سوق احتكار القلة: التوازن بين المنافسة والسيطرة

ما بين المنافسة الحرة والاحتكار الكامل هناك نماذج متنوعة، ويبرز سوق احتكار القلة كنموذج فريد عندما يهيمهن عدد قليل من الشركات على سوق صناعة معينة، وهنا ينشأ توازنًا دقيقًا ما بين رغبة الشركات في تحقيق أقصى ربح، وبين حرصها على الاحتفاظ بحصتها السوقية وموازنة مصالحها مع المنافسين.

لا ينحصر احتكار القلة بين صفحات الكتب والنظريات الاقتصادية، بل نجده واقعًا معاشًا في قطاعات تمس حياتنا اليومية، مثل الاتصالات، والطاقة، والسيارات. في هذا المقال نتناول سوق احتكار القلة، وخصائصه وآثاره الاقتصادية، وما ينتج عنه من ميزات وعيوب.

اقرأ أيًضا: ما يجب أن تعرفه عن الاحتكار في الاقتصاد

ما هو مفهوم سوق احتكار القلة؟

مفهوم سوق احتكار القلة

احتكار القلة (Oligopoly): هو هيكل من هياكل السوق، يسيطر فيه عدد قليل من الشركات الكبرى على سوق معين. بحيث يمكن للمنتجين بشكل مباشر أو غير مباشر التأثير على الأسعار والقرارات السوقية. في هذا النموذج الاقتصادي يوجد نوع من المنافسة إلا أن عدد الشركات القليل جدًا يمنحها قوة كبيرة في التأثير على السوق. في ذات الوقت لا يمكن لشركة واحدة منع الشركات الأخرى من التأثير في السوق.

بالتالي فنموذج احكار القلة أو القلة الاحتكارية في تعبير آخر، يشير إلى حالة تعمل فيها شركات معًا داخل نفس الصناعة بدلًا من التنافس مع بعضها، بهدف تحقيق المزيد من الأرباح، على العكس من الاحتكار الذي تهيمن فيه شركة واحدة على السوق. بالتالي من الناحية الفنية لاتزال هناك منافسة بين الشركات داخل السوق أو الصناعة، إلا أنها تميل إلى التعاون بدلًا من التنافس.

الفرق بين احتكار القلة والأشكال الأخرى للاحتكار والمنافسة الكاملة

اقرأ أيضًا: تعرّف على 4 شروط لسوق المنافسة الكاملة

خصائص سوق احتكار القلة

• يسيطر على السوق عدد محدود من الشركات

يتميز سوق احتكار القلة بسيطرة عدد محدود من الشركات الكبرى على صناعة معينة يتراوح ما بين 2 إلى 10 شركات، قلة عدد الشركات يمنحها القدرة على لتأثير على الأسعار، والعرض، والطلب بشكل كبير. وهذه الشركات تغطي نسبة كبيرة من احتياجات السوق. كما يصعب دخول شركات جديدة للسوق بسبب قوة المنافسة.

• التأثير المتبادل بين الشركات

تعتمد الشركات في سوق احتكار القلة على ردود أفعال بعضها البعض، حيث تقوم الشركات بتحليل قرارات المنافسين قبل اتخاذ أي قرار للحفاظ على حصتها السوقية. فإذا قررت احدى الشركات أن تخفض أسعارها أو تقدم عروض موسمية، قد تضطر الشركات المنافسة لاتخاذ ذات الاجراء خوفًا من فقدان عملائها.

• غياب المنافسة السعرية

نادرًا ما تعتمد الشركات في نموذج احتكار القلة على خفض الأسعار لجذب العملاء، حيث تركز على الترويج للعلامة التجارية وبناء ولاء العملاء، وتحسين جودة المنتج وخدمات ما بعد البيع، واستخدام الابتكار للتميز عن المنافسين.

• وجود قائد للأسعار

نتيجة للتأثير المتبادل تتجنب الشركات إحداث تغييرات كبيرة في الأسعار خوفًا من ردود أفعال المنافسين، ينتج عن ذلك ثبات الأسعار. وعادة ما تكون هناك شركة قائدة للأسعار حيث تحدد أسعار السوق وتتبعها بافي الشركات تجنبًا لحرب الأسعار. وغالبًا ما يتم تحديد الأسعار بناء على توازن العرض والطلب وسلوك المستهلكين بدلًا من الاعتماد على قوى السوق.

• وجود حواجز عالية لدخول السوق:

 يعتبر دخول شركات جديدة إلى في ظل نموذج احتكار القلة أمرًا صعبًا، نتيجة لوجود حواجز متعددة، مثل التكاليف العالية حيث يتطلب الدخول لهذه الأسواق استثمارات ضخمة في البنية التحتية، أو تطوير المنتج أو الترويج للعلامة التجارية.

كما تحتاج الشركات الجديدة إلى معرفة متعمقة في السوق وتحتاج إلى تقنيات متقدمة للمنافسة، اضف إلى ذلك قد تكون هناك قوانين صارمة تحكم الدخول لبعض الصناعات مثل صناعات الأدوية والطيران، مما يمنح الشركات الفرصة في الحصول على الأرباح في المدى الطوي

• المعرفة الكاملة وغير الكاملة

في ظل سوق احتكار القلة تكون لدى الشركة معرفة كاملة لتكاليفها الخاصة وحجم الطلب لديها، إلا أنها تفتقر للمعرفة الكاملة عن منافسيها. لكن في حال حدوث تواطؤ بين الشركات في السوق، تصبح المعلومات عن الشركات أكثر توفرًا ووضوحًا.

اقرأ أيضًا: 3 نماذج أساسية لسوق احتكار القلة

مزايا وعيوب سوق القلة الاحتكارية

المزايا

• الأسعار المستقرة

تميل الأسعار في هذا النموذج إلى أن تكون مستقرة نسبيًا، مما يعني استقرار السوق، وذلك نتيجة القوة السوقية الكبيرة للشركات في هذا النموذج، والاعتماد المتبادل فيما بينها، والقدرة الكبيرة على التنسيق مع بعضها البعض، تميل الأسعار كما أن الشركات تتجنب المنافسة السعرية الشديدة لأنها تضر بالجميع.

• التمايز بين المنتجات

غياب التنافس السعري في هذه السوق يدفع الشركات لتمييز منتجاتها ببطرق مختلفة، مثل تحسين الجودة، وتقديم خدمات ما بعد البيع، وتعزيز تجربة المستخدم من خلال حملات تسويقية، وتعزيز الولاء للعلامة التجارية.

• اقتصاديات الحجم الكبير

تتميز الشركات في هذا النموذج باقتصاديات الحجم الكبير، حيث أن الشركات الكبيرة تنتج كميات ضخمة وهذا يقلل تكاليف الإنتاج، مما يؤدي لتوفير المنتجات بأسعار تنافسية، وكفاءة أعلى، مع هامش أرباح مرتفع.

• الاستثمار في البحث والتطوير

كبر حجم الشركات في هذا النموذج يتيح لها أن تخصص جزء كبير من مواردها في البحث والتطوير والابتكار مما يؤدي إلى تحسين الخدمات والمنتجات وإيجاد تقنيات جديدة.

اقرأ أيضًا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا

العيوب

• انخفاض المنافسة

تحكم عدد قليل من الشركات في السوق يضعف المنافسة، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، حيث يمكن الاتفاق ضمنيًا أو صراحة على رفع الأسعار لتحقيق أرباح أعلى للشركات، مما يضر بالمستهلكين خاصة إذا كانت السلع ضرورية.

• التواطؤ

قد تلجأ الشركات في سوق احتكار القلة إلى الاتفاق مع بعضها البعض على تقسيم السوق، أو التحكم بالأسعار، أو التحكم في مستويات الإنتاج. وهذا يضر بالمنافسة وبمصلحة المستهلكين.

• الحواجز أمام الدخول إلى السوق

قد ينطوي سوق احتكار القلة على حواجز عالية أمام دخول منافسين جدد، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الدخول إلى السوق، أو القوانين التي تعزز وجود الشركات الكبرى، أو التحكم بالموارد والبنية التحتية، وهذا بدوره يمنع المنافسة العادلة.

• التخصيص غير الفعال

قد تقوم الشركات المحتكرة للسوق بتخصيص غير فعال للموارد إلا أنه يخدم مصالحها، من خلال التركيز على تحقيق أرباح أكبر بدلًا من رعاية المستهلك أو تحقيق عوائد للمجتمع.

اقرأ أيضًا: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

أمثلة واقعية على سوق احتكار القلة

• صناعة السيارات

عالميًا يهيمن عدد قليل نسبيًا من الشركات العالمية على صناعة السيارات، وهذه الشركات حصرًا تمتلك تكنولوجيا الإنتاج، والقدرة على التسعير. مع بقاء مساحة من التنافس بين الشركات في تقديم سيارات متنوعة وفق شرائح مختلفة.

على سبيل المثال جنيرال موتورز، وفورد وتويوتا، تمتلك هذه الشركات حصة كبيرة من السوق، ولديها قدرة كبيرة على التحكم في الأسعار والإنتاج.

• صناعة الطيران

يسيطر على صناعة الطيران شركات مثل Boeing، Airbus، حيث يمتلك هذان العملاقان سوق صناعة الطائرات التجارية على مستوى العالم، مما يؤدي لمحدودية المنافسة في هذا القطاع.

• صناعة المشروبات الغازية

تعتبر صناعة المشروبات الغاوية احتكار قلة كذلك، حيث تسيطر شركتي بيبسي وكوكاكولا على أكبر حصة سوقية، وتتحكمان في التسعير والتسعير عالميًا، وتؤثر قراراتهما على قرارات الشركات الأخرى.

• صناعة الألعاب

تسيطر شركات مثل Sony (PlayStation)، Microsoft (Xbox)، Nintendo، على سوق أجهزة الألعاب الإلكترونية عالميًا، وتتنافس فيما بينها في تقديم ألعاب حصرية، أو تقنيات خاصة.

• صناعة التقنية

تسيطر شركات مثل Apple، Samsung، Google، Microsoft، Amazon، على قطاعات متعددة مثل الهواتف المحمولة، والحوسبة السحابية، وأنظمة التشغيل، والتجارة الالكترونية.

• صناعة النفط

تعتبر منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) أبرز الأمثلة على سوق احتكار القلة، لا تتمتع الأوبك بسلكة شاملة، وكل دولة فيها لديها حصة كبيرة من حصة المجموعة في السوق، لكن اجتماع دول الأوبك يؤثر على السوق بشكل كبير، فإذا قررت المجموعة تخفيض انتاجها مع انخفاض الطلب، سوف ترتفع الأسعار بشكل تلقائي.

اقرأ أيضاً: الدورات الاقتصادية ، كيف تحدث الأزمات الاقتصادية؟

في الختام، يتضح لنا أن سوق احتكار القلة بنية سوقية معقدة تنطوي على مزايا وعيوب، فقد تدفع الشركات لزيادة الكفاءة والاهتمام بالابتكار، في ذات الوقت تحد من المنافسة وقد تضر بالمستهلكين. لذا فهي تحتاج إلى تحقيق التوازن المنشود ما بين مصالح الشركات وتنافسية السوق، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تدخل ورقابة الجهات الحكومية.

وبشكل عام قد يكون سوق احتكار القلة سببًا في الابتكار والنمو الاقتصادي في حال كان منظمًا بشكل جيد، وقد يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد والمستهلكين  في حال غياب التنظيم.

الأسئلة الأكثر شيوعًا حول سوق احتكار القلة