جدول المحتويات
قد تعتقد أن المال له نفس القيمة من الناحية النظرية، إلا أن عقولنا تتعامل مع المال بطريقة مختلفة، فعقولنا تميل إلى تحديد قيمة ذاتية لأموالنا تنتهك المبادئ الاقتصادية الأساسية، وهذا ما يشار إليه بمصطلح المحاسبة العقلية، تخيل أن الطريقة التي ننفق فيها المال تخضع لقواعد مختلفة بناءًا على الطريقة التي اكتسبنا بها المال، أو الطريقة التي نود إنفاق المال بها، وكذلك الشعور الذي نعيشه عند إنفاق المال.
تؤثر المحاسبة العقلية على قراراتنا المالية والاستهلاكية، بالتالي ففهم هذه الظاهرة يساعدنا في اتخاذ قرارات أكثر نفعًا ووعيًا. من ناحية أخرى فهم ظاهرة المحاسبة العقلية يساعد الشركات والمسوقين في فهم تأثيرها على المستهلكين واستغلال ذلك في الاستراتيجيات التسويقية. في هذا المقال نستعرض ظاهرة المحاسبة العقلية وكيفية تأثيرها على سلوكنا اليومي، وكيف يمكننا استغلال ذلك في تحسين قراراتنا المالية.
اقرأ أيضًا: مقدمة في الاقتصاد السلوكي.
ما هي المحاسبة العقلية؟
المحاسبة العقلية هي ظاهرة نفسية يقوم فيها الأفراد بتقسيم أموالهم ذهنيًا إلى حسابات منفصلة بناءً على معايير مثل مصدر الحصول على المال أو الغرض منه، مما يؤثر على قراراتهم المالية وقد يؤدي إلى سلوكيات غير عقلانية.
بالتالي فعقولنا لا تتعامل مع المال على أنه وحدات متشابهة من حيث القيمة، بل تلجأ إلى إنشاء تصنيفات ذاتية – تختلف من شخص لآخر- وتؤثر هذه التصنيفات على الطريقة التي نتعامل بها مع المال، حيث أننا نميل إلى تطبيق قواعد إنفاق مختلفة على أموالنا تبعاً للتصنيفات العقلية التي ننسبها إليها.
تتناقض المحاسبة العقلية مع مبدأ الاستبدال في الاقتصاد، والذي يعني أن المال قابل للتبادل وأن وحداته متماثلة من حيث القيمة، أي أن كل دولار يساوي دولار بعض النظر عن مصدر هذا الدولار أو الطريقة التي ننفقه بها.
اقرأ أيضًا: تأثير ديدرو | لماذا نشتري ما لا نحتاج؟
تاريخ ونشأة المحاسبة العقلية
يندرج مفهوم المحاسبة العقلية ضمن مجال الاقتصاد السلوكي، الذي يجمع بين علم النفس وعلم الاقتصاد لفهم آلية اتخاذ القرارات الاقتصادية من ناحية واقعية، بعيدًا عن الافتراضات الاقتصادية التقليدية التي تنطلق من أن الأفراد عقلانيين تمامًا في اتخاذهم القرارات الاقتصادية، وأن المستهلك رشيد يوازن بين المكاسب والمخاسر.
تم تطوير مفهوم المحاسبة العقلية من قبل الخبير الاقتصادي الأمريكي ريتشارد ثالر، ثمانينيات القرن الماضي بدأ ثالر في دراسة السلوكيات المالية للأفراد ولاحظ أن القرارات المالية لا تتوافق دائمًا مع الافتراضات الاقتصادية التقليدية، وقدم مجموعة من الأبحاث حول الموضوع بما في ذلك “المحاسبة العقلية واختيار المستهلك” (1985)، و”الادخار والقابلية للاستبدال والحسابات العقلية” (1990)، و”مسائل المحاسبة العقلية” (1999).
في الورقة الأخيرة . وضع ثالر تعريفًا للمحاسبة العقلية، والذي وصفه بأنه “مجموعة العمليات المعرفية التي يستخدمها الأفراد والأسر لتنظيم الأنشطة المالية وتقييمها وتتبعها”. حيث أوضح أننا نمتلك أنظمة محاسبية عقلية خاصة بنا تنظم قراراتنا المالية تمامًا كما تمتلك الشركات أنظمة محاسبية. لذلك، لابد من فهم كيفية عمل الأنظمة المحاسبية العقلية لدينا، كي نتمكن من كيفية عمل النظام الذي يقودنا إلى اتخاذ قرارات مالية غير عقلانية. واستعان بمفاهيم علماء النفس مثل دانيال كانيمان وأموس تفيرسكي واللذان قضى ثالر عامًا في التعاون معهم في جامعة ستانفورد.
في أبحاثه أشار إلى أن الأفراد:
- يقومون بتقسيم الأموال ذهنيًا إلى حسابات إلى حسابات منفصلة بناءً على عوامل تتعلق بمصدر الحصول على المال أوالطريقة التي سيتم إنفاق المال بها.
أنهم يتأثرون بالانحيازيات النفسية، وهذا يعني اتخاذ قرارات مالية غير عقلانية.
لكن لا يعد ريتشارد ثالر أول من إشار إلى المحاسبة العقلية فقد كانت هناك إشارات إلى سلوكيات مشابهة في علمي الاقتصاد والنفس، إلا أنه لم يتم تجميعها ضمن إطار نظري موحد، وهنا تظهر مساهمة ثالر الذي تحدى الافتراضات التقليدية في أن الأفراد عقلانيون، وطور الاقتصاد السلوكي كحقل دراسي معترف فيه يجمع بين التحليلات الاقتصادية والنفسية. وقد كان له فضل كبير في في فهم السلوك الاقتصادي البشري، وتم تكريمه في 2017 بجائزة نوبل في الاقتصاد.
وتوالى بعد ثالر اهتمام الباحثين بهذا المجال مما أدى إلى تطوير نماذج أكثر تعقيدًا لفهم السلوك المالي، وظهور تطبيقات عملية في مجالات مثل تصميم السياسات العامة التي تشجع على الادخار والاستثمار، وتصميم استراتيجيات تسوقية.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
كيف تعمل المحاسبة العقلية؟
يمكن تخيل المحاسبة العقلية على أنها نظام لحفظ وإدارة الملفات يستخدمه الدماغ البشري في تتبع الأشياء، حيث يتم تصنيف المعلومات على أساس قواسم مشتركة. تتيح المحاسبة العقلية التنقل بين المعلومات المحفوظة واسترجاعها بسهولة وسرعة. بدون المحاسبة العقلية قد تحتاج إلى التفكير في كل ثروتك لاتخاذ قرار شراء ملابس جديدة! مما يستهلك الكثير من الوقت والجهد. لذلك اخترعت ادمغتنا التي تميل إلى التبسيط والتنميط المحاسبة العقلية كاختصار للوقت والجهد.
يتبع العقل عدة تصنيفات ذهنية لتنظيم الأمور المالية:
- تصنيف الأموال بناءً على المصدر:
نحن نميل غالبًا إلى تصنيف الأموال بحسب مصدرها، وهذا يؤثر على طريقة الإنفاق بشكل واضح:
- الدخل الأساسي: وهو مصدر الدخل الرئيسي مثل الراتب، وهذا يخصص عادة للنفقات المعيشية الأساسية مثل تكاليف السكن، والفواتير الشهرية، والمواد الغذائية، وعادة ما نكون أكثر حرصًا وحذرًا في إنفاقها.
- الدخل غير المتوقع: وهي أموال تم الحصول عليها من الهدايا والمكافآت، وهذه يتم التعامل معها على أنها أموال إضافية وعادة ما يكون هناك استعداد أكبر من قبل الأفراد لإنفاقها على الترفيه أو الكماليات.
على سبيل المثال، إذا حصلت على مكافأة من العمل، فقد تقرر إنفاقها على الترفيه مثل شراء ملابس جديدة أو تغيير هاتفك، على الرغم من وجود أولويات أهم يمكن تخصيص المكافأة لها.
- تصنيف الأموال بناءً الهدف منها، بحيث يكون لكل بند ميزانية مخصصة:-
- الضروريات: تتضمن النفقات الأساسية ومصاريف المعيشة اليومية.
- الكماليات: تتضمن مخصصات الترفيه والمشتريات غير الضرورية.
- الادخار والاستثمار: يتضمن الأموال المخصصة للمستقبل أو الحالات الطارئة.
يساعد هذا التصنيف في الحفاظ على حالة من التوازن في النفقات، إلا أنه قد يؤدي إلى قرارات غير عقلانية. على سبيل المثال لو تجاوزت الميزانية المخصصة للترفيه، قد تبرر ذلك لنفسك على اعتبار أن الفئات الأخرى لم تتأثر على الرغم أن جميع النفقات من نفس الدخل.
- التعامل مع طرق الدفع: تؤثر طريقة الدفع على مقدار الإنفاق لدينا:
- الدفع نقدًا: يرافق الدفع نقدًا شعور بالألم المسمى (ألم الدفع) والذي يعد مثبط لعمليات الشراء غير الضرورية.
- الدفع ببطاقات الائتمان: تزيد احتمالية الإنفاق عند استخدام البطاقات بالدفع ذلك لأننا لا نرى الأموال الملموسة تخرج من محفظة، مما يقلل من ألم الدفع.
على سبيل المثال عند التسوق والدفع ببطاقات الائتمان قد تنفق أكثر مما ستنفقه لو كنت تعتمد على الدفع نقدًا، لأن الدفع بالبطاقة يخفي الشعور بالتكلفة المدفوعة.
- الإطار الزمني للقرارات المالية:
نميل للتعامل مع الأموال بطريقة مختلفة بناء على الوقت الذي سنحصل على المال فيه، أو الوقت الذي سندفعه فيه:-
- الوقت الحاضر مقابل المستقبل: قد نفضل الحصول على مكافأة فورية على الانتظار للحصول عليها في المستقبل، حتى لو كانت المكافأة الفورية أصغر.
- تأجيل ألم الدفع: قد نؤجل دفع النفقات للمستقبل بدلًا من دفعها في الوقت الحالي، مما يعمل على تراكم الديون.على سبيل المثال قد تلجأ لخيار الدفع بالتقسيط على الرغم من أن تكلفة الدفع بالتقسيط أكبر من الدفع نقدًا.
يساعدنا هذا التصنيف في تنظيم أمورنا المالية، واتخاذ القرارات بشكل أسرع، إلا أنه قد يؤدي إلى قرارات غير عقلانية. فعلى الرغم من أن قيمة الدولار تساوي دولار بغض النظر عن مصدره، إلا أن تصنيفنا الذهني له تجعل كل دولار يختلف في قيمته وطريقة استخدامه بناء على تصنيفه العقلي. ينعكس هذا التصنيف في سلوكنا الإنفاقي وقراراتنا المالية، مثل الإنفاق الزائد، أوشراء الكماليات وطريقة تخصيص الموارد.
اقرأ أيضًا: ألم الدفع: كيف تؤثر طريقة الدفع على عادات الإنفاق.
هل المحاسبة العقلية مشكلة؟
يرى العلماء أن المحاسبة العقلية تنطوي على عدة فوائد فهي ترتب علمية إدارة المال، فكما يمكنك العثور على الأشياء بسهولة في غرفة مرتبة مقارنة بغرفة فوضوية، فإن المحاسبة العقلية تمكنك من تذكر المعلومات بسهولة واتخاذ القرارات بسرعة. فهي من تمكن المتداولين من اتخاذ قرارت سريعة فيما يخص عمليات الشراء والبيع.
على الصعيد الشخصي تحدد المحاسبة العقلية طريقة التعامل اليومي مع المال، والالتزام بالأهداف المالية. فمن خلال تصنيف الأموال إلى ميزانيات منفصلة (ميزانية الضروريات، وميزانية الادخار، وميزانية الكماليات) يمكن يمكنك اتخاذ القرارات اليومية ومقاومة عمليات الشراء العفوية والاستجابة للخصومات، فإذا كان المال الذي معك مخصص لشراء حاجيات المنزل اليومية للغداء فلن تشتري بها قميص وإن كان الخصم مغري!
من ناحية أخرى تساعدنا المحاسبة العقلية في الموازنة بين الحاجات والرغبات، فإذا كان لديك صورة واضحة لما تستطيع تحمله من نفقات في الشهر الواحد، يمكنك اتخاذ قرار حول القيام برحلة مع الأصدقاء حتى وإن لم تكن تكلفتها مرتفعة. هذه المنظومة تمنعنا من إهدار الأموال أو اتخاذ قرارات عاطفية أو غير عقلانية، بالتالي يمكننا التحكم في رغباتنا والسيطرة على نفقاتنا بشكل عام.
من ناحية أخرى فإنها تنطوي على بعض السلبيات التي قد تعيقك في حياتك من خلال اتخاذ قرارات أقل دقة أو غير عقلانية. فالتعامل الصارم مع الميزانيات المختلفة قد يفقدك المرونة بحيث لا تستطيع تعديل الفوارق بين النفقات المتوقعة والنفقات الفعلية. على سبيل المقال قد تقترض لعطية نفقات التنقل بسبب انتهاء المخصصات المالية له، في حين يمكنك الأخذ من ميزانية أخرى بدلًا من الاقتراض!
أضف إلى ما سبق عدم الدقة في التعامل مع النفقات الصغيرة التي لا تندرج ضمن تصنيف رئيسي، فينتج عنه بند من النفقات غير المخطط له. فإذا كنت من محبي القهوة في طريق العمل، فلن تترد في الشراء المتكرر لها يوميًا، دون وعي بالتكلفة المرتبطة بها على المدى الطويل. قارن ذلك بشراء بناطل جينز قد تتردد في ذلك على الرغم من أن تكلفته قد تعادل تكلفة القهوة لمدة شهر!
كما يمكن لعقولنا أن تتحايل علينا في بعض البنود كي تتماشى مع هوا النفس لدينا، على سبيل المثال قد يكون لديك مقابلة عمل ويمكنك ارتداء ملابس رسمية موجودة لديك مسبقًا، يتدخل العقل هنا لتبرير أهمية شراء ملابس رسمية خاصة لهذه المقابلة وأن هذه النفقات تندرج ضمن نفقات العمل وليس الانفاق على الملابس، لكن الحقيقة تخفي رغبة شخصية في الشراء كانت تبحث عن مبرر فقط.
مما سبق يتضح كيف أن المحاسبة العقلية قابلة للتغير وعرضة للتلاعب غير المقصود، وأنها تستند لعوامل عاطفية غير عقلانية. ويزيد هذا التأثير عند الحصول على مكاسب مالية غير متوقعة.
وهذا يجيب على السؤال الشهير وهو لماذا يعود الفائزون باليانصيب فقراء بعد مدة من فوزهم؟ وهذا يرجع إلى أن المكاسب غير المتوقعة لا تأخذ بالاعتبار خطط الميزانية لدينا، كما أن عدم توقعها يدفعنا إلى إنفاقها بشكل متهور بدلًا من الاحتفاظ بها، أو استخدامها بصورة أكثر نفعًا.
وفي حالات كثيرة تستغل الشركات المحاسبة العقلية لخداعنا ودفعنا لمزيد من الاستهلاك، فعملية تأجيل الدفع التي توفرها بطاقات الائتمان، حيث يمكننا الحصول على المنتجات ويكون الدفع بعد مدة، تنطوي هذه العملية على تلاعب صريح بالمحاسبة العقلية لديك، فالمدفوعات بالبطاقة أقل قابلية للاكتشاف من قبلنا، كما يميل معظمنا إلى نسيان الفاتورة إلى حين وصولها، فالاستهلاك المتأخر يجعل المحاسبة العقلية غير دقيقة لأننا لا نشعر بألم الدفع الفوري. وهذا لا يعني أننا لا يمكننا الاستفادة من هذه الخدمة بشكل أكثر وعي بالتكاليف.
اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الشخصية – 8 أخطاء يجب تجنبها في الثلاثينيات.
كيف نتعامل مع التأثيرات السلبية للمحاسبة العقلية؟
قد تشوه المحاسبة العقلية تصوراتنا عن المال، وتدفعنا لاتخاذ قرارات غير عقلانية تؤثر سلبًا على استقرارنا المالي، لكن لحسن الحظ يمكن بذل بعض الجهد لكسر العادات السلبية الناتجة عنها. والقاعدة الأهم في التعامل مع المحاسبة العقلية أن تتعامل بشكل نقدي مع أموالك، دائما فكر في النقود على أنها نقود بعض النظر عن مصدرها أو فيما تريد صرفها، واسأل نفسك باستمرار هل هناك أي فرصة لتحسين أسلوب الإنفاق؟ وهل هذه أكبر منفعة ممكن تحصيلها من هذه النقود؟
يمكنك اتباع الخطوات التالية لتحسين طريقة للتغلب على التأثيرات السلبية الناتجة عن المحاسبة العقلية:
- إنشاء الميزانية:
بدلًا من الاحتفاظ بسجلات ذهنية لكيفية إنفاق أموالك، يمكنك تحويل ذلك إلى ميزانية تفصيلية لجميع بنود النفقات لديك، وتحديد المبالغ المخصصة لكل فئة من الفئات المختلفة. تمنحك الميزانية إطارًا واضحًا للمكان الذي يجب أن تنفق أموالك فيه كل شهر، كما يمنحك المرونة في التعامل مع أي نفقات مفاجئة تصادفها. يمكنك استخدام أدوات الميزانية عبر الانترنت ويمكنك اعتماد الطريقة اليدوية على الورق.
إذا كنت ترى أن إعداد الميزانية أمر شاق عليك الآن، ابدأ بتتبع النفقات بشكل بسيط لمدة شهر. قم بتدوين جميع النفقات التي تقوم بها أولًا بأول، وكذلك أي دخل تتلقاه قم بتدوينه. يعطيك تتبع الدخل والنفقات تصور واضح لوضعك المالي، ويعتبر أساس متين لبناء الميزانية الخاصة بك.
- توقع ما هو غير متوقع:
غالبًا ما يتم التعامل مع الدخل غير المتوقع على أنه دخل مجاني ويتم إنفاقه على الترفيه والكماليات لأننا نشعر أنها دخول إضافية غير مندرجة في الميزانية، إلا أن بعض الدخول غير المنتظمة يمكن توقعها بشكل تقريبي، مثل الاسترداد الضريبي، والمكافآت السنوية، والحوافز، وبعض الهدايا المالية في المناسبات. ويمكنك التخطيط لطريقة استغلالها بشكل عام، فيمكن تقسيمه إلى ثلاث أجزاء جزء لسداد الديون، وثلث للادخار، ثلث للاستمتاع بشيء من الكماليات أو الترفيه.
- حدد أهدافك المالية:
من المشاكل التي قد توجهها في التعامل مع المحاسبة العقلية أن توجد ارتباكًا في تحديد ما تريده بشكل دقيق. فقد تضع هدف لجمع دفعة أولى لشراء منزل خلال السنوات الخمس المقبلة، مع ذلك لا تتردد في شراء هاتف جديد بشكل مفاجئ! لكن تحديد الأولوية المالية الأهم يساعدك في قول “لا” لكثير من عمليات الشراء العفوي، ويعطيك القوة للتغلب علة عوامل التشتت المختلفة، مما يمنحك الفرصة لتحقيق أهدافك طويلة الأجل.
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر سلوك الأفراد في أسعار السلع.
أمثلة تطبيقية على المحاسبة العقلية
المثال الأول:الإنفاق باستخدام بطاقات الائتمان.
تبين الدراسات أن الناس على استعداد لإنفاق المزيد من المال عند استخدام بطاقات الائتمان، حتى لو كان بمبالغ كبيرة. أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر هذا التصرف هو فصل عملية الدفع، أي فصل عملية الشراء والحصول على المنتج عن دفع ثمنه. تعمل بطاقات الائتمان على تحقيق ذلك من خلال عدة طرق، فهي تؤخر الدفع الفعلي لوقت لاحق من عملية الشراء، وهو وقت موعد تسديد ديون بطاقة الائتمان. وهذا يعني أن المدفوعات التي تتم ببطاقة الائتمان تكلفتها أقل وضوحًا بالنسبة للمشتري. تظهر الدراسات لا يتذكرون العمليات التي تتم باستخدام بطاقة الائتمان مقارنة بالعمليات التي تتم نقدًا.
من ناحية أخرى هناك سبب يتعلق بدمج الخسائر، وهو ببساطة أننا نميل للانزعاج بشكل أقل إذا ما تمت الخسائر جميعها بوقت واحد، بدلًا من وقوعها متباعدة. وهذا ما تقوم به بطاقات الائتمان حيث تجمع العديد من النفقات في فاتورة واحدة. فعند الذهاب للسوق وشراء شيء من خلال بطاقة الائتمان يعد ذلك أقل إيلامًا لأن هذا المبلغ يمثل نسبة بسيطة مقارنة بإجمالي فاتورة بطاقة الائتمان.
المثال الثاني: وقت الشراء.
عندما نشتري شيء لا ننوي استخدامه في الفترة التي تلي شراءه مباشرة، فإن المحاسبة العقلية تخدعنا وتجعل هذه النفقات تبدو أقل مما هي عليه. ذلك لأننا نميل لاعتبار هذه المشتريات “استثمار” وبيست إنفاقًا عاديًا! من ناحية أخرى عند استخدام المنتج الذي اشتريناه مسبقًا، نشعر يأنه “مجاني” وذلك لأننا دفعنا ثمنه منذ فترة طويلة.
المثال الثالث: التكلفة الغارقة.
يقصد بالتكلفة الغارقة النفقات أو الاستثمارات التي تحملتها بالفصل ولا يمكن استردادها. تظهر مغالطة التكلفة الغارقة عندما يستمر الفرد في الاستثمار وتقديم المال أو الوقت أو الجهد لمشروع معين كي لا يخسر ما تم إنفاقه مسبقًا، وذلك بدلًا من مواجهة الواقع وتقييم الوضع الحالي ودراسة المكاسب والمخاسر في المستقبل.
تعزز المحاسبة العقلية مغالطة التكلفة الغارقة من خلال جعل الأموال المستثمرة في المشروع في حساب ذهني منفصل، ونقوم بتخصيص الموارد له لشعورنا بالالتزام تجاه الحساب (المشروع).
تخيل أنك بدأت مشروع بقيمة 10 الاف دولار، وبعد البدء بالمشروع بسنة تأكدت من أنه لا يحقق أرباح بل من المتوقع تحملك للمزيد من الخسائر الشهرية، قد تخدعك هنا المحاسبة العقلية لتستثمر المزيد من الوقت والمال على أمل أن يتحسن الوضع، دون وجود ما يدل على ذلك، متجاهلًا التكاليف المستقبلية والخسائر المتوقعة، لأن تركيزك محصور في الأموال التي أنفقتها.
التصرف السليم في هذه الحال الاعتراف في أن العشر الاف كانت تكلفة غارقة لا يمكن استردادها، مع دراسة الوضع الحالي واتخاذ قرار عقلاني حتى لو كان يعني إغلاق المشروع، وتذكر دائما أن الأموال والموارد التي تم إنفاقها يجب ألا تؤثر على القرارات المستقبلية.
المثال الرابع: استراتيجيات التسعير.
يعتبر استخدام الأسعار النفسية من أبرز التقنيات التي تستغل المحاسبة العقلية، حيث تعتمد على التأثير النفسي للأرقام على المستهلكين، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك استخدام الأرقام التي تنتهي بالرقم 9 مثل 7.99 بدلًا من 8 دولارات. حيث يميل المستهلكون إلى قراءة السعر من اليسار إلى اليمين، وبذلك هم يرون السعر وكـأنه 7 دولارات فقط! وهكذا يقتنعون أنه أرخص مما يزيد جاذبية المنتح.
كما تستخدم العروض الترويجية المحاسبة العقلية في التأثير على تصور قيمة المنتج، مثل عروض “اشتر واحد واحصل على الثاني مجانًا”. حيث يعتبر المستهلك الأموال التي تم توفيرها من الخصومات أموال إضافية يمكن إنفاقها على مشتريات أخرى، وهذا يزيد إجمالي الإنفاق بشكل عام. ولا ننسى الحديث عن الفترات المحدودة للعروض التي تحفزنا على الشراء قبل فوات الفرصة مما يقلل التفكير العقلاني في ما نحتاجه على وجه الحقيقة.
اقرأ أيضًا: كيف تحدد قيمة الأشياء.
في الختام، بغض النظر عن طريقة المحاسبة العقلية التي تؤثر على سلوكياتك، سواء كانت حذرة أم متهورة، ينبغي أن توظف هذه الاستراتيجية لصالحك. هذا سيساعدك على التفكير بشكل أكثر عقلانية وواقعية، واتخاذ القرارات المالية المستقبلية بحكمة. يمكنك البدء في ذلك من خلال فهم الحقائق المالية البسيطة، والتعرف أكثر على طبيعة العقل البشري. والأهم من ذلك هو الاستمرار في التعلم، لأنه الخطة المضمونة التي ستدفعك لتحسين حياتك.
والآن، بعد أن فهمت المحاسبة العقلية وتأثيرها على سلوكنا المالي، شاركنا بعض القصص التي أثرت فيها المحاسبة العقلية على قراراتك المالية.
الأسئلة الشائعة حول المحاسبة العقلية
كيف تؤثر المحاسبة العقلية على اتخاذ القرارات المالية؟
1. تقدير غير منطقي للأموال: فقد تعتبر أن الراتب الشهري مخصص للأساسيات، في حين أن الدخل غير المتوقع مثل المكافآت أموال مجانية يمكن إنفاقها على الكماليات مما يجعلك أكثر تهورًا في الإنفاق، دون أخذ وضعك المالي بعين الاعتبار.
2. تحمل المخاطر المالية: نظرتك للأموال غير المتوقعة على أنها أموال مجانية أو أنها خراج الميزانية، تحفزك لاتخاذ قرارات مالية غير مدروسة. على النقيض من ذلك تتعامل بحرص شديد مع راتبك الأساسي، حتى لو كانت فرص الربح أكبر.
3. الوقوع تحت تأثير التكلفة الغارقة: فقد تستمر في الاستثمار في مشروع وتبذل فيه الوقت والمال على أمل تحسن الأوضاع الحالية، على الرغم من أن جميع المؤشرات تؤكد أنه خاسر. كل ذلك كي لا تعترف بالخسارة وتعترف أن ما أنفقته في هذا المشروع لن يسترد.
4. تؤثر المحاسبة العقلية على الادخار والاستثمار. عندما يخصص الأفراد أموالًا معينة للادخار، قد يترددون في استخدامها حتى في الحالات الطارئة، ويفضلون الاقتراض أو تحمل الديون، مما يزيد من الأعباء المالية. بالمقابل، قد يترددون في استثمار أموال مخصصة للنفقات اليومية، حتى لو كانت هناك فرص استثمارية مربحة.
ما هي نظرية المحاسبة العقلية؟
هو أحد مفاهيم الاقتصاد السلوكي وعلم النفس، التي طورها عالم الاقتصاد الأمريكي ريتشارد ثالر. تصف النظريةطريقة الأفراد في تقسيم الأموال ذهنيًا إلى حسابات منفصلة عن بعضها البعض، بناءًا على معايير مختلفة مثل معيار مصدر المال، ومعيار الغرض من المال أو طريقة الاستخدام. هذه التصنيفات تؤثر على طريقة الإنفاق، والادخار، والاستثمار، كما تؤدي إلى قرارات مالية غير مدروسة.
من خلال فهم هذه النظرية، يمكن التعرف على الانحيازات النفسية التي تؤثر على سلوكنا المالي والعمل على تحسينها لتحقيق أهدافنا الاقتصادية.
كيف تتغلب على المحاسبة العقلية؟
للتغلب على المحاسبة العقلية وتأثيرها السلبية على قراراتك المالية، يمكنك اتباع الخطوات التالية:
زيادة الوعي بالمحاسبة العقلية: اطلع على مفهومها بشكل أكبر وكيفية تأثيره على السلوك المالي، وراقب سلوكياتك وأنماط التصنيفات الذهنية للأموال في عقلك.
تعامل مع المال كوحدة واحدة: يتميز المال بأن لديه صفة الاستبدال، بمعنى أن الدولار قيمته دولار بغض النظر عن مصدره. بالتالي عامل جميع الأموال كجزء من ميزانية واحدة.
ضع ميزانية لأموالك: تمنحك الميزانية إطارًا واضحًا للمكان الذي يجب أن تنفق أموالك فيه كل شهر، كما يمنحك المرونة في التعامل مع أي نفقات مفاجئة تصادفها