تعد الاشتراكية نظام اقتصادي اجتماعي، حيث يسعى إلى تلبية حاجات المجتمع على الشكل الأمثل، تعد القاعدة الأساسية فيه إلغاء التقسيم الطبقي في المجتمع وتحقيق العدل والمساواة بين الأفراد.

وقد استعرضنا في مقالات سابقة النظام الاقتصادي الإسلامي، والنظام الاقتصادي الرأسمالي، ونعرض اليوم للنظام الاشتراكي ومبادئه الاجتماعية

فهل نجح النظام الاشتراكي بذلك؟

أولاً: ظهور الاشتراكية

في أواخر القرن الثامن عشر حدثت تغيرات كبيرة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ابتداءً من برطانيا ثم انتقلت إلى بقية العالم، كان اختراع المحرك البخاري حجر الأساس في هذا التغيير، حيث على دعم الثورة الصناعية، مع الثورة الصناعية بدأت تصنيفات جديدة للمجتمع بالظهور، فقد أصبح أصحاب المصانع أغنياء، في حين كان الكثير من العمال يعيشون في فقر متزايد ويعملون لساعات طويلة في ظروف عمل صعبة وخطيرة، وهكذا أصبحنا أمام مجتمع يتكون من طبقتين متعارضتي المصالح وهما: الطبقة البورجوازية “أصحاب رأس المال” والبروليتاريا “العمال”.

اقرأ أيضاً: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط

كرد فعل على الاختلالات الاجتماعية الناتجة عن انتشار النمط الرأسمالي في الإنتاج وتركز رأس المال، ظهرت النظام الاشتراكي حيث قدمت بديلاً يهدف إلى تحسين نصيب الطبقة العاملة وإيجاد مجتمع أكثر مساواة. قامت الاشتراكية كنقيض للنظام الرأسمالي، حيث نادت بالملكية العامة لوسائل الإنتاج ، في حين يقوم النظام الرأسمالي على نظام السوق الحرة والملكية الخاصة.

في أواخر ثمانينات القرن العشرين مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ضعف النظام الاشتراكي كقوة سياسية عالمية بشكل كبير، إلا أنه بقي في بعض الدول كالصين وكوبا وفيتنام وكوريا الشمالية.

ثانياً: ماهي الاشتراكية

النظام الاشتراكي هو نظام سياسي اقتصادي يقوم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وتحكم الدولة في إدارة وتسيير النشاط الاقتصادي من خلال ما يعرف بالتخطيط المركزي.

تعني كلمة الاشتراكية “كل شيء لكل شخص”، الفكرة الجوهرية للنظام الاشتراكي هي امتلاك الحكومة لوسائل الإنتاج والتخطيط للإنتاج من قبل الحكومة وتوزيعها للدخل على الأفراد، بالتالي فالحكومة هي من سيجيب على الأسئلة الاقتصادية الرئيسية: ماذا ننتج؟، وكيف ننتج؟، ولمن ننتج؟.

ثالثاً: الفرق بين الاشتراكية والشيوعية

كثيراً ما يتم استخدام الشيوعية والاشتراكية للدلالة على النظام الاشتراكي، فهل هناك اختلاف بينهما؟

الملكية

يشير مصطلح الاشتراكية إلى أي نظام يكون فيه إنتاج وتوزيع السلع هي مسؤولية جماعية يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، النظريات السياسية والاقتصادية التي يقوم عليها النظام الاشتراكي تدعو إلى الجماعية بشكل أساسي، مع ذلك في هذا النظام هناك مجال للملكية الخاصة، لكن الإنتاج الصناعي وملكية عناصر الإنتاح تملك وتدار بشكل جماعي من قبل حكومة منتخبة.

أما الشيوعية فلا توجد فيها ملكية خاصة، فجميع الممتلكات مملوكة ملكية مشتركة، حيث يحصل كل فرد على حاجاته فقط، يتحكم بإدارة هذه العملية حكومة مركزية قوية “الدولة”، تسعى الدولة لتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين مثل الغذاء والسكن والصحة والتعليم.

اقرأ أيضاً: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً؟

تقديم الأجر

تدعو كل من الشيوعية والاشتراكية إلى مركزية المؤسسات التي تتحكم بها حكومة الحزب الواحد، وهذا يعني غياب الأعمال الخاصة كمنتج للسلع والخدمات، ويقتصر ذلك على الحكومة.

الفرق بينهما أن الشيوعية تعطي الأجر للأفراد بحسب احتياجاتهم، وهذا يعني أن الفرد يحصل على ما تعتقد الحكومة أنه بحاجته من طعام وسكن وغيرها من الحاجات الإنسانية.

أما الاشتراكية تقدم الأجر للفرد بناء على مساهمته في العملية الإنتاجية، بالتالي من يعمل بجد وتفاني يحصل على حصة أكبر من غيره.

وسائل تحققهما

في الشيوعية لابد من حدوث ثورة عنيفة يقوم بها العمّال ضد الطبقتين الوسطى والعليا، وأن هذه الثورة جزء حتمي لقيام الدولة الشيوعية النقية.

في حين يتميز النظام الاشتراكي بأنه أكثر مرونة، حيث يسعى الاشتراكيون إلى التغيير والإصلاح من خلال إجراء تغييرات من خلال العمليات الديمقراطية داخل النظام الاجتماعي والساسي القائم، بالتالي هي عملية تدريجية وليست تدميراً لما هو قائم.

الاشتراكية هي المرحلة الأولى من الثورة، حيث تلعب الحكومة دورًا بارزًا في الحياة الاقتصادية، وتبدأ الاختلافات الطبقية في التقلص. هذه المرحلة المؤقتة تفسح المجال للشيوعية في نهاية المطاف، وهي مجتمع بلا طبقات لم تعد تعتمد فيه الطبقة العاملة على الدولة.

رابعاً: الملامح الرئيسية للاقتصاد الاشتراكي

  1. الملكية الجماعيةيشترك أفراد المجتمع في ملكية وسائل الإنتاج، وتقوم الدولة بإدارة النشاط الاقتصادي فهي من يقرر كيفية تخصيص الموارد ما بين سلع انتاجية أو استهلاكية. وتقوم الدولة بإشباع الحاجات العامة مجاناً للمجتمع ككل مثل التعليم والصحة.من ناحية أخرى كل فرد يقدم خدماته للمجتمع بحسب طاقته، ويحصل على مقابل بحسب مساهمته في العملية الإنتاجية والاختلاف في المهارات الشخصية.
  2. عدم الاعتراف بحافز الربحفي النظام الاشتراكي الهدف الأساسي للنشاط الاقتصادي هو إشباع الحاجات العامة وليس السعي لتحقيق الربح، بل هم ينظرون إلى الربح على أنه وسيلة إستغلال ينتج عنها سوء توزيع الثروة والدخل.وبالتالي يفتقر النظام الاشتراكي إلى الحافز لتنمية النشاط الاقتصادي، إلا أنهم يرون أن الإحساس المسؤولية والشعور القومي والوطني سيحلون محل الربح في تنمية الموارد الاقتصادية في النظام الاشتراكي.
  3. التخطيط الاقتصادييتلعب الدولة دوراً مهما في النشاط الاقتصادي، حيث تسيطر جميع الأنشطة الاقتصادية مثل التوزيع والاستهلاك والاستثمار والتجارة الخارجية. تعتمد الاشتراكية على هيئة التخطيط المركزي في التخطيط للنشاط الاقتصادي، حيث تحدد الدولة الأهداف الاقتصادية للمجتمع، وتعد هيئة التخطيط المركزي الوسائل لتحقيق الأهداف، كما تتخذ جميع القرارات التي تتعلق بالمشاكل الاقتصادية المركزية.تجيب الهئية المركزية للتخطيط على الاسئلة الثلاث للمشكلة الاقتصادية: ماذا ننتج؟، وكيف ننتج؟، ولمن ننتج؟.

اقرأ أيضاً: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي

خامساً: عيوب الاشتراكية

  1. ضعف حافز الربحميل نحو وجود ملكية خاصة هو أمر فطري من صلب الطبيعة البشرية، غياب حافز الربح في الاقتصاد الاشتراكي إلا في حدود معينة كان أثراً سلبياً، حيث تعد الملكية الفردية حافزاً للإنتاج والإبتكار، بدون وجود الملكية الخاصة لن يكون هناك أي دافع للعمل والتقدم ولن تجدي الحوافز المعنوية في دفع النشاط الاقتصادي للأمام.
  2. انخفاض الانتاجية في ظل غياب الملكية الفردية، وقيام الدولة بتوفير الحاجات الأساسية، وتحديد الأجور من قبل الدولة، لن يكون هناك دافع للفرد للإخلاص في العمل أو زيادة الإنتاجية، سوى الدافع الفردي لاذي لا يعول عليه في كثير من الأحيان.
  3. انخفاض الكفاءة الإنتاجية والتخصيصية للمواردفي النظام الاشتراكي تقوم هيئة التخطيط المركزية بتحديد مستويات الانتاج وكذلك تسعير السلع والخدمات، يكمن التحدي في مدى استجابة قرارات الحكومة مع احتياجات المستهلكين.أحد الانتقادات الموجهه للاشتراكية أنه في حال تمكن المسؤولون الحكوميون من تعديل الأسعار، فإن نقص المنافسة بين المنتجين المختلفين يقلل من الحافز للقيام بذلك.

    فكثيرًا ما نجحت الوحدات الإنتاجيَّة في إنتاج السِّلع المعيَّنة لها بالكمِّيَّات المحدَّدة في الخطَّة، ولكن ليس دائمًا عند مستوى المواصفات، أو الكفاءة، أو الجودة المطلوبة

  4. البيروقراطيةالسيطرة العامة على الإنتاج حتماً ستؤدي إلى بيروقراطية غير عملية وغير فعالة. من الناحية النظرية يمكن أن تكون لجنة التخطيط المركزية مسؤولة عن تسعير آلاف المنتجات، وهذا يصعب عملية تفاعل الهيئة المركزية مع  إشارات السوق على الفور، فلا يمكنها إعادة التسعير بكفاءة.يمكن أن يؤدي تركيز السلطة داخل الحكومة إلى وجود بيئة تعطى فيها الأولوية للدوافع السياسية على حساب الاحتياجات الأساسية للشعب. في الواقع، كان الاتحاد السوفييتي يحول موارد ضخمة لبناء قدراته العسكرية، في حين كان يواجه سكانه صعوبة في الحصول على مجموعة متنوعة من السلع، مثل  الطعام والصابون وحتى أجهزة التلفزيون.

اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

سادساً: الاشتراكية الوقت المعاصر

حالياً لا توجد دول اشتراكية بنسبة 100٪ ، وفقًا للحزب الاشتراكي في المملكة المتحدة،لكن معظمها لديه  اقتصادات مختلطة تدمج الاشتراكية مع الرأسمالية أو الشيوعية أو كليهما.
بلدان الشمال الخمسة النرويج، وفنلندا، والسويد، والدنمارك، وأيسلندا، بنظم اشتراكية قوية، حيث تمتلك الدولة نسبة كبيرة من الاقتصاد نيابة عن الشعب. وتنفق جزءًا كبيرًا على التعليم والإسكان والحاجات العامة. إلا أن هذه الدول ديمقراطية، مما يسمح لسكانها بالمساهمة في صنع القرار. كما يعد سكانها من بين أغنى سكان العالم.

بعض الدول مازال لديها بعض جوانب الاشتراكية وهي الصين، وكوبا، وفيتنام، الصين وفيتنام جوانب قوية من اقتصاد السوق الحر، بالرغم من أن حكوماتها لازالت تحت سيطرة الحزب الشيوعي.

في حين أن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتتي، عدلت روسيا دستورها وأزالة الإشارات إلى الشيوعية، وتصف نفسها اليوم بأنها جمهورية ديمقراطية.

وهكذا نكون قد استعرضنا في مدونتنا النظم الاقتصادية الثلاث النظام الاقتصادي الاسلامي و الرأسمالية والاشتراكية، برأيك عزيزي القارئ أي النظم الاقتصادية أنسب في يومنا الحالي؟.

[hurrytimer id=”1161″]

ما الفرق بين الاشتراكية والشيوعية ؟
هل توجد بلدان اشتراكية في الوقت المعاصر ؟