السنوات الأخيرة خاصة مع ما شهده العالم من جائحة كوفيد 19 دفعتنا شئنا أم أبينا نحو التجارة الإلكترونية، فمن منا لم يشترِ عبر الأنترنت، ومن منا لا يحتفظ في جواله بتطبيقات البيع والشراء أو يتابع متاجر في صفحات الفيس بوك، لكن هل حدث أن توقفت عن تصفح متجر إلكتروني فجأة لأنك تنبهت للحظة أنك لا تحتاج إلى شيء!، أو أنك تتصفح وكأن أحدهم يجبرك على ذلك!.

وهنا نتسائل متى أصبنا بحمى التسوق القهري؟، وكيف أدخلنا في هذه الدوامة التي لا تنتهي من الشراء المتكرر؟، كيف تمت برمجتنا على ذلك؟.

الحاجة إلى التجارة الإلكترونية

تعرف التجارة الإلكترونية بأنها عملية البيع والشراء السلع والخدمات والمعلومات عبر الإنترنت.

ازدهرت التجارة الإلكترونية في السنوات الأخيرة لما تساهم فيه من تبسيط الحياة وتسهيلها، إلا أن جائحة كوفيد 19 ساهمت بشكل كبير في زبادة معدلات التسوق عبر الانترنت بشكل ملحوظ، خاصة مع العمل على تسهيل عملية الشراء، خلال لحظات يمكنك أن تنشأ حساب في متجرك المفضل وتضيف المنتجات إلى السلة، وتنتظر وصوله إلى باب لبيتك.

نعم سهلت التجارة الإلكترونية عملية التسوق، لكن هل تظن عزيزي القارئ أن الأمر سيستمر بهذه البساطة!.

اقرأ أيضًا: 16 خطوة لبناء الوعي المالي

التجارة الإلكترونية والتسوق القهري

لاشك أن الإعلانات في وقتنا الحاضر أكثر وصولا وأدق استهدافًا ذلك بفضل الخوارزميات التي تستمر في مراقبة سلوكنا وتصدير ما هو أكثر ملائمةً لنا، نحن الآن محاطين بشتى أساليب التسويق التي تحفزنا على الشراء، وتقنعنا بأن الشراء سيحقق لنا السعادة.

لم يعد التسوق في وقتنا الراهن لتلبية الاحتياجات اللازمة، بل أصبحنا نتسوق بهدف التسوق، نحن نتسوق عند الحزن وعند الضجر وفي الأعياد ومواسم التخفيضات وفي بداية الصيف وبداية الشتاء، وكأننا تمت برمجتنا دون وعي وأصبحنا جزء من نمط عام أراده الرأسماليون ورسخته وسائل التواصل الإجتماعي ومختصي التسويق.

أصبحت النزعة الاستهلاكية سائدة في مجتمعاتنا أكثر بكثير من ذي قبل، يرجع ذلك لتغير المجموعة المرجعية لنا، قديما كنا نربط رضانا عن المستوى الاجتماعي الذي نحن فيه بمن يحيطون بنا فننظر للمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأصدقاء والأقارب والجيران وهؤلاء نطلق عليهم “المجموعة المرجعية” وهم الأشخاص الذين نطلع على أسلوب حياتهم وإنفاقهم، مع وجود السوشال ميديا وبروز الكثير من المشاهير الذين يعرضون أسلوب حياتهم، حيث يغرسون الدافع لاستهلاك شيء معين ثم تتوالى التوكيدات في الحث على الاستهلاك، من غير وعي منا بدأنا بعقد مقارنات والعمل على تقليدهم وجعلنا الاستهلاك مقياسًا للقيمة الاجتماعية.

عوضًا عن أسلوب الحياة الاستهلاكي الذي يروجون له في كل حين، وكأنه النمط السائد والطبيعي، كل هذا يغرس في العقول الادمان على الشراء والتجديد المستمر، أصبحنا نشتري فقط لأننا نرى المنتجات ويرشحها المشاهير وليس لأننا بحاجة لها.

اقرأ أيضًا: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً

التسوق القهري

جميعنا يحب التسوق ونسعد بالتخفيضات إلا ان ازدهار التجارة الإلكترونية يجعلنا دائما أمام صفقات شراء معروضة بشكل مستمر، مما يجعلنا في حالة تفاوض دائمة مع أنفسنا دون وعي، هناك إغراء مستمر في الحصول على ما يملكه الآخرون.

قد تتحول هذه الرغبة في الشراء إلى إدمان للتسوق مما تؤدي إلى عدم التحكم في الإندفاع نحو الشراء والإنشغال المفرط به مما يؤدي إلى عواقب سلبية مثل الأزمات المالية وتعاظم الديون ومشكلات عائلية واجتماعية.

فما هو التسوق القهري؟

هو الإندفاع نحو الشراء على شكل رغبة لا يمكن مقاومتها، تؤدي إلى التسوق لفترات طويلة و الشراء المتكرر لأشياء لا حاجة لها.

ومن الجدير بالذكر أن التسوق القهري أو هوس الشراء يصنف طبيًا كاضطراب نفسي ضمن اضطرابات السيطرة على الدوافع، حيث يشار إلى أن التسوق سلوك إجتماعي للحصول على متع الحياة إلا أنه قد يتفاقم ويخرج عن السيطرة ليصبح المتسوق مدمنًا على هذا الفعل حيث يقوم بالتسوق للشعور بالسعادة والرفاهية، يشبه في ذلك مدمن الكحول الذي يبدأ بمستوى غير ادماني ثم يفقد السيطرة على الكميات التي يستهلكها.

تشير بعض الدراسات إلى أن 5% من السكان البالغين خاصة الإناث في الدول المتقدمة يعانون من التسوق القهري، كمان أن 14% من السكان يعانون منه بشكل خفيف.

اقرأ أيضًا: هلع التسوق في الأزمات – كيف يدفعنا الخوف إلى تخزين السلع؟

لماذا نقع في فخ التسوق القهري؟

هناك الكثير من الأسباب توقعنا في التسوق الإلزامي رغمًا عنا، فيما يلي سنورد أهم هذه الأسباب:

      • الشعور بالوحدة والفراغ الشخصي، حيث يلجأ الفرد لتعويض هذا الفراغ من خلال النشوة التي يحققها من عملية الشراء، وهذا ما تستغله التجارة الإلكترونية حيث تذكره بالمزيد والمزيد من الفرص وتشعره أن حياته ستكون أفضل إلا أن تأثيرها سرعان ما يتلاشى ليدخل في دائرة مفرغة من تكرار الشراء.
      • الخوف من تفويت فرصة الشراء، وهذا كثيرا ما نلحظ استخدامه في التجارة الإلكترونية، حيث تحفزما بشكل مستمر لإتمام عملية الشراء وإلا سيفوتك الخصم الذي ستنتهي قريبا أو تنبهك أن قليل من القطع تبقى في المتجر.
      • البحث عن شعور السيطرة على الحياة، حيث يقوم الفرد بتسوق ما يشعره بالسيطرة على حياته، كمت يشتري معدات رياضية ليبدأ عملية فقدان الوزن ستستغل التجارة الإلكترونية هذه النقطة ولن تمل من إظهار الإعلانات وإظهار الأجسام الرياضية في كل مكان.
      • إدمان شعور السعادة، يرافق عملية الشراء الشعور بالنشوة والسعادة التي تتبع عملية الشراء، إلا أن هذا الشعور يتلاشي ليبدأ في السعي وراءه من جديد.

أنواع مدمني التسوق

هناك عدة أنواع من مدمني التسوق، الذين يتمايزون في سلوكياتهم الإدمانية، فيما يلي نستغرض لبعض هذه الأنواع:

  1. متعقبي الصفقات: وهم أولئك الأشخاص الذين يشترون أشياء لا يحتاجونها، فقط يشترونها لأنهم يظنون أنها صفقة جيدة.
  2. هواة الجمع: وهم الأشخاص الذين يشعرون بالنقص إن لم يكن لديهم قطعة من كل لون، ولا يشعرون بالإكتمال إلا إن كان لديهم كل القطع التي في المجموعة.
  3. المتسوقون الشرهون (البوليمييون): وهم الذين يعيشون في دائرة مفرغة من الشراء والعودة للشراء بشكل متكرر، فهم مدمنون على نفس فعل الشراء.
  4. مدمنو التسوق القهريون: وهم من يقومون بالتسوق عندما يشعرون بالضيق أو الحزن.
  5. المتسوقون المظهريون: هم المتسوقون الذي يحبون الصورة الإجتماعية في كونهم منفقون، ويحوب العناصر البراقة والفريدة.
  6. متسوقي المثاليون: وهم الذين يتسوقون للحصول على العنصر المثالي.

اقرأ أيضًا: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها

الفرق بين التسوق القهري والتسوق الاندفاعي

لكن جميعنا يحب ويمارس التسوق بشكل مستمر سواء كان التسوق من خلال إحدى منصات التجارة الإلكترونية أو التسوق من المتاجر الحقيقية، وكذلك ننفق في بعض الأوقات ما يفوق ما هو مخصص للإنفاق، فهل بهذا الفعل نكون مدمني تسوق؟.

الفرق الجوهري ما بين التسوق الإندفاعي والتسوق القهري هو الدافع الداخلي أو السبب لعملية الشراء:

  • التسوق الإندفاعي يكون فيه قرار الشراء قرار لحظي، حيث يكون قرار الشراء نتيجة رؤية العنصر المراد معروضًا، في حين أن التسوق القهري يكون هناك دافع داخلي للشراء يحث الفرد بشكل مستمر على الشراء، كأنه يمسك الهاتف بشكلل متكرر فقط للبحث في المتاجر الإلكترونية عن شيء ما يعجبه ليقوم بشراءه.
  • يقوم المتسوق القهري بالتسوق للتخلص من المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر والحزن وقد يتطور هذا السلوك ليصبح سلوك إدماني، في حين المتسوق الإندفاعي لا يميل لهذا السلوك.
  • يواجه المتسوقون القهريون عادة عواقب سلبية كالصعوبات المالية والمشاكل الاسرية.

اقرأ أيضًا: 8 أخطاء في الإدارة المالية الشخصية يجب تجنبها في الثلاثينيات

كيف أعرف أنّي مدمن تسوق؟

جميعنا يقوم بالتسوق ما بين الحين والآخر، لكن ماهي السمات التي تميز المتسوق القهري عن غيره، يمكنك عزيزي القارئ أن تجيب على الأسئلة التالية لتميز إن كنت متسوق قهري أم لا.

  1. هل تقضِ وقتًا طويلًا في تصفح مواقع التجارة الإلكترونية أو في التسوق في الواقع؟
  2. هل تقوم بشراء أشياء غير ضرورية؟
  3. هل لديك دافع داخلي يلح عليك بالشراء ولا ترتاح إلا عن القيام بالشراء؟
  4. هل يشعرك التسوق والشراء بالراحة والسعادة؟
  5. هل تعاني من الشعور بالذنب والندم بعد عملية الشراء؟
  6. هل تنفق أكثر ما تخطط له في التسوق وتعاني من مشاكل مالية وديون نتيجة لذلك؟
  7. هل تلجأ لإخفاء مقتنياتك الجديدة تفاديًا للإحراج والإنتقاد؟
  8. هل تلجأ للشراء للتخلص من  المشاعر السلبية؟
  9. خلال عملية التسوق هل تشعر بفقدان السيطرة على نفسك ولا تتمكن من التوقف؟
  10. هل خسرت بعض العلاقات الإجتماعية نتيجة سلوكك المالي؟

إذا كانت اجابتك على جميع الاسئلة أو معظمها بالإيجاب فأنت تعاني من شره التسوق أو التسوق القهري.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات عملية لإعداد ميزانية البيت

نصائح للتقليل من التسوق القهري

هذه بعض النصائح العامة التي يمكنك عزيزي القارئ تطبيقها في كل الظروف والأوقات للتقليل من تأثير التسوق القهري سواء كان ذلك في التسوق الحقيقي أم في التجارة الإلكترونية:

  • تجنب التسوق في اللحظة الأخيرة، في حال أردت شراء شيء ما إياك أن تقوم بالشراء في الأوقات القريبة من موعد الإغلاق، أو بموعد قريب من المناسبة التي تريد التسوق لها، لأنك غالبًا ستكون مضطر لشراء أي شيء كما أنك لا تكون صافي الذهن لاتخاذ قرارات صائبة.
  • اذهب للتسوق في وسائل النقل العام لأن هذا سيدفعك للتقليل من كمية المشتريات والشراء بحكمة.
  • اعد ميزانية خاصة بالتسوق واكتب قائمة بالمشتريات، سيعطيك ذلك فرصة لترتيب أولوياتك والتخطيط بشكل أفضل.
  • تجنب الشراء في حالات السعادة أو الحزن والإحباط لأنك ستكون تحت تأثير هذه المشاعر التي ستؤثر سلبيا على قراراتك.
  • قلل من التسوق من منصات التجارة الإلكترونية: التسوق عبر هذه المنصات يتمتع بشيء من الخصوصية التي تقلل الإحراج الناتج عن الشراء المتكرر، كما أنها تسهل عملية الشراء لأنك من خلال عدة نقرات ستتم عملية الشراء.
  • ابحث عن طرق أخرى لقضاء وقت الفراغ، فقد يكون التسوق نتيجة للشعور بالملل، للتخلص منه ابدأ بتعلم مهارات جديدة تقضي فيها على الملل مثل الرسم والتطريز أو ممارسة بعض الأنشطة الرياضية، وتطوير بعض المهارات.
  • في حال لم تستطع ضبط عمليات الشراء لديك، كلف شخص من العائلة بالقيام بعمليات التسوق.
  • لا تستخدم البطاقة الإئتمانية في عملية الشراء، عملية الدفع نقدًا أصعب على النفس من الدفع عبر بطاقة الإتمان.
  • احذف تطبيقات التسوق الإلكتروني من جوالك، لأن التجارة الإلكترونية مصممة كي تستمر في الشراء، لكن في حال الرغبة في الشراء احذف التطبيق بعد الانتهاء من الصفقة.

اقرأ أيضًا: 5 معلومات أساسية عن صندوق الادخار للطوارئ

عزيزي القارئ جميعنا معرضون لأن نصبح مدمنون على الشراء لأن كل ما حولنا يدعونا للشراء سواء في المتاجر الحقيقية أم منصات التجارة الإلكترونية، إلا أننا يمكننا تجاوز هذا الفخ ببعض الحكمة والتروي، لكن في حال لم تقدر على ضبط النفس لابد أن تراجع معالج سلوكي ليساعدك في تجاوز هذا السلوك.