العادات المالية في رمضان من أوضح الجوانب التي يتغير نمطها مع الشهر الفضيل، حيث يفرض علينا شهر رمضان روتين يومي جماعي في مختلف جوانب الحياة، التعبدية والاجتماعية والاقتصادية. 

إلا أن كل جانب إيجابي لا يخلو من تطبيق سلبي له، فعلى الرغم من أن المعروف لنا أن رمضان شهر العبادة والطاعات، إلا أننا حصرنا هذه الطاعات في العبادات الأساسية مثل الصيام والصلاة وقراءة القرآن، وغرقنا في أنماط استهلاكية فرضت علينا دون وعي منا، تجعلنا هذه العادات المالية في رمضان على وجه التحديد نغفل عن طاعات مثل عدم الإسراف، والحفاظ على النعمة، شكر النعم، والحفاظ على الوقت.

لذلك يعد من أكثر الأمور أهمية في الاستعداد لشهر رمضان المبارك أن نجلس في خلوة مع أنفسنا، ونتأمل شهر رمضان الذي عشناه في السنوات السابقة هل أنت راضٍ عنه من حيث العبادة والأنماط الاستهلاكية والحفاظ على الوقت.

شهر رمضان يمثل بداية جديدة ودورة تدريبية تكتسب فيها العادات الايجابية وتنهي علاقتك مع عادات سلبية كثيرًا ما ارهقتك، اغتنم فرصة النمط المختلف الذي يفرضه شهر رمضان على المجتمع ككل ليكون بداية جديدة.

نحن في مدونة ندرة سنساعدك في جانب العادات المالية في رمضان، سنتحاور حول أهمية البدء في رمضان لبناء العادات المالية الجديدة، كما سنشير إلى أهم العادات المالية في التي لابد من مراعاتها في الشهر المبارك وتعتبر بداية للاستمرار فيها على المدى الطويل. 

اقرأ أيضًا: الاستهلاك في رمضان ، كيف تم برمجتنا؟

أهمية رمضان في بناء العادات المالية.

لو سألت أي شخص عن الحكمة من شهر رمضان المبارك، سيجيب بشكل تلقائي الشعور بالفقراء وضبط النفس وتربيتها، وعلى الرغم مما لهذا الجواب من شيوع بين الناس، إلا أن الواقع المطبق مخالف لهذا تمامًا. فالبعض يصوم في النهار ويستمر في الأكل طوال الليل بحجة أنه صائم، كما نلاحظ العديد من العادات المالية في رمضان تتافي المقصود من الشهر الفضيل مثل الإسراف في كميات وأنواع الطعام في الولائم وغيرها.

رغم ذلك جميعنا متفقون على أن رمضان هو من أفضل المواسم التي يمكن بدء التغيير منها، ذلك لأننا محددون بشهر رمضان كمدة زمنية للبدء في اكتساب عادات جديدة، مع ما يوفره شهر رمضان المبارك من جو مشحون بالايجابية يدفعنا للبدء في التغيير والاستعانة بالله تعالى على أنفسنا. 

الأمر الآخر الذي يدعونا لبدء العادات المالية في رمضان الضغط الهائل الذي يترافق مع الشهر الفضيل من أنماط استهلاكية واحتفالية ليس لها أساس من الصحة تخالف مقتضى الشهر الفضيل، وتغرقنا في الاستهلاك الترفي المظهري، لذلك لابد أن نضع الأهداف ليكون شهر رمضان كما أراد الله تعالى ويكون بداية جديدة لاكتساب العادات.

اقرأ أيضًا: التخطيط المالي: الاستعداد لرمضان 6 نصائح ذهبية.

أهم العادات المالية في رمضان.

أولًا: أوقف الإنفاق العشوائي.

من العادات المالية في رمضان التجهيز وتسوق الحاجيات اللازمة، إلا أن عدم تنظيم هذه العملية سيجعلنا ننفق الكثير من المال دون حاجة حقيقية، لتفادي ذلك لابد من الالتزام بميزانية ووضع خطة مالية لتحقيق أكبر فائدة من النقود في شهر رمضان.

إن لم تضع ميزانية شهرية من قبل هذه فرصتك لاكتساب بعض العادات المالية وتجربة الإنفاق المخطط له، كل ما عليك هو أن تجلس مع زوجك \ زوجتك وتحضر قلم وورقة والقيام بالخطوات التالية:

  • حدد عدد الولائم للاهل والاصدقاء التي تستضيفها في رمضان.
  • حدد مخصصات الإنفاق التقريبية لشهر رمضان.
  • كتابة كل ما يتوقع أن تحتاجون إليه في رمضان لاستهلاك الأسرة والولائم في قائمة واحدة.
  • افصل القائمة السابقة إلى قائمتين قائمة الضروريات وقائمة الكماليات مع تحديد الأسعار التقريبية للسلع المختلفة.
  • قارن بين مخصصات الإنفاق لشهر رمضان مع مجموع القائمتين (الضروريات والكماليات).
  • في حال كانت مخصصات الإنفاق أقل من مجموع القائمتين، أعد النظر في قائمة الكماليات واحذف ما يمكنك الاستغناء عنه إلى أن تتساوى الميزانية مع مجموع القائمتين.

وإليك بعض النصائح لبناء العادات مالية في رمضان بشكل أفضل وتعينك على ضبط الإنفاق العشوائي:

  • تسوق لحاجيات الأساسية (الأرز، الزيت، الطحين …) شهر رمضان مرة واحدة واستغل التخفيضات.
  • لا تتسوق وأنت جائع، اجعل فترة التسوق في الصباح أو بعد الافطار كي تتجنب الانفاق العاطفي.
  • لا تجعل السوق التجارية مكان لتمضية الوقت في النهار.
  • لا تنخدع بمقولة (مهي خربانه خربانه) بمعنى أن عملية الانفاق هذه لن تكون السبب الوحيد لضغط النفقات في هذا الشهر، تذكر عزيزي أن أي سلوك مالي رشيد سيخفف من إجمالي النفقات.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات عملية لإعداد ميزانية البيت.

ثانيًا: حدد صندوق ادخار للطوارئ في رمضان.

يقصد بصندوق الادخار للطوارئ تخصيص مبلغ مالي لادخاره بشكل شهري بحيث لا يتم استخدامه إلا في الظروف الاستثنائية غير المتوقعة، مثل فقدان العمل، أو إصلاحات في المنزل أو السيارة بشكل مفاجئ، أو حتى المرض الذي لا تغطيه التأمينات.

يمثل صندوق الادخار للطوارئ الأمان من اللجوء إلى الاقتراض في الظروف  غير المتوقعة، يُقدر حجم صندوق الادخار للطوارئ بما يكفي الاسرة من النفقات الضرورية لمدة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى ست أشهر، يغذى هذا الصندوق من خلال تخصيص نسبة محددة من الدخل للادخار فيه مثلا 10% من الدخل، بالإضافة إلى أي دخل مفاجئ أو مكافآت أو هدايا، إلى أن يصل الهدف الذي تم تحديد وهو النفقات الضرورية لفترة ما بين 3 إلى 6 أشهر.

ما العلاقة بين صندوق الادخار للطوارئ والعادات المالية في رمضان، هذا الصندوق يحتاج تكوينه إلى مدة زمنية تمتد إلى أكثر من سنة، وبما أن شهر رمضان مُحفز للبدايات الجديدة، فهذه فرصة لتبدأ عادة الادخار للطوارئ. سيشعرك هذا الصندوق أنك في مأمن من الأحداث المفاجئة.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات لبناء صندوق مدخرات الطوارئ من الصفر.

ثالثًا: توقف عن الإنفاق المظهري.

من أهم العادات المالية في رمضان التي لابد التنبيه لها هي التوقف عن الإنفاق المظهري، للأسف أصبح شهر رمضان مليء بعادات الإنفاق المظهرية وكأنها جزء لا يتجزأ منه بحجة أن نشعر ببهجة الشهر الفضيل خاصة مع الاستعراض والمظاهر الاحتفالية في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك أصبحت التجهيزات لا تهدف لإظهار مشاعر السرور باستقبال الشهر الفضيل بقدر الاستعراض.

لذلك ظهر عناصر استهلاكية لم تكن موجودة من قبل، فالآن هناك زينة خاصة لرمضان بأشكال وألوان مختلفة، وأصبح مفارش للسفرة وأدوات تقديم الطعام خاصة برمضان، بالإضافة للملابس التي أصبحت خاصة برمضان، وكأن هذا ما أمرنا بالاستعداد به للقاء هذا الشهر الفضيل بدلًا من الاستعداد بالتوبة والاستغفار.

من ناحية أخرى شهر رمضان تكثر الولائم والزيارات العائلية وللأسف الشديد كثيرًا ما يرافقها البذخ والاسراف بحجة الظهور بأفضل صورة أمام الأقارب والأصدقاء، لكن يا عزيزي القارئ تذكر مقصود الشهر في تربية النفس على الصبر والزهد والشعور بالفقراء.

أعلم أنه هناك بعض الصعوبة في البدء بعادة أن يكون الطعام يتناسب مع عدد المدعويين، لكن تذكر أنك تتعبد الله تعالى في ذلك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها ، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها ، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها ، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا) صحيح ابن ماجه.

يمكنك تقدير الزيادة في الطعام بشكل منطقي بحيث لا تكون هناك زيادة كبيرة في الطعام، وحاول أن يبقى الطعام في الأطباق نظيف كي تتمكن من توزيعه للمحتاجين فلا يكون هناك إهدار في الطعام، تذكر أن العادات المالية في رمضان جزء من

اقرأ أيضاً: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً.

رابعًا: شُكر النعمة.

من أفضل العادات المالية في رمضان التي يمكنك بدء التعود عليها شكر النعم، نحن نعيش في وفرة كبيرة من النعم المختلفة، إلا أننا لا نرى النعمة إلا النعمة المادية فلا نشعر بغيرها من النعم إلا حال فقدانها، يقول عليه السلام: (مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».رواه الترمذي وابن ماجه.

شكر النعم من أسباب دوام وزيادة النعمة، الطعام الذي تجده بسهولة في الفطور والسحور قد يشكل أزمة لدى غيرك، الطعام الذي يبقى في الثلاجة ثم يتم التخلص منه بعد يوم أو يومين أحدهم يشتهي الحصول عليه.

نعمة أنك إذا اشتهيت شيئًا اشتريته هذه رفاهية الكثير لا يملكونها، نعمة أن رمضان والعيد لا يشكلون أزمة مالية لديك تحمل همها وتقترض بسببها قد لا تشعر بها إلا أن هناك الكثير من العائلات يتمنون ذلك.

عوّد نفسك على جلسة من خمس دقائق يوميًا تحصي فيها نعم الله عليك الظاهرة والباطنة، في نفسك وأهلك وصحتك ومالك، اسعى لأن تعوّد عينك ونفسك أن تكون شاكرًا، احمد الله على شربة الماء بدون ألم، على النوم بدون ادوية، احمد الله على الأيام العادية التي تمر بدون مصائب، احمد الله أن ييسر لك الرزق وأغناك عن الخلق.

تذكر أن من لم يستشعر النعم الصغيرة لن يحمد الله تعالى على النعم الكبيرة!. 

اقرأ أيضًا: 16 خطوة لبناء الوعي المالي.

خامسًا: خصص مال للصدقة.  

يعتبر التعود على الصدقة من أفضل العادات المالية في رمضان، فهو موسم العطاء والتكافل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد كان أجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة.

خصص مبلغ من المال لاستثماره في الخير والتصدق به في رمضان، قم بتجهيز قائمة بالجهات أو الاشخاص الذين ترغب في منحهم الصدقة أو الزكاة، إذا كنت ترغب في تجهيز إفطار صائم للفقراء اجعل الأمر مخططًا حدد اليوم والأشخاص الذين ستجهز لهم الإفطار، وتذكر أثناء تجهيزك له أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه.

من أجمل العادات المالية في رمضان أن تكون بابًا للخير، ادعُ من حولك للصدقة، واسعَ في قضاء حوائج الناس، حفّز من حولك على الصدقة وبادر في جمع المال وجهز بها الطرود الغذائية.

ولا تنسى صدقة الفطر التي تجب على كل مسلم ومسلمة في رمضان حتى الجنين في بطن أمه.

اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام.

في الختام تذكر عزيزي القارئ أن العادات المالية في رمضان تقربك من المعنى الحقيقي للشهر الفضيل من الزهد والاقتصاد والشعور بالفقراء مما يلين القلب للطاعات، أن الله منّ عليك بالحياة لشهر رمضان هذا العام، لذلك اغتنم الفرصة التي قد لا تكرر في عامك المقبل، اجعل رمضان بداية جديدة مع نفسك ومع الله تعالى، ولا تجعل رمضان نهاية الرحلة مع الطاعات.