أن تعيش المجتمعات البشرية وتفي باحتياجاتها دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة هو جوهر فكرة التنمية المستدامة. تعد ابعاد التنمية المستدامة طريقة تنظيم للمجتمع على المدى الطويل بحيث يراعي ضرورات الحاضر والمستقبل ولكن ما أهمية التنمية المستدامة وابعادها؟
ماذا يقصد بالتنمية المستدامة
نشأة وتاريخ التنمية المستدامة
يرتبط ظهور فكرة التنمية المستدامة بالثورة الصناعية بشكل خاص في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت المجتمعات الغربية التنبه إلى أثر الأنشطة الاقتصادية والصناعية على البيئة والتوازن الاجتماعي، ومما زاد الوعي بأهمية تاريخ التنمية المستدامة وقوع أزمات بيئة واجتماعية مثل أزمة الكساد الكبير، وأزمات إنتاج النفط، وأزمة ديون دول العالم الثالث.
كان أول ظهور للمصطلح في منشور الاتحاد الدولي، إلا أن استخدامه على نطاق واسع كان عام 1987 في تقرير “مستقبلنا المشترك” المعروف باسم تقرير برونتلاند، محذرا من الآثار السلبية للنمو الاقتصادي والعولمة على البيئة. وقد تم تعريف المصطلح من اللجنة الدولية للتنمية والبيئة بأنها: “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”
وهكذا يقصد بمفهوم وأهمية التنمية المستدامة وابعادها:
النشاط الاقتصادي الذي يؤدي إلى الارتفاع بالرفاهية الاجتماعية مع الحرص على الموارد الطبيعية المتاحة وبأقل قدر من الأضرار والإساءة إلى البيئة.
النمو والتنمية المستدامة
لا يستلزم النمو الاقتصادي بالضرورة تحسن الوضع الاقتصادي لأفراد المجتمع عموما، لأن سوء توزيع الثروة يؤدي لتأثر أقلية من المجتمع بها، مما يوسع الفجوة الطبقية في المجتمع ويؤدي إلى تفاقم أسباب عدم الاستقرار الاجتماعي والأمني، تسعى ابعاد التنمية المستدامة لتحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة مما يقلل التفاوت في المجتمع.
لا يأخذ النمو الاقتصادي الجانب البيئي كمعيار فيه، فقد يحدث النمو الاقتصادي على حساب البيئة كالاستغلال الجائر للتربة، والانبعاثات الغازية السامة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، والاستهلاك الجائر للمياه الجوفية، نراعي أهمية التنمية المستدامة وابعادها حق الاجيال القادمة بالموارد الطبيعية، وتسعى لتحقيق استغلال أنظف وأكفأ للموارد الطبيعية.
وبناء على ما سبق فنحن بحاجة إلى معايير التنمية المستدامة لتحقيق النمو الأمثل مع مراعاة حق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية والبيئة النظيفة.
اقرأ أيضاً: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام
خصائص التنمية المستدامة
يتميز هذا المفهوم بعدة خصائص تخدم الهدف المنشود في الموازنة ما بين حاجات الأجيال في الحاضر والمستقبل:
- ابعاد التنمية المستدامة تأخذ بعين الاعتبار البعد الزماني، حيث يتم التخطيط لها لأطول فترة زمنية مستقبلية يمكن من خلالها التنبؤ بالمتغيرات.
- تراعي حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية للمجال الحيوي في كوكب الأرض، كما تراعي الحفاظ على المحيط الحيوي للبيئة من خلال العناصر الأساسية فيه كالهواء والماء والموارد الطبيعية الأخرى.
- أنها تنمية متكاملة حيث تعمل على التنسيق والتكامل بين سياسات استخدام الموارد والاختيار التكنولوجي الأنسب والشكل المؤسسي، وهذا يجعلها تعمل بانسجام داخل المنظومة البيئية.
- تتوجه لتلبية احتياجات أكثر الطبقات فقراً، فهي تسعى للحد من الفقر العالمي.
- تعمل تلبية الحاجات الأساسية والضرورية من الغذاء والملبس والتعليم والخدمات الصحية، وكل ما يحسن نوعية حياة البشر المادية والاجتماعية.
- مراعاة الحفاظ على المحيط الحيوي في البيئة الطبيعية، سواء عناصره ومركباته الأساسية كالهواء والماء، أو العمليات الحيوية في المحيط الحيوي كالغازات.
اقرأ أيضاً: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا
أبعاد التنمية المستدامة
1- البعد الاقتصادي
يعتبر البعد الاقتصادي من اهم ابعاد التنمية المستدامة في خفض معدل استهلاك الفرد في الدول المتقدمة من الطاقة والموارد الطبيعية، وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام، والمساواة في توزيع الموارد والحد من التفاوت في الأجور، ومن ناحية أخرى إنتاج ما يغطي الحاجات الأساسية للإنسان ويحسن مستواه المعيشي.
2- البعد الاجتماعي
تركز التنمية الاجتماعية على زيادة قدرة الأفراد في استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن، لتحقيق الحرية والرفاهية. ويمثل البعد الاجتماعي نقطة التميز للتنمية المستدامة، فهو يمثل البعد الإنساني والذي يجعل من النمو وسيلة للالتحام والاندماج الاجتماعي وأداة التطوير في الاختيار السياسي.
تشمل التنمية الاجتماعية عدة الجوانب منها: العدالة في توزيع الدخل، والمشاركة الشعبية، والتنوع الثقافي،
3- البعد البيئي
يمثل الاهتمام بالبيئة ركناً أساسياً في التنمية، من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وحمايتها من الاستنزاف والتدهور بما يضمن حق الجيل الصاعد والأجيال المستقبلية، تنادي مبادئ وأهمية التنمية المستدامة وابعادها بالاهتمام بإصدار التشريعات الخاصة بحماية البيئة ومصادر الطاقة، وترشيد استخدام الموارد غير المتجددة.
وذلك بهدف التقليل من الآثار الضارة للأنشطة الإنتاجية على البيئة، والعمل على تطوير مصادر الطاقة المتجددة وإعادة تدوير المخلفات.
4- البعد التكنولوجي
يستهدف البعد التكنولوجي السعي لتحقيق تحول في القاعدة التكنولوجية في المجتمعات الصناعية، بحيث تكون أنظف وأكفأ، كما تسعى لبناء قاعدة تكنولوجية في البلدان النامية التي تتقدم في مجال التصنيع، لتفادي تكرار الأخطاء وتفادي إحداث تلوث بيئي، وهكذا تساعد التكنولوجيا المستخدمة في تحقيق التوافق بحيث لا تتحقق التنمية على حساب البيئة.
اقرأ أيضاً: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً؟
أهمية التنمية المستدامة وابعادها
أهمية التنمية المستدامة وابعادها هي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار. ووقعت البلدان على الأهداف في 25سبتمبر 2015 ودخلت حيز النفاذ في يناير/2016 وتوفر هذه الأهداف مبادئ توجيهية وأهدافا واضحة ينبغي تحقيقها على مدى السنوات الى 15 المقبلة.
وأهداف التنمية المستدامة كما وردت في برنامج الامم المتحدة الانمائي:
- القضاء على الفقر.
- القضاء التام على الجوع.
- الصحة الجيدة والرفاه.
- التعليم الجيد.
- المساواة بين الجنسين.
- المياه النظيفة والنظافة الصحية.
- طاقة نظيفة وبأسعار معقولة.
- العمل اللائق ونمو الاقتصاد.
- الصناعة والابتكار والهياكل الاساسية.
- الحد من اوجه عدم المساواة.
- مدن ومجتمعات محلية مستدامة.
- الاستهلاك والانتاج المسؤولان.
- العمل المناخي.
- الحياة تحت الماء.
- الحياة في البر.
- السلام والعدل والمؤسسات القوية.
- عقد الشراكة لتحقيق الاهداف.
اقرأ أيضاً: الفرق بين الركود الاقتصادي و الكساد
تحديات التنمية المستدامة
تواجه ابعاد التنمية المستدامة العديد من التحديات التي تضعف وتحد من إمكانية تحقيقها، ومن أهم هذه التحديات:
- أنماط السلوك الإنتاجي الصناعية والزراعية السائدة، وما يترتب عليها من ضرورة العمل على السيطرة البيئية وإدارة الملوثات البيئية الناجمة عنها.
- أنماط السلوك الاستهلاكي القائمة، سواء الاستهلاك على المستوى الفردي أو التنظيمي أو الحكومي، بالإضافة إلى السلوك الإداري، حيث تظهر أهميته في تجنب الصراعات والمشكلات التي تقلل من فعالية الموارد البشرية في العمل، وتظهر أهمية السلوك الحكومي والتشريعي في فرض الضوابط والرقابة على انتشار التلوث البيئي لضمان استدامة التنمية.
مازلنا نعاني في وقتنا الحاضر من الآثار السلبية على البيئة نتيجة للإنتاج الصناعي والتقدم الاقتصادي، ومازالت الدعوات الأممية والمؤسسية والفردية تنادي بإدارة الموارد الطبيعية من خلال السعي للاستخدام الرشيد للبيئة والتقليل من المخلفات الصناعية والاستهلاكية، واقتراح سياسات تراعي حقوق الأفراد المعرضين للخطر في المستقبل.
وقد تم تحقيق نوع من التقدم في هذا المجال كالاعتماد على الطاقة النظيفة، وانتشار ثقافة المحافظة على البيئة أكثر من ذي قبل، إلا أن الطريق مازال طويلاً أمامنا للوصول لنتائج مرضية في هذا المجال.
وقد سمعنا في الآونة الأخيرة عن الأثر الإيجابي لما تم فرضه من قيود على حركة الأفراد في العالم ككل نتيجة لانتشار فايروس كوفيد-19، وكيف أنه أثر إيجابا على الاحتباس الحراري وقلل نسب التلوث عالميا.
هذا الكوكب والظروف البيئية التي نؤثر بها، وما فيه من موارد طبيعية حق للأجيال القادمة، فلذلك لا بد أن نتعامل مع ذلك بشكل جدي ونسعى لتحقيق التنمية المستدامة سواء على الجانب الفردي أو المؤسسي أو الدولي.
اقرأ ايضا: التكامل الاقتصادي | لماذا تسعى إليه الدول؟