غالبًا أننا لا نحتاج لمعرفة أسعار الصرف إلا نادرًا، فنحن لا نحتاج لها في تعاملاتنا اليومية وقد لا ننتبه لسعر صرف عملتنا المحلية إلا عند السفر أو الدفع عبر الإنترنت والتحويلات النقدية للخارج، لكن هل تسألت يومًا عن تأثير أسعار الصرف في حياتك الشخصية؟

اقرأ أيضًا: كيف تحدد أسعار صرف العملات ؟

لمحة عن أسعار الصرف

قبل الحديث عن الأثر  الذي يُحدثه سعر الصرف في حياتنا لابد أن نعي ما المقصود به

سعر الصرف هو قيمة العملة مقومة بعملة أخرى، بشكل مبسط سعر الصرف هو إجابة سؤال كم دولار ستشتري بدينار أردني واحد؟، الإجابة هي سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار.

تحدد أسعار الصرف بثلاث طرق : سعر الصرف العائم وسعر الصرف الثابت وسعر الصرف المدار.

  • سعر الصرف العائم (المتغير): حيث يتم تحديد سعر العملة بناء على الإقبال (العرض والطلب) على العملة في سوق العملات الأجنبية دون تدخل من البنك المركزي، وعادة ما يتخذ هذه الطريقى الدول القوية لأنها تستند لبنية اقتصادية متينة.
  • سعر الصرف الثابت: حيث تقوم الدولة بربط عملتها المحلية بعملة قوية مستقرة نسبيًا لضمان استقرار عملتها، حيث يكون سعر صرف العملة قيمة محددة من العملة القوية مع تذبذب بسيط صعودًا وهبوطًا، كارتباط الأردن بالدولار.
  • سعر الصرف المدار: تعمل السلطة النقدية على تحديد سعر العملة من خلال آلية السوق المفتوحة، حيث تقوم ببيع أو شراء العملة بهدف الوصول إلى سعر التوازن الذي يحقق مصلحة الاقتصاد القومي.

اقرأ أيضًا: لماذا نخشى تعويم العملة ؟

لماذا تلجأ الدول لتعويم أسعار الصرف؟

تلجأ الدول إلى سياسة تعويم أسعار الصرف بسبب عدم الاستقرار في الأوضاع المالية والاقتصادية، وتزايد اضطرابات السوق والمضاربات على النقد الأجنبي، مما يؤدي إلى نشوء السوق السوداء (الموازي) للحصول على النقد بسعره الحقيقي، وتضعف سيطرة البنك المركزي على أسعار الصرف.

تحدث اضطرابات السوق نتيجة لسوء أداء الدولة في ميزان المدفوعات، وتزايد العجز في الميزان التجاري حيث تفوق واردات البلد صادرتها، مما يؤثر على حجم النقد الأجنبي، كما يقترن ذلك غالبًا مع انكماش في الاستثمار الأجنبي الوافد بسبب عدم الثقة في المستقبل الاقتصادي لهذه البلد وعدم الإستقرار في سعر صرف العملة، وهنا تجد الدولة نفسها مضطرة للاقتراض بمعدلات كبيرة.

اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن ميزان المدفوعات

نتيجة لما سبق يحدث فرق بين سعر العملة الرسمي وسعر العملة في السوق السوداء، مما يتيح فرصة لمن يملكون العملة للتلاعب بأسعارها، وهنا تبدأ الدولة في السعي للحد من التلاعب في سعر العملة حيث تضع قيودًا على حصص المستوردين من العملات الأجنبية (لتقليل إحتمالية بيعها في السوق السوداء).

ينتج عن ذلك نقص في المستوردات من سلع ومواد خام، مما يدفع المواطنين للعزوف عن الإيداع في المصارف والتحول للإدخار بالعملة الأجنبية (الدولرة)، وهذا يعني المزيد من الضغط على العملة المحلية ويزيد التضخم ويرافق ذلك تحول المواطنون إلى الإدخار في العقار كونه ملجأ آمن في ظل تراجع العملة الوطنية مما يؤدي إلى إرتفاع في سوق العقار.

وهنا تلجأ الدول لتعويم أسعار الصرف لتحقيق الإستقرار الاقتصادي وطمعًا في الإيجابيات المرجوة من التعويم أهمها القضاء على السوق السوداء حيث أن المتعاملين لا يجدون إلا سعر صرف واحد لدى المصارف ومحلات الصرافة ولدى جميع المتعاملين بالعملة الأجنبية. القضاء على السوق السوداء يعني القضاء على عمليات غسيل الأموال التي تنشط فيها.

ويعتبر من إيجابيات تعويم أسعار الصرف للقضاء على ظاهرة الدولرة وهي كما أسلفنا إقبال المواطنون على العملة الأجنبية بهدف الادخار أو المضاربة على فروق الأسعار، القضاء على هذه الظاهرة يساعد في إيجاد طلب وعرض حقيقيين على العملة، ويحقق ذلك حالة من التوازن التي تعد مهمة لخاذ القرارات الاقتصادية بشكل أكثر دقة.

اقرأ أيضًا: تعرّف على غسيل الأموال في 4 اسئلة

تزداد الصادرات السلعية نتيجة انخفاض سعر العملة بالإضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي وإيجاد فرص عمل جديدة كما يزدهر القطاع السياحي وتزداد عوائده، كل ذلك يعمل على تقايص عجز ميزان المدفوعات.

لكن على الرغم من وجود العديد من الإيجابيات لتعويم أسعار الصرف إلا أن هناك سلبيات لا يمكن التغاضي عنها، فهذا الإجراء يشكل ضغطًا على الطبقة الفقيرة حيث ترتفع أسعار المنتجات بشكل لا يمكن تجاوزه، كما تضعف القوة الشرائية لأصحاب الدخول الثابتة خاصة في الدول التي تعتمد على الإستيراد بشكل كبير، وبشكل عام تتناقض قيمة المدخرات بالعملة المحلية.

وعلى مستوى الاقتصاد الكلي ترتفع فاتورة الوفاء بالديون الخارجية للدولة وكما ترتفع قيمة الديون المحلية التي اقترضتها الشركات بالعملة الأجنبية.

يرافق الاضطرابات الناتجة عن تعويم العملة ركود اقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة كما يتضرر المنتجين والمستوردين في المدى القصير والمتوسط، وقد تكون نتائج تعويم أسعار الصرف كارثية في حال لم يرافقها برامج إصلاح اقتصادية فعّالة.

اقرأ أيضًا: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي؟

تأثير أسعار الصرف على حياة الأفراد

لا يقتصر تأثير سعر الصرف على مستوى الدول أو على كبار التجار فقط، بل يمتد تأثير أسعار الصرف لعملتك الوطنية في جوانب مختلفة من حياتك الاقتصادية، حيث تؤثر على ما تحصل عليه من السلع وعلى فرصتك في الحصول على عمل وكذلك في عمليات الاستثمار.

أولًا: تـأثير أسعار الصرف على الاستهلاك

إن ما نعيشه في ظل العولمة الاقتصادية من سهولة الحصول على المنتجات الأجنبية المستوردة سواء كانت في المتاجر الحقيقة أو عبر التجارة الالكترونية جعلنا نتأثر بشكل كبير بأسعار الصرف، فإن كنت من بلد ذات عملة قوية فإن ما تدفعه مقابل الشراء المنتجات المستوردة سيكون أقل مقومًا بالعملة المحلية، لكن في حال كانت عملة بلدك ضعيفة فإن ذلك يعني أنك ستدفع قيمة أكبر مقابل المنتجات المستوردة عمومًا.

وبشكل عام فإن العملة القوية ستجل الواردات أرخص ويقلل التكاليف المعيشية وستسمح لك بمزيد من الرفاهية كما يسمح لك بالادخار  أو الاستثمار دون أن يؤثر على مخصصات الاستهلاك، في حين أن العملة الضعيفة ستؤدي إلى خفض المستوى المعيشي لأنك دائما ستدفع أكثر مقابل السلع التي تشتريها، كما أنها تؤدي إلى التضخم الذي يؤدي إلى تآكل قوتك الشرائية بشكل مستمر.

اقرأ أيضًا: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟

ثانيًا: تـأثير أسعار الصرف على أسعار الفائدة

كما أسلفنا في النقطة السابقة فإن العملة الضعيفة تؤدي إلى إرتفاع أسعار المنتجات المستوردة مما يدفع الاقتصاد إلى التضخم وهما تتدخل الدولة وتقوم برفع أسعار الفائدة لتقليل كمية النقد المتداول في السوق للحد من التضخم والتقليل من الهبوط الحاد للعملة المحلية.

لكن في حال كانت العملة قوية ستحافظ العملة على استقرارها ولن يتعرض الاقتصاد إلى تضخم.

ثالثًا: تـأثير أسعار الصرف على فرص العمل

الدولة ذات العملة الضعيفة تحفز الدول المختلفة على الإستيراد من منتجاتها مما يعني زيادة الصادرات من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المواطنون سيكونون أكثر إضطرارًا لاستهلاك المنتجات المحلية في ظل ارتفاع أسعار المستوردات الأجنبية، وهذان العاملان سيحدثان نموًا اقتصاديًا أسرع مما يؤدي على إيجاد المزيد من فرص العمل.

والعكس تمامًا يحدث مع العملات القوية، فالعملة القوية تعني أن المنتجات ستكون مرتفعة السعر مقومًة بالعملات الأخرى مما يحد من حركة التصدير، بالإضافة إلى انخفاض أسعار المنتجات المستوردة مقارنة بالمنتجات المحلية وهذا يعد عامل جذب للمستهلكين إلا أنه سيضر بالشركات المحلية، وهذا سيؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي على المدى الطويل وتقليص فرص العمل.

من ناحية أخرى ستلجأ الشركات إلى العمالة الأجنبية لأنها تتقاضى أجور أقل مما يعني المزيد من الخسارة لفرص العمل.

اقرأ أيضًا: التضخم الاقتصادي السارق الخفي

رابعًا: تـأثير أسعار الصرف على السفر للخارج

ستخبرك أسعار الصرف بقيمة عملتك مقابل عملة البلد الذي ستسافر إليه، ففي حال كانت عملتك قوية مقابل عملة البلد الذي ستسافر إليه فإن هذا يعني أنك سيمكنك شراء المزيد منها كما ستتمتع برفاهيه أكثر بسبب الفرق في سعرالصرف، لكن في حين كانت عملتك ضعيفة مقابل عملة البلد المقصود فإن هذا يعني أنك ستتحمل تكاليف مضاعفة في كل شيء.

خامسًا: تـأثير أسعار الصرف على الاستثمار

تؤثر تقلبات أسعار الصرف على أداء المحافظ الاستثمارية، فالعملة القوية كما اسلفنا تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي ونقص في الطلب على الصادرات المحلية بالتالي سيؤثر على معدل الأرباح.

كما أن الاستثمار في أوراق مالية مقومة بعملة ذات قيمة مرتفعة يعني إجمالي عوائد أكبر، وفي حال الاستثمار في أوراق مالية مقومة بعملة منخفضة القيمة سيعني ذلك إنخفاض في إجمالي العوائد بكل تأكيد.

سادسًا: تـأثير أسعار الصرف على أسعار الوقود

يتم إجراء أي عمليات بيع نفطية بالدولار، وهذا يعني بكل بساطة أي انخفاض لسعر العملة المحلية مقابل الدولار سينتج عنه ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية المختلفة، مع افتراض ثبات المؤثرات الأخرى في أسعار النفط.

اقرأ أيضًا: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي

حررت العديد من الدول سعر الصرف مثل الصين والهند والأرجنتين وماليزيا والسودان والمغرب ومصر مؤخرًا، إلا أن تجربة الصين والهند الوحيدة التي نجحت وذلك لاعتمادها على الصادرات وتدني أسعار المنتجات المحلية، لكن غالبًا ما يكون تعويم أسعار الصرف في الاقتصاديات المضطربة والدول النامية، ضمن الإجراءات التصحيحية لصندوق النقد الدولي مثل تعويم سعر الصرف ورفع سعر الفائدة والخصخصة.

لا يسعنا أن نختم هذا المقال إلا بالتأكيد على أن تعويم أسعار الصرف في الاقتصادات النامية يعد مخاطرة غير مدروسة العواقب، بالأخص إن رافقها فساد ونظام سياسي هش لا يتمتع بالشفافية.

ماهي آلية السوق المفتوحة ؟
أيهما أفضل سعر الصرف الثابت أم سعر الصرف العائم ؟