يتأهب العالم الإسلامي لاستقبال أحد أهم المناسبات الدينية وأعظم الشهور وهو شهر رمضان المبارك، مع بدأ الاستعداد لرمضان يحدث تغيير واضح في أدق التفاصيل اليومية لحياتنا، تتنوع خطط الاستعداد البعض يستقبله بخطط العبادة والبعض بخطط الموائد والتسوق والعلاقات الإجتماعية وبعضهم بخطط البرامج والمسلسلات والسهرات الرمضانية للأسف، هنا سنقدم لك بعض النصائح التي قد تقربك من الهدف الحقيقي لهذا الشهر الكريم.
في حديثنا عن الاستعداد لرمضان لابد أن نتنبه للهدف الأساسي لهذا الشهر والذي غاب عن الكثير منا بسبب ما ألفناه من عادات اجتماعية استهلاكية فتجدنا ننساب مع السلوك العام للمجتمع، لكن لابد أن نقف للحظة ونتأمل أنّ مقصود الله تعالى من هذا الشهر وهو التقلل من الحياة وهو بعيد كل البعد عن ما عهدناه في سلوك الناس في رمضان. لذلك يجب علينا أن نغير منظورنا لهذا الشهر ونقترب من مقصود الله تعالى فيه.
اقرأ أيضًا: الاستهلاك في رمضان ، كيف تم برمجتنا؟
أولا: الاستعداد لرمضان كما يجب أن يكون
غالبًا ما تتجاوز ميزانية الاستهلاك قي رمضان ميزانيات غيره من الشهور، لما ارتبط بشهر رمضان من نمط استهلاكي مختلف، إلا أن رمضان هو الشهر الذي نمتنع عن الطعام والشراب لننقي أرواحنا ونسمو بها بالتقلل من الطعام والزيادة في العبادة والتقرب إلى الله، لكن ما نراه في خطط الاستعداد لرمضان من قوائم اللوازم البيتية وخطط الطبخ يناقض مراد الشهر الفضيل.
لا نقول أن لا نهتم بالجانب المادي لكن يجب أن لا يكون هو الطاغي علينا قي هذا الشهر، التقلل في الاستهلاك من الأمور الأساسية في شهر رمضان، لذلك اجلس مع نفسك بعض الوقت وفكر كيف يمكنني أن احقق مراد الله من هذا الشهر؟، ما هي الأشياء الاستهلاكية التي يمكنني الاستغناء عنها؟ لماذا ميزانية شهر رمضان أعلى من ميزانيات غيره من الشهور؟ تأمل كمية الطعام يتم التخلص منه في هذا الشهر.
حين تجلس مع نفسك تذكر شهر رمضان في السنوات السابقة هل أنت راضٍ عنه؟، ضع من ثلاث إلى خمس أهداف يمكنك التقلل فيها، أخرج من إطار الطقوس الإجتماعية، من قال أننا لن نحس برمضان بدون أنواع العصير على المائدة أو بدون القطايف والسمبوسة!، أو بدون زينة رمضان الكهربائية التي تملأ كل مكان!، أو بدون الولائم التي تتسبب بالتخلص من كميات كبيرة من الطعام!، ما أراد الله تعالى هذا في خير الشهور ولا في غيره، أسأل نفسك هل هذا ينسجم مع مقصود الله تعالى من هذا الشهر؟.
اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام
ثانيًا: النماء الذي نريده في شهر رمضان
هناك عدة جوانب تتداخل في شهر رمضان وهي الجانب الروحي والجانب الإجتماعي، والجانب مالي أو الاقتصادي، يتفاوت الأفراد في الاستعداد لرمضان في إعطاء الأولوية لكل منها، لكن الغالب يدخل رمضان دون الوعي ودون إداراك لأهمية كل منها.
جوهر رمضان هو الجانب الروحي، فيجب علينا التخطيط للجانب الروحي ونماء الروح كما نخطط للجانب المادي بشراء ما يلزمنا من حاجيات المنزل الرمضانية وكما نخطط للجانب الإجتماعي في الولائم والإجتماعات العائلية.
ضع نمطًا عامًا لنهارك في شهر رمضان وخصص وقت محدد للعبادة والتقرب إلى الله، ضع هدفًا يوميًا من الأذكار فهي عبادة بسيطة عظيمة الأجر، واستحضر النية في كل صغيرة وكبيرة في يومك، فلو اكلت تذكر نية الأكل للتقوي على العبادة، وعند تحضير الطعام تذكر نية تفطير الصائم، ولو ذهبت لقضاء حوائج البيت تذكر نية السعي في خدمة أهلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك”.
شهر رمضان كنز لا يستحقه إلا من وعى قيمته، عامل رمضان على أن وقته أشبه بالمال فالمكالمة الهاتفية الطويلة عديمة الفائدة، وجلسات اللغو والحديث والسهرات على المسلسلات الرمضانية ستفقدك وقت ثمين لا يتكرر فضله ولا يوازيه أجر عوضًا عن ما تكسبه من آثام، شهر رمضان كنز تتزود منه لباقي العام.
اقرأ أيضًا: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً
ثالثًا: رمضان ليس مهرجانًا للتسوق
ما إن يقترب شهر رمضان المبارك نرى جميع المحلات والأسواق التجارية وحتى المتاجر الإلكترونية تبدأ الاستعداد لرمضان، حيث يعتبرونه من أهم مواسم العام وتبدأ العروض التي تحفزنا على الاستهلاك تظهر لنا في كل مكان، يرافق هذه الإعلانات برمجة مسبقة لدينا تحفزنا على الشراء مما يجعل وقوعنا بالفخ أسهل، لكن تذكر أن رمضان ليس مهرجانًا للتسوق ولا مسابقًة للاستهلاك، لذلك حين تبدأ الاستعداد لرمضان كن عقلانيًا وحاول أن تعزل نفسك عن المؤثرات قدر الإمكان.
قبل إعداد قائمة المشتريات الرمضانية تفقد ما تملكه من لوازم الطعام في البيت، وضع مزانية محدد للاستهلاك في ضوء ما تملكه من لوازم البيت مسبقًا وكذلك ما تملكه من مال، ثم قم بكتابة قائمة ما يلزمك من حاجيات لكن وأنت تعد قائمة المشتريات اقسمها لقائمتين أصغر ضروري وكمالي، ثم قم بتقسيم ما خصصته من مال لشهر رمضان ما بين الضروريات والكماليات بحيث لو لم يكف ما تملكه من مال ستستثني من الكماليات وليس الضروريات.
تذكر عزيزي القارئ أن السوق موجود دائما والسلع متوفره والعروض ستكون موجوده دائما، لذلك لا داعي للمبالغة في التجهيز وشراء الكثير من السلع، وتذكر أن رمضان من حيث الاستهلاك كغيره من الشهور إلا أننا نتعرض لاستهداف واضح من جميع المعلنين لنقع في شباكهم.
اقرأ أيضًا: التخطيط المالي: كيف نُعظم منافع النقود ؟
رابعًا: رمضان ما بين الخوف من الجوع والاستعراض الإجتماعي
نحن مأمورون في شهر رمضان وفي غيره من الشهور بالموازنة ما بين الإسراف والتبذير والشح والتقتير، يصف الله تعالى عبادة المؤمنين: ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ″ الفرقان| 67، إلا أننا في رمضان غالبا ما نواجه عاملين يحفزاننا على زيادة الاستهلاك.
العامل الأول هو الخوف من الجوع، قد تستغرب هل نحن نخاف من الجوع فعلًا؟، نعم يا صديقي ستلحظ هذا عند الاستعداد لرمضان حيث نتسوق بكميات كبيرة لهذا الشهر وكأن السوق سيختفي فجأة، كما يظهر في تقدير كميات الطعام لكل يوم حيث يكون الطعام المُعد في كل يوم للأسرة أكثر من حاجتها، لأن تقديرنا للكمية التي سنأكلها عند الجوع تكون أكبر وتقدر بشكل خاطئ، لذلك لابد من التروي والتعقل عند تحديد الكميات، تتميز الأمهات الحكيمات في التقدير الصحيح للكميات بالخبرة.
تذكرِ عزيزتي الأم الكمية التي كان ابناؤك يأكلونها خارج رمضان هي ذات الكمية التي سيأكلونها في رمضان. وتذكر عزيزي الأب أن لا تتسوق وأنت صائم لأنه وبشكل تلقائي ستزيد الكميات التي تشتريها وغالبًا ما تكون خارج خطة الشراء، كما يفضل أن تبتعد عن التدخل في تقدير كميات الطعام اليومية.
العامل الآخر هو الاستعراض الإجتماعي، تكثر الولائم في شهر رمضان ويتحول موسم العبادة إلى طقس إجتماعي تتنافس فيه الأسر في التفاخر وإستعراض القدرة المالية في الولائم والتجمعات الأسرية، لا بأس أن نضع في خطط الاستعداد لرمضان أهداف إجتماعية وتجمعات أسرية لكنها يجب أن تبقى ضمن الهدف العام للشهر الفضيل، لا يجوز أنّ تتحول هذه الولائم إلى ميدان تنافس يودي بكميات كبيرة من الطعام في النفايات!، شكر النعم يكون بالمحافظة عليها ونحن في موسم عظيم يجب أن نستغل كل ثانية وكل دولار للتقرب من الله تعالى.
يقول الله تعالى “كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”31 | الأعراف
وإنت كنت عزيزي القارئ ممن يخجلون من أن تكون كميات الطعام تتناسب مع الحضور إليك بعض النصائح تمكنك من تقليل الطعام المهدور، حاول أن تتأكد من عدد الحضور بشكل دقيق وإجعل الزيادة في كمية الطعام مدروسة، خذ بعض الإجراءات التي تساعد في إبقاء الطعام غير المأكول نظيفًا مثل أن يكون الأكل من أطباق مخصصه للأفراد وأن تضع كميات أقل في أطباق الأطفال لأنهم عادة لا ينهون أطباقهم، عند الاستعداد لرمضان احضر بعض أدوات الطعام السفري، وأخيرًا لا تؤجل توزيع ما بقي نظيفًا من الطعام فخير البر عاجله.
اقرأ أيضًا: 6 خطوات عملية لإعداد ميزانية البيت
خامسًا: الصدقة الصدقة
من أهم ما يجب أن نضعه في خطط الاستعداد لرمضان هو جانب العبادة، وجوانب العبادة في رمضان كثيرة ومتعددة والثواب مضاعف، إلا أن الصدقة المالية من أهم ما نستعد به، يلزمنا شهر رمضان بمواعيد محددة للطعام وإعداد الطعام بشكل يومي مرتين على الأقل، وهذا الأمر على بساطته إلا أنه قد يكون رفاهية لا تصل لها بعض الأسر، تفقد من حولك من الأسر الفقيرة وإن لم تكن تعرفهم أطلب المساعدة ممن له دراية بأحوال الفقراء، عند الاستعداد لرمضان ضع ميزانية لمساعدة الفقراء، وتذكر أن ما وجوده أمر بديهي لك ولأسرتك، قد يقترض غيرك كي يقوم بتوفيره.
وهنا لا بد أن نُذكر بصدقة الفطر التي أوجبها الإسلام على كل فرد ذكر أم أنثى حتى الجنين في بطن أمه، وتجب على من يملك قوت يومه وليلته فقط، وهنا نلحظ معنى تدوير المال بين الناس وأثره الترابط الإجتماعي والتواصي بالخير.
اقرأ أيضًا: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها
سادسًا: الاستعداد للعيد
يعقب الاستعداد لرمضان الاستعداد للعيد، وهنا نلحظ أن الأستهداف الذي نراه في الاستعداد لرمضان من قبل المتاجر نرى ما يفوقه عند العيد، إلا أننا نغفل عن أهم أيام الشهر الفضيل فغالبًا ما يتم الاستعداد للعيد في العشر الأواخر وهي أيام الفضل والثواب في أحد هذه الأيام ليلة القدر، ومع ذلك ترى جموع الناس يقضون هذه الليالي المباركة في السوق!، تذكر عزيزي القارئ أن السوق موجود في كل الأوقات يمكنك شراء ملابس العيد قبل رمضان أو حتى في الأيام الأوائل، تذكر أن تعامل رمضان كالكنز استغل كل ثانية فيه.
عزيزي القارئ الاستعداد لرمضان يجب أن يكون في جوانبه جميعها فلا يطغى جانب على آخر، وتذكر أن الاستعداد يجب أن يكون عقلاني ومنطقي خاصة في الجانب المالي، نجاحنا وفوزنا في هذا الموسم التعبدي بأن يكون سلوكنا منسجمًا مع روح الشهر الفضيل من العبادة والتقلل من الدنيا.