لم يحافظ مصطلح دول العالم الثالث على ذات الدلالة التي كانت له عند نشوء المصطلح، فهو تطور مع الوقت ليشمل دلالات وأبعاد مختلفة، فعند صياغة المصطلح لأول مرة في الحرب البارد جاء لتمييز الدول التي لا تنتمي لأي من المعسكرين الغربي (الولايات المتحدة) والشرقي (الشيوعية)، أما اليوم يستخدم للدلالة على الدول النامية التي تتسم بصفات اقتصادية محددة. فما هي دول العالم الثالث؟، وكيف صنفت دول العالم؟.
اقرأ أيضاً: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي
تصنيف دول العالم
خلال حقبة الحرب الباردة كان هناك نزاع ما بين قطبين متناقضتين على قيادة العالم، حيث كان لدينا المعسكر الغربي ممثلاً للدول الرأسمالية الصناعية والمتحالفة مع الولايات المتحدة، على الجانب الآخر كان هناك المعسكر الشرقي ويضم دول الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية والصين، أما باقي الدول والبلدان التي لم تكن ضمن نفوذ هذا المعسكر أو ذاك وبقيت على الحياد فقد أطلق عليها مصطلح دول العالم الثالث.
بالتالي لم يكن تصنيف الدول الى عالم أول وثاني وثالث ذا دلالة اقتصادية بحتة، حيث يشار لدول العالم الأول للناتو والولايات المتحدة والدول المتحالفة معها والتي تشترك بالمصالح الساسية والاقتصادية معها، فمثلا تم تصنيف بعض الدول الافريقية كدول عالم أول بسبب روابطها مع الدول الغربية مثل جنوب أفريقيا وأنغولا وموزمبيق حيث كانت تدار من قِبل دول غربية. كما كان هناك دول أوروبية محايدة مثل سويسرا والنمسا وأيرلندا لكن لم يتم تصنيفها على أنها من دول العالم الأول.
ويطلق مصطلح دول العالم الثاني على الدول الاشتراكية الشيوعية والدول الأقل تصنيعاً، مثل الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية والوسطى والدول الشيوعية الآسيوية ضمن النفوذ الصيني.
أما مصطلح دول العالم الثالث فيشمل جميع البلدان الأخرى، والدول الزراعية المتخلفة بشكل رئيسي في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث أفادت اقتصر نتاج الحضارة فيها على النخبة الحاكمة الصغيرة والشركات والطبقات العليا من القوى الاستعمارية السابقة.
لكن من حيث المبدأ ، مصطلح العالم الثالث بهذا التصور عفا عليه الزمن ولكنه لا يزال يستخدم حتى اليوم، لكن التصنيف الصحيح له سياسيا سيشير إلى أقل البلدان نموا.
اقرأ أيضاً: تعرّف على التنمية المستدامة وأبعادها المختلفة
دول العالم الثالث في الواقع المعاصر
في السنوات الأخيرة تطور وتغير دول العالم الثالث فقد أصبح ذا دلالة اقتصادية، حيث يشير إلى الدول التي تعاني من مشاكل مالية وتحتاج إلى المساعدة من دول الصناعية للحفاظ على اقتصادها. وهكذا استخدم المصطلح للاشارة إلى الدول التي لديها معدلات فقر مرتفعة ونسب بطالة عالية، لديهم أيضا اقتصاد غير مستقر وغير متناسق، والتي تفتقر إلى الضرورات البشرية الاساسية كالمسكن والغذاء والماء، ومعدلات وفيات عالية خاصة في الرضع.
كما يعتبر عدم وجود الطبقة الوسطى من أبرز ما يميزها حيث تفتقر للعدالة التوزيعية فهناك عدد كبير من السكان الفقراء ونخبة صغيرة من الطبقة العليا التي تتحكم في ثروة البلاد ومواردها. معظم دول العالم الثالث لديها أيضًا مستويات عالية جدًا من الديون الخارجية، كما أنها معرضة للاستغلال من قبل الشركات الكبيرة والدول الصناعية.
اقرأ أيضاً: 4 معلومات جوهرية عن معدل البطالة
المصطلحات المستخدمة للدلالة على دول العالم الثالث
تم استخدام عدة مصطلحات للدلالة على هذه الدول، فيما يلي سنورد بعضها مع موجز لما اخذ عليها:
-
الدول المتأخرة: يوضح هذا المصطلح الفرق بين الدول المتقدمة والمتأخرة، ولا يقتصر على التأخر الاقتصادي والتكنولوجي، بل يتضمن التأخر الحضاري والاجتماعي، لذلك اعتبر استخدامه جارحاً خاصة للدول التي لها ماضٍ عريق.
- الدول المتخلفة: يعتبر من المصطلحات الأكثر استخداماً، إلا أنه اعتبر جارحاً أيضاً لأنه يشمل التخلف الاقتصادي والاجتماعي، كما أنه لا يميز بين درجات التخلف فبعض الدول حققت نمواً اقتصادياً وبعضها الآخر ما زال في حالة ركود.
- الدول الأقل تقدماً: يبرز نسبية التقدم والتخلف، إلا أنه يدل على أن جميع الدول في حالة تقدم لكن بدرجات متفاوتة، لكن الواقع أن هناك دول تعيش الركود الاقتصادي.
- الدول النامية: استخدم هذا المصطلح لارضاء الشعوب والإيحاء لهم بأنهم في طريقهم للنمو، إلا أنه لا يعبر عن حقيقة الواقع هناك حالة من الركود تعيشها بعض الدول، كما أنه يقتصر النمو على هذه الدول في حين أن الدول المتقدمة تعيش حالة من النمو المستمر، بالتالي فإن الأنسب استخدامه للدول المتقدمة.
- الدول الفقيرة: هنا يظهر التركيز على الجانب المادي دون الاجتماعي، إلا انه يؤخذ عليه أنه يدرج دول غنية بمواردها الطبيعية ضمن الدول المتقدمة مع أنها لا تعتبر كذلك.
- دول العالم الثالث: هذا المصطلح كما اشرنا سابقاً فإنه يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الاقتصادي، مشيراً إلى الدول التي لم تنضم لأي من المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.
لا تخلو هذه المصطلحات من سلبيات، إلا أن أكثرها استخداماً هو مصطلح الدول النامية، بعض المنظمات تستخدم مصطحات أخرى مثل هيئة الأمم المتحدة تستخدم مصطلح الدول الأقل نمواً، في حين يستخدم البنك الدولي مصطلح البلدان منخفضة الدخل.
معايير تصنيف دول العالم الثالث
تشترك دول العالم الثالث بمجموعة من المسات التي تميزها عن غيرها، والتي أصبحت صفات لازمة للدول من هذه الفئة، فيما يلي سنبين مجموعة من هذه السمات:
انخفاض مستويات المعيشة
تتصف هذه الدول بانخفاض مستويات المعيشة ويمكن رصد ذلك من خلال انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي الذي يحصل عليه الفرد، فكلما انخفضت كميات السلع التي يحصل عليها الفرد اخفض مستوى المعيشة لديه.
كما تتصف هذه الدول بسوء توزيع الدخل القومي وهو أمر موجود في جميع الدول إلا أن الافتقار للعدالة التوزيعية يكون بشكل أوضح فيها، حيث يحصل 20% من السكان على 80% من الدخل القومي.
اقرأ أيضاً: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً ؟
الاعتماد الشديد على النشاط الزراعي
تعتمد هذه الدول على الزراعة في توليد الناتج القومي، كما أن أكثر من 50% من السكان يعملون في القطاع الزراعي، كما يستهلك العمال ثلث الناتج الزراعي، ويعتبر هذا مظهر للتخلف لأن انخفاض الدخل سيوجه الأفراد للعمل في الزراعة بهدف إنتاج الحاجات الأساسية.
تتميز الزراعة في البلدان النامية بشيوع الملكيات الصغيرة التي تهدف لتحقيق الإشباع الذاتي، كما تتصف بندرة الأراضي الزراعية مما يؤدي لظهور البطالة المقنعة وانخفاض الإنتاجية، وعدم استخدام المزارعين للوسائل الحديثة في الزراعة لحاجتها لإمكانات مادية غير متوفرة لديهم، كل ذلك أدى إلى انخفاض إنتاجية القطاع الزراعي فيها.
انخفاض إنتاجية عنصر العمل
تقاس إنتاجية عنصر العمل من خلال قسمة الناتج القومي على عدد الأفراد العاملين، في سنة 2002 كانت إنتاجية العامل في الدول المتقدمة أربع أضعاف إنتاجية العامل في الدول النامية، يرجع ذلك لاستخدام الأدوات التقليدية في العملية الإنتاجية سواء في القطاع الزراعي أم الصناعي، بالإضافة إلى الضعف فيالتعليم والتدريب و النقص في الخبرات الإدارية والتنظيمية.
ارتفاع معدلات البطالة
البطالة ظاهرة فيجمع الدول سواء متقدمة أم لا، إلا أن آثارها السلبية على الناتج القومي الإجمالي تتفاقم في دول العالم الثالث، وتؤدي إلى إهدار رأس المال البشري، فهي بطالة غير مؤقتة سواء كانت بطالة سافرة أم مقنعة، وأسبابها ترجع لطبيعة اقتصاديات هذه الدول وزيادة السكان فيها.
اقرأ أيضاً: صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح الاقتصادي
التبعية الاقتصادية للخارج
يعد هذا أحد الأسباب الأساسية للتخلف، حيث ترسخ ذلك بفعل الأستعمار أولا، حيث حرص على ربط هذه الدول ساسياً واقتصادياً بالدولة المُستعمِرة، ووجهت اقتصاد هذه الدول لإنتاج المواد الأولية اللازمة في التصنيع في الدول الإستعمارية، مما أدى إلى تغيير الهيكل الاقتصادي للدول النامية والتخصص في إنتاج عدد قليل من المواد الأولية، حيث تمثل 90% من صادرات الدول النامية، هذا أدى لهيمنة الدول المُستعمِرة وفرض شروطها في التبادل التجاري.
ثم رسخت التبعية بفعل الشركات متعددة الجنسيات التي تتبع في ملكيتها وإدارتها لمركزها الرئيسي خارج هذه البلدان، نتج عن ذلك ضعف ملكية الدول النامية لمواردها الاقتصادية، ونتج عن هذه التبعية التجارية الثنائية الاقتصادية حيث يوجد في البلد الواحد قطاع متقدم يعمل برؤوس أموال أجنبية وأساليب إنتاج حديثة وأجور مرتفعة، بالمقابل يوجد قطاع بدائي يرتبط بالسوق المحلي ويمول برأس مال محلي منخفض الكفاءة والأجور، وهذا يؤدي إلى تفكك النظام الاقتصادي وضعف ترابطه داخل الدولة الواحدة.
التبعية المالية
نتيجة لاختلال الهيكل الإنتاجي في الدول النامية ازدادت حاجتها للاستدانة بهدف تمويل ميزان المدفوعات، وكلما زادت مديونيتها زادت معها التبعية للخارج وزادت أعباء خدمة الدين، تطالب الدول النامية بجدولة ديونها إلا أن الدول الدائنة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لهم شروطهم، فيجب إتباع سياسة الإصلاح الاقتصادي كما يراه صندوق النقد الدولي، من خلال إتباع سياسات مالية ونقدية انكماشية تحد من الاستقلال الاقتصادي والسياسي لهذه الدول.
التبعية التكنولوجية
تكون التبعية التكنولوجية تبعية مادية تتمثل في الحاجة للآلات وتبعية غير مادية مثل الحاجة للمعرفة والابتكار التكنولوجي، بجميع الحالات فإن التكنولوجيا تلعب دوراً كبيراً في تحديد مستوى التقدم الاقتصادي، تحتكر الدول المتقدمة إنتاج وتصدير التكنولوجيا وتفرض شروطاً على بيعها.
تستورد الدول النامية 90% من التكنولوجيا الرأسمالية وتنتج فقط 10% منها تتمثل في معدات بسيطة تستخدم في الزراعة، زيادة نسبة الواردات التكنولوجية في دول العالم الثالث تؤدي إلى إتساع الفجوة التكنولوجية بين الدول.
اقرأ أيضاً: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟
انخفاض معدلات الادخار والاستثمار
انخفاض مستوى الدخل يعني توجيه معظمه إلى الاستهلاك، وانخفاض الادخار الذي يشكل المغذي للاستثمار، مع مرور الوقت ستنخفض الاستثمارات القائمة نتيجة تآكل رأس المال الثابت لأنه يحتاج للتجديد أي أنه يحتاج للمدخرات، وبناء على ذلك فإن انخفاض الادخار سيؤدي إلى انخفاض الاستثمار مما يزيد حاجة الدول للقروض الخارجية لتمويل استثماراتها مما يرسخ التبعية الاقتصادية مرة أخرى.
وهكذا تتكاتف الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية في دول العالم الثالث، لترسيخ الضعف والتبعية في هذه الدول، لبقى هذه الدول تدور ضمن دائرة مغلقة لا سبيل للخروج منها، برأيك عزيزي القارئ هل يمكننا كسر هذا الواقع والخروج من مصاف دول العالم الثالث!.
Your articles always on the top 👏1️⃣↗️↗️