ماذا يتبادر للذهن عندما نتحدث عن السوق؟، هل يتبادر لك السوق التي تتردد لها دائما في منطقتك، والمحلات والشوارع أو حتى مراكز التسوق التي نزورها غالباً؟، نعم يا صديق هذه كلها أسواق إلا أن السوق في معناها الأصلي تشير حيز أوسع من ذلك لانقصد المساحة المكانية، فالسوق يطلق على الحيز الذي تتم فيه التعاقدات سواء كانت موجود في الواقع أم غير موجود، فمتى تلاقت إرادة الطالبين والعارضين فإن هذا يعد سوقاً.

محلات البقّالة تتلاقى فيها إرادة العارضين والطالبين وبالتالي تعد سوقاً، الشراء من مركز تسوق يعد سوقاً، وحتى الشراء من موقع إلكتروني أو التسويق الهاتفي يعد سوقاً كذلك.

كل نظام اقتصادي من النظم الاقتصادية المختلفة الرأسمالي والاشتراكي والاقتصاد الإسلامي لديه قناعات عقدية وفلسفية ونظرية تضبط مؤسساته التي تهتم بتسيير النشاط الاقتصادي، الاقتصاد الإسلامي تميز بأنه ضبط السوق الإسلامية بمجموعة من الأحكام التي ميزته عن غيره، بحيث ضبطت عمليات البيع والشراء بما يضمن صحة العقود وتحقيق الرضا لأطراف عملية البيع، وتقليل أي إحتمالية نشوء نزاع بين أطراف العقد.

اقرأ أيضاً: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط

في هذا المقال سنعرض مجموعة من الممارسات في الاقتصاد الإسلامي والأحكام التي يتوجب على الفرد المسلم الإلتزام بها ذاتياً لانها تعد إلتزاماً شرعياً عليه بصفته مسلماً بما يحقق ضبط لبنية السوق الإسلامية.

النهي عن الغش في كمية المبيع

يقصد هنا عدم الغش في وزن المبيع يقول الله تعالى: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)”، سورة المطففين.

كما يقول الله تعالى : “وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)”، سورة الرحمن.

وفي الآيتين إشارة واضحة لتحريم الغش في السوق الإسلامية فيجب الإلتزام بالوزن الصحيح. من الممارسات التي يكون فيها غش في حياتنا عدم ضبط الميزان بشكل دقيق والتلاعب في الأوزان.

النهي عن الغش في نوعية المبيع

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إظهار السلعة المعدة للبيع على غير صورتها الحقيقية، فقد روي عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟“، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ” أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس منيرواه مسلم .

يقصد بالصبرة الكومة من الطعام بدون كيل أو وزن، ويظهر من الحديث أن بائع الطعام جعل الجيد من الطعام في الأعلى واخفى الطعام الذي أصابه البلل في الأسفل. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يناقشه في بيع الطعام الذي أصابه البلل بل أشار إلى أهمية إظهار حقيقة السلعة ومافيها من عيوب، حتى وإن لم ينتبه لها المشتري.

من الممارسات التي نشهدها في حياتنا أن يضع البائع للمشتري بضاعة من نوع أقل من الذي اختاره دون أن ينتبه، أو أن يقنعه أن الخضار هذا طازج، فلابد على البائع إذا علم عيب ما في السلعة أن يقوم بذكره للمشتري دفعاً لريبة الوقوع في الحرام ودفعاً للنزاع.

النهي عن الغرر

يقصد بالغرر حالة الشك وعدم اليقين التي التي تكون في البيوع، والنظام الاقتصادي الإسلامي حرم الغرر بكافة أنواعه، ليحمي السوق الإسلامية من التلاعب والخداع.

أنواع الغرر المحرم في الاقتصاد الإسلامي

الغرر في محل العقد

مثل ما يسمى ببيع السنين، ويقصد به بيع المحصول لسنتين أو ثلاث قادمات، وبما أن المحصول قد يوجد وقد لا يوجد لعذر ما، فإنه هناك احتمالية عدم تمام العقد بالتالي هذا العقد غير جائز.

غرر الحدود

ويقصد به الشك في صفة المبيع أو كمية المبيع مثل بيع الصوف على الغنم، فلا يجوز بيع الصوف على الغنم قبل فصله عنه، لانه سيكون غير محدد المقدار بدّقه.

غرر التقبيض أو التسليم

مثل بيع السمك في ماء البحر أو النهر يعني قبل صيده، هنا يوجد إحتمالية من عدم القدرة على التسليم.

النهي عن التغرير بوسائل قولية أو فعلية

يقصد بالتغرير القيام بفعل أو قول ليقنع المشتري بجودة السلعة أو بوجود صفات محددة فيها وهي في الحقيقية ليست فيها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الحَلفُ مُنفقَةٌ لِلسّلْعَةِ، مُمْحقَةٌ لِلْبَرَكَةِ” وفي الحديث إشارة واضحة للنهي عن الحلف لإقناع البائع بشراء السلعة، وهذا يعد تغرير قولي.

أما التغرير الفعلي أن يقوم بممارسة محددة تظهر المبيع على غير حقيقته، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تصرية الأبل والغنم، حيث يقول عليه السلام: “لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ” والتصرية ممارسة يقوم بها البائع عندما ينوي بيع الغنم حيث لا يقوم بحلبه ليومين أو أكثر حتى يظهر أنها تحلب الكثير من الحليب على خلاف الواقع.

يظهر التغرير أكثر شيء في بيع القطع المستعملة، حيث يقوم البائع ياظهار وذكر إيجابياتها والتلاعب لإخفاء السلبيات والعيوب.

النهي عن الغبن وانتقاص حق الآخرين

جعل الاقتصاد الإسلامي مسألة الإنتقاص من قيمة الأشياء من المحرمات، حيث لايجوز التنقيص بجهد الناس أو ببضاعتهم، يقول الله تعالى: “وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ“.

كما منع الإسلام الغبن في البيع أو الشراء، يقول عليه السلام: “غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ رِبًا”، ويقصد بالمسترسل الذي لا يساوم على السلع، كأن يدخل رجل لمحل ليشتري شيء ما فيقول له البائع ثمنه 20 دولار، والبائع في قرارة نفسه يجعل 5 دولار للمساومة بهدف الوصول لسعر 15 دولار، وبما أن المسترسل لا يساوم فإنه سوف يشتريه بسعر 20 دولار ويغبن بخمسة دولارات أكثر من السعر الحقيقي.

وصورة أخرى لغبن المسترسل أن يبيع السلع بسعر أغلى لمن لا يعرف بالأسعار لمثل هذه السلع.

اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

النهي عن الاحتكار

الاحتكار هو حبس السلعة ( أي عدم عرضها في السوق) مع حاجة الناس لها، بهدف رفع سعرها، وقد وردت العديد من الأحاديث التي تشير إلى منع الاحتكار وتحريمه، يقول عليه السلام لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌويقول عليه السلام: “الْجَالبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ”، ومعنى الجالب الذي يحضر السلع ليعرضها في اللسوق.
وقد حرم الاقتصاد الإسلامي الاحتكار لأنه فيه استغلال لحاجات الناس الملحة التي لا يستطيعون الاستغناء عنها، فالاحتكار يقلل المعروض من السلع بهدف رفع الثمن.

النهي عن بيع المكره

يقصد ببيع المكره هو عملية البيع التي يقوم بها شخص يمارس عليه الضغوط والإكراه من جهة خارجية مع عدم رغبته بذلك، وهذا البيع باطل لأن ركن الرضا -وهو ركن أساسي في صحة العقد إسلامياً- غير موجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّمَا الْبَيْع عَنْ تَرَاضٍ” أي لابد من رضا طرفي عملية البيع كشرط لصحة عملية البيع.

النهي عن بيع المضطر

هذا البيع محرم كذلك بسبب الإكراه، لكن الإكراه هنا ليس من جهة خارجية إنما الحاجة الذاتية هي من أكرهته للقيام بعملية البيع مع عدم رغبته بذلك، في نظام الاقتصاد الإسلامي حرّم بيع المضطر لأن المضطر يجب أن يعان ويعطى من الزكاة حتى يسد حاجته وليس أن تستغل حاجته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ اَلْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ “وَلا تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”،  تَنْهَدُ فِيهِ اَلْأَشْرَارُ وَ تُسْتَذَلُّ اَلْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ اَلْمُضْطَرُّونَ”.
ومعنى الحديث سيأتي زمان يقدّم فيه الأشرار، وينسى‏ء فيه الأخيار، ويبايع المضطر صاحب الحاجة.

النهي عن البيع على البيع

يقصد بهذا التعبير النهي عن بيع الرجل على بيع شخص آخر أي تدخل طرف ثالث في عملية البيع قبل إتمامها مما يؤدي إلى تعطيلها، وهذا يأتي في سياق تنافس الباعة على تحويل المشتري للشراء منهم، قد تكون هذه الأفعال من طرف بائع ثاني غير الذي يقوم بعملية البيع  فيقول له: أنا ابيعك أفضل منها بنفس السعر، أو أن أبيعك نفس مواصفات وميزات السلعة بسعر أقل.
وقد يكون هذا التصرف من جهة المشتري غير المشتري الأساسي فيقول له أنا أشتري السلعة بسعر أعلى مما دفع لك، وهذه الحالة غالباً ما تكون في حال عدم توفر السلعة بشكل كافٍ.

هذه الأحكام والممارسات التي حددها الاقتصاد الإسلامي لضبط السوق الإسلامية بحيث تكون السوق خالية من الغش والخداع والاستغلال حاجات الأفراد، بحيث تكون عمليات البيع والشراء وكافة العقود والتعاملات المالية برضا دون إجبار أو إكراه أو اضطرار، أو حتى غش أو خداع أو تزييف في عمليات البيع.

وفي النهاية عزيزي القارئ ماهي الممارسات التي تراها في مجتمعك وفي التعاملات الاقتصادية التي تجري في محيطك من هذه التعاملات؟ شاركنا رأيك في التعليقات.