يعد رمضان من أبرز الشعائر الدينية التي تختص بالمسلمين حول العالم، حيث يعد صيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة، يرتبط رمضان والامتناع عن الطعام بمعاني التقوى وتسامي الروح الإنسانية، إلا أننا نلحظ زيادة غير مبررة في الاستهلاك في رمضان!.
يمثل شهر رمضان دورة تدريبية مكثفة للمسلم ليعيد النظر في عاداته السلوكية اليومية، ويعيد النظر في تقييم انضباطه الذاتي الروحاني، حيث يمثل شهر رمضان إعادة صياغة لترتيب يومنا وعاداتنا بشكل جماعي، فشهر رمضان يغير نمط الحياة حيث أن له تأثير اجتماعي وثقافي واقتصادي عميق على الحياة اليومية للمسلمين حول أنحاء العالم.
البعد الروحاني الواضح في للشهر الفضيل يجعل من المتوقع انخفاض الاستهلاك في رمضان إلا أننا نشهد عكس ذلك تماماً، حيث يزيد الاستهلاك بشكل مبالغ فيه خلال الشهر الفضيل، فبدلاً من الاستعداد لرمضان بترتيب أوراقنا الداخلية وإعداد برنامج إيماني لاستغلال الشهر الفضيل وتقوية علاقاتنا الأسرية الإيمانية، أصبحنا نستعد له بقوائم الاستهلاك في رمضان، وكأن شهر رمضان تبدل من شهر العبادة إلى شهر الاستهلاك.
اقرأ أيضاً: أساسيات الوعي المالي
نهم الاستهلاك في رمضان
سلوك المستهلك في رمضان
من الواضح أنه أصبح هناك علاقة طردية بين شهر رمضان والاستهلاك المبالغ فيه، جميعنا ندهش من النهم الذي ينتشر لدى الناس في هذا الشهر الكريم، فالكل يجري نحو الأسواق والمراكز التجارية، يبدأ الاستعداد للاستهلاك في رمضان مبكراً، متزامناً بأشكال مختلفة من الدعاية والإعلانات التي تحاصر الأسرة في كل مكان ووقت، بكل الوسائل الممكنة.
وهكذا يكون المرء مهيئاً بشكل كامل للوقوع في فخ الاستهلاك النهم الذي ليس له حدود، بحيث يصبح الفرد تحت تأثير هذه الحالة الاستهلاكية خلال شهر رمضان ولا تتركه إلا بعد إنتهاء الشهر بعد أن تجرده من أمواله، خاصة أصحاب الدخل الثابت والمحدود، سيتفاجؤن آخر الشهر بحجم الإنفاق غير المخطط له الذي يقعون فيه.
ويقول محللون إن استهلاك الغذاء للأسر المسلمة وحدها يرتفع بنحو 30 في المائة خلال شهر رمضان حيث يعتبر رمضان وقتًا مربحًا من السنة لتجار التجزئة الذين يتوقعون مبيعات كبيرة خلال الموسم.
وبما أن أبرز مافي رمضان هو الإمتناع عن الطعام والشراب، فإننا نشهد نمواً سريعاً في استهلاك الطعام والشراب خلال رمضان بشكل عام، تأمل عزيزي القارئ هذه الإحصائية للاستهلاك في بعض الدول فمثلاً الجزائر أنفقت على الطعام في شهر رمضان 43.7% من إجمالي الدخل القومي، تليها مصر والمغرب حيث أنفق كل بلد نسبة 43.6%، في حين أنفقت الاردن 40.4% من إجمالي الدخل القومي، وانفقت تونس نسبة 35.5%، أما المملكة العربية السعودية فإن الانفاق على الطعام بلغ 26.1% لإجمالي الدخل القومي.
إضافة على ما سبق فإننا نشهد ازدياد مبالغ في الإقبال على استهلاك سلع محددة سواء علامات تجارية أو وسائل زينة، وذلك لارتباطها بالمظاهر الاحتفالية لشهر رمضان، على سبيل المثال استهلاك المشروب الغازي فيمتو خلال رمضان يمثل ثلاثة أرباع مبيعات فيمتو خلال العام، في حين تمثل مبيعات رمضان 50% من مبيعات Tang’s و Quaker Oats.
اقرأ أيضاً: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً
بوعي أو بدون وعي منّا أصبحنا داخل نمط من أنماط الاستهلاك في شهر رمضان، هذه الأنماط التي عايشناها بصغرنا أو شاهدناها وقلدناها حتى بعد تقدمنا في العمر، الروحانيات تكمن في العبادات والأجواء الإيمانية، تذكر دائماً أن رمضان هو شهر الزهد والترفع عن الماديات.
مخططات البائعون الرمضانية
في الجانب الآخر نرى بائعي التجزئة ومراكز التسوق تبدأ بالاستعداد لرمضان، يغير المسوقون طرقهم الإعلانية للتواصل بشكل أفضل مع المستهلكين، حيث يعملون على ربط المشاعر الدينية وقداسة الشهر الفضيل بأنماط استهلاكية، ويركزون في قنواتهم الاعلانية في منصات التواصل الإجتماعي بالضغط على العاطفة الدينية، حيث تتضمن الإعلانات الرمضانية عموماً الهلال ورمز الفانوس التقليدي مع عبارة “رمضان كريم”.
تؤثر الأسعار والعروض الترويجية بشكل كبير على نمط الاستهلاك في رمضان، أوضحت بعض الدراسات إلى أن العروض الترويجية القائمة على الحجم تعد أكثر العروض طلبا لدى المستهلكين في الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ، كما يفضل غالبية المستهلكين عروض “اشتر واحدة واحصل على الأخرى مجانًا” يأتي بالمرحلة التي تليها عروض الهدايا مجانية أو عروض حجم إضافي، هذه العروض الترويجية التي تصاحبها غالباً مظاهر احتفالية تجعل الأسواق والمراكز التجارية أماكن مفضلة في رمضان!.
اقرأ أيضاً: هلع التسوق في الأزمات – كيف يدفعنا الخوف إلى تخزين السلع؟
تضغط الحملات الإعلانية بشكل دائم بهدف زيادة الاستهلاك في رمضان بشكل مستمر دون النظر إلى مدى الحاجة لذلك، تصنع الإعلانات من الأفراد آلات للاستهلاك دون النظر لمدى حاجتنا إلى السلع!، كما حدث تغير في السلع نفسها فقد صار العمر لبعض السلع التي يفترض أن تكون معمرة أقل، بالإضافة للتحديثات المستمرة عليها التي تشعرنا دائما بأننا بحاجة للتجديد، وبالطبع تستغل فترة الشهر الفضيل للتحفيز على ذلك حيث أن قابلية الاستهلاك تكون أكبر!.
أصبحت الأشياء تشتري كي تـُرمى فأياً كان الشيء الذي يُشترى، فإن الشخص سرعان ما يمل منه ويصبح توّاقاً للتخلص من القديم وشراء آخر، وكأن شعار هذا الزمان «ما أجمل الجديد»!
وبذلك أصبحنا المستهدفين في خطط البائعين، فلن يدخروا جهدا في نصب الفخاخ لك في كل مكان، ولذلك لابد أن تكون أكثر وعياً وذكاءً لمواجهة ذلك.
نصائح لإنفاق أكثر وعياً خلال رمضان
والآن عزيزي القارئ بما أننا نواجه عاملين يدفعانا لزيادة الاستهلاك في رمضان بشكل أكبر مما ننفق عادة، فمن جهة أننا نشأنا خلال نمط مجتمعي ربط المشاعر الروحية للشهر بالاستهلاك، ومن جهة أخرى خطط البائعين التي تستهدفنا، حتى نواجه هذه الموجتين أقدم لك عزيزي القارئ بعض النصائح التي آمل أن تصنع فرقاً:
اقرأ أيضا: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها
أولا: خصص ميزانية لرمضان ولا تتجاوزها
ابتداءً أنت لست مضطر لكسر ميزانيتك الشهرية لزيادة الاستهلاك في رمضان، تذكر عزيزي القارئ أن شهر رمضان كباقي الشهور من حيث ما تستهلكه من طعام، في الحقيقة أن توقيت الوجبات هو ما تغير فقط!، إلا أننا لا نفكر لأننا داخل النمط الاستهلاكي السائد.
في حال أنك ستزيد انفاقك في رمضان أنصحك بتخصيص ميزانية للإنفاق، حدد قائمة بكافة حاجياتك في رمضان واعد ميزانية محكمة لا تتجاوزها، ابتعد قدر الإمكان عن الإنفاق النزوي فالعروض التسويقية لن ترحم صندوق الطوارئ الخاص بك.
ثانياً: لا تتسوق مرة واحد
إعداد قائمة حاجيات الشهر لا يعني أن تقوم بشراء كل الحاجيات دفعة واحدة، اعتمد التسوق الأسبوعي، لأنه بعد انقضاء الأيام الأولى من شهر رمضان ستظهر لك حاجاتك الحقيقية من حيث السلع أو الكميات.
عوضاً عن أنك سترغب مرة أخرى في التسوق كي تتمتع بالاجواء الاحتفالية للشهر الفضيل، لذلك فإن تجزأة عملية التسوق سوف تقلل الاستهلاك في رمضان.
ثالثاً: لا تتسوق وأنت صائم
اجعل التسوق في الأوقات الصباحية قبل أن يبدأ الشعور بالجوع، أو بعد الإفطار، التسوق في حال الجوع سيضاعف الاستهلاك في رمضان، فقد أثبتت الدراسات أن الأفراد يميلون إلى شراء كميات أكبر من السلع عند التسوق وهم في حال بالجوع، بالإضافة إلى أنهم يميلون لشراء منتجات ذات سعرات حرارية مرتفعة مما يضر بالصحة.
رابعاً: قدّر الكميات بشكل صحيح
مرّة أخرى نحن نبالغ في تقدير حجم الطعام ونحن في حالة الجوع، حاول تقدير الكميات بشكل صحيح عند إعداد الطعام من خلال معايير نسبةً لعدد أفراد الأسرة، الأم غالباً لديها القدرة على تمييز الكميات التي تستهلكها الأسرة، لذلك لا داعي للخوف من عدم كفاية الكميات، تأكد أنك ستكون بخير.
خامساً: راجع إنفاقك خلال الشهر
لابد لك أن تراجع ميزانيتك خلال فترات مختلفة في الشهر، سيساعدك ذلك في ضبط الاستهلاك في رمضان بشكل أكبر، خاصة أننا نميل لانفاق جزء أكبر من الميزانية في أول الشهر، لذلك يجب أن تراجع كم أنفقت من الميزاينة من جهة وتراجع ما تبقى لديك من سلع داخل المنزل، لأن الرغبة في الشراء ستستمر، فالمراجعة ستجعلك أكثر وعياً.
سادساً: حدد عدد الإفطار الذي ستستضيفه
تمثل الأجواء الأسرية أبرز ما يميز شهر رمضان، وأكثر ما يعبر عنها العزائم والإفطار المشترك، إلا أنها أكثر ما يستهلك من ميزانية رمضان، تحديد عدد الإفطار المستضاف سيجعلك أكثر وضوحاً فيما سوف تنفقه، لكن لابد أن تتصرف بوعي وتبتعد عن الاستعراض والانفاق البذخي.
سابعاً:جرّب شعور الإيثار
نحن نركز على الاستهلاك في رمضان، ولكننا قد يغيب عنا أن رمضان فرصة كبيرة للاستثمار الأخروي ومساعدة الفقراء بشكل عام، في حال شعرت بالرغبة في الإنفاق جرب شراء ذلك الشيء وتقديمه كهديه لأحد الفقراء، هذا الشعور سيهذبك وينتقل بك درجة أعلى من الروحانية.
اقرأ أيضاً: 5 معلومات أساسية عن صندوق الادخار للطوارئ
ثامناً: كن صاحب رؤية بعيدة المدى
أغلبنا للأسف يزيد وزنه في رمضان جرّاء النمط الاستهلاكي المبالغ فيه والأكل في الفترة الليلية، وبعد انتهاء الشهر نجري للتسجيل في النوادي الرياضية، وبذلك نخسر مرتين مرة في الإنفاق ومرة أخرى سندفع للنوادي الرياضية.
لتجنب ذلك انتبه لكميات ونوعيات الطعام الذي تتناوله، ابتعد عن السعرات الحرارية العالية، وحافظ على ممارسة الرياضة المنزلية.
تاسعاً: جرّب أن تعيش مقتصداً
التغيير الذي يحدثه شهر رمضان في ترتيب يومنا، وتتغيير في إيقاع المجتمع ككل، فرصة مشجعة لجعله إنطلاقة جديدة لاكتساب بعض العادات، اجعل من أهداف شهر رمضان هذا العام أن تكون مقتصداً، ضع بعض الأهداف التي تضبط بها عاداتك الاستهلاكية، جرب أن تقلل الإنفاق على الكماليات، جرب أن توقف التدخين أو أن تقلل ما ينفق عليه، تجنب الإفطار في المطاعم، تحد نفسك وقلل الاستهلاك في رمضان.
التخطيط لتكون أكثر اقتصاداً مع جوانب معينة من الحياة أمر يستحق التجربة
وفي النهاية تذكر عزيزي القارئ أن شهر رمضان شهر عبادة وتقرب لله بالطاعات والإحسان للفقراء، وليس للمبالغة في الاستهلاك، الاستهلاك في رمضان لابد أن يكون منضبطاً ومعبراً عن روح الشهر الفضيل، فكلما قللنا من الاستهلاك في رمضان حققنا المعاني المرجوة من الشهر الفضيل.