة سوف تنخفض في حال زاد سعر السلعة، وهذا ما يطلق عليه “العلاقة العكسية”. ويعد السعر أهم العوامل المؤثرة في طلب الأفراد على السلع.
وهذا الأمر ملاحظ في سوق الخضار مثلاً، حيث يكون إقبال الأفراد على شراء الخضار في أول الموسم منخفضاً لإرتفاع سعرها بسبب قلة توافرها بالسوق، وبعد انخفاض سعرها سيزيد الشراء منها تلقائياً. بالتالي فإن سلوك الأفراد من حيث الإقبال أو عدم الإقبال على السلع المكملة سيؤثر في سعرها.
2- دخل المستهلك
عند زيادة الدخل فإن المتاح منه للاستهلاك سيزيد بالطبع، لذلك سيزيد إقبال الفرد على الشراء، تذكر معي عزيزي القارئ ماذا فعلت بمكافأة ساعات العمل الإضافية، وماذا فعلت بعمولة الصفقة التي اخذتها، غالبا ستقول لي بالطبع وجهتها للاستهلاك، هذا سلوك طبيعي لكن يجب الانتباه في المرات القادمة فلابد أن تتعامل معها بوعي مالي حتى تحقق منها أكبر فائدة ممكنة.
ومن الطريف أن هناك ما يسمى بالسلع الرديئة أو سلع جفن، حيث يختلف سلوك الأفراد تجاهها عند زيادة دخلهم، وسلع جفن وهي السلع التي نهجر استهلاكها عند زيادة الدخل، فلو أنك كنت تشتري ساندويش الفلافل كل يوم، فإنك عند زيادة دخلك سوف تتجه لشراء الشاورما مثلاً.
3- سلوك الأفراد في تفضيل السلع المكملة
كلما زاد تفضيل المستهلك لسلعة محددة تلقائياً سيزيد الطلب على هذه السلعة، وهذا من أكثر ما تركز عليه الشركات في إعلاناتها، حيث تعمل على بناء علاقة عاطفية بين السلعة والمستهلك، وتنمي ليدهم الانتماء للسلع، كما تعمل على تشكيل صورة خيالية ساحرة للسعلة في أذهانهم، كل ذلك يعمل على إشعال الرغبة في السلعة، مع ملاحظة أن الرغبة لا تعبر عن الحاجة الحقيقية في السلعة، ولذلك ليس من المستغرب أن نرى المستهلكين مصطفين في طوابير طويلة للحصول على هاتف iPhone، وليس من المستغرب الإدمان الجنوني للنوتيلا!.
اقرأ أيضاً: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها
4- أسعار السلع المكمّلة
السلع المكملة هي السلع التي يقترن استعمالها أو استهلاكها بسلع أخرى، مثلاً لو أن مبيعات السيارات زادت فإن الطلب على إطارات السيارات سوف يزيد، وبمثال أبسط لو أن الطلب على الشاي زاد سيزيد الطلب على السكر لأننا غالبا ما نستهلك السكر مع استهلاك الشاي والعكس.
تخيل معي صديقي القارئ ماذا سيحصل للطلب على السكر إذا ما انخفض سعر الشاي، بالطبع سيزيد الطلب على السكر، لأن الانخفاض في سعر الشاي سيزيد من الطلب عليه كما أشرنا في النقطة الأولى، وبما أن السكر سلعة مكملة للشاي فإن الطلب على السكر سيزيد تلقائياً مما يعني أن هناك أثر لسلوك الأفراد على أسعار السلع المكملة.
مثال آخر عندما يزيد سعر المشتقات النفطية سترى الطلب على السيارات التي تعمل بمشتقات نفطية سينخفض، تفسير ذلك أنه مع زيادة سعر المشتقات النفطية سينخفض الإقبال عليها وبما أن المشتقات النفطية تستخدم في تشغيل هذه السيارات، فمن المنطقي أن ينخفض الطلب على السيارات التي تعمل بالمشتقات النفطية، بالتالي فمع زيادة سعر السلعة الأصلية سينخفض الطلب على السلع المكملة والعكس صحيح أيضاً.
5- أسعار السلع البديلة
أسعار السلع المكملة
السلع البديلة هي السلع التي لها نفس الاستخدام، فلو أن سعر نوع محدد من الشاي ارتفع، فإننا تلقائياً سنتجه لاستهلاك نوع آخر من الشاي، فإذا ما توقع الأفراد أن سعر سلعة محددة سيرتفع فإنهم سيتجهون إلى سلعة أخرى تؤدي نفس الوظيفة، وكما يلاحظ في واقع الحياة كيف كان ارتفاع المشتقات البترولية سبباً في اتجاه الأفراد لشراء السلع التي تعمل بالكهرباء، وهذا يعني أن التغير في سلوك الأفراد الشرائي سيغير أسعار السلع المكملة.
ولذلك نرى الشركات تتنافس داخل حدود سعرية محددة، غالبا لا تتجاوزها إلا بشيء بسيط لأنها مهددة بشكل مستمر بهجرة مستهلكيها إلى شركات أخرى وإلى سلع بديلة أخرى، إلا إذا كانت علاقتها وثقتها كبيرة جدا بمستهلكيها.
بناءً على ما سبق ففي حال زيادة أسعار سلعة محددة فإن سلوك الأفراد تجاه السلع البديل سيتغير، فالطلب على السلع البديلة سوف يزيد تلقائيا وهذا ما يطلق عليه بالعلاقة الطردية.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً
6- أسعار السلع في المستقبل
تذكر عزيزي القارئ أن سلوك الأفراد هو ما يحدد أسعار السلع المكملة، إذا ما توقع الأفراد أن سعر سلعة محددة سوف يرتفع مستقبلاً، فإنهم تلقائياً سيقومون بشراء كميات إضافية منها، وكأن هذه الكميات الإضافية ستكفيهم إلى آخر العمر في حال كانت السلع الاستهلاكية!
نلاحظ الأثر الكبير لسلوك الأفراد في أسهم الشركات وأسعار الذهب، ففي حال التنبؤ بارتفاعها فإن سوق الذهب وسوق الأسهم سيشهد إقبالاً غير مسبوق، مما يعزز ويعجل ارتفاع الأسعار فيهما. لان الطلب يحكمه علاقة عكسية مع توقع أسعار السلع في المستقبل.
فلو افترضنا توقع انخفاض أسعار الذهب ستشهد انخفاض في الاقبال عليه، فمن يرغب في شراء الذهب سيؤجل ذلك.
اقرأ أيضاً: الاستهلاك في رمضان ، كيف تم برمجتنا؟
7- عدد المستهلكين
وهو أمر منطقي جداً فكلما زاد عدد المستهلكين سيزيد الطلب على السلع المكملة جميعها، وهذا عايشناه مع الأزمات الأساسية في المنطقة، ولاحظنا الأزمات والمشاكل التي تعرضت لها بعض المناطق بسبب الزيادة المفاجأة على السلع والخدمات، وظهر هذا واضحاً جداً في قطاع العقار حيث تضاعفت الإيجارات نتيجة الزيادة المفاجأة في الطلب على الإسكان.
وفي حاله أقرب فإن أبرز المستفيدين من انتشار فايروس كورونا هم شركات الأقنعة والقفازات الطبية، حيث انعكس الإقبال على القفازات الطبية والأقنعة الطبية على سهم شركة Alpha Pro Tech الكندية التي تبيع الأقنعة في الصين، والذي ارتفع بنسبة 70 في المئة خلال يناير فقط . كما امتدت الاستفادة لشركات الأدوية بالطبع بالأخص التي تعمل على أبحاث الأمصال المضادة لفيروس كورونا، مثل شركة Novavax التي قفز سهمها 72 في المئة خلال يناير
صديقي بعد هذه الرحلة القصيرة أود أن أذكرك أننا كأفراد لا نعدو أننا سلسلة ممتدة من الطلبات على السلع والخدمات منذ أن كنّا أجنّة في بطون أمهاتنا إلى لحظتنا الحالية، لكن لابد أن يكون سلوك الأفراد ضمن أولويات حقيقية بما يتناسب مع دخولنا، فنحن لا نملك إلا جزءاً محدوداً من الموارد.
وهكذا عزيزي القارئ سلوك الأفراد هو العامل الأهم في تحديد أسعار السلع المكملة، أنت وأنا كمستهلكين في تحديد الكمية التي نطلبها من السلع والخدمات، وكيف يؤثر الطلب على زيادة الأسعار أو انخفاضها، قبل أن تندفع لتكون جزء من موجة الشراء فكّر ملياً، وقبل أن تصطف في طوابير الانتظار لشراء الهاتف فور دخوله إلى السوق، فكّر هل أنت بحاجة حقيقية له؟، ماهي الميزات الإضافية فيه؟، هل سأستفيد أنا كمستخدم من هذه الميزات؟، أم أن الأمر لا يعدو تقليداً ومجاراة للناس؟، هل هذه السلعة تستحق هذا الثمن؟ أم أنت تدفع ثمن الماركة التي تستخدمها؟
