تطور وتعقد نمط الحياة أفرز لنا أنواع جديدة من المخاطر خاصة المخاطر المالية التي يمكن أن نتعرض لها، ولذلك ظهرت شركات التأمين لتلبية هذه الحاجة البشرية، من خلال تقديم صيغة تزيل أو تخفف الضرر الواقع على الأفراد أو الشركات، حيث يلجؤون لها للاستفادة من المبلغ المالي المقدم كتعويض عن الاخطار التي يتعرضون لها مثل الحوادث، وحالات السرقة، والحريق، لكن كيف تعمل شركات التأمين؟، وكيف لها أن تدفع هذه المخاطر المختلفة؟.
ماهية التأمين؟
عند الحديث عن شركات التأمين لابد أن نتطرق إلى ماهية عقد التأمين التجاري نفسه، حيث يقصد بالتأمين:
عقد يلتزم المؤمن “شركة التأمين” بمقتضاه أن يؤدى إلى المؤمن له“طالب التأمن” أو إلى المستفيد الذى إشترط التأمين لصالحه مبلـغاً مالياً، أو إيراداً مرتباً أو أى عوض مالى آخر متفق عليه فى حال وقوع الحادث، أو تحقق الخطر الذي حدده العقد، مقابل قسط أو أية دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن.
جوهر الفكرة التي يقوم عليها عقد التأمين تخفف آثار الأخطار والكوارث المختلفة التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد، فالتأمين في الواقع العملي يعتبر من أفضل الوسائل التي تخفف آثار الكوارث والحالات الاستثنائية التي يمكن أن تقع سواء بفعل الشخص نفسه أو بفعل غيره، فهو وسيلة أمان تنسجم مع روح العصر الحديث ومتطلباته المتزايدة، حيث أصبح التعرض للخطر والحالات الاستثنائية أمر لابد منه.
نشأة شركات التأمين
فكرة التأمين لها بذرة متأصلة وإن كانت ليست بصورتها الحالية فنجد أن الحضارات الاغريقية والاشورية والبابلية اعتمدت على التجارة البحرية ، ولكن درءاً للخطر بسبب القرصنة لجأت إلى ما يعرف بالقرض البحري فيقوم طرف مقرض مغامر بتقديم مبلغ من المال للتاجر، فإذا وصل التاجر سالماً ببضاعته اعاد مبلغ الـتأمين مضافاً اليه الفائدة للمقرض، وإن عاد وقد فقد البضاعة خسر المقرض وكان التاجر في مأمن من الخسارة، وهنا يتضح أن هذه العملية قائمة على مبدأ نقل الخطورة، استمرت هذه العملية حتى القرن الثالث عشر.
في نهاية القرون الوسطى في القرن الرابع عشر، وفي أوروبا خاصة بدأ التأمين البحري في التجلي مع ازدهار الحركة التجارية البحرية، خاصة في إيطاليا ودول البحر الأبيض المتوسط وكان مقتصراً على البضائع المعدة للنقل دون الركاب والبحارة، واستمرت لفترات طويلة إلى أن ظهر التأمين البري بعد حريق هائل في لندن أسفر عن التهام 1300 منزل، و100 كنيسة، وكان ذلك في القرن 17 بسنة 1666م.
بعد ذلك انتشر التأمين البري وكان ضد الحرائق إلى عدد من البلدان في القرن الثامن عشر وبخاصة المانيا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية، ثم تعددت صور التأمين وتوالت بصورتها الموسعة في القرن التاسع عشر والقرن العشرون، وبدأت بعد ذلك ظهور أنواع من التأمينات تتبع شركات التأمين والمؤسسات التأمينية.
اقرأ أيضاً: 7 معلومات عليك معرفتها عن شهادات الاستثمار
أهمية وجود شركات التأمين
تعد شركات التأمين من أهم سبل مواجهة المخاطر التي طرأت في العصر الحديث نتيجة لتطور وتسارع نمط الحياة، فوجود برامج تأمينية فعّالة على الأصول والممتلكات يزيد من إقبال أصحاب الثروات والتجار على الاستثمار، ويمكن تلخيص أهمية وجود شركات التأمينن فيما يلي:
- يساعد وجود عقد التأمين في المحافظة على ثروات المنشآت وتعويضها عما ينتج من الأخطار التي قد تتعرض لها هذه الثروات مثل الحريق والسرقة.
- الحفاظ على الطاقة الإنتاجية للمنشآت.
- إيجاد وزيادة إتساع نطاق الائتمان عن طريق القروض بضمان الوثائق بضمانات أخرى، مما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي للمشروعات.
- تيسير حصول المشاريع على التمويل من المصادر الخارجية، فالتأمين على عمليات هذه المشااريع يمنحها مصداقية لدى البنوك ومؤسسات التمويل المختلفة.
- يقلل التأمين من البطالة فقطاع التأمين من القطاعات كثيفة العاملة، ومن ناحية أخرى فإن التأمين يشجع استداث مشاريع جديدة مما يولد فرص عمل إضافية.
العلاقة بين أطراف عقد التأمين
علاقة الاطراف المتعاقدة في التأمين التجاري، مكونة من عناصر رئيسة:
- شركة التأمين (المؤمن): تقوم بتقديم عرض التأمين على (المؤمن له).
- المؤمن له: الطرف الذي يقوم بالإقبال على التأمين وإبرام العقد ويدفع قسط التأمين للشركة. وقد يكون هناك مستفيد آخر يعينه المؤمن له بنفسه كالزوجة والاولاد.
- الايجاب والقبول بين الطرفين: دليل على الرضا وهي العنصر الرئيسي الذي يضفي الصبغة القانونية على العقد.
- الخطر الاحتمالي: وهو ما يتم إبرام العقد لتفادي الآثار الناتجة عنه، فالمؤمن يدفع قسطاً بصورة دورية ويحتسب القسط على أساس الخطر ويتغير بتغيره، كما أن شركات التأمين تدفع مبلغ التأمين في حال وقوع الخطر، وهناك ارتباط طردي بين مبلغ التأمين والقسط.
أرباح شركات التأمين
التأمين التجاري عقد بين شركات التأمين والمُستأمن، حيث يتفق على دفع المُستأمن مبلغ من المال في صورة أقساط مُحددة على أن يأخذ تعويض في حالة تحقق خطر معين. وتحصل شركات التأمين على أرباحها من خلال:
أولًا: الفرق بين الأقساط المدفوعة والتعويضات التي يتم أنفاقها في عند تحقق الخطر.
ثانيًا: عوائد استثمار الأموال، وفقاً للمعادلة الآتية:
ربح شركات التأمين = الأقساط المحصلة + استثمارات الدخل – الخسائر المحققة – مصروفات عملية التأمين.
اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي
أنواع شركات التأمين
يمكن تقسيم شركات التأمين من حيث المؤسسية إلى:
- شركات التأمين التجاري: يسمى التأمين ذو القسط الثابت، وهو عقد بين طرفين، أحدهما يسمى المؤمن والآخر المؤمن له (المستأمن) ، يلزم فيه المؤمن (شركة التأمين) بدفع مبلغ من المال أو مرتبا، أو أي عوض مالي أخر في حال وقوع الحادث أو تحقيق خطر محدد في العقد، وذلك مقابل قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له إلى المؤمن.
- شركات التأمين التعاوني الاجتماعي: تتكفل به بالدولة تجاه مواطنيها بما يحقق مصالحهم، ويهدف إلى تأمينهم من العجز والشيخوخة، ويسهم في تكوينه المواطنون والعمال وأصحاب الأعمال حيث يدفعون كل أو جزء من القسط الشهري، من الأمثلة عليه نظام التقاعد والتأمين الصحي، الهدف من التأمين التعاوني ليس ربحياً، ويمثل صورة من صور التكافل الاجتماعي.
- شركات التأمين التبادلي: وهو التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية لتؤمن حاجة منتسبيها من خلال دفع مبلغ على سبيل التبرع لمن يمكن أن يلحق بهم الخطر دون قصد الربح، ومن الأمثلة عليه الجمعيات الخيرية في القرى والمدن، والجمعيات بين الموظفين وهذا النوع من التأمين يمثل صورة من صور التكافل الاجتماعي.
طبيعة عمل شركات التأمين
إن طبيعة عمل شركات التأمين مختلفة عن الشركات والمؤسسات الاخرى وذلك لاعتمادها على عديد من النقاط، حيث تختص طبيعة عمل شركات التأمين بإدارة حركة الأموال؛ لذا يطلق عليها أحيانا اسم “الوسطاء الماليين”؛ وتشمل: البنوك، وشركات التأمين؛ وتتخذ من المال مجالًا أساسيًا للتعامل؛ فتقوم بتجميع الأموال من حملة الوثائق، وتكوّن هذه الأموال الاحتياطات والمخصصات الفنية الكافية لمواجهة هذه الالتزامات.
خصائص وسمات عقد التأمين
- عقد التأمين عقد من العقود التي تقوم على التراضي، بمعنى أن الأيجاب والقبول ضروريان فيه، وأنه ينعقد عند توافق الطرفين، ولكن لا يثبت العقد إلا بالتوقيع على وثيقه تأمين من قبل الطرفين.
- يعتبر عقد التأمين ملزماً للطرفين وينشيء عنه إلتزامات متقابله في ذمة طرفي العقد إبتداءا من لحظة توقيع العقد.
- أنه عقد إحتمالي، ذلك أن إحتمالية الربح والخسارة غير معروفه، فلا يعرف من سيتحمل الخسارة قبل الطرفين وقت أبرام العقد لأن حدوث الخطر نفسه إحتمالي.
- عقد التأمين عقد مستمر، حيث يستغرق الوفاء به فترة من الزمن وهي مدة نفاذ العقد.
- عقد التأمين من عقود الإذعان، حيث يقوم أحد طرفي العقد بوضع شروطه وعرضها على الطرف الآخر، في حال وافق الطرف الاخر على الشروط تم إبرام العقد وإن رفضها لا يتم إبرام العقد.
- عقد الـتأمين في شركات التأمين التجاري هو عقد معاوضه، فكل طرف من طرفي العقد يأخذ مقابلاً لما يعطي ويمكن أن يعطي مقابل لكن لا يأخذ عوض أو مقابل، فالمشترك في التأمين قد يدفع جميع أقساط التأمين وينتهي العقد دون حدوث الخطر المأمن عليه، ولايحق له استرداد أي من الاقساط التي دفعها.
- عقد التأمين عقد شرطي، حيث يشترط تحقق وقوع الخطر المؤمن ضده للوفاء بما نص عليه من إلتزامات على طرفي العقد.
- عقد التأمين عقد زمني، فالزمن مقياس للقسط ومبلغ التأمين، حيث رتب القانون في حال فسخ العقد أنه لا يكون بأثر رجعي بل مرتبط بالمستقبلية.
اقرأ أيضاً: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول
شركات التأمين في الاقتصاد الإسلامي
الاقتصاد الإسلامي لا يقف ذات الموقف تجاه أنواع التأمين المختلفة، فيجيز التعامل ببعضها ويحرم البعض الاخر بناءً على انسجامها مع قيمه ومبادئه، ومن خلال خصائص وسمات التأمين التي تبرز فيه الرضائية بين الطرفين وكذلك الإلزامية في العقد فلا يمكن الرجوع في العقد بعد انعقاده إلا برضا الطرف الآخر، كما أنه قائم على مبدأ المعاوضة فشركة التأمين ستدفع المبلغ مقابل القسط، والمؤمن له يدفع القسط مقابل المبلغ، كما أن عقد التأمين عقد احتمالي من حيث تحقق الخطر ويشوبه الغرر فكلا الطرفين في جهالة بمقدار المال الذي سوف يدفع ويؤخذ، لأن ذلك متوقف على وقوع الخطر، ووجود الجهالة والمخاطرة في العقد تجعله صورة من صور المقامرة التي منعها النظام الاقتصادي الإسلامي.
كما يظهر من خصائص عقد التأمين أنه عقد يشوبه الغرر فلا يعلم كلا المتعاقدين مقدار الالتزام المالي الذي سيلتزمان به، لكن سيكون أحد الطرفين خاسر لا محاله، كما ينطوي العقد على ” أكل أموال الناس بالباطل”، فقد تأخذ شركات التأمين مبالغ طائلة ولا يحدث الخطر الذي حاول المؤمن له الاحتراز منه، وقد يدفع المؤمن له قسطا أوليا لمرة أو مرتين فيقع الخطر وتتحمل الشركة ضعف ما حصلت عليه من أقساط.
بناء على ما سبق يميز النظام الاقتصادي الإسلامي بين نوعين من شركات التأمين، وهما شركات التأمين التجاري وشركات التأمين التعاوني أو التبادلي، يقوم التأمين التعاوني على التبرع حيث يتم جمع أقساط التأمين من قبل مجموعة المشتركين فيه بهدف استخدامها في مساعدة المُحتاجين في حال وقوع الخطر المراد الاحتراز منه.
بعد التبرع لصندوق التأمين ولا يعود للمشتركين الحق في ما دفعوه من تبرع، سواء رؤوس الأموال ” المال المدفوع” أو الأرباح التي نتجت عن استثمار المبالغ أو أي عائد استثماري آخر. لأن هذه الأموال تعتبر تبرع من المشتركين يرجون منها ثواب الله تعالى لا الربح، مما يعني أن هذا النوع من التأمين ليس تجاريا.
التأمين التعاوني جائز في النظام الاقتصادي الإسلامي ويعتبر شكل من أشكال التعاون على البر والتقوى والتكافل الاجتماعي ومُساعدة المنكوبين، حيث حث التشريع الإسلامي في القران الكريم على ذلك، يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَأوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، ويقول النبي: “واللهُ في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه”.
بالتالي يعتبر عقد التأمين التعاوني عقد من عقود التبرعات وليس من عقود المعاوضات التي تهدف إلى تحقيق الربح كالتأمين التجاري، وبما أن التأمين التعاوني والتبادلي يعد القسط فيهما تبرعاً لا تؤثر حالة عدم تأكد وقوع الخطر في جوازه من عدمه.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط
أشهر أنواع الأخطار التي تشملها شركات التأمين
تقدم شركات التأمين أنواع مختلفة من التأمين، حيث تشمل تقريبا جميع الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد ومنا:
- إصابات الحوادث ويغطيها التأمين ضد الحوادث الشخصية
- الكبر والشيخوخة ويغطيها تأمين المعاشات
-
المرض ويغطيها التأمين الصحي
-
الوفاة ويغطيها التأمين على الحياة
-
الحريق ويغطيها التأمين من الحريق
-
حوادث الطائرات ويغطيها تأمين الطائرات
-
السرقة ويغطيها التأمين من السرقة والسطو
-
حوادث الغرق ويغطيها الـتأمين البحري
-
الكوارث الطبيعية ويغطيها التأمين من الزلازل والأعاصير
-
ضياع وفقد الأرباح ويغطيها تأمين الأرباح
-
التوقف عن العمل ويغطيها تأمين التوقف عن العمل
-
المسئولية المدنية ويغطيها تأمين المسئولية المدنية وخاصة أصحاب الأعمال والسيارات والسفن وغيرها
3
في النهاية يمثل التأمين أسلوب احتياط لتحمل المخاطر ينسجم مع متطلبات العصر الحديث وما يكتنفه من تقلبات مفاجئة، يعد التأمين التجاري وليد النظام الرأسمالي، في حين لا يتقبل النطام الاقتصادي الإسلامي هذا العقد كما هو حيث ينطوي على مخالفات للنظام الاقتصادي اسلامي مثل الغرر والجهالة التي تعد مفسدة للعقد.