قد يختلط مفهوم الادخار والاستثمار على البعض، خاصة  وأنهما يشتركان في تأجيل منفعة المال من الوقت الحالي إلى المستقبل، فهل الادخار لا يختلف عن الاستثمار، وهل كل ادخار يعتبر استثمار والعكس؟، وكيف يمكنني معرفة ما إذا كنت مدخرًا أم مستثمرًا؟، وكيف يمكن الادخار والاستثمار بالطريقة المناسبة؟ في هذا المقال سنأخذك في رحلة للإجابة على هذه التساؤلات.

ماهية الادخار والاستثمار

يعد الوعي المالي والثقافة المالية من أهم ما يتسلح به الفرد في رحلته لتحقيق الحرية المالية وبناء الثروة، ومن أساسيات هذه المعرفة أن تميز ما بين المفاهيم المتقاربة التي تشترك في بعض الخصائص كما في مفهوم الادخار والاستثمار فهما من الأساسيات في الوعي المالي وهما الطريق طويل الأجل لبناء الثروة، في بعض الأحيان يستخدم الادخار والاستثمار للإشارة إلى نفس المقصود في السعي لتأمين المستقبل المالي، إلا أن هناك فروق لابد من توضيحها.

اقرأ أيضًا: 5 معلومات أساسية عن صندوق الادخار للطوارئ

ماهية الادخار

يقصد بالادخار تجنيب المال بشكل تدريجي، وعادة ما يتم الاحتفاظ بالمال بصورته النقدية سواء نقد كاش، أو وضع المال في أحد البنوك، كما يتم الاحتفاظ بالمال لأهداف محددة غالبًا ما تكون قصيرة الأجل كشراء سيارة، أو تأمين قسط جامعي، أو توفير إلتزمات مالية قريبة كمواسم العيد أو الرجوع للمدرسة التي غالبًا ما يرافقها زيادة في الإنفاق، وفي أفضل الظروف يتم الادخار للحالات الطارئة غير المخطط لها مثل فقدان العمل أو إصلاح عطل مفاجئ في السيارة أو مرض مفاجئ.

مما سبق نلاحظ أن الادخار بالصورة التي تطرقنا لها يكون في متناول اليد متى احتجنا إليه سيكون بمقدورنا الوصول إليه بسرعة، فهو مخصص للاستخدام في المدى القصير كالحالات غير المخطط لها، هذا النوع من الادخار منخفض المخاطر من حيث تعرضه لفقدان أو انخفاض القيمة نتيجة التضخم.

الادخار بالصورة التي تطرقنا لها لا يحقق عوائد عادة، إلا أنه ممكن أن يولد عائد بسيط في حال وضع المال في حساب توفير حيث يحصل على الفائدة الربوية إذا وضع المال في بنك تقليدي (وهذا العائد محرم في الشريعة الإسلامية) أو يحصل على الربح في حال وضع المال في بنك إسلامي، إلا أن العائد يكون منخفض في جميع الحالات مقارنة بالادخار الاستثماري.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات لبناء صندوق الادخار للطوارئ من الصفر

لماذا ادخر؟

تختلف أسباب الادخار فقد يكون الادخار عفوي ناتج عن تراكم الفرق بين الدخل والاستهلاك ولا يكون مخطط له، في حين أن هناك ادخار مخطط حيث يخصص مبلغ محدد من الدخل يكون غير مخصص للاستهلاك، ينقسم الادخار المخطط له إلى أدخار طويل الأجل و ادخار قصير الأجل.

يهدف الادخار قصير الأجل لتحقيق أهداف في المستقبل القريب، مثل زيادة المدخرات في صندوق الادخار للطوارئ، أو تمويل الكماليات مثل الادخار لرحلة سياحية أو شراء سيارة جديدة تغيير أثاث المنزل وغير ذلك من الأهداف.

في حين أن الادخار طويل الأجل يهدف لتحسين جودة المستقبل مثل الادخار للتقاعد خاصة وأن مرتب التقاعد غالبًا ما يوفر مستوى مادي أقل أو الادخار لتأمين الدراسة الجامعية للأبناء وما إلى ذلك، وعادة ما يكون هذا النوع من الادخار على شكل استثمار منخفض المخاطر (استثمار آمن).

اقرأ أيضًا: التخطيط المالي: كيف نُعظم منافع النقود؟

كيف ادخر؟ وكم ادخر؟

عند طرح سؤال كيف ادخر لابد من التنبه لأمر غاية في الأهمية وهو أن يتحول الادخار إلى فعل دائم وليس عند وجود فائض فقط، لذلك بغض النظر عن مقدار الدخل لديك يجب أن يكون الادخار ضمن خطتك الشهرية عند تقسيم الدخل ولا يخصص المتبقي من الدخل للادخار، فكما يقولون الادخار أولًا!.

حتى يصبح الادخار والاستثمار عادة دائمة لديك لابد أن تلتزم ببعض القواعد الأساسية:

  1. حدد مصادر دخلك المتكررة والعَرضية بحيث تحدد ما تجنيه شهريًا ولو بشكل تقريبي.
  2. دوّن مصروفاتك الشهرية وصنفها إلى ضروريات وحاجيات وكماليات، وقم بمراجعتها دوريًا، سيجعلك ذلك أكثر وعيًا في الإنفاق.
  3. ضع الادخار ضمن الضروريات الرئيسية عند تقسيم الدخل الشهري.
  4. عوّد نفسك على توجيه الفائض الشهري من الدخل عند وجوده إلى صندوق الادخار.
  5. عند وجود أي مكافأت أو هدايا أو أموال غير مخطط لها وجها مباشرةً للادخار لأنها غالبًا سيتم إنفاقها على الكماليات إن لم تفعل ذلك.
  6. زود مصادر دخلك واستثمر جزء منها في تحقيق الدخل السلبي.

اقرأ أيضًا: الدخل السلبي: 12 طريقة لكسب المال وأنت نائم

هل ادخر أم أسدد الديون أولًا؟

في حال كانت هذه أول رحلة لك مع الادخار قد يتبادر إلى ذهنك ماذا أفعل في حال وجود ديون؟ هل ابدأ بالادخار مع وجود الديون أم اسدد الديون أولًا؟.

يرتبط اتخاذك لهذا القرار بمقدار الدين ومعدل الفائدة السنوية التي تدفعها للقرض -مع تأكيد أن القرض الربوي محرم شرعًا ويجب أن لا نلجأ إليه- فإذا كان مقدار الدين كبير ومعدل الفائدة مرتفع الأفضل أن تبدأ بسداد الدين، لكن إن كان إجمالي الدين عليك قليل نسبيًا الأفضل أن توازن ما بين الادخار وسداد الديون.

تخصيص نسبة ولو بسيطة 5% مثلًا كل شهر للادخار ستقيك من الاضطرار للاقتراض في حالات الطوارئ كاصلاح عطل في السيارة أو مرض غير مشمول بالتأمين وما إلى ذلك.

هناك أسلوبين لتسديد الديون الأول هو أسلوب كرة الثلج حيث يتم ترتيب الديون من المقدار الأصغر إلى الأكبر ثم يتم البدأ بالدين الأصغر ثم الذي يليه بالترتيب، يعطي هذا الأسلوب شعور إيجابي من حيث تقليص قائمة الدائنين، أما الأسلوب الثاني وهو أسلوب الإنهيار الجليدي والذي يتم فيه البدأ بتسديد الديون ذات أعلى معدل فائدة ثم الأقل، إيجابية هذا الأسلوب أنه يمكنك التفاوض مع الجهة المُقرضة للتقليل من الفائدة الربوية المدفوعة في حال التسديد المبكر.

اقرأ أيضًا: كيف تحسب الفوائد البنكية ؟

ماهية الاستثمار

يشترك الادخار والاستثمار في أنهما يعتبران تأجيل استهلاك المال في الوقت الحاضر وتخصيصه للمستقبل، إلا أنهما يختلفان في أن الادخار لا يهدف لزيادة الثروة في حين أن الاستثمار هدفه الأساسي هو توليد المال وزيادة الثروة.

بالتالي يمكن تعريف الاستثمار بأنه جزء من الدخل غير مخصص للاستهلاك يتم العمل على تنميته وزيادة قيمته لتحقيق أهداف طويلة الأجل من خلال استخدامه‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الإنتاجية.

هنا تظهر العلاقة بين الادخار والاستثمار حيث يعد الاستثمار مرحلة لاحقة للادخار ويكملان بعضهما، فبعد القيام بتجنيب المال بصورته الأقرب إلى السيولة النقدية، يتم توجيه هذه المدخرات إلى الاستثمار بهدف تحقيق الأرباح على المدى الطويل.

يتصف الاستثمار في أنه يتحمل قدر أكبر من المخاطر، فالاستثمار لا يضمن العائد وقيمة الاستثمارات ستتعرض للارتفاع والانخفاض بحسب حالة السوق ومن الممكن خسارة بعض الأموال أو كلها في أسوأ الحالات، كما تختلف المخاطر الاستثمارية بحسب نوع الاستثمار إلا أن هناك علاقة طردية ما بين درجة المخاطرة والأرباح المتوقعة، فالاستثمار عمومًا يحقق عوائد أعلى من العوائد المتحققة على الادخار في حسابات التوفير التي تتصف بانخفاض مخاطرها.

اقرأ أيضًا: تعرّف على أنواع الأسهم في الشركات المساهمة

هل انت جاهز للاستثمار؟

الادخار والاستثمار عمليتين متتابعتين ، إلا أن جوهر الاستثمار تضع الأموال في أصول من المتوقع أن تزيد قيمتها مع مرور الزمن، بالتالي ستكون هذه الأموال معرضة لمخاطر السوق من حيث ارتفاع وانخفاض القيمة، كما أن العوائد في الاستثمار غير مضمونة وقد تكون أقل من المتوقع، لذلك عند التفكير في الاستثمار لابد أن تفكير في استثمار يمتد إلى أكثر من خمس سنوات، لأن المدى الزمني الطويل يمنح الاستثمارات المزيد من الوقت للتعافي في حال تعرضت لانخفاض القيمة.

من ناحية أخرى قبل البدء بالاستثمار طويل الأجل هل لديك أموال في صندوق الادخار للطوارئ يمكنك الوصول إليها بسهولة، لأنه هذه الأموال كما أوردنا سابقًا تخصص للحالات غير المتوقعة مثل فقدان الوظيفة، يجب أن يغطي صندوق الادخار للطوارئ المصاريف الضرورية لمدة ست أشهر على الأقل، ويعتبر بناء صندوق الادخار للطوارئ أول خطوة في رحلة الادخار والاستثمار.

إذا قمت بتأسيس صندوق ادخار للطوارئ ولديك مال ترغب في تنميته على المدى الطويل، وعلى استعداد لاستثمارها لمدة خمس سنوات تقريبًا، وكنت على استعداد لتحمل مخاطر السوق، فأنت الآن جاهز لرحلة الادخار والاستثمار.

اقرأ أيضًا: 7 معلومات عليك معرفتها عن شهادات الاستثمار

طرق الاستثمار

مجال الاستثمار مجال واسع جدًا، يتنوع بحسب مقدار المخاطر المرتبطة بكل نوع، وهنا نورد بعض طرق الرئيسية في الاستثمار:

  • شراء الأسهم: يعتبر السهم جزء في ملكية الشركة، يتلقى مالك السهم الأرباح في حال تحققها كما يتحمل الخسائر في حدود ما يملك من الأسهم، يتم تداول أسهم الشركات في البورصة، يمكن تخصيص مبلغ صغير في كل شهر لشراء الأسهم، سيكون ذلك بمثابة الشجرة التي تنمو ببطئ.هنا لا نتحدث عن المضاربة في سوق الأسهم إنما نتحدث عن امتلاك اللأسهم لفترة طويلة، صحيح أن الأسهم على المدى القصير لا تحقق عائد مجزي، إلا أنها تعد على المدى الطويل استثمار ممتاز. لابد أن يُراعى في شراء الأسهم تنويع الشركات فلا تستثمر في شركة واحدة.
  • شراء السندات: هي صورة من صور الاقراض الربوي المحرم شرعًا، تصدرها الشركات أو الحكومات كوسيلة للحصول على التمويل، يحصل مشتري السند على فائدة ربوية محددة مسبقٌا، وتكون معدومة المخاطر.
  • الاستثمار في الصكوك الإسلامية: نوع من الأوراق المالية المتوافق مع الشريعة الإسلامية، بموجبها يمتلك حاملها حصة في مشروع منجز أو قيد الإنشاء يشترط فيها أن تكون مرتبطة بأصول حقيقية، تصدرها الشركات أو الحكومات بهدف الحصول على التمويل، يحصل حامل الصك على نسبة من الربح المتحقق تحدد في العقد ويتحمل الخسائر عند حدوثها.
  • الاستثمار في صناديق الاستثمار: يحتوي الصندوق الاستثماري على مجموعة من الأسهم والسندات التي يقوم مدير الصندوق باستثمارها نيابة عن أصحاب الأموال، حيث يختار نوع الاستثمار ويتخذ القرارات بما يحقق نمو الأموال بمرور الوقت.
  • الاستثمار العقاري: يعد نوع تقليدي من الاستثمار فشراء العقارات يعد من أقدم أنواع الاستثمار وأكثرها شعبية، سواء كان الاستثمار في عقار سكني أو تجاري أو حتى شراء أرض، تختلف أهداف المستثمرين في العقار فالبعض يكون هدفه تأجير العقار والحصول على عائد شهري في حين يهدف البعض الاخر لبيع العقار عند ارتفاع سعره، ولابد من التنبه أن معايير اختيار العقار الاستثماري تختلف بحسب الهدف المراد سواء إيجار أم بيع عند ارتفاع السعر.

اقرأ أيضًا: الفرق بين الوديعة في المصارف الإسلامية والبنوك التجارية

الفرق بين الاستثمار والادخار

هناك عدة فروق بين الادخار والاستثمار من منظور اقتصادي في عدة جوانب يمكن إيجازها في النقاط التالية:

  • المفهوم: الفرق بين الادخار والاستثمار من ناحية اقتصادية أن الادخار يقصد به الدخل غير المستهلك سواء تم استثماره أم لا، في حين أن الاستثمار يشار به إلى تنمية الموارد الحالية لتوليد موارد أعلى في المستقبل.
  • الهدف: يهدف الادخار للحفاظ على الأموال في الاعتبار الأول لتغطية نفقات في المستقبل القريب، في حين أن الاستثمار يهدف لتشغيلها وتوليد الربح من خلالها.
  • المدى الزمني: يعتبر الادخار عملية قصيرة الأجل حيث يتراوح ما بين عدة أشهر إلى ثلاث سنوات، في حين أن الاستثمار عملية طويلة الاجل تمتد إلى أكثر من ثلاث سنوات.
  • المخاطر والعوائد: يعتبر مقدار المخاطرة من الفروق الأساسية بين الادخار والاستثمار، فالأموال المدخرة تتميز بأن مخاطرها شبه معدومة وغالبًا ما تحفظ في حساب توفير كما أنها تحقق عائد قليل نسبيًا إلا أنها تتعرض لمخاطر إنخفاض القيمة بسبب التخضم، في حين أن الاستثمار يغامر في الدخول لأنشطة مرتفعة المخاطر لتحقيق عوائد أعلى، فالأنشطة ذات المخاطر الأعلى تحقق أرباح أعلى والعكس.
  • السيولة: يقصد بها المدة المستغرقة في تحويل المال إلى نقد، تعتبر من الفروق الواضحة ما بين الادخار والاستثمار، حيث يمكن الوصول للنقود في الادخار في فترة زمنية قصيرة، في حين أن الاستثمار أقل سيولة فقد تتراوح مدة تسييل المال من عدة أشهر إلى بضع سنوات.

اقرأ أيضًا: التضخم الاقتصادي السارق الخفي

هل أنا مدخر ام مستثمر؟

بعد استعراض ما يتعلق في الادخار والاستثمار قد تتحير حول ما لديك من أموال وقد تتساءل هل أنت مدخر أم مستثمر؟ هل تقوم بعملية الادخار والاستثمار بطريقة صحيحة؟، يمكنك الوصول إلى الإجابة من خلال الاسئلة التالية:

  1. هل لديك صندوق ادخار للطوارئ؟
  2. هل لديك مخصصات مالية مستقبلية تختلف عن مخصصات صندوق الطوارئ؟
  3. هل تمتلك منتجات ذات طبيعة استثمارية مثل الأسهم أو سندات، أو صناديق الاستثمار، أو وديعة بنكية طويلة الأجل؟

إذا كانت إجابتك على هذه الأسئلة بالإيجاب فأنت على طريق الصحيح فيما يخص الادخار والاستثمار، لكن إذا لم تكوّن صندوق ادخار للطوارئ أو كانت مدخراتك النقدية في حساب التوفير فهذا لا يعتبر استثمارًا بل يعتبر هدر لفرصة استثمارية!.

وفي النهاية إذا لم تبدأ بعملية الادخار والاستثمار حتى الآن، تذكر أن هذه اللحظة هي أنسب لحظة لبدأ الاستثمار، خصص مبلغًا مهما كان صغيرًا وابدأ به، تراكم المبلغ المخصص مع الزمن سيكون كفيل بتحقيق النمو على المدى الطويل لأن الادخار والاستثمار عملية متداخلة، لا تنسى أن أهم مافي الاستثمار الاستمرارية.