تعد التربية المالية للأطفال من الأمور الأساسية التي يجب أن تُعطى الأولوية في التربية المعاصرة. وليس من السابق لأوانه السعي لتزويد الأطفال بالمعرفة والقيم المالية السليمة منذ الصغر، لأن ذلك يساعدهم في بناء عادات مالية مسؤولة تسهم في تحقيق حريتهم المالية مستقبلًا.
في هذا المقال سنعرض المفاهيم الأساسية في التربية المالية للأطفال التي لا يمكن استغناء الآباء عنها.
اقرأ أيضًا: 5 من أهم الأخطاء المالية التي يقع بها الآباء الجدد.
أهمية التربية المالية للأطفال.
إذا نشأت في أسرة كغالبية الأسر في مجتمعنا فمن المرجح أنه لم يتم إجراء محادثات حول المال معك أو أمامك، ذلك أن السائد في اعتقاد الآباء في ذلك الحين أن المهارات المالية يمكن اكتسابها بشكل تلقائي مع التقدم في العمر، ولم تكن التربية المالية للأطفال محط انتباههم وتركيزهم.
إلا أن الجو السائد حاليًا يحتم على الآباء التركيز بشكل خاص على مفاهيم التربية المالية للأطفال، لأن هناك تغير عام وكبير في مفاهيم التسوق والاستهلاك والإعلانات وكسب المال. التربية المالية للأطفال لم تعد رفاهية أو مظهر من مظاهر الإهتمام والعناية الإضافية من الآباء، بل يجب العناية بها والتركيز عليها كما يتم العناية بالتربية الأخلاقية والتربية الدينية على حد سواء.
ويمكن إجمال ما أهم الأسباب التي تدفعك للإهتمام بالتربية المالية للأطفال فيما يلي:
- تغير أساليب التسويق والإعلان:
لم يكن الضغط التسويقي على الأفراد فيما مضى كما نشهده اليوم، ففي السابق اقتصرت الإعلانات على التلفاز الذي يعد تأثيره محدود جدًا بالمقارنة بالإعلانات الحالية، فقنوات التواصل الإجتماعي تعمل على ضخ الإعلانات في كل فرصة، تشير دراسة GlobalWebIndex إلى أن 71% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أكثر عرضة لشراء المنتجات والخدمات بناءً على إحالات هذه المواقع. عدا عن القنوات القائمة بشكل أساسي بهدف تسويق المنتجات لمختلف الأعمار.
فالطفل منذ نشأته يستقبل سيل من الإعلانات بشكل يومي على كم من الرغبات والأمنيات الإستهلاكية، عدا عن اعتقاده أن سعادته ترتبط بها، والشعور بالنقص إن لم يمتلك ما يريد.
- تضخم المجموعة المرجعية:
يقصد بالمجموعة المرجعية مجموعة الأشخاص الذين ترى حياتهم عن قرب و تقارن نفسك بهم وتقيس رفاهك الاقتصادي عليهم، في السابق المجموعة المرجعية كانت تتمثل بالأقارب ممن نزورهم بشكل دوري مثل بيوت الأعمام والأخوال، وبيوت أصدقاء العائلة المقربين.
هذه المجموعة كانت تعتبر محدودة نسبيًا سابقًا إذا ما قارناها بما هي عليه اليوم، فمع وجود وسائل التواصل الإجتماعي أصبح بإمكاننا أن نطلع على حياة الكثير من الناس وقد يفصلنا بينهم قارات في به، بنفس الوقت نقارن حياتنا بهم ونحاول تقليدهم.
- الاستهلاك المظهري:
يعتبر الاستهلاك المظهري نتيجة منطقية لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فالكبار قبل الصغار يتسارعون لاستعراض رحلاتهم ومقتنياتهم الجديدة وحتى طعامهم! الاستهلاك المظهري دافع أساسي لعمليات الاستهلاك غير العقلاني.
- الكسب السهل:
من الأسباب الرئيسية التي تدفعنا للاهتمام بمفاهيم التربية المالية للأطفال التغير الذي حصل في مفهوم الكسب والعمل، قبل ظهور مشهوري مواقع التواصل الاجتماعي ارتبط الكسب بالدراسة والسعي والعمل الجاد.
إلا أننا اليوم نلاحظ في نقاشاتنا مع النشئ حول الدراسة والتخطيط للمستقبل أن هناك تحول في النظرة لكسب المال، فنرى أن الشهرة في وسائل التواصل الاجتماعي تكتسب شعبية لدى اليافعين، فهم يرون أن من السهل تحقيقها من خلال ملاحقة الترند والمحتوى الكوميدي!
هذه الأسباب تجعل من التربية المالية للأطفال ضرورة لا غنى عنها، ولابد من التخطيط الواعي لهذه العملية بالإضافة إلى الحرص من قِبل الوالدين على زيادة وعيهم المالي وتطوير مهاراتهم التربوية فيما يتعلق بالمال.
اقرأ أيضًا: 8 استراتيجيات لغرس الوعي المالي في طفلك.
المفاهيم الأساسية في التربية المالية للأطفال.
هناك مفاهيم ومهارات مالية بالغة الأهمية يجب على الجميع امتلاكها ولا يمكن الاستغناء عنها، ويجب البدء في تعليمها للأطفال منذ الصغر، لما لها من أثر كبير عليهم في مراحل متقدمة من العمر، والتعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية بنجاح في المستقبل.
أولا: فهم قيمة المال
يعتبر من أولى الخطوات في التربية المالية للأطفال أن يفهم الطفل قيمة المال، لأن ذلك يعتبر أساس مهم في تعليمهم كيفية إدارة الموارد واتخاذ القرارات المالية المسؤولة مستقبلًا. إليك بعض الطرق الفعّالة لتعليم الأطفال قيمة المال:
- البدء مبكرًا:
يمكن البدء في التربية المالية للأطفال من خلال توكيلهم بالقيام ببعض الأعمال المنزلية مقابل أجر، وهذا يجعلهم يدركون أن الأموال تأتي من خلال الجهد والعمل الجاد وهذا له دور أساسي في تغير نظرتهم للمال وطريقة التعامل معه، مع مراعاة بقاء بعض المهام المنزلية بدون مقابل لتحقيق التوازن ما بين السعي لتطوير مهاراتهم المالية وفي نفس الوقت أن لا نعزز فيهم الفردية والأنانية.
- مناقشة المال بشكل مفتوح
إجراء المناقشات العائلية حول الشؤون المالية للأسرة مثل العمل، والميزانية، والتكاليف الطارئة، والتخطيط المالي للمستقبل وغير ذلك من الأمور المالية للأسرة، يسهم في تعزيز فهم الأبناء لقيمة المال وطريقة التعامل معه، كما يشعرهم أنهم جزء من القرارات المالية للأسرة مما يجعلهم يتعاملون بمسؤولية في حياتهم اليومية التي تنعكس على تكاليف الحياة ككل.
- التمييز بين القيمة والتكلفة
من أساسيات التربية المالية للأطفال أن نساعدهم على اتخاذ قرارات مالية سليمة، من خلال مساعدتهم على فهم أن القيمة ليست دائمًا مرتبطة بالسعر، فليس كل شيء سعره أقل هو الخيار الصحيح، لابد من تعليمهم تقدير الجودة للمنتج، وأخذ المدة التي يستمر بها في عين الاعتبار.
من ناحية أخرى يجب وتنبيههم على أن السعر المرتفع ليس دليلًا على الجودة دائمًا، فقد يكون السعر مرتفع لعتبارات غير اعتبار الجودة، بشكل عام فإن التركيز على الاستفادة الكلية من الشراء يمكن أن يعلمهم اتخاذ قرارات شراء أكثر حكمة.
اقرأ أيضًا: الثقافة المالية | 10 مفاهيم مالية يجب أن تعلمها لأبنائك.
ثانيًا: التوفير والأهداف المالية
- اشرح معنى التوفير ببساطة
غالبًا ما نلاحظ في سلوك الأطفال عند حصولهم على المال، فهم يرغبون بالتوجه للسوبر ماركت بمجرد حصولهم على المال، ذلك لأن الطفل لا يدرك سوى اللحظة الحالية، وهنا تكمن أهمية التربية المالية للأطفال، فواجب الوالدين بناء مفهوم نقل منفعة المال للمستقبل من خلال التوفير.
التوفير ببساطة تأجيل المنفعة الحالية للنقود إلى المستقبل، وأن إنفاق المال في هذه اللحظة يعني اختفاء وانتهاء المنفعة من النقود.
- درّب طفلك على الادخار
اجعل عملية الادخار سهلة من خلال زيادة المصروف اليومي للطفل بحيث يوجه جزء منه للتوفير، يمكنك تشجيعه على الادخار من خلال وجود حصّالة خاصة به، ولا تنسى مكافأته عن كل أسبوع يدخر به أن تضع له مبلغ صغير في حصالته.
لكن احذر من استخدام الأموال الخاصة به دون إذنه ورغبته، أو الاستيلاء عليها بحجة أنت ومالك لأبيك! أو القيام بشراء متعلقات له من أمواله عاجة ما يشتريها الوالدان له، لأن ذلك سيولد رح فعل سلبي حيث يشعر الطفل أن إنفاق المال الآن يعني أن يستفيد هو منه، في حين الادخار يعني إرجاع المال للوالدين!
- ناقش معه الأهداف المالية
لا فائدة من التوفير والادخار في حال لم ترتبط بهدف نسعى له، فالطفل عادة ما يكون قليل الصبر ففي حال بدء بالتوفير دون وجود هدف سيتوقف بعد أيام قليلة. في حين وجود هدف مالي يسعى له يعتبر دافع للالتزام بالادخار لمدة أطول.
ناقش مع طفلك فكرة الأهداف المالية من خلال مناقشة رغباته والأشياء التي يرغب في اقتنائها، وضح له أنه يمكنه الحصول عليها في حال قام بتوفير المال اللازم لها، اجعله يتحمل مسؤولية شراءها حتى لو كانت لديك القدرة المالية، تذكر أنك تعلمه مهارة للحياة.
بما أن رغبات الطفل كثيرة، ناقش معه هذه الرغبات يمكن أن تكتبها جميعها على ورقة وتبدأ بالمفاضلة بينها، ومناقشة أولوية شراؤها، وقدرته على ذلك حتى تصل معه لهدف واحد يرغب في تحقيقه. يمكنك أن تقرأ مقال الأهداف المالية الذكية يساعدك في تبسيط المفهوم له.
اقرأ أيضًا: كيفية تحديد الأهداف المالية الذكية.
ثالثًا: التخطيط والميزانية
- لماذا المال محدود
فيما سبق في الحديث عن قيمة المال تم مناقشة أن المال ينتج عن العمل الجاد، وبما أن المال ينتج عن العمل فهو محدود حتى وإن كان كثيرًا، هذه الفكرة الأساسية التي ننطلق منها في مناقشة محدودية المال.
يمكن تبسيط فكرة محدودية المال من خلال مقارنتها بالعناصر الأخرى المحدودة، مثل عدد حبات البسكويت في العلبة، أو مناقشة العناصر الممكن شراؤها بمصروفه اليومي، فهو وإن كان يرغب في المزيد من الدخل إلا أن لديه دخل محدد في كل يوم لا يمكن تجاوزه، وهنا تكمن أهمية المصروف اليومي للطفل.
- التخطيط المالي
تعد محدودية المال مدخل أساسي ومنطقي لمفهوم التخطيط المالي، الدخل المحدود يضطرنا للمفاضلة بين الخيارات المتاحة والتخطيط للإنفاق بشكل أفضل.
في النقطة السابقة ناقشنا مع الطفل الأهداف المالية ويفترض أننا توصلنا لهدف واحد ليقوم بالادخار من أجله، بعد ذلك ناقش معه المبلغ الذي يحتاجه للحصول على مايريد، بعد ذلك حدد معه المبلغ الممكن ادخاره يوميًا، ثم قم بحساب عدد الأسابيع يتطلبها جمع المبلغ، وحدد الأسبوع الواحد كوحدة قياس لتقدم الادخار، مثلًا أنه يجب أن يدخر 5 دولار اسبوعيًا.
يجب أن لا يكون مبلغ الادخار اليومي هو كامل مصروف الطفل، وحاول أن يكون المبلغ الإجمالي للهدف المالي ليس كبيرًا حتى لا يشعر الطفل بالملل خاصًة إذا كانت هذه أول مرة يدخر بها. ولا تنسَ أن تكافئه على التزامه بالادخار في حال التزم أسبوع كامل دون إنقطاع بأن تضع في الحصّالة مبلغ ادخار عن يوم أو يومين.
إن استطعت أن تضع خطة الادخار في لوحة على الحائط ويقوم الطفل بالتلوين مربع عن كل يوم ادخار سيكون حافز إضافي للطفل.
- شارك طفلك في ميزانية المنزل
التربية المالية للأطفال هي عملية ممتدة عبر حياة الطفل، لذلك لا تجعل أبناءك جاهلون بالوضع المالي وكيف تتم إدارة المنزل ماليًا بحجة أن لا يشعروا بالقلق وعدم الأمان، لذلك لابد من يكونوا حاضرين خلال إعداد ميزانية المنزل أو بعض اجزائها على الأقل.
مبدئيًا يمكنك إشراكهم في إعداد قائمة المشتريات الشهرية، ستكون فرصة رائعة لمناقشة أولويات الشراء، وتناسب رغباتهم مع المبلغ المخصص للحاجات المنزلية الشهرية، وكيف نختار البنود التي نستغني عنها في حال تجاوز المبلغ المخصص، تعتبر هذه الجلسة تطبيق عملي لتوضيح الفرق بين الحاجات والرغبات.
- امنح طفلك الفرصة لإدارة ميزانيته الشخصية
قم بإعطاء طفلك مصروف أسبوعي واتح له الفرصة الكاملة لإنفاقه كيفما يشاء، مع إعطاء بعض الإرشادات غير الملزمة، لكن راعِ هذه الملاحظات عند قيامك بذلك
- لا تتدخل في طريقة الإنفاق ولو رأيته ينفق كامل المال في يوم واحد.
- لا تعطيه مزيد من المال في حال حاجته في وسط أو آخر الأسبوع.
- في حال اضطراره للمال يمكنك إقراضه المال على أن يتم خصم المال من مصروف الأسبوع المقبل.
- في نهاية الأسبوع ناقش طريقة إنفاقه للمال قبل إعطاء المصروف للأسبوع القادم.
- ساعده في تقسيم المال على الأيام، وأرشده لتدوين النفقات.
- لا تيأس وإن كرر نفس الأخطاء، التربية المالية للأطفال تحتاج إلى صبر والنفس الطويل.
- في حال تكرار الأخطاء يمكنك تقليل المدة، بإعطاءه مصروف لكل ثلاث أيام.
- في حال التطور والتحسن يمكنك إطالة مدة المصروف كأن تكون لأسبوعين.
اقرأ أيضًا: الثقافة المالية: المهارات المالية للأطفال حسب المرحلة العمرية.
رابعًا: الاستثمار والنمو المالي
بما أننا ناقشنا فكرة محدودية المال وارتباطه بالعمل، وأن المال لا ينمو على الأشجار إلا أنه ينمو بالاستثمار، وأن المال يمكن أن يتضاعف في حال توظيفه بشكل صحيح.
- ماهو المال
لابد أن توضح للطفل أن المال ليس الأوراق النقدية فقط، بل هناك صور كثيرة للمال، فكل شيء له قيمة معتبرة هو مال، فالسيارة مال، والبيت مال، والأرض مال، والذهب والمجوهرات الثمينة مال.
لكن النقود هي الوسيلة التي تسهل تبادل هذه الأموال، فلو لدي أرض وأردت شراء مجوهرات ذهبية لابد أن يكون هناك وسيط بين الأرض والذهب وهو النقود التي نتعامل بها.
- الاستثمار
يمكن تبسيط فكرة الاستثمار بوضع المال في شيء يمكن أن ينمو ويعود بالمزيد من المال، وهناك عدد من الأنشطة البسيطة الممكن اتباعها مع الطفل:
- فكرة زراعة بذور في الحديقة وانتظار الثمار: شراء البذور وزراعتها يمثل الاستثمار في حين الثمار الناتجة وقيمتها أكبر من قيمة البذور بطبيعة الحال تمثل العائد على الاستثمار.
- استغلال الأموال مثل المدخرات أو العيديات في عمل مشروع صغير مثل شراء الخرز وصنع اكسسوارات وبيعها، أو شراء البسكويت والشبس بالجملة وصنع متجر صغير وبيع أبناء الجيران.
- تغير قيمة النقود ونمو المال عبر الزمن
بما أننا وضحنا للطفل أن الاستثمار يضاعف قيمة المال، في هذه المرحلة لابد أن نوضح أن النقود ليست مقصودة بذاتها، إنما بما نحصل عليه من خلالها.
يمكن شرح هذه الفكرة بصورة أوضح من خلال مناقشة اختلاف الأسعار عبر الزمن، ومقارنة أسعار بعض السلع والخدمات حينما كنت طفلًا مع سعرها في الوقت الحاضر، وكيف أن السعر تضاعف في بعض الأحيان عدة مرات. هذا المثال يوضح تناقص قيمة النقود عبر الزمن.
في حين يمكن شرح تضاعف قيمة الأموال بصورها غير النقدية عبر الزمن، مثل مقارنة سعر أرض قبل 20 عام مع سعرها في الوقت الحاضر، وكذلك سعر الذهب قبل عدة أعوام مع سعره في الوقت الحاضر.
هذه المقارنات تعزز مفهوم الاستثمار في الأصول عبر الزمن، وكيف أننا يمكننا الاستفادة من الأموال بصورة أكبر في حال عدم ادخارها بصورتها النقدية وتحويلها لأصول كالأرض والأسهم وغيرها.
اقرأ أيضًا: الفرق بين الادخار والاستثمار | طريق الثروة.
خامسًا: الاستخدام الواعي للمال
- أو كلما اشتهيت اشتريت
هذه المقولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعتبر قاعدة جوهرية في الاستهلاك، وهي من العبارات التي لابد أن تكرر دائما في أذهاننا جميعًا، فهي أساس في ضبط الرغبات وإيقاف الانجرار في الاستهلاك الترفي.
قصة هذه المقولة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى لحمًا في يد جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فقال له: ما هذا ياجابر، قال جابر: اشتهيت لحمًا فاشتريته، قال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر، أما تخاف هذه الآية ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) سورة الأحقاف آية (20).
قص هذا الموقف على ابنائك واجعله مرجعًا في نقاشاتكم حول المشتريات الترفيهية، وابنِ فيهم قيمة أننا نستهلك لنعيش ولا نعيش لنستهلك، وإنما خلقنا لعبادة الله وعمارة الأرض وليس للاستهلاك فحسب!
- تعظيم المنفعة
يعتبر مفهوم تعظيم المنفعة من المفاهيم الجوهرية في التربية المالية، المنفعة المكتسبة من دولار انفقناه لشراء الخبز ليست نفس المنفعة المتحققة من دولار منفق لشراء البسكويت، بالتالي فما نحصله من منافع من النقود يرتبط بطريقة تعاملنا مع النقود.
اسأل طفلك دائما عند رغبته في شراء شيء ما: هل هذا هو أفضل خيار لإنفاق هذا المال؟ اعطه وقت للتفكير في الإجابة، لكن لا تغرق في المادية والنفعية وتنسى المنفعة المتحقق عن الترويح عن النفس، وأننا في بعض الأحيان نحتاج لشراء بعض العناصر الترفيهية.
اقرأ أيضًا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا؟
- المحرمات المالية
لا يمكن الحديث عن التربية المالية للأبناء دون الحديث عن المحرمات المالية، فالمال وإن حصلنا عليه لا يمكن أن نستخدمه إلا أن حصلنا عليه بطريقة مشروعة، وفي ديننا الإسلامي هناك الكثير من التوجيهات المتعلقة بالسلوك المالي الواجب غرسها في الأبناء منذ صغرهم ليسهل عليهم تطبيقها والتزامها عند بلوغهم سن التكليف.
من الأساسيات الواجب توجيه الأطفال لها أننا لا نتعامل بالربا في أي ظرف كان، وهنا لابد من توضيح مفهوم الربا ولماذا الإسلام حرّمه، وأننا وإن اضطررنا للاقتراض فلن نقترض بالربا ولن نقرض غيرنا بالربا كذلك، وأن التعامل بالربا مع الناس ليس شكلًا من أشكال الاستثمار.
كذلك يمكن لفت نظر الأبناء لفكرة اللُقطة ( وهي المال الذي تجده في الطريق) وأن هذا المال ليس رزق ساقه الله تعالى لك، بل هو اختبار ليرى الله تعالى هل تأخذ بالأسباب وتبحث عن صاحبه أم تأكل هذا المال دون احتراز للحرام.
ومن المفاهيم الأساسية كذلك أن المال المأخوذ بالحياء من الناس فهو من المحرمات لأن صاحب المال لولا أنه خجل من ردك ما أعطاك المال، وبالتأكيد لا ننسى مفهوم السرقة فهو حرام واضح.
- الفرق بين الاقتراض الجيد والاقتراض السيء
قد نضطر للاقتراض إلا أن هذا الاقتراض لابد أن يكون فيه بعض الشروط حتى يكون ديون جيدة:
- أن لا يكون اقتراض عن طريق الربا.
- أن لا يكون الاقتراض للاستهلاك خاصة الترفيه.
- أن يكون الاقتراض لشراء الأصول.
- أن يكون هناك خطة واضحة لسداد هذا القرض.
- أن يكون مبلغ القرض ضمن قدرتنا على تحمل القسط الشهري.
اقرأ أيضًا: القروض النقدية | دليلك لاقراض العائلة والأصدقاء
في الختام عزيزي الأب وعزيزتي الأم أود أن اذكركم أن التربية المالية للأطفال ليس محطة نقف عنها، إنما رحلة تستمر طوال فترة الطفولة والمراهقة لديهم، وأنها تحتاج إلى الكثير والكثير من الصبر، وضبط النفس، وتكرار المحاولات في تعليمهم، فلا تيأسوا وأن أعدتم النقاش مرات كثيرة، ولا تيأسوا من تكرار الأخطاء، تأكدوا أن التعليم والتربية لابد أن تثمر في الوقت المناسب.
واعملوا على تنويع الأساليب في تعليمهم فلا تعتمدو على النقاش فحسب، فيمكن استخدام الألعاب التعليمية مثل (مونوبولي) لشرح المفاهيم المالية، كما يمكن استخدام التطبيقات التعليمية المصممة خصيصًا لتعليم الأطفال الإدارة المالية.
والأهم من ذلك كله أن تشركوا الأبناء في القرارات المالية الخاصة بالأسرة، وأخذ رأيهم على محمل الجد ومناقشتهم فيه، وتذكروا أنكم القدوة الأولى والأهم لأطفالكم، فإياكم أن تناقشهم ويعلموهم المفاهيم المالية الصحيحة ثم يروا أنكم لا تطبقونها أو أنكم فوق هذه القواعد.
إذا كانت هناك أساليب تتبعونها مع أطفالكم شاركونا فيها بالتعليقات.