تزايد ذكر الاستثمار الجريء في الآونة الأخيرة، فصار أكثر ذكرًا في الأخبار وأروقة الإنترنت عمومًا، لكن ألم ننشيء على مقولة أن رأس المال جبان!، فكيف أصبح جريئًا!، في هذا المقال سنتعرف على الاستثمار الجريء ولماذا اكتسب هذه الأهمية الاقتصادية في الوقت الحالي.

اقرأ أيضًا: الدخل السلبي: 12 طريقة لكسب المال وأنت نائم.

ماهو الاستثمار الجريء

الاستثمار الجريء (venture capital) كما يطلق عليه رأس المال المغامر أو المخاطر أو المجازف أو رأس المال الاستثماري، وهو نوع من أنواع الاستثمار يقدم عليه الممولون ممن لديهم قدره عالية على تحمل المخاطر، حيث يقدم رأس المال للشركات الناشئة ومتوسطة الحجم التي يتوقع منها إمكانية نمو مرتفعة في المستقبل طويل الأجل.

يستهدف مقدموا رأس المال الجريء الشركات الناشئة التي يتوقع لها أن تحدث نقلة نوعية في مجالها أو تفتح أسواق جديدة، إلا أنهم يتحملون مخاطرة جدًا مرتفعة ذلك لأن هذه الشركات من المرجح فشلها إلا أنها تحقق عوائد استثنائية للمستثمرين الأوائل في حال نجاحها. بالتالي يكون دخوال المستثمر الجريء أقل كلفة وأكثر ربحًا.

ينجذب الممولون للاستثمار الجريء إلى الصناعات التي تتطور فيها بيئة الصناعة نفسها بسرعة، لأن ذلك يمكن الشركات الناشئة من الاستفادة من ميزة المحرك الأول في الصناعة أو المنتج.

يستهدف الاستثمار الجريء المشاريع الريادية والتكنولوجية على وجه الخصوص، من أشهر الأمثلة على الاستثمار الجريء تطبيق واتساب الذي تأسس بتكلفة 250 ألف دولار أمريكي في عام 2009، بعد خمس سنوات فقط قامت شركة فيسبوك بشراءه بقيمة 19 مليار دولار أمريكي!.

في العالم العربي في 2013 قام كل من STC ventures وشركة الطيار بضخ حوالي 1.7 مليون دولار أمريكي كاستثمار في تطبيق كريم لخدمات التوصيل في مراحل التشغيل الأولى، في 2019 استحوذت شركة أوبر على شركةكريم مقابل 3.1 مليار دولار.

اقرأ أيضًا: التمويل الجماعي طريق رواد الأعمال.

أهمية الاستثمار الجريء

ينطوي الاستثمار الجريء على فوائد لجميع الأطراف المشاركة، حيث يعد عنصرًا هامًا في تحفيز ودعم مشاريع ريادة الأعمال والتكنولوجيا، ويشجع المبتكرين على البحث والتطوير في الصناعات المختلفة، فهو يوفر المتطلبات المالية اللازمة للمشاريع عالية المخاطر. فهذه المشاريع تبحث دائما عن ممولين خارجين لتوزيع تحمل المخاطر.

من ناحية أخرى تمثل مشاريع الاستثمار الجريء فرصة ذهبية للمشتثمرين، فعلى الرغم من المخاطر العالية لهذه الاستثمارات إلا أنها عند نجاحها تحقق عوائد مرتفعة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المستثمرون يختارون المشاريع الواعدة بدقة متناهية بعد الإطلاع على دراسات الجدوى الاقتصادية، بالإضافة للحصول على حقوق ملكية وحقوق التصويت.

بالتالي فالاستثمار الجريء يتيح للشركات الناشئة التمويل والدعم اللازم للانطلاق، وتتيح للمستثمرين المؤسسين تحقيق رؤيتهم الاستثمارية.

اقرأ أيضًا: قبل البدء: تعرّف على المشاريع الصغيرة.

الجهات المموّلة للاستثمار الجريء

هناك نوعان من الجهات الممولة للاستثمار الجريء:

    • جهات فردية: مستثمر أو مجموعة من المسثمرين سواء كانوا أفراد أم مؤسسات مالية أو بنوك، يقومون بضخ الأموال بشكل مباشر في الشركة، ويتولون الإدارة المباشرة فيها.
    • صندوق الاستثمار الجريء: وهو صندوق استثماري يدرس أداء الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة، ثم يقوم بإقناع المستثمرين بالاستثمار وضخ المال فيها، تعد إدارة الصندوق هي المسؤول الأول عن عملية الاستثمار.

اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن صناديق الاستثمار ؟.

مزايا وعيوب الاستثمار الجريء

تعد أبرز ميزات الاستثمار الجريء كما ذكرنا سابقًا أنه يوفر التمويل للمشروعات الناشئة التي لا يمكنها الوصول للأسواق المالية، ولا تملك الأصول الاستثمارية التي تمكنها من الاقتراض من البنوك، بالإضافة لذلك قد يكون الدعم غير نقدي من خلال تقديم الخبرة الفنية والادارية والاستشارية وخدمات التوجيه،بالإضافة لشبكة العلاقات التي يمكنها دعم النمو والوصول إلى مواهب جديدة والمستشارين.

من ناحية أخرى هناك بعض المآخذ على الاستثمار الجريء حيث يطالب أصحاب رأس المال بحصة أكبر من الأسهم وقد يطالبون بالتدخل في إدارة الشركة، كما قد يفقد المؤسسون القدرة على التحكم بالاتجاه الإبداعي للشركة تحت ضغط الممولين للحصول على عائدات فورية، كما قد يتم الضغط عليهم للخروج من الاستثمارات للحصول على العوائد بدلًا من السعي للنمو طويل الأجل.

اقرأ أيضًا: 7 معلومات عليك معرفتها عن شهادات الاستثمار.

محددات نجاح صندوق الاستثمار الجريء

هناك ثلاث محددات رئيسية تسهم في نجاح الاستثمار:

  1. تحديد الهدف من دخول الاستثمار: عند الدخول في مشروع استثماري يجب على المستثمر أن يحدد هدفه اختياره للمشروع هل هدفه مالي ويسعى لتحقيق الربح، أم أن هدفه استراتيجي يسعى للتوسع في السوق والانتشار وامتساب الخبرة، ويجب تحديد هذه الإجابة أولًا لأن ذلك سينعكس على خطة العمل والتوقعات المستقبلية.
  2. تنويع الاستثمار: أشرنا سابقًا إلى أن الاستثمار الجريء عالي المخاطر، ولا يوجد سبيل للتقليل من هذه المخاطر إلا بالتنويع سواء كان تنويع في القطاعات الاستثمارية أو من حيث مراحل نمو المشاريع أو تنويع المناطق الجغرافية، يضمن التنوع الاتجاه الصعودي في المحفظة عامةً.
  3. اختيار نوع الاستثمار: قد لا يميل المستثمرون إلى الاستثمار الجريء عند اختيار الاستثمار المستقبلي، وذلك قد يرجع لعدم التخصصية في المجالات الاستثمار الجريء فلا يكون لديه المعرفة واللازمة لخوض هذا المجال، أو لتفضيلهم التعامل مع مشاريع قيد التنفيذ وتعودهم على التعامل مع مخاطر تقليدية.

اقرأ أيضًا: تعرّف على أنواع الأسهم في الشركات المساهمة.

مراحل الاستثمار الجريء

يتم دخول الاستثمار الجريء للمشاريع في عدة مراحل من عمر المشروع، تقسيم أنواع رأس المال الجريء بناء على المرحلة التي يتم دخوله فيها إلى المشروع.

  1. مرحلة التأسيس: في هذه المرحلة المشروع لايزال فكرة يعمل أصحابها على تطويرها وتحويلها لخطة عمل، وهنا يقع على عاتق أصحاب المشروع الاجتهاد في اقناع المستثمرين بمستقبل المشروع، فعادة لا يقدم أصحاب رأس المال الجريء على الاستمثار في هذه المرحلة، وفي حال الاستثمار بها عادة ما يكون المبلغ صغير.
  2. مرحلة بدء المشروع: تمثل هذه المرحلة البدء الفعلي للمشروع حيث يبدأ بإنتاج أول عيناته، كما يتم وضع خطة تسويقية وتعريف العملاء بالمنتج أو الخدمة، يهدف التمويل في هذه المرحلة لتغطية حميع عمليات المشروع بالأخص الحملات التسويقية ودراسات أبحاث السوق.
  3. مرحلة رأس المال المبكر: تهدف هذه المرحلة لتنمية وتطوير العمل، حيث يتم البدء بالتصنيع والبيع بشكل جدي وتكون الحاجة للتمويل أضعاف المراحل السابقة، ضخ هذا التمويل يكون بعد عامين أو ثلاث من بدء المشروع.
  4. مرحلة التوسع الرأسمالي: تسعى الشركات الناشئة في هذه المرحلة إلى التوسع في أسواق جديدة وجذب عملاء جدد، كما تسعى لتخطي أهداف جديدة في المبيعات.

اقرأ أيضًا: كيف تعمل شركات التأمين ؟.

الفرق بين الاستثمار الجريء والاستثمار الملائكي

كل من المستثمر الجريء والمستثمر الملائكي أشخاص يسعون لتحقيق عوائد على رأس المال ضمن نطاق مخاطر محسوبة ومناسبه للمستثمر. إلا أن هناك فروق أساسية بينهما:

  • طبيعة المستثمر:

الاستثمار الجريء يُقدم عليه شخص أو مؤسسة مالية أو صندوق استثمار جريء يستهدف الاستثمار في الشركات الناشئة، عادة ما يتسخدم أموال شركات استثمار أو صناديق تقاعد، ولا يتسخدم أصحاب رأس المال الجريء أموالهم الخاصة في الاستثمار.

في حين أن المستثمر الملائكي يعتمد في الاستثمار على ثروته الخاصة التي جمعها من مصادر متعددة، يستثمر في الشركات الناشئة في المراحل المبكرة (التمويل الأولي) مقابل الحصول على حصة في الشركة، عادة يكون صاحب الاستثمار الملاك على علاقة بصاحب العمل سواء من العائلة أو من الاصدقاء. كما يميلون عادة لاختيار استثمارات لدهم فيها خبرة عادة.

عادة ما يساعد المستثمر الملائكي في بناء الشركة أكثر من التركيز على الربح خاصة في المراحل الأولى، وهذا ما يجعل شروطهم منطقية أكثر من أصحاب الاستثمار الجريء.

  • مقدار رأس المال

من الاختلافات بين الاستثمار الجريء والاستثمار الملاك هو مقدار رأس المال المقدم، فلا شك أن رأس المال المقدم في الاستثمار الجريء أكبر مقدارًا فعادة ما تكون الصفقة الواحدة عدة ملايين، ولا يوجد حد أقصى له فكل صفقة تحدد قيمتها بشكل مستقل، في حين أن رأس المال المقدم في الاستثمار الملاك بالآلاف ولا يتعدى المليون غالبًا.

  • وقت الاستثمار

من أبرز الاختلافات بين الاستثمار الجريء والاستثمار الملاك هو وقت دفع رأس المال للشركات، حيث يميل المستثمر الملاك إلى تقديم التمويل في مراحل الاستثمار المبكر، فهم يختارون الشركات التي يهتمون في نشاطها ولديهم خبرة مسبقة فيه، وكما أنهم قد يقدمون التمويل لشركات لم تثبت نفسها وبدأت للتو إذا رأى المستثمر الملاك أنها ستكون مربحة، بذلك يتحمل مخاطرة أكثر من رأس المال الجريء.

لكن عادة ما يميل الاستثمار الجريء إلى تمويل شركات الناشئة ذات النمو الاستثنائي والتي تم تأسيسها فعلًا للتقيلي من المخاطر المحتملة.

اقرأ أيضًا: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟.

  • دور المستثمر في الأعمال التجارية

سواء المستثمر الجريء أم المستثمرالملاك كلاهما يسعى لضمان الحصول على أعلى عائد من الاستثمار، إلا أن المستثمر  الملاك يعمل كموجه للعمل ويقدم  الدعم الفني والمادي ويساهمون في تحسين سير العمل من خلال تقديم الاقتراحات والحلول ويساعدون ويسرعون اتخاذ القرارات في الشركة، كما أنهم يقدمون شبكة من العلاقات مع الجهات القانونية والمالية.

إلا أن المستثمر الجريء يسعى للحصول على أي نوع من التحكم فنراه حريص على تشكيل مجلس إدارة للشركة كما يحرص بالطبع على الحصول على مقعد فيها، ولا يهتم في توجيه العمل بشكل دقيق، إلا أنه يقدم الدعم الفني والاستشاري بالإضافة للدعم المالي، كما يقدم شبكة من العلاقات في عالم الأعمال، لكن مع ذلك قد يخسر رائد الأعمال القدرة على اتخاذ القرار وتسيير الشركة ضمن رؤيته للمشروع.

  • العوائد المتوقعة

من المنطقي أن يتوقع المستثمر الجريء عائد أعلى من المستثمر الملاك، فعادة ما يتوقع أصحاب رأس المال في الاستثمار الجريء عائد يتراوح ما بين 25% – 35%. في حين يتوقع أصحاب رأس المال الملاك عائد يتراوح ما بين 20% – 25%.

اقرأ أيضًا: ما هي انواع العملات الافتراضية؟.

في العقد الماضي شهدت منطقة الشرق الأوسط عامة ودول الخليج العربي على وجه الخصوص نموًا كبيرًا في الاستثمار الجريء، وذلك خطوة في السعي لتحقيق التنوع في اقتصادياها المعتمدة على النفط، وقد عمل ذلك على تسريع النمو في قطاعات اقتصادية جديدة مثل التكنولوجيا والخدمات والابتكار التقني.

ولا يزال الاستثمار الجريء يستحق المتابعة والبحث والتقصي، لانه اختصر العقود في الحياة الاقتصادية ونرى آثاره في حياتنا اليومية، ولا يزال المجال خصبًا ومفتوحًا للدخول فيه سواء للأفراد أو الشركات أو الدول، مع مراعاة القيام بالدراسة المتعمقة للسوق والمخاطر ليؤتي النتائج المرجوة منه.