من المفترض أننا كبشر كائنات عقلانية، نتخذ قرارتنا بعد تفكير وتدبر وأننا نشتري ما نحتاج إليه فقط! لكن هل سبق أن شعرت بالضيق بعد قيامك بالدفع نقدًا لفاتورة مشتريات مرتفعة، ألم تستغرب هذا الضيق المفاجئ؟، هذا الشعور يسمى ألم الدفع وهو شعور يترافق مع عمليات الدفع نقدًا، لماذا يظهر هذا الشعور؟ وكيف يؤثر في قرارات الشراء؟ وكيف يمكن استغلاله لتحسين حياتنا المالية؟
هذه الأسئلة جزء من الأفكار التي نناقشها في هذا المقال.
اقرأ أيضًا: تأثير ديدرو | لماذا نشتري ما لا نحتاج؟
ما هو ألم الدفع؟
في علم الاقتصاد التقليدي كان يُنظر إلى عملية الشراء والدفع على أنها قرار عقلاني خالٍ من العاطفة، وأن عملية الإنفاق ترتبط بتحقيق أكبر منفعة ممكنة المال المخصص للإنفاق، إلا أن هذا الإفتراض يفتقر إلى الواقعية من الناحية النفسية، حيث أن قرارات الدفع تتأثر بالحالة العاطفية المستهلك.
يشير مصطلح ألم الدفع إلى المشاعر السلبية التي نشعر بها عند القيام بعمليات الشراء، وذلك لارتباط عملية الشراء بمشاعر الخسارة التي نكرهها بطبيعتنا البشرية.
في دراسة أجراها مجموعة من الباحثين في الاقتصاد السلوكي في عام 2007، درسوا فيها ألم الدفع وتأثيراته العصبية، وجدوا فيها أنه عندما يتعرض المستهلك لأسعار يعتبرها مرتفعة جدًا بالنسبة، يبدأ جزء محدد من الدماغ بالاستجابة وهي منطقة القشرة المعزولة.
القشرة المعزولة مسؤولة عن تلقي المعلومات الحسية من البيئة المحيطة و الإشارات التي ترسلها الأجزاء الداخلية للجسم، بالإضافة إلى أنها مسؤولة عن الشعور بالألم، بالتالي فإن هذه المنطقة تحدد فعل الدفع إذا كانت الأسعار مرتفعة على أنه شعور قريب من الألم الجسدي.
عندما نقوم بعملية الدفع فإننا نتحمل خسارة لذلك تعتبر عمليات الشراء الباهظة أمر مؤلم، كما تُظهر الدراسات أن ألم الدفع يتفاوت بناء على طريقة الدفع المستخدمة – لشراء نفس المنتج- فقد تبين أن الدفع نقدًا مؤلم أكثر من الدفع بالبطاقات البنكية، السبب في ذلك أن خسارة المال تكون أوضح للدماغ عند الدفع نقدًا فالمستهلك يرى خسارته للمال أمام عينيه، على عكس الدفع باستخدام البطاقة البنكية التي تتمثل بتمرير قطعة من البلاستيك في آلة الدفع.
اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الشخصية – 8 أخطاء يجب تجنبها في الثلاثينيات.
متى يكون ألم الدفع أقل؟
هناك بعض الحالات التي أشار إليها عالم الاقتصاد السلوكي Zellermayer يكون فيها ألم الدفع أقل:
- اعتبار الصفقة عادلة أو مفيدة أكثر من السعر الفعلي للمنتج:
إن شعور المستهلك بأن المنتج يستحق أو أن السعر المرتفع له تبرير منطقي، فإن ذلك يخفف من ألم الدفع، على سبيل المثال شراء كوب قهوة مقابل 10 دولار في كافيه يعتبر أمر طبيعي، في حين قد يبدو أنه سعر مبالغ فيه في حال شرائه من محل قهوة في الطريق، على الرغم من أن كون القهوة هو نفسه في كلا الحالتين. - الدفع الفوري مقابل السداد:
على الرغم من أن عملية الدفع الفوري قد تكون مؤلمة، إلا أن الدفع لسداد عمليات شراء سابقة سيكون مؤلم بشكل أكبر، ذلك لأن المستهلك حصل على المتعة المتحصلة من شراء المنتج في فترة سابقة.
لذلك الدفع قبل الاستهلاك يعد سبب في تحسين تجربة الاستهلاك التي يحصل عليها المستهلك، وهذا يظهر بشكل أوضح في عمليات الشراء أونلاين، حيث يكون هناك مدة زمنية ما بين شراء المنتج واستلام المنتج، فغالبًا ما تشعر بالسعادة وكأنك حصلت على المشتريات كهدية، على الرغم من أنك قمت بالدفع في وقت سابق. - أن تكون عملية الإنفاق لشخص آخر:
عند توكيل شخص آخر بعملية الشراء سيكون ألم الدفع أقل من الشراء بشكل مباشر. - الشعور بوفرة المال أو زيادة الدخل:
إذا قمت بتفقد رصيدك الشهري ولاحظت وجود ربح صغير متكرر أو حصلت على مصدر دخل إضافي، فإن هذا سيكون سبب في زيادة إنفاقك على منتجات أغلى او زيادة الإنفاق بشكل عام، في حين عدم التنبه لوجود الدخل الجديد لن يتأثر نمط الإنفاق الخاص بك.
اقرأ أيضًا: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها.
كيف تؤثر طريقة الدفع على حجم الإنفاق؟
المشتريات تتأثر بمجموعة من العوامل مثل سعر المنتج والمنتجات البديلة عنه، وكذلك طريقة الدفع التي نتبعها تعتبر من العوامل المهمة في تحديد حجم الإنفاق الخاص بنا، فيما يلي سنتطرق لمجموعة من أساليب الدفع المتبعة ونقارن فيما بينها من حيث ألم الدفع المرتبط بها:
أولًا: الدفع نقدًا.
يعد الدفع النقدي أكثر أساليب الدفع التي تشعر بالألم مقارنة بأساليب الدفع الأخرى، عندما نستخدم النقود في الدفع يكون التأثير النفسي أكثر بروزًا، لأنك سوف ترى النقود وأن تعطيها للبائع وستلاحظ نقصان النقود شيئًا فشيئًا.
ثانيًا: الدفع عن طريق بطاقة الخصم أو بطاقة الائتمان.
بطاقة الخصم هي بطاقة دفع يتم تغذيتها من حسابك البنكي، فعندما يتم الدفع باستخدامها يتم خصم قيمة الفاتورة من حسابك الشخصي.
الدفع عن طريق بطاقة الخصم تعتبر أقل تأثرًا بألم الدفع من الدفع كاش، لكن يتم إرسال رسالة نصية لتأكيد إتمام عملية الدفع وهذه ستحافظ على وجود ألم الدفع ولكن بصورة أقل نسبيًا من الدفع النقدي.
أما فيما يخص الدفع عن طريق بطاقة الائتمان هي البطاقة التي تمثل قرض من البنك، ثم يتم التسديد بدون أي فوائد ربوية أو غرامات تأخير في حال التسديد في نهاية الشهر، الدفع من خلال هذه البطاقة يمثل مستوى أعلى من تقليل الألم من الدفع نقدًا أو حتى من خلال الدفع ببطاقة الخصم، لأنك لن تشعر بتناقص النقود ولن يصل لك رسالة بإتمام عملية الدفع، لكنك ستشعر بتبعات الإنفاق في موعد التسديد.
في دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في امريكا، طلب الباحثون من طلاب إدارة الأعمال أن يحددوا متوسط ما يمكن أن يدفعوه مقابل الحصول على تذاكر حضور مباراة كرة سلة لفريق بوسطن سيلتيكس، لكن اخبروا جزء من الطلاب أنهم سيدفعون نقدًا والجزء الآخر سيدفعون عن طريق البطاقة.
الجزء الذي سيدفع نقدًا كان متوسط المبلغ المعروض فقط 60 دولار، في حين أن الطلاب الذين سيدفعون عن طريق البطاقة أظهروا استعداد لدفع ضعف المبلغ.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
ثالثًا: الدفع عن طريق الهاتف.
في السنوات الأخيرة ظهرت طرق جديدة تعمل على إضعاف العلاقة بين إنفاق المال وألم الدفع المرافق له، الدفع عن طريق الهاتف يكون ألم الدفع في أقل حالاته، لأننا لم نتعود أن يكون الهاتف أداة تواصل إجتماعي وليس أداة دفع.
تقول أفني شاه الأستاذ المساعد في التسويق في جامعة تورنتو:” لا نفكر حقًا في تدفق الأموال عند استخدام الهاتف”. “إنه يمثل جهازًا إجتماعيًا ، وليس أداة دفع.”
ظهرت العديد من الأساليب التي توظف طريقة الدفع في الهاتف في سبيل زيادة المبيعات، يكفيك في متجر أبل أن تضغط على خيار تحميل كي تقوم بشراء التطبيق دون أي ذكر لوجود عملية شراء، في حين أن معلومات البطاقة تم تخزينها في وقت سابق.
من ناحية أخرى ظهر خيار “دفع اشتر الآن وادفع لاحقًا”، الذي يتيح للمستخدمين بشراء السلع والخدمات بسعر الكاش ويتم الدفع على أربع أقساط غالبًا ودون أي زيادة في حال الإلتزام بالدفعات.
تكمن خطورة طريقة الدفع هذه لأنها تشعرك بأن لديك قدرة مالية أكبر مما لديك في الحقيقة، لنفترض أن لديك 500 دولار في الوضع الطبيعي يمكن أن تشتري هاتف جديد، في حين يتيح خيار اشتر الآن وادفع لاحقًا أن تشتري هاتف وساعة ولابتوب، من خلال استخدام 500 دولار كدفعة أولى دون تفكير واعي في الدفعات المستقبلية.
اضف إلى ذلك أن هذا الخيار يهون عليك الاقتراض بغض النظر عن أهمية السلعة أو الخدمة التي تم شراؤها، حيث يمكنك شراء غسالة أو ثلاجة وحتى الملابس وحاجات البيت اليومية!
في المجمل لا تستخدم خيار اشتر الآن وادفع لاحقًا إلا لشراء الضروريات إن لم تملك ثمنها، مع ضمان أنك ستلتزم بالدفعات.
كيف نستغل ألم الدفع لضبط الإنفاق.
يمكننا كمستهلكين أن نستغل ألم الدفع لتقليل من الإنفاق وضبط الميزانية الشخصية:
- الدفع نقدًا: احرص على أن يكون الدفع نقدًا هو الخيار الأول والأساسي لديك، ولا تلجأ لاستخدام البطاقات أو الدفع عن طريق الهاتف إلا اضطرارًا.
- إعداد قائمة التسوق مسبقًا: قبل الذهاب للتسوق احرص على أن تكتب ما تحتاج إليه من السوق، يجنبك ذلك الشراء الاندفاعي، حدد ميزانيتك وإلتزم بها، وبالتأكيد ادفع نقدًا.
- قم بتتبع الإنفاق: عدم تذكر عمليات الدفع التي قمت بها سيخفف من ألم الدفع، لذلك فإن عملية تتبع الإنفاق ستجعلك أكثر وعيًا بأسلوب إنفاقك، بالإضافة إلى أنها ستحسن قرارات الشراء المستقبلية.
- إبطاء عملية الشراء: يميل الأشخاص الذين يدفعون عبر البطاقة أو يتسوقون عبر الهاتف إلى إجراء عمليات الشراء دون تفكير بشكل كافي، لذلك اعط نفسك وقت أطول للتفكير في عملية الشراء،كأن تقسم عملية التسوق على أكثر من مرة، أو أن تضع السلع في السلة ثم تؤجل الضغط على زر الشراء ليوم آخر عبد الشراء عبر الهاتف.
اقرأ أيضاً: 6 خطوات لبناء صندوق الادخار للطوارئ من الصفر.
الموازنة ما بين ألم الدفع ومتعة الشراء
على الرغم من أننا يجب أن نكون منتبهين لتأثير طريقة الدفع على حجم إنفاقنا، إلا أننا يجب أن نحافظ على المتعة المتحصلة من الشراء وأن لا نفسد لحظاتنا الجميلة، فيما يلي بعض الأفكار التي تساعدك في الحفاظ على متعة الشراء:
- الدفع حسب الاستهلاك مقابل الدفع مقدمًا:
على الرغم من أن الدفع حسب الاستهلاك قد يكون أوفر للمستهلك إلا أن تجربة الاستهلاك ستكون أقل متعة وإرضاًء له، في كتاب توقع لا عقلاني لعالم الاقتصاد السلوكي دان إيرلي، اجرى تجربة على طلابه، حيث قدم لهم البيتزا وكلف شخص بعد اللقم التي يأكلها كل فرد منهم، وفي النهاية كل طالب يدفع بحسب عدد اللقم.
على الرغم من أن المبلغ النهائي الذي دفعه كل طالب كان أقل،إلا أنهم أشاروا إلى أن التجربة كانت سيئة بالنسبة لهم، لذلك الدفع مقدمًا في بعض الأحيان سيمنحك تجربة أفضل.
- الدفع المتكرر مقابل الدفع المسبق:
في كثير من الرحل السياحية المنظمة يكون سعر الرحلة شامل التنقلات والوجبات وزيارة المناطق السياحية، هذا الأسلوب في الدفع يركز اهتمام السائح على الاستمتاع الرحلة، بدلًا من تشتيته بمتابعة التكاليف والشعور بألم الدفع المتكرر.
- ألم الدفع والصدقة:
قد تكون ممن يحبون الصدقات ومساعدة المحتاجين، إلا ألم الدفع في كل مرة يدخلك في نقاش طويل مع نفسك في أولوياتك المالية، يمكنك اختصار هذه النقاشات بأن تقوم بتخصيص بنكي ليتم التجويل للجهة المستحقة بشكل تلقائي في كل شهر.
اقرأ أيضًا: أساسيات الوعي المالي والثقافة المالية.
في النهاية عزيزي القارئ مقدار وعيك بطريقة التلاعب التي تتبعها الشركات لتجبرك على إنفاق المزيد من المال، يشكل درع واقي لك يحميك من التهور أو الإسراف.
إذا كان لديك بعض الافكار عن توظيف ألم الدفع في ضبط الإنفاق شاركنا بها.