لابد أنك سمعت عن البنوك الإسلامية، أو قابلت أحدهم يدرس في الجامعة تخصص الاقتصاد الإسلامي، تنبه العالم للاقتصاد الإسلامي على نحو أفضل منذ الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة في 2008 المعروفة باسم أزمة الرهن العقاري.

فهل فعلاً يوجد اقتصاد إسلامي، أو نظام اقتصاد إسلامي، أم أنه مجرد تصحيحات واستدراكات على النظامين الاقتصاديين الرأسمالي والاشتراكي.

ماهو النظام الاقتصادي

هو تشكيلة المؤسسات التي تهتم بتسيير النشاط الاقتصادي، وتحقق أهداف المجتمع الاقتصادية استناداً إلى قناعات عَقَدية وفلسفية ونظرية، تحدد الطريقة التي يعتمدها المجتمع لتحقيق أهدافه.

إذا فهو تجسيد للمذهب الذي يؤمن به المجتمع ويعبر عنه بالمؤسسات والأدوات القادرة على تطبيق المذهب في الواقع.

يوجد لدينا ثلاث نظم اقتصادية، النظام الإسلامي والنظام الرأسمالي والنظام الإشتراكي، سنتناول في هذا المقال النظام الاقتصادي الإسلامي بالتفصيل.

ماهو النظام الاقتصادي الإسلامي

يعد النظام الاقتصادي الإسلامي تجسيداً للعقيدة الإسلامية، حيث يقوم على منظومة عَقَدية وتشريعية وقيمية مستمدة من الشريعة الإسلامية، تتلخص بالإيمان بمبدأ الاستخلاف الذي يوازن بين الفرد والجماعة، والربح الدنيوي والفلاح الأخروي.

أهم مبادئ الاقتصاد الإسلامي

أولاً:مبدأ الاستخلاف

الملكية الفردية الخاصة ملكية مشتقه من ملك الله سبحانه وتعالى، والإنسان وكيل عن الله تعالى في هذه الملكية، ولذلك لابد للوكلاء “الأفراد” أن يتصرفوا في هذه الملكية وفق توجيهات وضوابط المالك الأصيل. فالله هو مالك المال والإنسان مستخلف فيه ليحقق عمارة الأرض وفق ما تقتضي أحكام الله تعالى.

ثانياً: إيجاب الزكاة

الزكاة هي عبادة مالية تجب عند بلوغ المال حد معين بشروط معينة، وتعد الزكاة ركن من أركان الإسلام الواجب الإلتزام بها، كالشهادتين وكالتزامنا بالصلاة وصيام رمضان والحج على حد سواء من الأهمية.
تجب الزكاة على المال بشروط: أن يكون المال بالغاً للنصاب، وأن يكون مملوكاً ملكاً تاماً و فائضاً عن الحاجة وخالياً من الديون، وأن يحول عليه الحول أي أن يمضي مع صاحبه عاماً هجرياً، وهذه النقطة فيها تفصيل لا يسعنا بيانه في هذا المقال، ويشار أن بعض الأموال لا يشترط فيها حولان الحول مثل الزروع والثمار.

ثالثاً: تحريم الربا

الربا هو الزيادة المشروطة على المال عند إقراضه، كأن يستدين زيد من علي ألف دينار، فيشترط علي أن يردها له ألف ومئة دينار. وهذا العقد لا يجوز في الإسلام، وقد توعد الله تعالى آكل الربا بالحرب.

يقول الله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ۝ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:278-280]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:” لعن آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

والربا له آثار اقتصادية سلبية على الاقتصاد، وهذا بشهادات علماء الاقتصاد الغرب أنفسهم، ولا يخفى عليك عزيزي القارئ أن الأزمة المالية التي شهدها العالم في 2008 كان السبب الرئيسي فيها هو الإقراض الربوي.

اقرأ أيضا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا

رابعاً: وجود شروط محددة للعقد لسلامة العقد في النظام الإسلامي

اشترط التشريع الإسلامي عدة شروط حتى يكون العقد صحيحاً، سنبينها فيما يلي بشيء من التبسيط:

  1. رضا العاقدين

    والرضا حالة نفسية يستدل عليها بالإيجاب والقبول، أي العرض والموافقة، فمثلاً عند دخولك لمحل ملابس لشراء قميص تسأل عن سعره فإن ناسبك السعر تقوم بدفع ثمنه، هنا لم تتلفظ بالموافقة لكن الموافقة كانت ضمنية، فالرضا هو الموافقة على إتمام العقد، ويمكن أن تكون لفظية أو سكوتية، ويشترط لصحة العقد رضا العاقدين في دائرة المسموح به شرعاً، فلا يصح أن نقول أن المقترض رضي أن يعطي المقرض زيادة على أصل الدين، لأن هذا رباً لا يجوز التعامل به ابتداءً. ‏‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏( ‏إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ ).

  2. الأهلية في العاقدين

    فالمجتمع المسلم مأمور بأن يمنع من لا يملك الأهلية من التعامل مع المال، وهذا ليس فيه غصباً للمال بل حرصاً من المجتمع على ماله، حيث يجب رد المال له حال تحقق الرشد، ويستدل على الرشد بالبلوغ أو التمييز والعقل.

    “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ”

  3. أن يكون محل العقد مالاً متقوماً

    أي أن يكون المعقود عليه غير محرم في الشريعة الإسلامية، فلا يجوز التبايع بالخنزير والخمور المخدرات. ويقصد بمحل العقد موضوع الصفقة أو العقد، فعندما تذهب لشراء خبز فإن محل العقد هو الخبز والمال الذي تدفعه للبائع.

  4. أن يكون محل العقد معلوماً علماً تاماً

    فيجب أن يكون معلوماً علماً تاماً، ينفي إحتمالية قيام أي نزاع أو إخلال بالعقد، فلا يمكن بيع السمك قبل صيده مثلاً.

  5. سلامة العقد من الربا

    والربا هو زيادة مشروطة على رأس المال نظير الأجل أي الوقت. وقد حرّم التشريع الإسلامي أي زيادة على رأس المال دون تحمل مخاطر.

  6. سلامة النية

    أي أن تتطابق نية العاقد مع مقصد العقد وآثاره، مثل الهدية لصاحب النفوذ، فهي ظاهرها هدية لكن قد تكون نيته الرشوة لمساعدته في شيء ما.

  7. سلامة المآل

    أي ما ينتهي إليه العقد فيجب أن يكون لدينا بُعد نظر، بأن نفكر في النتائج المترتبة على العقد هل سيحقق مصلحة عامة أو خاصة، أم سيحقق آثار سلبية، فلو له آثار سلبية وضارة يمنع حتى لو حقق جميع الشروط الأخرى.

اقرأ أيضاً: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي | الجزء الأول

خامساً: تحريم بعض أنواع البيوع

في معاملات السوق سواء كانت سوق تقليدية أم سوق إسلامية هناك عدة صور للبيوع والمعاملات، لكننا نرى النظام الاقتصادي الإسلامي يتدخل ليمنع بعض الأنواع من البيوع، لنقص بعض شروط العقد فيها و منع التنازع في السوق، مثل تحريم البيع على البيع.

يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْض»، ومعنى الحديث النبوي الشريف، لو أن بائع ومشترٍ يتفقون على بيع محدد، خلال عملية الإتفاق يحرم على بائع آخر أن يتدخل بأن يقنع المشتري بسلعة عنده، ولا يجوز لمشترٍ آخر أن يساوم البائع على نفس السلعة، حتى ينتهي البائع والمشتري الأساسيين إما بإتمام الصفقة أو فضّها.

وهذا له أثر كبير في الحد من المنازعات والخلاف والتباغض في السوق الإسلامية مما يؤدي إلى استقرارها.

سادساً: الإقراض والإقتراض في الإسلام محصور بالقرض الحسن

القرض الحسن هو عمل صالح يتقرب فيه الإنسان إلى الله تعالى، حيث يقوم بتقديم المال بهدف تفريج الكرب عن الآخرين بدون أي زيادة على مبلغ القرض عند رده، ويكون من باب التعاون والمساعدة والتكاتف في المجتمع والتوسعة على المحتاج، ويجب على المقترض أن يرد مبلغ القرض بدون زيادات مشروطة سواء عند الإقراض أو عند تأخر السداد أو حتى لو كانت إتفاقاً ضمنياً في المجتمع.

وحثَّ الإسلام على القرض، يقول الله تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من فرج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”

 

اقرأ أيضاً: 6 فروق يجب معرفتها ما بين البنوك الإسلامية والتقليدية

سابعاً: مشاركة رأس المال في مخاطر الاستثمار

يستحق الربح في الإسلام على رأس المال حال مشاركة رأس المال في مخاطر الاستثمار، إنطلاقاً من قاعدة الغنم بالغرم، أي الأرباح مقترنة بالمخاطر، وهذا يوسع دائرة المشاركة في مخاطر الاستثمار فلا يكون العبء كاملا على المنظم (الذي يقوم بالعمل)، بل سيشاركه الممول في تحمل نتائج العملية الاستثمارية، بشرط أن المنظم لا يقصّر في عمله بالمشروع ولا يخالف الشروط المتفق عليها، وهذا الشرط سيؤدي إلى زيادة الإقبال على الاستثمار مما يؤدي إلى النمو الاقتصادي.

ثامناً: نظام الملكية في الاقتصاد الإسلامي

وازن النظام الإقتصادي الإسلامي بين الملكية الفردية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة، حيث بيّن كل نوع من هذه الملكيات ورسم حدودها دون إغفال للملكية العامة التي يستفيد منها كل أفراد المجتمع مثل الحدائق العامة والطرق، ودون تعدٍ على الملكية الخاصة، مع حفظ حق الدولة بأن تمتلك بصفتها حامية لأفراد المجتمع ولما يحقق مصلحتهم في الحاضر، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.

اقرأ أيضاً: 7 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي | الجزء الثاني

النظام الاقتصادي الإسلامي نظام متكامل له أسسه وقواعده ومبادئه و مميزاته التي تختلف اختلافاً كبيراً عن النظم الاقتصادية الأخرى، كما أنه لا ينحصر في الحكم على حرمة أو حل المعاملات التجارية. وقد تغلغلت الاحكام الاقتصادية في مفاصل التشريع الإسلامي بحيث يستحيل معها فصل الأحكام الاقتصادية عن باقي الأحكام، وهذا ينسجم مع طبيعة علم الاقتصاد الذي يعد أحد فروع علم الإجتماع الذي يختص بدراسة السلوك الإنساني. فلا بد للدين الذي جاء ليحكم ويوجه سلوك الفرد أن تأتي أحكامه جامعةً لكل جوانب حياته الروحية الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، مما يؤكد شمولية الإسلام.

ما هي ميزات نظام الملكية في الإسلام ؟
ماهي مبادئ الاقتصاد الإسلامي الرئيسية ؟