جدول المحتويات
يعتبر التوجه نحو الاندماج المصرفي وتكوين التكتلات المصرفية ظاهرة عامة داخل القطاع المصرفي، تهدف لمواجهة التحديات التي فرضتها العولمة وسياسة تحرير التجارة ومتطلبات كفاية رأس المال، حيث دعت هذه الظروف القطاع المصرفي إلى الميل نحو الاندماج وتشكيل تكتلات اقتصادية قادرة على مواجهة الأزمات والمنافسة في اقتصاديات ما بعد العولمة.
تقوم المصارف بعمليات الإندماج بهدف رفع القدرة التنافسية والاستفادة من وفورات الحجم الكبير وغيرها من المميزات التي تتحقق حال الدمج أو الاستحواذ المصرفي. وقد شكّل الاندماج المصرفي توجهًّا عالميًّا ابتداء من ثمانينيَّات القرن الماضي بهدف النمو والتوسع وتعزيز القدرة التنافسيّة.
ما هو مفهوم الاندماج المصرفي؟

قبل التطرق إلى تعريف الاندماج المصرفي (الاندماج البنكي) لابد أنّك تتساءل ما هو تعريف الاندماج لغة واصطلاحا؟:
الاندماج لغة يقصد به الجمع بين شيئين ليكونوا شيئًا واحدًا، ويقال اندمجت قوتان: أي دخلت إحداهما في الأخرى. أمّا الاندماج اصطلاحًا: يختلف تعريفه الاصطلاحي بناء على المجال الذي يرد فيه (اقتصادي، اجتماعي، كيميائي…) إلا أنه بشكل عام يشير إلى عملية ضم عناصر مختلفة لتكوين كيان جديد موحد.
ويستخدم مصطلح الاندماج المصرفي للتعبير عن عملية اتحاد كيانين أو أكثر في كيان مصرفي واحد، بحيث يكون له مسمى واحد، وكيان قانوني واحد، وهناك العديد من التعريفات للاندماج المصرفي منها:
اتحاد بين كيانين قائمين أو أكثر بشكل جزئي أو كلي لوجود توافق في إرادتهما أو مصالحهما أو تحقيقًا لمصلحة أحدهما بحيث يصبحان كيانًا واحدًا، تتم هذه العملية بطرق مختلفة إما بطريقة المزج أو الضم، ويكون الناتج عن ذلك شخصية اعتبارية واحدة بهدف تحسين قدرة المصارف المندمجة عامة.
ما هو اندماج البنوك؟
اتفاق بين مصرفين أو أكثر على ضم كافة مواردهما واتحادهما في وحدة واحدة، بحيث ينتج عن ذلك كيانًا واحدًا له شخصية اعتبارية مستقلة عن المصارف التي اندمجت وفقدت شخصيتها الاعتبارية المستقلة.
مصطلحات ذات علاقة:
هناك مجموعة من المصطلحات قريبة من مفهوم الاندماج المصرفي، لابد من توضيحها لإظهار صلتها فيه:
- الدمج:
هو عمل لا إرادي تحكمه أوضاع سياسية وتنظيمية معينة بما يحقق متطلبات أجهزة الدولة الرقابية والتنظيمية، فعندما ترى تلك الأجهزة ضرورة وجود كيانات اقتصادية ضخمة يمكنها الاستمرار في المنافسة وتحسين ومستوى رأس المال، تلجأ إلى أسلوب الدمج بين الشركات أو البنوك حتى توفر لها مقومات الاستمرار وخوض تجربة المنافسة الشرسة.
إذن الدمج يتم من خلال تدخل حكومي حيث ترى الحكومة أن مصلحة الشركات أو المصارف والاقتصاد القومي تتحقق بوجود كيانات كبيرة، وبهذا يكون قرار الدمج خارجًا عن إرادة المنشآت المندمجة.
- التملك أو الاستحواذ:
شراء البنك المستهدف في عملية التملك والإمساك به تدريجيا، حسب الإمكانات المالية المرصودة لهذه العملية ولمدى رغبة أصحاب أسهم المصرف المستهدف في بيع أسهمهم، تتم العملية وفق الأحكام القانونية أو التنظيمية التي تسمح بهذه العملية.
ويظهر مما سبق أن الاستحواذ يتم عبر شراء الأسهم، وقد يكون برغبة من أصحاب المصرف المستهدف، وقد لا يكون برغبة منهم.
ما هو الفرق بين الاندماج والاستحواذ؟
من الناحية العملية، فإن نتيجة الاستحواذ والاندماج على أرض الواقع واحدة، وهي تحول كيانين إلى كيان واحد، إلا أن هناك فرقًا جوهريًا بينهما، حيث إن الإندماج عملية يتم فيها دمج شركتين أو أكثر لتشكيل كيان جديد واحد. وتفقد جميع الشركات الأصلية المشاركة في العملية وجودها المستقل، وتتحول إلى كيان قانوني جديد، تحت مسمى جديد.
أما الاستحواذ عملية يقودها كيان أكبر (أو أكثر قوة) لشراء كيان أصغر أو أقل قوة. ويحافظ على الشركة المشترية ككيان مستقل، بينما تفقد الشركة المستحوذ عليها استقلاليتها.
اقرأ أيضاً: تعرّف على 4 شروط لسوق المنافسة الكاملة
ما هي أهداف الاندماج المصرفي؟

تهدف المصارف من عمليات الاندماج المصرفي إلى تحقيق عدة أهداف:
- إيجاد كيان مصرفي جديد لديه قدرة تنافسية أعلى، وقادر على توفير المزيد من الموارد المالية اللازمة، مما يوفر له فرص استثمارية أكبر عائدًا أقل مخاطرة. كما يستفيد من تنويع وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، وفتح أسواق جديدة، مما يساعد على تحقيق الاستفادة من وفورات الحجم وتوسيع البنك الجيد.
- رفع كفاءة الإدارة في المصرف المتولد عن هذه العملية، نتيجة لتغيير الفريق الإداري بفريق إداري جديد أكثر خبرة مما يكسبه شخصية أكثر نضوجا.
- المزيد من الثقة والأمان لدى العملاء والمتعاملين مع المصرف، يتحقق ذلك بتقديم الخدمات المصرفية بكلفة أقل وجودة أعلى، كما يعزز القدرة التسويقية للخدمات المصرفية بشكل أفضل.
- الوفاء بمتطلبات الكفاءة المصرفية وفق معايير لجنة بازل الخاصة بكفاية رأس المال، حيث إن المصارف التي تكون غير قادرة على تحقيق النسب المحددة لكفاية رأس المال لن تحصل على ثقة الجمهور والمصارف والمؤسسات الدولية.
- يعد أحدى وسائل مواجهة تحديات اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية، وما يستلزم وجوب فتح أسواق الخدمات المالية في البنوك وشركات التأمين وسوق الأوراق المالية، ويشار إلى أن الدول الموقعة على الاتفاقية تمتلك 95% من أسواق الخدمات المالية العالمية، مما أعطاها طابع المنافسة العالمية.
- تحقيق أرباح إضافية، لأنه من المتوقع أن أرباح المصرف الناتج تفوق مجموع أرباح المصارف قبل الدمج.
- تقديم المصارف خدمات غير مصرفية كانت حكراً على مؤسسات مالية غير مصرفية، مثل أعمال الوساطة في الأسواق المالية، وتقديم خدمات التأمين وبطاقات الائتمان ونقاط البيع وغيرها الكثير، مما وسع قاعدة خدماتها وعملائها، لقدرتها التنافسية الناتجة عن الدمج حيث يتيح ذلك تقديم الخدمات بأسعار عمولات وكفاءة أعلى من المؤسسات المنافسة.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي؟
ما هي تحديات الاندماج المصرفي؟

تواجه عملية الاندماج المصرفي مجموعة من التحديات والعقبات التي تتطلب الاستعداد جيدًا لضمان نجاح عملية الاندماج:
- التحديات التنظيمية والتشريعية: تظهر في صعوبة توحيد أنظمة البنوك المندمجة مع القوانين المحلية والدولية. بالإضافة إلى التحديات تداخل المعايير في الدمج ما بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية.
- التحديات الاقتصادية: يؤثر انخفاض معدلات الإقراض وارتفاع معدلات التضخم بشكل سلبي على استقرار البنوك بعد الاندماج، كما قد ترتفع التكاليف التشغيلية إلى مستويات عالية نتيجة الاندماج مما يقلل الربحية.
- التحديات الثقافية والإدارية: تتمثل في صعوبة دمج ثقافات البنوك المندمجة المختلفة. كما أن تكرار المناصب في الهيكل التنظيمي يزيد التعقيدات الإدارية
- التحديات السوقية: حيث يؤدي الاندماج في بعض الحالات إلى سيطرة البنوك الكبيرة وتقليل المنافسة.
- صعوبات اجتماعية: فقدان الثقة بين العملاء بسبب التغيرات على الهوية المؤسسية، مما يؤدي إلى هروب العملاء.
أنواع الاندماج المصرفي

تهدف عملية الاندماج المصرفي في صورتها النهائية إلى إيجاد كيان واحد، سواء كان كيان مستقلًا عن الكيانات المندمجة أم أنه كيان سابق الوجود اندمجت فيه الكيانات الأخرى، تتم هذه الاندماجات وفقًا لمعيارين الأول طبيعة نشاط الوحدات المندمجة، والثاني طبيعة العلاقة بين أطراف عملية الاندماج.
طبيعة نشاط الوحدات المندمجة:
- الاندماج المصرفي الأفقي
يتم هذا النوع من الاندماج ما بين المصارف العاملة في نفس النشاط أو أنشطة متكاملة أو مترابطة فيما بينها، بهدف الاستفادة من اقتصاديات الحجم، مثل عمليات الاندماج بين مصارف إسلامية مع بعضها البعض، أو بنوك متخصصة زراعية أو صناعية.
- الاندماج المصرفي الرأسي (العامودي)
يتم هذا الاندماج عامة بين الشركات في المراحل المختلفة من الإنتاج، يهدف هذا النوع إلى الاستفادة من اقتصاديات التقنية الحديثة واستئصال تكلفة التبادل السوقي والتعاقدات سلاسل التوريد، في القطاع المصرفي الاندماج الرأسي يكون بين المصارف الكبيرة في المدن الرئيسية مع مصارف صغيرة منتشرة في مختلف مناطق البلاد، فتصبح الأخيرة امتدادًا للمصارف الكبيرة ضمنًا.
- الاندماج المصرفي المختلط (المتنوع)
يتم هذا النوع من الاندماج بين مصارف تعمل في مجالات مختلفة، مثل اندماج مصرف تجاري مع مصرف صناعي يكون هدف الاندماج التكامل فيما بينهم.
اقرأ أيضاً: 6 فروق يجب معرفتها ما بين البنوك الإسلامية والتقليدية
طبيعة العلاقة بين أطراف عملية الاندماج
- الاندماج المصرفي الطوعي (الودي)
يكون هذا الاندماج بموافقة من إدارة كلا المصرفين المندمجين، ثم تعرض مسألة الدمج على الجمعية العمومية للمصارف العازمة على الاندماج حتى تتم موافقتهم، ويكون إتمام عملية الدمج بشراء أسهم المصرف المندمج، إما نقدًا أو على شكل أسهم لديه.
- الاندماج المصرفي الجبري (القسري)
يتم هذا الاندماج وفقاً لأوامر من الحكومات أو السلطات المصرفية، تسعى هذه العملية لتنقية القطاع المصرفي من المصارف المتعثرة أو الموشكة على الإفلاس، وقد تلجأ إلى الدمج الجبري الدول النامية بهدف إعادة هيكلة اقتصادها أو قطاع الأعمال فيها، من خلال إصدار قوانين تشجع على الاندماج مثل الإعفاءات الضريبية.
- الاندماج المصرفي العدائي
يتم هذا النوع مع وجود معارضة من إدارة المصرف المندمج، وتكون بين مصرف ناجح ومصرف متعثر بحيث يعرض المصرف الناجح على إدارة المصرف المتعثر الاندماج ويرفضون ذلك، فيلجؤون بعرض ذلك على المساهمين مباشرة أو شراء الأسهم من سوق الأوراق المالية.
اقرأ أيضاً: ما يجب أن تعرفه عن الاحتكار في الاقتصاد
ما هي آثار الاندماج المصرفي على الاقتصاد؟

يترتب على الاندماج المصرفي العديد من النتائج والآثار التي لا تقتصر على المصارف المندمجة وعملائهم فحسب، بل تشمل الجهاز المصرفي والاقتصادي ككل، فيما يلي سوف نعرض الآثار الإيجابية والسلبية التي تترتب على عملية الاندماج المصرفي.
الآثار الإيجابية للاندماج المصرفي على الاقتصاد:
تحقق المصارف العديد من الأهداف من عمليات الاندماج على مستوى المصرف الواحد، يضاف لهذه الأهداف وجود آثار أخرى للاندماج المصرفي تنعكس على الاقتصاد ككل:
- يعتبر الاندماج المصرفي أحد أسباب النمو في القطاع المصرفي في العالم، وذلك نتيجة لزيادة حجم رأس المال المتاح للبنك الجديد، على سبيل المثال أكبر 15 مصرفًا في أمريكا ناتجة عن عمليات اندماج.
- يعد الاندماج المصرفي وسيلة لتنظيم القطاع المصرفي والتقليل من المؤسسات المصرفية الضعيفة، حيث تقوم السلطات النقدية باللجوء إلى الاندماج المصرفي بهدف تنقية القطاع المصرفي من المؤسسات الضعيفة وتفادي المصاعب المالية أو التصفية التي قد تعترض بعض المصارف.
- تحسين الربحية حيث تؤدي عملية الاندماج إلى إتاحة الاستفادة من وفورات الحجم الكبير للكيان المصرفي الجديد.
- يحسن الاندماج من الكفاءة التشغيلية من خلال دمج العمليات وخفض التكاليف المكررة.
- توسيع قاعدة العملاء حيث يتيح الاندماج دمج قواعد العملاء في البنوك المشاركة، مما يساهم في نمو الحصة السوقية.
الآثار السلبية للاندماج المصرفي على الاقتصاد
هناك بعض السلبيات التي قد تنتج عن الاندماج المصرفي، خصوصًا إذا لم تتم عملية الاندماج بصورة صحيحة منها:
- احتكار عدد محدود من المصارف السوق المصرفية، مما يؤدي إلى غياب دوافع التجديد والتطوير للخدمات المصرفية، وتحديد أسعار الخدمات المصرفية بصورة مبالغ فيها، كما يقلل من الاختيارات أمام العملاء.
- قد ينتج عن الاندماج المصرفي أوضاع غير متوازنة تتسبب في اختلالات في السوق المصرفي، واختفاء الدافع للتطوير، مما يؤثر سلبًا على العملاء والنشاط الاستثماري ككل.
- زيادة الأثر السلبي لتعثر البنوك العملاقة المشاركة في عملية الاندماج على الاقتصاد ككل، فتعثر أو إفلاس بنك كبير سوف يؤدي كوارث مالية.
- قد يكون الاندماج ناتجًا عن اندماج مصرفين ضعيفين؛ مما يؤدي إلى نشوء مصرف بحجم أكبر ولكنه ضعيف، خاصة في حال تعيين الإدارة وفق أسس غير موضوعية.
- يؤدي الاندماج إلى تسريح العمال، مما يعني أن الاندماج له تكلفة اجتماعية مرتفعة، حيث يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة.
يعد الاندماج المصرفي هو السبيل للمصارف الصغيرة ومتوسطة الحجم للحفاظ على وجودها في السوق المصرفية وتعزيز قدرتها على المنافسة، إلا أن هذه العملية لابد أن تتم بصورة صحيحة ومنظمة حتى تؤتي ثمارها المرجوة.
الأسئلة الأكثر شيوعًا حول الاندماج المصرفي:
ما هو الاندماج في القطاع المصرفي؟
هو عملية يتم من خلاها اتحاد بنكين أو أكثر في كيان مصرفي واحد، بحيث يصبح للبنوك المندمجة اسم واحد، وكيان قانوني واحد.
ما الفرق بين الاستثمار والاستحواذ؟
الاستثمار: هو تخصيص الموارد المالية بهدف تحقيق عائد مالي على المدى الطويل، وله أشكال متعددة مثل الاستثمار في الأسهم، والسندات، والعقارات، والذهب وغيرها. والهدف الأساسي منه زيادة الثروة.
الاستحواذ: تقوم الشركة بشراء نسبة كبيرة من أسهم شركة أخرى، بهدف السيطرة عليها والتحكم بإدارتها بشكل تام.
ما هو الاندماج الرأسي؟
الاندماج الرأسي (Vertical Merger) هو نوع من عمليات الاندماج التي تحدث بين شركتين تعملان في المجال نفسه لكن في مراحل مختلفة من الإنتاج أو سلسلة التوريد. بالتالي تكون الشركتان تعملان في مجالات مرتبطة وليس متنافسة.
ما هي البنوك التي اندمجت في السعودية؟
1- اندماج البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية (2021–2022).
2- اندماج البنك السعودي البريطاني (ساب) والبنك الأول (2019–2021).
3- اندماج بنك القاهرة السعودي والبنك السعودي التجاري المتحد (1997).
ما هي آثار الاندماج البنكي؟
1- احتكار عدد محدود من المصارف السوق المصرفية.
2- ينتج عن الاندماج المصرفي أوضاع غير متوازنة تتسبب في اختلالات في السوق المصرفي، واختفاء الدافع للتطوير، مما يؤثر سلبًا على العملاء والنشاط الاستثماري ككل.
3- يؤدي الاندماج إلى تسريح العمال، مما يعني أن الاندماج له تكلفة اجتماعية مرتفعة.
أحسنتم بارك الله في جهودكم
شكرًا جزيلًا صديقتنا نبأ على كلماتك اللطيفة، يسعدنا جدًا أن المحتوى نال إعجابك، ونتمنى أن نكون دائمًا عند حسن ظنكِ. دعمكِ يُلهمنا للاستمرار وتقديم الأفضل، وإذا كان لديكِ أي اقتراح أو موضوع ترغبين في أن نتناوله، فمشاركتكِ تسعدنا دائمًا. 🌿🙏