عند الحديث عن الربا غالباً فإننا نسمع أنه محرم وغير مقبول في النظام الاقتصادي الإسلامي، لكن ما هي اضرار الربا على الاقتصاد؟ هل يقتصر موضوع الربا على التحريم الديني؟،على الطرف الآخر نرى البعض يلمز ويشير إلى أن هذا الحكم حكم ديني محض، ويرون أن فيه شيء من عدم الواقعية وذلك لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي قائم بشكل رئيسي على الربا الذي يطلق عليه الفائدة ويعد عنصر أساسي من عناصر العملية الإنتاجية.
في هذا المقال سوف ننقل وجهة نظر مغايرة حيث سنبين الآثار الاقتصادية للربا، نورد وجهة الاقتصاديون حول الربا وتأثيره على النظام الاقتصادي.
اقرأ أيضًا: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي
ما هو الربا؟
الربا هو زيادة مشروطة على أصل المال نظير التأجيل، وهنا المال لا يشارك في أي مخاطرة لأنه مضمون من قبل المقترض، بالإضافة إلى وجود زيادة مضمونة كذلك على المبلغ مقابل استفادة المقترض من المال.
وبعبارة بسيطة الربا اقراض مبلغ مالي وتسديد مبلغ أكبر منه عند حلول موعد السداد. ونشير إلى أنه لا عبره في الجهة التي اقترحت الزيادة على المبلغ المالي، سواء كان المقرض من طلب الزيادة أم المقترض اقترحها عليه.
إلا أن هذا الاقراض ينطوي على مجموعة من اضرار الربا على الاقتصاد التي تعود سلباً على الاقتصاد ككل.
اقرأ أيضاً: 7 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الثاني
مثال للتوضيح:
قام سعيد بإقراض خليل 5 آلاف دولار لمدة ستة أشهر، بشرط أن يرجع المبلغ بالإضافة إلى ألف دينار إضافية، وبذلك سيقترض 5 آلاف ويسدد 6 آلاف!
مثال آخر: عندما جاء موعد تسديد خليل للمبلغ المالي لم يكن لديه المال، بالتالي طلب من سعيد أن يمهله شهر إضافي، فاشترط عليه سعيد أن يزيد المبلغ 500 دولار إضافية.
الآثار الاقتصادية للربا
يعتمد التمويل في الاقتصاد الرأسمالي بصورة أساسية على الاقراض الربوي، تنتج عنه آثار واضحة على الاقتصاد ككل وحتى على صعيد الأفراد في المعاملات الشخصية، ونورد فيما يلي الآثار الاقتصادية للربا:
أولاً: التمويل الربوي يؤدي إلى تركز الثروة
من أبرز الآثار الاقتصادية للربا، أن الأموال تسير في اتجاه واحد، وهو اتجاه الوحدات التي تكسب دائما “الجهة المقرضة”، في حين يجب على الوحدات المقترضة أن تلتزم بتسديد القرض بالإضافة إلى الفوائد، سواء كانت هذه القروض توجه للاستهلاك أم للاستثمار، وسواء هذا القرض حقق ربحاً أم تمت خسارة خلال استثماره.
ينتج عن ذلك تركز الثروة في المجتمع، وينتج لدينا مجتمع طبقي حيث يمتلك غالبية الثروة نسبة صغيرة من السكان، يشير العالم الإيطالي باريتو إلى أن 20% من السكان يمتلكون 80% من الثروة.
اقرأ أيضاً: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً؟
ثانياً: كلفة الفائدة الربوية كلفة عَقدية مرتفعة
يحمّل الإقراض الربوي العملية الإنتاجية كلفة إضافية يدفعها المنظم “صاحب المشروع” للممول “المقرض”، ترحل هذه الكلفة إلى المستهلكين من خلال الأسعار التي سترتفع بالتأكيد بسبب ارتفاع التكاليف.
وبما أن رأس المال عنصر لا يمكن للعملية الإنتاجية الاستغناء عنه، سيعنى ذلك أن التمويل الربوي سيكون سبب في حدوث ما يسمى بتضخم جذب الكلفة، تخيل عزيزي القارئ أنه في ستينيات القرن الماضي تم تقدير حصة الفائدة من تكاليف الإنتاج بما يقارب 20%، أي خمس تكاليف الإنتاج يعني أن خمس سعر السلعة سيكون نتيجة للتمويل الربوي.
اقرأ أيضا: التضخم السارق الخفي
ثالثاً: التمويل الربوي يفتقر إلى الكفاءة الاقتصادية
لا يُوجد التمويل الربوي دافع عند الممول ليقوم بإعادة توجيه الموارد المالية إلى الاستخدام الأكثر جدوى اقتصادية، لأن العائد على التمويل الربوي مضمون ولا يتأثر بنتيجة الاستثمار، هذا سوف يكرس بقاء المورد المالي مع المتمول “المقترض” طالما التزم بدفع الفائدة وقدم الضمانات اللازمة للمقرض، بالتالي لن يكون المقرض مهتم لطريقة استثمار المال بيد المقترض، في حين أن التمويل بالمشاركة يدفع الممول للبحث بصورة مستمرة عن فرص استثمارية أفضل.
وعليه فإن الآثار الاقتصادية للربا تؤثر في طريقة تخصيص الموارد، وكيفية توجيهها للاستثمارات.
اقرأ أيضاً: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي
رابعاً: التمويل الربوي تمويل لمن يملكون الأموال
غالباً ما ينحاز التمويل الربوي إلى وحدات الفائض “من يملكون المال” ولكنهم بحاجة إلى السيولة، وذلك لأنهم ببساطة يملكون الضمانات والرهون التي تقنع المقرض بإعطائهم القرض، بالتالي سينحصر منح التمويل لفئة الأغنياء وهذا يرسخ الطبقية.
في حين أن هناك وحدات عجر “لا يملكون المال” وليس لديهم ضمانات كافية لإقناع الممول، وقد يمتلكون كفاءة عالية لكنهم لا يحصلون على التمويل!
خامساً: التمويل الربوي ليس عادلاً في توزيع المخاطر
من الآثار الاقتصادية للربا أنه يحمل التمويل الربوي جميع المخاطر للمقترض في حين لا يحمل المقرض أي من المخاطر، فالمقرض يحتاط لنفسه بالرهون والضمانات بحيث تقل فرصة عدم الوفاء بالقرض لأبعد الحدود، في ذات الوقت يتحمل المقترض كافة مخاطر الاستثمار وفي حال خسارة المشروع سيكون المقترض عاجزاً عن سداد أصل الدين وسداد الفوائد المترتبة عليه.
تحميل جميع المخاطر للمقترضين يجعل النشاط الاقتصادي رهين تفاؤل أو تشاؤم المنظمين المتمولين وتحليلهم لمستقبل استثماراتهم مما يتسبب في دورات الأعمال، في حين لو أن رأس المال شارك في الربح والخسارة سيكون ذلك أكثر أمناً ويوفر جو أكثر صحية للاستثمار.
اقرأ أيضًا: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط
سادساً: الفائدة عقبة في وجه الاستثمار الحقيقي
عندما يقوم المستثمر باتخاذ قرار الاستثمار فإنه يقارن بين كلفة التمويل “سعر الفائدة” وعائد الاستثمار الذي يتوقع الحصول عليه جرّاء عملية الاستثمار، فإن كان عائد الاستثمار أكبر أقدم على الاستثمار، لكن في حين لم يكن الفارق بين كلفة الاستثمار وعائد الاستثمار مقنعاً للمستثمر فلن يقدم على الاستثمار، ويخسر النشاط الاقتصادي فرصة استثمارية.
فمن الآثار الاقتصادية للربا أنه أصبح قيدًا على الاستثمار الحقيقي وعائقًا له، في حين لو أن التمويل كان بالمشاركة عندها ستكون البيئة الاستثمارية أكثر أمنًا، لأن رأس المال سوف يشارك في تحمل مخاطر استثمار.
سابعًا: يميل التمويل الربوي إلى التمويل قصير الأجل
يتجه التمويل الربوي إلى الاستثمارات قصيرة الأجل والتوظيف المالي ويبتعد عن التمويل الحقيقي طويل الأجل، وذلك على الرغم من أن النشاط الاقتصادي الحقيقي يعتمد على الاستثمار طويل الأجل، ويحقق الاستقرار الاقتصادي في المجتمع.
اقرأ أيضًا: 10 اسباب تؤدي بالدول إلى الركود الاقتصادي
ثامنًا: يسبب التمول أزمات اقتصادية
من أهم الآثار الاقتصادية للربا حدوث أزمات اقتصادية ومالية ودورات أعمال، حيث ربط بعض الاقتصاديون حدوث دورات الأعمال بالتمويل الربوي لأن الربا يعطي الحصة الأكبر من قيمة الناتج للأغنياء ويفقر جموع المستهلكين الذين يشكلون الجزء الأكبر من المجتمع، وحين يعجز المستهلكين عن شراء السلع سوف تتكدس السلع في الأسواق ويدخل الاقتصاد الركود من ثم الكساد.
وفي تفسير آخر لدورات الأعمال أشار الاقتصاديون إلى أن طريقة منح المصارف التجارية القروض للمستثمرين لا تتوافق مع أهداف المجتمع التي يعمل البنك المركزي على تطبيقها، فالبنوك التجارية تتوسع في الاقراض عندما يجنح الاقتصاد للتضخم مما يفاقم المشكلة، وتقلص القروض عندما يميل الاقتصاد للانكماش، وفي كلا الحالين هذا السلوك يكرس المشكلة ولا يوافق مصالح المجتمع.
اقرأ أيضاً: الدورات الاقتصادية ، كيف تحدث الأزمات الاقتصادية؟
هذا رأي الاقتصاديون الغربيون عن الآثار الاقتصادية للربا، جميع هذه الآراء ربطت الربا بآفات اقتصادية تعاني منها المجتمعات في الوقت الحاضر، فلم يعد الحديث عن الربا حديث ديني بحت بل هو ضرورة لخروج الاقتصاد من أزماته المستعصية.
في النهاية نقترح عليكم مشاهدة هذه الحلقة من برنامج خواطر للأستاذ احمد الشقيري:
أضرار الربا الاقتصادية pdf
يُمكنك الآن عزيزي القارئ معرفة أضرار الربا الاقتصادية pdf وتحميله من خلال الملف القادم:
شكا مرحبا مليون دولار