يشهد قطاع التمويل الإسلامي نموًا مطردًا في جميع أنحاء العالم، يرجع ذلك لعدة عوامل مثل زيادة عدد المسلمين، والوعي المتزايد التمويل المتوافق مع الشريعة الاسلامية، والتطورات التكنولوجية التي تجعل التمويل الإسلامي أكثر كفاءة وسهولة.

وكون التمويل الإسلامي متوافق مع الشريعة الإسلامية جعله شكلًا فريدًا من أشكال الاستثمار المسؤول اجتماعيًا انفرد بصيغ تمويل مختلفة عن الصيغ المستخدمة في البنوك التقليدية الربوية.

في هذا المقال سنتعرف على مميزات التمويل الإسلامي وأهم الصيغ المنبثقة من الشريعة الإسلامية.

اقرأ أيضاً: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا

فلسفة التمويل الإسلامي

تنطوي علاقة البنك التقليدي مع الجمهور على علاقتين رئيسيتين:

الأولى: علاقة المصرف مع المودعين، وهم وحدات الفوائض المالية، ممن يقومون بإيداع أموالهم لدى البنك.

الثانية: علاقة المصرف بالمتمولين، وهم وحدات العجز، ممن يتوجهون للبنوك للاقتراض أو الحصول على التمويل.

في المصارف التقليدية تحكم هذه العلاقتين ذات فلسفة التعامل، حيث أن البنك سيتلقى الأموال من وحدات الفائض مقابل فائدة ربوية متفق عليها تحسب بناءًا على رأس المال، تدفع لصاحب المال وتكون مضمونة بشكل كامل.

من ناحية أخرى فإن البنك يقرض الأموال لوحدات العجز مقابل فائدة ربوية مضمونة تحسب بناءًا على المبلغ المقترض تدفع للبنك، بغض النظر عن الهدف من اقتراض المال سواء كان الاقتراض بهدف الاستهلاك أم بهدف الاستثمار.

يحقق البنك التقليدي العوائد الخاصة به من الفرق بين الفائدة التي يدفعها للمودعين والفائدة التي يتقاضاها من المقترضين. بالتالي فإن المقترضين يدفعون الفائدة الربوية بكل حال، والمقرضين يأخذون الفائدة دون تحمل لأي مخاطر.

آلية العمل هذه تختلف تمامًا في البنوك الإسلامية التي تعتمد صيغ التمويل الإسلامي، وتؤمن بتقاسم المخاطر ما بين وحدات الفائض ووحدات العجز، وتحرم الربا والغرر بشكل نهائي.

حيث تنظر الشريعة الإسلامية إلى الإقراض مقابل الفوائد الربوية أنه علاقة غير عادلة، لأنها تحابي المقرض الذي يتقاضى الفائدة الربوية على حساب المقترض الذي يتحمل المخاطرة كاملة. فالإسلام يرى المال على أنه أداة لقياس القيمة وليس قيمة في ذاته، بالتالي لا يمكن للإنسان تحقيق الربح من المال وحده لابد أن يعمل أو يتحمل المخاطر.

التمويل الإسلامي يمارس الأعمال المصرفية التي تشارك فيها المؤسسة المالية في الأرباح والخسائر. بالتالي إذا قام المصرف بتقديم التمويل لشركة ما فإنه يقدمه مقابل المشاركة في الربح في حال تحققه، ويخسر الأموال في حال خسارة المشروع.

اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

مزايا صيغ التمويل الإسلامي

التمويل الإسلامي في البنوك الإسلامية يقدم العديد من المزايا، المتأصلة في قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، مما يجعلها خيارًا مناسبًا للأفراد والشركات الملتزمين بالمبادئ والقيم الإسلامية:

  1. الامتثال للشريعة الإسلامية: التمويل الاسلامي يضمن أن تتوافق المعاملات المالية مع مبادئ وأحكام الشريعة الاسلامية، مما يعني أن تكون المعاملات خالية من المحاذير الشرعية من ربا، والغرر، والقمار، والميسر وغير ذلك من المحرمات.
  2. التوزيع العادل للمخاطر: في التمويل الإسلامي تشارك الأطراف المشاركة في العملية التمويلية في تحمل المخاطر، مما يؤدي إلى تقاسم المصالح بين جميع الأطراف، مما يعني دراسة أكبر للعميل والتقليل من الإقراض المتهور.
  3. التنوع والشمول: يمتاز التمويل الإسلامي بمجموعة متنوعة من المنتجات التمويلية التي تلبي الاحتياجات المختلفة للعملاء.
  4. ملكية الأصول: تساعد صيغ التمويل الإسلامي في ملكية الأصول، حيث يكتسب العميل ملكية الأصل تدريجيًا.
  5. استثمار أخلاقي: تستثمر البنوك الإسلامية في قطاعات اخلاقية ومسؤولة اجتماعيًا، فلا تستثمر الأنشطة التي تتعلق بالقمار، أو الكحول، أو لحم الخنزير، وغيرها من الأنشطة المحرمة شرعًا.
  6. الاستقرار على المدى الطويل: التمويل الاسلامي يحقق الاستقرار المالي من خلال تثبيط المضاربات، وتحريم الربا الذي يساهم في نشوء الأزمات المالية. حيث أشار استطلاع لصندوق النقد الدولي أن البنوك الاسلامية هي الاكثر قدرة على الصمود في مواجهة الأزمات.
  7. التحفيز على الاستثمار: صيغ التمويل الإسلامي التي تتقاسم المخاطر مع المستثمر تحفز الاستثمار وتؤدي إلى النمو الاقتصادي.

صيغ التمويل الإسلامي في البنوك الإسلامية

كما أشرنا سابقًا فإن البنوك الاسلامية لا تتعامل بالربا أخذً أو إعطاءًا، لذلك فهي تستخدم مجموعة من صيغ وهياكل التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية التي تسهل معاملاتها، فيما يلي نعرض لأبرز هذه الصيغ.

أولًا: المضاربة

الأصل في عقد المضاربة أنها عقد مشاركة بين طرفين، أحدهما يقدم المال (رب المال)، والآخر يقدم العمل والخبرة(المضارب)، يتم الاتفاق بينهما على نسب تقسيم الأرباح، وفي حال الخسارة يتحمل رب المال الخسارة المالية، في حين يخسر المضارب جهده. وذلك بشرط أن لا يكون المضارب قصر العمل أو تعدى في الشروط.

بالتالي فالبنك الإسلامي يقبل أموال المودعين في الحسابات الاستثمارية على أن كل مودع رب مال، وأن البنك الاسلامي مضارب مشترك يستثمر الأموال فيما يراه مناسبًا من المجالات، وهذا ما يسمى المضاربة المطلقة. حيث تكون جميع الأموال المقدمة هي الوعاء الاستثماري، والأرباح المتحققة تكون بناءًا على النتيجة الإجمالية سواء ربح أو خسارة لجميع الاستثمارات.

في صورة أخرى للمضاربة (المضاربة المقيدة) يقدم المودع المال لاستثماره في استثمار محدد يعلن عنه البنك مسبقًا، وهنا يتحمل رب المال النتيجة الاستثمار تحديدًا سواء ربحًا أو خسارة.

ثانيًا: المشاركة المتناقصة

الشراكة من حيث الأصل شكل من أشكال الشراكة يشارك فيها المصرف العميل في مشروع تجاري، حيث يقدمان رأس المال أو العمل أو كليهما، مقابل تقاسم الأرباح بحسب الإتفاق أو بحسب نسبة رأس المال في حال لم يتم الاتفاق، وتحمل الخسارة كل بحسب مشاركته في رأس المال.

في المشاركة المتناقصة يدخل البنك كشريك ممول كليًل أو جزئيًا في مشروع ذي دخل متوقع، مقابل حصول البنك على حصة محددة من صافي الدخل المتحقق، مع بمقدار متفق عليه، أو الاحتفاظ بالجزء المتبقي من الدخل كاملًا، ليكون هذا الجزء مخصصًا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.

بالتالي فالمشاركة المتناقصة عقد شركة اشترط فيه المخارجة (خروج البنك من الشركة) لتنتهي بانتقال حصة المصرف إلى الشريك المتمول .

اقرأ أيضاً: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول

ثالثًا: المرابحة

تقوم هذه الصيغة من صيغ التمويل الإسلامي على طلب العميل من البنك الاسلامي شراء سلعة أو خدمة معينة ويتعهد العميل بشراءها، يقوم البنك بشراء السلعة وتدخل في ملكيته، ثم يقوم البنك الإسلامي ببيع السلعة إلى العميل مع زيادة ربح معلوم للطرفين، والعميل بتسديد ثمن السلعة أو الأصل على أقساط متفق عليها. عادة ما تستخدم هذه الصيغة من صيغ التمويل الإسلامي لتمويل السلع الاستهلاكية أو المركبات.

تعد صيغة المرابحة من أشهر صيغ التمويل الإسلامي انتشارًا، حيث تمثل ما يزيد عن 70% من استثمار الأموال في البنوك الإسلامية.

رابعًا: الإجارة 

الإجارة كعقد في الشريعة الإسلامية هي عقد على منفعة لمدة محددة مقابل ثمن محدد، كأن يستأجر شخص بيت لمدة شهر مقابل 400 دولار.

الإجارة كأحد صيغ التمويل الإسلامي تم تطويرها لتتناسب مع طبيعة عمل البنوك الإسلامية، حيث ظهرت عدة صيغ لها: 

  • الإجارة المنتهية بالتمليك: 

وهي عقد إيجار بين البنك والعميل، حيث يقوم البنك بموجبه بتأجير أصل معين عقار على سبيل المثال للعميل لمدة محددة، وفي نهاية مدة عقد الإيجار تنتقل ملكية العين للعميل.

تسهل هذه الصيغة على الأفراد امتلاك الأصول التي يحتاجونها مقابل أقساط يمكنهم تحملها، حيث ينطوي كل قسط مدفوع على جزء كإيجار للأصل والجزء الآخر كثمن له.

  • الإجارة التشغيلية:

عقد يتفق فيه العاقدان على أن يتيح الممول (المؤجر، مالك الأصل) المستأجر (المتمول) الاستفادة من منفعة الأصل مدة الإجارة، مقابل عوض معلوم متفق عليه بداية العقد، عادة ما تكون الإجارة التشغيلية مدتها قصيرة مقارنة بالعمر الإنتاجي للأصل.

يتم اللجوء إلى هذه الصيغة ليُستغنى بها عن تكاليف شراء الأصول وصيانتها، مثل المباني والمعدات الهندسية، وسيارات النقل. كما تتيح التعرف على المعدات والأصول التي يحتاجها المشروع وتجربتها قبل التفكير بشرائها.

اقرأ أيضًا: دليلك إلى الإجارة المنتهية بالتمليك.

خامسًا: الاستصناع

الصورة البسيطة لعقد الاستصناع أن يطلب العميل من الصانع  أن يصنع له السلعة بمواصفات محددة بناء على طلبه، ويتم التسليم في تاريخ محدد، مقابل مبلغ محدد.

تستخدم هذه الصيغة من صيغ التمويل الإسلامي في مشاريع البناء والتصنيع، حيث يوافق البنك على تمويل بناء أو إنتاج أصل محدد المواصفات للعميل، الذي يقوم بسداد الدفعات على مراحل المشروع، وبمجرد انتهاء التجهيز يتم تسليم الأصل للعميل.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن البنك ليس صانعًا بالتالي فإنه لن يقوم بتصنيع الأصل بنفسه، ولذلك يلجأ البنك للاستصناع الموازي، حيث يكون البنك صانعًا (بائعًا) والعميل مستصنعًا (مشتريًا) وهذه المرحلة الأولى، ثم يتعاقد البنك مع الصانع الحقيقي ويدخل معه في اتفاق على العمل بنفس المواصفات التي طلبها العميل من البنك، فيكون البنك (مشتريًا) والصانع الحقيقي (بائعًا).

سادسًا: السلم

عقد السلم أحد صيغ التمويل الإسلامي التي تستخدم عادة في التمويل الزراعي، حيث يحصل المزارعون على الأموال مقدمًا لتسهيل إنتاج المحصول، حيث يتم شراء السلعة بثمن الوقت الحاضر ويتم تسليمه للبائع، على أن يتم تسليم السلعة الموصوفة في الذمة في المستقبل.

لابد أن تكون السلعة المُسلم بها معلومة القدر والنوع والجنس، والثمن،وموعد ومكان التسليم.

سابعًا: القرض الحسن

يصنف عقد القرض الحسن من عقود التبرعات، حيث لا يتقاضى المقرض أي عوائد أو فوائد ربوية أو ربح. يهدف هذا العقد إلى مساعدة المقترض في الوفاء بالتزاماته.

اقرأ أيضًا: 8 فروق يجب معرفتها ما بين البنوك الإسلامية والتقليدية

هذه بعض الصيغ المستخدمة في البنوك الاسلامية، لكن لا يشترط أن يقدم البنك جميع الصيغ الواردة الذكر،، حيث تستخدم البنوك الإسلامية مجموعة متنوعة من صيغ التمويل الإسلامي لتلبية حاجة عملائها في مختلف البيئات، كما أنه لابد من التنبيه إلى أن الشروط والأحكام المحددة لكل صيغة تختلف بحسب البنك والمنطقة، ولكنها جميعها تسعى إلى الإلتزام بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.

ما هي صيغ التمويل في البنوك الإسلامية؟
ما الفرق بين القرض في البنك الإسلامي والبنك التقليدي؟
ما هي أنواع المرابحة؟