تحدثنا في مقال سابق عن 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي ، وبينّا بعض أبرز الممارسات التي ضبط بها الاقتصاد الإسلامي عمليات البيع والشراء في السوق، مع التأكيد عزيزي القارئ على أن السوق لا يقصد بها حيز جغرافي محدد، فأي مكان تم به إلتقاء رغبات البائعين والمشترين يسمى سوقاً، سواء كان على أرض الواقع كالمراكز التجارية أم في فضاء الانترنت كالمتاجر الإلكترونية.
اقرأ أيضاً: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول
في هذا المقال سنستكمل ما بدأناه من حيث بيان الممارسات التي تميز بها الاقتصاد الإسلامي عن غيره.
أولاً: منع بيع المبيع قبل قبضه
ويقصد بذلك عم السماح للبائع بأن يبيع سلع اشتراها ولم يتم قبضها، كأن يتفق مع موّرد على تفاصيل عملية الشراء ويكون موعد لاحق يتم فيه التسليم، فهنا لا يسمح للبائع بأن يبيع هذه السلم قبل يقبضها حكما أم حقيقة.
ويأتي المنع هنا بسبب عجز البائع الثاني عن تسليم السلعة للمشتري، لأن البائع الأول قد يسلمه وقد لا يسلمه، كما أن السلع لم تدخل في ملك البائع ولم يتحمل مخاطرتها من ناحيه، ومن ناحية أخرى فإن هذا القيد يمنع الخلافات خاصة إذا رأى البائع الأول البائع الذي اشترى السلع قد حقق ربح، فإنه يحاول إبطال البيع، إما يحجد العقد، أو يحتال لفسخه.
ويشار أن القبض في الاقتصاد الإسلامي نوعين: الأول قبض حقيقي بأن يستلم المشتري السلعة وتكون معه، والنوع الثاني القبض الحكمي يمنح القدرة لاستلام السلعه، مثل أن تكون السلعة في المخزن ويقول له البائع اذهب وخذ السلعه من المخزن وهو يذهب في اليوم التالي، هنا المشتري بامكانه أن يستلم السلعه ولكنه أجل ذلك، وهنا يقال أنه قبضها حكماً.
ثانياً: النهي عن الربا
ينقسم الربا إلى نوعين ربا الفضل وربا النَساء، وسوف نبين النوعين فيما يلي:
ربا الفضل
هو زيادة في أحد البدلين من الأموال الربوية المتحدين في الجنس. ما معنى ذلك؟
ابتداءً الأموال الربوية التي حددها الإسلام ست أصناف : وهي الذهب والفضة، والبر “القمح”، والشعير، والتمر والملح ولو اختلفت الجودة. يشترك الذهب والفضة في أنهما أثمان، في حين يشترك القمح والشعير و التمر والملح بأنها مطعومات.
يقول النَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ ، فَقَدْ أَرْبَى ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ ، فَقَدْ أَرْبَى ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ ، فَقَدْ أَرْبَى ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى
ما معنى مبادلة أموال ربوية متحدة الجنس؟ وكيف يكون ذلك؟
بشكل بسيط لو أنك قمت بمبادلة خاتم ذهب من عيار 18 بخاتم ذهب من عيار 21، ستستغرب أنه يجب أن يكون الخاتمين بنفس الوزن وإلا ستكون وقعت بالربا، فيجب أن يتوافر في المبادلة شرط التماثل “الوزن أو العدد..” والتقابض ” أي أن يتم التسليم والإستلام في نفس اللحظة”، ستقول عزيزي القارئ كيف سيكون ذلك هما مختلفين في عيار الذهب بالتالي سيختلفان بالقيمة؟، نعم بأمكانك أن تدخل النقد وسيطاً في عملية المبادلة للخروج من مسألة اختلاف القيمة، فتقيم الخاتم الأول بالنقد وثم تشتري الخاتم الثاني بنقد.
لكن إذا بادلنا ذهب بفضة سوف يشترط التقابض فقط ولا يشترط التماثل لأنها جنسين مختلفين.
في الوقت الحالي ينظر لكل عملة دولة على أنها جنس منفصل، بالتالي فلو بادلنا ورقة 100 دولار بأوراق نقدية من فئات أصغر مجموع قيمتها 100 دولار، فهنا سوف يشترط التقابض والتماثل، أما إن بادلنا الدولار بنقد لدولة أخرى هنا سوف يشترط التقابض فقط.
ويجب أن نشير إلى أن هذه الأموال هناك تفسير لسبب اختيارها، وكذلك هناك تفصيل في مسألة اقتصار الربا على هذه الأموال فقط أم أنها مثال على نوع؟. هذا سنجيب عليه في مقال منفصل حول الربا ونظرة الإسلام له.
اقرأ أيضاً: 6 فروق يجب معرفتها ما بين البنوك الإسلامية والتقليدية
ربا النَساء
هو تأجيل أو تأخير قبض أخد البدلين الربويين، فلو رجعنا إلى مثال الخاتم فلو أن الخاتمين متماثلين لكن أجلنا قبض أحدهما، فإننا هنا سوف نقع بالربا. وفي مثال مبادلة ورقة نقدية من فئة 100 دولار بمجموع أوراق نقدية لفئات أقل مجموع قيمتها 100 دولار، فلو أجلنا هنا تسليم أحدهما سنكون وقعنا في الربا.
لكن أين وجه الربا في ذلك؟، وجه الربا هنا في الزمن، أي الاستفادة المتحققه من بقاء المال مع أحد الطرفين.
ثالثاً: منع البيوع المتضمنة للربا أو شبهة الربا
منع الإسلام البيوع التي تحتوي على الربا أو التحايل للوصول إلى الربا، مثل بيع العينة.
ماهو بيع العينة؟
سنوضح مفهوم بيع العينة من خلال المثال التالي: ذهب خليل لمحل سعيد للأدوات المنزلية يبيع بالتقسيط، واشترى ثلاجة بالاقساط لمدة سنة بمبلغ 1000 دولار، ثم عاد لمحل السعيد نفسه وباعه ذات الثلاجة نقداً بسعر 800 دولار.
يظهر من المثال أن خليل لايحتاج للثلاجة ولكنه يحتاج للنقود، ولكنه تحايل بادخال الثلاجة كوسيط، لكن جوهر العقد أنه اقترض 800 دولا وسوف يقوم بتسديد المبلغ 1000 دولار. وهذا هو جوهر الربا المحرم.
منع الإسلام هذه العقود لأن هذه العقود لها مبنى البيع لكن مقصدها هو الربا لذلك حرّم الاقتصاد الإسلامي عن هذه البيوع سداً لباب الربا لأن العبرة بالمقاصد وليس لظاهر العقد.
رابعاً: النهي عن بيع المنابذة
بيع المنابذة من البيوع الجاهلية لا تتحقق فيه المعرفة التامة للمتعاقدين بالسلعة محل العقد، ولا يؤمن التروي وحرية الاختيار للمتبادلين.
ويقصد ببيع المنابذة هو وصف السلعة وبيعها دون مشاهدتها فقط بناءً على الوصف، ولا يقتصر على التحريم هذا البيع، فكل بيع لا تتحقق فيه المعرفة التامة منهي عنه، لأن العقود لابد أن تقوم على الرضا والمعرفة تلعب دور أساسي في تحقق الرضا.
اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي
خامساً: تأمين المعرفة التامة وحرية الاختيار
عمل الاقتصاد الإسلامي على تحقيق الرضا بكل السبل، فأثبت ما يسمى بخيارات البيوع، وهي مجموعة خيارات تمنح المشتري أو البائع الفرصة كي يتيقن بأنه سيتم العقد، وهدفها تحقيق الرضا بشكل تام.
أمثلة الخيارات في الاقتصاد الإسلامي
ومن الأمثلة على هذه الخيارات:
خيار الرؤية
يقصد بخيار الرؤية أن يُعلق إتمام عقد البيع على رؤية السلعة محل العقد، فلو أن أحدهم وصف سلعة للمشتري وبيّن ميزاتها وفوائدها، هنا الإسلام سيعطي المشتري في حال طلبه خيار الرؤية بأن يشترط على البائع إتمام أو فسخ العقد بعد رؤية السلعة على أرض الواقع.
خيار الشرط
خيار الشرط هو أن يشتري أحد المتبايعين شيئا بشرط أن له الخيار في إنفاذ البيع أو إلغاءه لمدة محددة، فإن شاء أتم البيع في هذه المدة وإن شاء ألغاه، هذا الشرط يمنح للمتعاقدين معا أو لأحدهما إذا اشترطه.
خيار العيب
قد يكتم البائع صفات سلبية في السلعة ويخفيها عن المشتري، هذا التصرف ممنوع في الاقتصاد الإسلاميفلا يجوز كتم العيب عن المشتري، لذلك أعطى النظام الإسلامي للمشتري الحق في إتمام البيع أو فسخ العقد عند علمه بالعيب لأن العقد لا يكون لازماً.
سادساً: إقالة النادم
لإتمام كمال الرضا وتدعيم صحة المعاملات، حثّ الاقتصاد الإسلامي على إقالة النادم وهو الشخص الذي شعر بالندم على الشراء أو حتى البيع ورتّب على ذلك ثواب وأجر أخروي عليه، على الرغم من صحة العقد وعدم وجود أي سبب ملزم لفسخ العقد، إلا من الناحية الأخلاقية.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط
سابعاً: نظام الرقابة
على الرغم من أن الاقتصاد الإسلامي حرص على البعد التربوي والالتزام الذاتي من قبل الأفراد، إلا أنه لم يكتفي به لضبط التعاملات المالية، لذلك دعم هذه المنظومة بالإلزام من خلال جهاز الحسبة ويقصد به جهاز رقابة على السوق لمراقبة التعاملات المالية بين الأفراد.
في النهاية عزيزي القارئ الاقتصاد الإسلامي حمّل جزء كبير من الانضباط في التعاملات للفرد، لأن الفرد هو اللبنه الأساسية والمخاطب الرئيسي في التكاليف لذلك لابد أن يكون إلتزامه ذاتياً، قبل أن يكون إلتزاماً قانونياً.
برأيك عزيزي القارئ ما مدى إلتزامنا الذاتي بهذه الأحكام، وهل سيمثل الإلتزام الذاتي عنصراً رئيسياً في التطبيق؟.
مقال جميل