تعتبر الثقافة المالية أهم ما تغرسه في طفلك في سن مبكرة، غالبًا ما يحصل الأطفال على القليل من المعرفة عن المال وذلك لغياب أهتمام الوالدين في بناء ثقافة مالية لدى الأبناء، فعلى الرغم مما هو شائع من التركيز على الجوانب التربوية والدينية والاخلاقية في تنشئة الأبناء إلا أن القليل من الآباء يهتمون بالتربية والثقافة المالية.

وينعكس ذلك في الواقع حيث يلاحظ أن الأطفال لديهم القليل من المعرفة حول المال بالإضافة إلى أنهم لا يملكونه، وربما فكرتهم عن المال أنها أوراق تخرج من محفظة الآباء عند الحاجة! لذلك تقع على الآباء مسؤولية بناء الثقافة المالية عند الأبناء، فالثقافة المالية الصحيحة التي تغرس في الأبناء في سن الطفولة غالبًا ما يكون لها أثر كبير في حياتهم ككل.

في هذا المقال نتناول أهم مفاهيم الثقافة المالية الواجب العناية بها منذ طفولة ابنائك.

اقرأ أيضًا: 8 استراتيجيات لغرس الوعي المالي في طفلك.

أولا: ماهو المال؟

لدى الأطفال فهم غامض لكيفية حصول الوالدين على مستلزمات الحياة من طعام وملابس وألعاب، فهم يعتقدون أن بمجرد ذهابهم للمتجر سيحصلون على ما يريدون.

لذلك يعتبر من أساسيات الثقافة المالية أن تعلم أبناءك أن الحصول على الأشياء لابد أن يقابله منح النقود، ينصح البدء بتعليم الطفل التعامل مع المال للحصول على الأشياء في سن الثالثة، يمكن أن تُعرّف طفلك على العملات المعدنية الصغيرة وتستغل زيارة المتجر لمناقشة قيم بعض السلع البسيطة.

امنح طفلك القليل من النقود المعدنية مع السماح بشراء بعض المنتجات، ساعده في معرفة أسعار المنتجات وما يتناسب مع ما يملكه من نقود كرر هذه التجربة عدة مرات، ستكون فرصة رائعة كي تؤسس في ذهن طفلك أن المال وسيط للتبادل وأن ما تحصل عليه يُدفع مقابله نقود، وأنه من الواجب أن يكون هناك تناسب ما بين قيمة السلعة وما تملكه من نقود، هذه المهارة تعتبر أساس مهارات الادارة المالية.

اقرأ أيضًا: 16 خطوة لبناء الوعي المالي.

ثانيًا: من أين يأتي المال؟

يعتقد الأبناء أن الأباء هم المصدر الأول للنقود، لكن لابد أن يدرك الأبناء أن الحصول على المال لابد أن يقابله عمل، وهنا يمكن أن تحدد بعض المهام التي يمكنهم القيام بها والحصول على مال خاص بهم في المقابل.

يجب أن تكون المهام مهام غير روتينية لا يفعلونها عادة، لذلك يستثنى ترتيب السرير ،والمهام المنزلية المعتادة، وحل الواجبات المدرسية، يمكن أن تكون المهام التي يدفع في مقابلها نقود تنظيف حديقة المنزل، المساعدة في التسوق، غسيل السيارة، بعض الإصلاحات في المنزل بما يتناسب مع العمر.

بهذه الطريقة يرتبط مفهوم المال بالجهد المبذول في العمل، لكن لابد من التأكيد على دفع المال لهم مقابل العمل كما هو متفق.

اقرأ أيضًا: التخطيط المالي الشخصي : كيف نُعظم منافع النقود ؟

ثالثًا: التسوق بذكاء.

الآن وقد ادرك ابناءك مفهومين أساسيين من مفاهيم الثقافة المالية، وهما قيمة المال وكيف نكسب المال، حان الوقت أن تعلمه أسس انفاق المال.

اصطحب أبنك معك للمتجر ودعه يأخذ ما كسبه من مال مع السماح له بالتصرف فيه، يُعتبر المتجر من أفضل الأماكن التي تتيح لك كوالد أن تعلم وتناقش أبناءك في كثير من أسس الإدارة المالية.

دعه يتجول في المتجر ناقش خيارات الشراء وتكلفة الفرصة البديلة لكل خيار، ناقش معه السلع خارج ميزانيته، كيف يمكن تأجيل عملية الشراء لأسبوع أو أكثر لادخار ما ينقص من ثمنها، وناقش فكرة أن وجود المال معه لايعني أنه يجب أن ينفقه.

لا تخشى من القرارات الخاطئة لأنها ستمثل أداة مهمة لتحسين خياراتهم المستقبلية، لكن قم بوضع قواعد عامة للتسوق تحددها بالاتفاق مع الابناء.

يمكنك بناء خبرة جيدة في التسوق لأبنائك من خلال اتاحة المشاركة في إعداد قائمة المشتريات الأسبوعية أو قائمة مشتريات الرحلات، ناقشهم في الميزانية المحددة لقائمة المشتريات، حدد معهم أسعار السلع والبدائل المتاحة، ناقش ما يمكن التخلي عنه كي تتناسب المشتريات مع الميزانية المحددة، لا تنسى أن أفضل طريقة للتعليم هي المشاركة.

اقرأ أيضًا: العادات المالية في عمر العشرينات.

خامسًا: الفرق بين الحاجات والرغبات.

كثيرًا ما نرى صراعات الآباء مع أطفالهم في قسم الألعاب أو الحلوى مع البكاء والصراخ في محاولة لإجبار الآباء على شراء ما يريدون، قد يكون هناك صعوبة في إقناع الأبناء خاصة في الأعمار الصغيرة أن هناك فرق بين ما تحتاجه وما ترغب في اقتنائه.

تكمن الصعوبة في أن معايير تحديد الحاجة مختلفة نظرًا لصغر السن، لذلك كثيرًا ما نسمع كلمة (بحبها) للتبرير شراء سلعة ما، وهنا تكمن أهمية دور الوالدين في بناء المعيار الصحيح للفرق بين الحاجات والرغبات، وبيان أنّ ليس كل ما نرغب فيه نشتريه.

استغل اصطحاب الأبناء للمتجر لتعريضهم لبعض المفاضلات والخيارات، يمكنك أن تُخيره بين الحليب والشوكولاته وتجري حوار بسيط معه حول أي منهما يحتاج، ناقش معه فكرة أن حبه للشوكولاتة لن يجعله يتخلى عن الحليب الضروري لصحته.

قم بإجراء هذه الحوارات والمفاضلات في كل زيارة للمتجر تكرار التجربة كفيل ببناء معايير التفاضل الصحيحة عند الأبناء.

كما يمكن مناقشة التكاليف المخفية مثل تكلفة الكهرباء والماء والتدفئة، اشرح لهم آلية وتكاليف الحصول على هذه الخدمات، ناقش معهم أساليب يمكنكم اتباعها للتوفير من النفقات المخفية.

اقرأ أيضًا: الفرق بين الادخار والاستثمار | طريق الثروة.

سادسًا: أهمية الادخار.

طالما أن أطفالك بدأو بكسب المال الخاص بهم، ولديهم حرية التصرف فيه لابد من مناقشة مسألة الادخار معهم وأن امتلاك المال الآن لا يعني أن انفقه حالًا.

ناقش مع أبناءك أن المنفعة من المال تختفي مع القيام بعملية شراء واستهلاك السلعة، في حين الادخار ينقل منفعة المال للمستقبل، شجع أبناءك على الادخار وتأجيل الإشباع اللحظي، امنح من يقوم بالادخار بدلات أعلى مقابل الأعمال المنزلية عن الابن الذي يقوم بإنفاقه.

يمكن فتح حساب توفير الخاص بالأطفال لتشجيع الأبناء على الادخار، وهنا لابد من تذكير الآباء والأمهات بأهمية عدم استخدام مدخرات الأبناء لأن ذلك سيؤدي لردة فعل سلبي تجاه الادخار إذا ارتبط الادخار بالاستيلاء عليها من قبل الوالدين بعد أن تصل لمبلغ محدد.

اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟

سابعًا: اقتراض الأموال.

الآن وقد بدأ ابناؤك في استيعاب مجموعة من مفاهيم الثقافة المالية، ككسب المال والانفاق والادخار، حان الوقت لمناقشة مسألة الاقتراض.

ناقش مع ابناءك فكرة الاقتراض ركز على أنّ الاقتراض إنفاق من الدخل المستقبلي، وأنه لا يمكن اللجوء للاقتراض دومًا لأنه سيؤثر سلبًا على الاستقرار المالي مستقبلًا.

لا تستخدم بطاقة الائتمان للدفع وأنت برفقتهم، قم بالدفع نقدًا لأن ذلك سيريهم تدفق المال مقابل السلع ليكون دليل واقعي من سلوكك أن أفضل طريقة للتسوق هي الدفع نقدًا.

دع أبناءك يخوضون عملية الاقتراض، فلو كنت في المتجر وأرادوا شراء سلعة من أموالهم الخاصة قم باقراضهم إلى حين الوصول للبيت، وقم باسترداد أموالك حال الوصول للبيت، في حال كان ثمن السلعة أكبر من مارلديهم من أموال، اطلب منهم كتابة ورقة تثبت فيها عملية الدين وتحدد تاريخ وآلية تسديد الدين من أجور الأعمال الخاصة.

تتضمن هذه التجربة العديد من الفوائد مثل التعرف على القرض قصير الأجل، والقرض طويل الاجل، وعملية توثيق الدين، بالإضافة إلى فهم استهلاك القرض الدخل المستقبلي بشكل عملي، مما يجعلهم يفكرون أكثر من مرة عند الاقتراض في المستقبل.

اقرأ أيضًا: كيفية تحديد الأهداف المالية الذكية.

ثامنًا: تحديد الأهداف المالية.

الادخار بدون وجود أهداف سيكون عملية مملة تتوقف بعد مدة قصيرة، لذلك لابد أن تشارك أطفالك في وضع الاهداف المالية الخاصة بهم، ناقش معهم ما يحلمون به من حاجات أو اشتراك في نادي رياضي أو الذهاب في رحلة، حدد معهم الأولويات.

بعد ذلك حدد معهم هدف واحد يسعون إليه، الان حدد معهم المبلغ الاجمالي الذي تحتاجون إليه والمدة الزمنية كي تتمكنو من جمع المبلغ، تذكر أن الهدف المالي إذا كان هدفًا ذكيًا سيكون تحقيقه أسهل.

تاسعًا: أهمية الإنفاق الخيري.

ناقش مع أطفالك الأجر الآخروي الناتج عن الصدقة وأنها تمثل استثمار في الدنيا والاخرة وأن الله تعالى يضاعف له ما تصدق به حتى وإن كان قليلًا، ناقش معهم بعض الأحاديث المتعلقة بالصدقة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبَقَ درهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ» قالوا: وكيف؟ قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عُرْض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها»، بين له أن الصدقة لا تتعلق بمقدر المال المطلق بل بما يمثله المال لك.

ناقش مع الأبناء فكرة الفقر اجعلهم يتخيلون حالهم لو أنهم ولدوا في أسرة فقيرة، الحديث عن الفقر يساعد في زيادة الوعي وفهم الفقر واختلاف المستوى الاقتصادي وانعكاسه في الحياة اليومية، يزيد شعورهم بالامتنان كما ينعكس على سلوكهم مع المال والمقتنيات الشخصية.

احرص على أن يكون هناك مخصصات للصدقة من أموالهم الشخصية، يمكن تخصيص حصالة لجمع المال منهم ثم مشاركتهم في عمل خيري، مثل إعداد طعام وتوزيعه على المحتاجين، أو شراء ملابس لبعض الأطفال المحتاجين، أو شراء دواء لمريض.

الإنفاق الخيري يحسن آلية التعامل مع المال، بحيث يجعل الطفل يتعامل بحرص مع المال دون أن يستحوذ المال على قلبه فيدخله في منطقة البخل.

اقرأ أيضًا: ما هو الهدف من الوعي المالي؟

عاشرًا: الوعي بأهمية الثقافة المالية.

تمثل الثقافة المالية رحلة حياة لا تنتهي عند مرحلة محددة وهذا ما يجب أن يعيه الأبناء، نرى بعض البالغين لم يحاولوا زيادة معارفهم حول الثقافة المالية، عدا أن البعض لم يسمع بمصطلح الثقافة المالية من قبل. لذلك نرى العديد منهم لديهم موارد مالية جيدة إلا أنهم يعانون دائما من الأزمات المالية.

من المهم أن يعي الأبناء أهمية زيادة المعارف في الثقافة المالية بشكل مستمر، وأن نبحث عن الحلول والآليات التي تساعد في تحسن الوضع الحالي، وأن الحل قد لا يكون في زيادة الموارد بمقدار أهمية تغيير السلوك.

تنشئة الأبناء على مفاهيم الثقافة المالية وأهمية تطويرها، وإدراك أن السلوك الشخصي هو عامل مهم في الاستقرار المالي، يجعلهم قادرين على تنمية مهاراتهم المالية كغيرها من المهارات.

يمكن للآباء مناقشة الأبناء في أسباب الثراء والاستثمار، بالاضافة لوجود الكتب التي تهتم بجانب السلوك المالي في المنزل، كل ذلك يجعل من الأبناء ينشئون في بيئة تُحفز على زيادة الثقافة المالية بدون تلقين تقليدي.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات تخطيط إعداد الميزانية للبيت.

من  الصعب على الآباء أن يروا أبناءهم وهم يهدرون المال أمام أعينهم، غريزة الأبوة تدفعك للتدخل لمنع المزيد من الهدر، إلا أن السماح لهم باتخاذ قرارات مالية خاطئة في صغرهم أمر غاية في الأهمية سيحميهم من إهدار مبالغ كبيرة في المستقبل، اكتساب الثقافة المالية وإدارة الأموال مهارة مكتسبة مثل جميع المهارات لا يمكن تعلمها إلا من خلال التجربة والخطأ.

فهل ستتخلى عن تعليم ابنك القراءة إن علمته ثم اخطأ في القراءة من جديد، أو سقط عن الدراجة ستعطيه الدراجة مرة اخرى لأن التجربة هي الطريقة الوحيدة للتعلم، تذكر أنه لا سبيل للتعلم بدون الخطأ.