غالبًا ما يمكن وصف علاقتنا بالمال أنها علاقة معقدة، وأحيانًا يمكن وصفها بأنها علاقة غير صحية. من الطبيعي اتخاذ قرارات مالية سيئة بين الحين والآخر، لكن أن تكون هذه الأخطاء مستمرة ويمكن التنبؤ بنتائجها المدمرة، فإنها تنتقل لتصبح ضمن الاضطرابات المالية الواجب التعامل معها بكل جدية.
اقرأ أيضاً: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها
ما هي الاضطرابات المالية؟
تعد الاضطرابات المالية من المشكلات المتكررة فيما يتعلق بالتعامل مع الأموال، والتي تؤثر بشكل سلبي على الحياة الشخصية والصحية ومستوى الرفاهية الذي يعيشه الفرد، لذلك يعتبر الوعي بها وأخذ الوقت الكافي لفهمها من الأمور الأساسية التي تساعدك على تجنب الوقوع في هذا الفخ.
يمكن تعريف الاضطرابات المالية بأنها أنماط من السلوك المالي المدمر للذات أو المقيد لها، تكون على نحو متكرر ويمكن التنبؤ به، تتطور هذه الأنماط نتيجة لمعتقدات مشوهة عن المال، أو نتيجة مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو الصدمة، وغالبًا ما تكون ناتجة عن أحداث حياتية مؤلمة، أو أحداث قوية جدًا أثرت في تصرفات الشخص لفترة طويلة بعد انتهائها.
يشير براد كلونتز الخبير في علم النفس المالي في كتابه Mind over Money أن الاضطرابات المالية مصطلح شامل للقضايا المتكررة و المدمرة للذات التي يواجهها الإنسان فيما يتعلق بالمال.
غالبًا لا يدرك الذين يعانون من الاضطرابات المالية أنهم يعانون من اضطراب ويحتاجون إلى المساعدة، مما يجعلهم يجدون صعوبة في تغيير سلوكياتهم على المدى الطويل، وينتج عن ذلك شعرهم بالخجل نتيجة سلوكياتهم المالية، و يحاولون اخفائها عن الآخرين مما يجعل من الصعب تقديم المساعدة لهم.
اقرأ أيضاً: أساسيات الوعي المالي.
أنواع الاضطرابات المالية
معظم الاضطرابات المالية تنقسم بالمجمل إلى ثلاث فئات: تجنب المال، وعبادة المال، واضطرابات المال في العلاقات، كل فئة من هذه الفئات تشتمل على عدة اضطرابات أكثر تحديدًا.
أولًا: تجنب المال
هذا النوع من الاضطرابات المالية يتمحور حول الابتعاد عن المال، ويشمل:
- الانكار المالي: يظهر عندما نحاول التقليل من المشكلات المالية عن طريق تجنب التفكير فيها، بدلًا من مواجهة الواقع المالي، مثل تجنب النظر في كشف الحساب المصرفي، أو تنظيم الأمور المالية ودفع الفواتير.
- الرفض المالي: ينتج عنه الشعور بالذنب عند تراكم المال مهما بلغ المال، يتعرض لهذا النوع من الاضطرابات المالية الذين يعانون من تدني احترام الذات، وقد يدفعهم ذلك للتبرع بالمال في كل فرصة، مما يؤدي إلى العديد من المشاكل المالية والنفسية.
- قلة الإنفاق: يكون بالكراهية الشديدة لإنفاق المال، لدرجة أن يعيش الشخص في ظروف معيشية غير مناسبة، لأنه يرفض شراء الأساسيات لنفسه وعائلته.
- النفور المبالغ به من المخاطرة: حيث يتبع الفرد طريق حذر جدًا في أي سلوك مالي مثل الاستثمار، القاعدة لديه في التعامل “إلعب بطريقة آمنة جدًا”.
اقرأ أيضًا: القروض النقدية | دليلك لاقراض العائلة والأصدقاء
ثانيًا: عبادة المال
عبّاد المال لا يمكن أن يحصلوا على ما يكفي من الثروة، ويعتقدون أن حصولهم على المزيد من المال يحل جميع مشاكلهم، يشمل هذا النوع من الاضطرابات المالية مايلي:
- الاكتناز: يقصد به عدم القدرة عن التوقف عن تخزين الأشياء والأموال، لأنه الشيء الوحيد الذي الذي يُشعر الشخص بالأمان وتخفيف القلق.
- الشراء القهري أو الإسراف في الإنفاق: يقصد به اللجوء إلى التسوق والإفراط في الشراء كملجأ ومهرب من القلق الشديد من مخاوف الحياة عمومًا والقلق المالي بشكل خاص.
- إدمان العمل: يسعى الشخص بشكل مستمر لجمع أكبر قدر من الثروة من خلال العمل المستمر، وذلك نتيجة شعورهم بانعدام الأمان المالي.
- المقامرة المرضية: يميل الأفراد في هذا الاضطراب إلى تحمل مخاطر كبيرة غير ضرورية بهدف الحصول على مكافأة أكبر.
اقرأ أيضًا: الخروج من الديون | 3 استراتيجيات أساسية.
ثالثًا: اضطرابات المال في العلاقات (العلائقية)
يرتبط هذا النوع من الاضطرابات المالية بالمشكلات المالية التي تتعلق بالعائلة أو الأصدقاء، وتشمل ما يلي:
- الاعتماد المالي: يظهر في عدم تحمل الفرد المسؤولية المالية الخاصة به، والاعتماد على الأصدقاء أو العائلة لإدارة الأموال بالنيابة عنه.
- الخيانة المالية: وذلك بالكذب على الشريك (الزوج أو الزوجة) فيما يخص المال أو إخفاء المعاملات أو الحسابات المالية عنه، مثل إخفاء مقدار الدخل، أو إخفاء المدخرات أو الاستثمارات ، أو عمليات الاقتراض، أو القيام بعمليات شراء خارج الميزانية، أو الكذب فيما يخص سلعة باهظة الثمن
- التمكين المالي: من خلال تقديم المساعدة للعائلة أو الاصدقاء لحل مشاكلهم المالية إلى الحد الذي يؤثر على الموارد المالية الخاصة به، والتضحية بالرفاهية المالية الخاصة بالفرد من أجل الآخرين، مثل مساعدة الوالدين المستمرة للأبناء بعد إنهاء الدراسة أو بعد الزواج أو الحصول على وظيفة، وهذا قد لا يكون في صالح الأبناء على المدى الطويل الذين يجب أن يكونوا قادرين على حل مشكلاتهم المالية وإعالة أنفسهم.
- سفاح القربى المالي: وذلك بإلقاء اللوم على الزوجة فيما يعيش من مشكلات مالية، أو إثقال كاهل أطفالك بمشاكل مالية لتقليل التوتر الذي يعيشه.
اقرأ أيضًا: 5 علامات تدل على الفوضى المالية في حياتك.
كيف تؤثر اضطرابات المال على الصحة؟
غالبًا ما تترافق الاضطرابات المالية بالظروف الصحية، على سبيل المثال الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب ينفقون المال لأنه يوفر راحة مؤقتة من الأعراض المرضية التي يعانون منها. كما أن الأشخاص الذين يعانون من هوس ثنائي القطب أو اضطراب تعاطي المخدرات أو اضطراب ضعف الانتباه ينفقون الأموال باستمرار وذلك بسبب عدم قدرتهم على التحكم بانفعالاتهم.
من ناحية أخرى المعاناة من أحد أنواع الاضطرابات المالية ينتج عنه بعض الاضطرابات الصحية نتيجة التوتر والقلق المستمر، فإذا كنت تعاني من الاضطرابات المالية فقد تواجه بعض الأمراض التالية: المعاناة من ضغط دم مرتفع، أو الصداع، أو الأرق وعدم القدرة على النوم، أو القلق المرضي، أو الاكتئاب، أو قد تراودك بعض الأفكار الانتحارية، تتراوح هذه الأمراض في حدتها وقد تتفاقم إلى أن تصبح حالات مزمنة.
اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الشخصية.
كيف تعرف إذا كنت تعاني من الاضطرابات المالية؟
يمكن أن تتساءل عزيزي القارئ هل أنا اعاني من الاضطرابات المالية أم لا؟ ببساطة هناك بعض الأعراض التي تشير إلى وجود اضطراب مالي في سلوكك، فإذا كنت تعاني من هذه الأعراض أو بعضها فأنت تعاني من الاضطرابات المالية:
- إذا كنت تشعر برغبة لا تقاوم بالشراء وتوترًا بشأن الإنفاق، ولا تخف هذه الأعراض إلا بإجراء عملية الشراء.
- إذا كنت تشعر أنك عالق في دائرة مغلقة من الإفراط في الإنفاق ثم الراحة عند الشراء ثم الشعور بالذنب.
- إذا كانت عاداتك المالية تشكل ضغط كبير عليك أو على عائلتك.
- إذا كنت غير قادر على الوفاء بالمسؤوليات المالية الأساسية لديك.
- إذا كنت تحتفظ بالأمور المتعلقة بالشؤون المالية كأسرار خاصة بك دون مشاركتها مع شريكك.
علاج الاضطرابات المالية يتطلب من الناس التفكير في سلوكياتهم ومشاعرهم تجاه المال بصدق لتحديد مكمن المشكلة، في بعض الأحيان يكفي التخلص من البطاقات الائتمانية، أو الاكتفاء بقوة الإرادة للتحكم باستخدام النقود، أو إجراء بعض المناقشات مع شخص يتحلى بالحكمة في التعامل بالمال.
لكن إذا كنت ترى أن لديك بعض المشكلات العاطفية في التعامل المالي من الأفضل أن تطلب المساعدة من معالج سلوكي، وقد تحتاج المساعدة القانونية في المشكلات الأكثر خطورة.
اقرأ أيضًا: ما هو الهدف من الوعي المالي؟
علامات تدل على أنك تعاني من الاضطرابات المالية
تتنوع السلوكيات المتعلقة بالاضطرابات المالية، في هذه القائمة نوجز أهم التصرفات التي تشير إلى أنك مصاب بالاضطرابات السلوكية:
- لا يمكنك أن تحدد ما يعنيه “امتلاك المال الكافي”: دائما ما يشعر الشخص الذي يعاني من الاضطرابات المالية أنه لا يملك ما يكفيه من المال، وفي ذات الوقت لا يمكنه تحديد المقدار الكافي، وهذا يؤدي به إلى الاكتناز ويؤثر على رفاهيته المالية.
- الاستمرار في مراكمة الديون: إن تراكم الديون المستحقة دون تسديد، مؤشر على وجود مشكلة خطيرة، ويؤدي إلى دفع فوائد ربوية مرتفعة مع مرور الوقت.
- الشعور بالذنب عند الإنفاق: قد تظهر الاضطرابات المالية في عدم القدرة على الإنفاق دون الشعور بالذنب حتى لو كان المبلغ بضع دولارات.
- استخدام المال وسيلة لملئ الفراغ: إذا كنت تستخدم المال كتعبير عن الشعور بالحب أو الوفاء أو التقدير، هذا يعني أنك تقوم بإسقاط حاجاتك الفكرية على شيء مادي مثل المال، وغالبًا ما ينتهي بك المطاف بخيبة أمل.
- العيش في أقصى الحدود: أن تعيش في ظروف متطرفة سواء في الإنفاق والادخار، فهذا يدل على أن المال أصبح هاجسًا بالنسبة لك، مما يؤثر على صحتك وعلاقاتك ورفاهيته.
- إنكار الديون: إذا كنت تعيش حالة من إنكار الديون والالتزامات المالية، وتتجنب النظر لها أو التفكير بها، وكأنك تدفن رأسك في الرمال.
- عدم القدرة على رفض تقديم المساعدة المالية: إذا كنت تجد صعوبة في رفض طلبات الإقراض للاصدقاء والعائلة، ودائما ما تضحي برفاهيتك المالية في سبيل ذلك، فأنت تعاني من الاضطرابات المالية، لا بأس برفض تقديم القروض في حال عدم قدرتك على ذلك.
- الكذب على الشريك في مقدار المال المنفق: إذا كنت تكذب على شريكك(الزوج \ الزوجة) في مقدار المال المنفق أو تقلل منه فإنك تعاني من الاضطراب المالي، قد يلجأ البعض إلى الاقتراض للحفاظ على الإنفاق المتزايد سرًا.
- رفض الحديث عن المال: إذا كنت ترفض الدخول في نقاشات حول المال وعادات الإنفاق لديك فهذا يعني وجود حالة الإنكار للوضع الحالي ومحاولة الهروب منها.
- تقديم المساعدة بدلًا من إعطاء فرصة للتمكين المالي: من الجيد تقديم المساعدة للأبناء أو الأخوة في أوقات الاضطرار، إلا أن تقديم المساعدة لهم بشكل دائم يعني أنك تدفعهم لاختيارات مالية ضعيفة بدلًا من الاعتماد على أنفسهم.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
في الختام عزيزي القارئ لابد أن تعلم أن أساسيات الصحة المالية ليست معقدة، وأن جميعنا قادرين على تعلمها واتقانها، بغض النظر عن مستوى تعليمنا أو مستوى ثرواتنا، عندما نقيم بصدق تجاربنا المالية، ونتحدى معتقداتنا المالية المشوهة، يكون من الأسهل علينا أن نمارس السلوكيات المالية الصحية، وأن نصبح أكثر ثراءً ماديًا وشعوريًا.