تعد القروض النقدية بين الأشخاص العاديين مثل العائلة والأصدقاء أسرع وأسهل السبل لحل الأزمة التي يمر بها أي شخص، من ناحية أخرى لا يترتب عليها أي فوائد ربوية أو رسوم إقراض أو معاملات. إلا أن هذه القروض النقدية التي تبدو أنها أرخص طرق الإقتراض لا من تخلو من التكلفة!
تحمل القروض النقدية للعائلة والأصدقاء مخاطر كبيرة من حيث إمكانية استرداد المال ومدة الاسترداد، من ناحية أخرى تهدد هذه القروض علاقتك بعائلتك وأصدقائك.
يغطي هذا الدليل الأمور الواجب مراعاتها عند تقديم القروض النقدية للعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى إرشادات ونصائح تحافظ بها على أموالك وعلاقاتك في ذات الوقت.
اقرأ أيضًا: الخروج من الديون | 3 استراتيجيات أساسية.
متى يمكن اللجوء إلى القروض النقدية من العائلة أو الأصدقاء.
تعد القروض النقدية شريان حياة للخروج من بعض الإلتزامات المالية الطارئة أو عند القيام بصفقة شراء كبيرة مثل شراء منزل، إلا أنه من الجيد أن لا يكون اللجوء إلى هذا النوع من القروض السلوك المعتاد للشخص.
كما لا يمكن اللجوء للقروض بشكل عام والقروض من العائلة والأصدقاء للكماليات كالسفر، أو تحديث الأثاث، أو شراء ملابس وغير ذلك، لما لها من أثر سلبي على العلاقة، لأن المقرض الذي أعطى الأولوية للمقترض وأعطاه المال سيرى السلوك الترفي الذي يقوم به المقترض خاصة إذا كان الوضع المالي للمقرض متوسط، فهو يرى أنه قام بإعطاء المقترض الأولوية عن أسرته، في حين أنه ينفق المال على الكماليات.
يمكن اللجوء للقروض النقدية من العائلة والأصدقاء أو تقديمها لهم، إذا كانت هذه القروض تلبي حاجة ضرورية ملحة لا يمكن تأجيلها، مثل دفع فواتير متراكمة قد تعرض المقترض لفصل الخدمة عنه، أو دفع أقساط دراسية للجامعة، التخلص كم ديون ذات تكلفة فائدة مرتفعة، وعند الزواج لأن تأسيس حياة جديدة يحتاج الكثير من التجهيزات التي قد تلجأ الشخص للاقتراض، أو بناء منزل.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
فضل تقديم القروض النقدية في الإسلام.
عادة ما تكون القروض النقدية للعائلة والأصدقاء قروض حسنة، والقرض الحسن هو القرض الذي لا يشترط فيه زيادة على مبلغ القرض الأصلي، ويعد من عقود التبرعات التي يسعى بها الإنسان لتخفيف عن أخوه المسلم ابتغاء مرضاة الله تعالى.
القرض الحسن من فضائل الأعمال التي يتقرب بها المسلم من الله تعالى، إذا ابتغى وجه الله عز وجل دون رياء ولا منّه ولا أذى، قال الله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. وهذه الأضعاف التي يعطيها الله تعالى للمقرض لا يعلمها إلا الله تعالى كما ورد في عدة تفاسير.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على القرض الحسن قوله: (ما من مسلمٍ يُقرضُ مسلمًا قرضًا مرَّتينِ إلَّا كان كصدَقَتها مرَّةً). وهذا يعني أن تقديم المال كقرض حسن مرتين يوازي في الأجر التصدق بنفس المبلغ لمرة واحدة.
كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (مَن نفَّسَ عن مُؤمنٍ كُربةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُربِ يومِ القِيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن ستَرَ مُسلمًا، ستَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ…، الحديثَ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة» رواه ابن ماجة.
حيث أن من يأخذ الصدقة قد يكون مضطر لها وقد لا يكون مضطر لها في حين أخذها، إلا أن من يقترض لا يكون إلا مضطر غالبًا.
وقد أمرنا الله تعالى بالصبر على المعسر وهو المقترض الذي لم يتمكن من السداد في الموعد المحدد، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة:280. كما يقول عليه السلام: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلهُ اللهُ فِي ظِلهِ)؛ رواه مسلم.
اقرأ أيضًا: 5 علامات تدل على الفوضى المالية في حياتك.
ما هي إيجابيات وسلبيات الاقتراض من العائلة أو الأصدقاء؟
إيجابيات القروض النقدية من العائلة والأصدقاء
- سهولة الحصول على القرض: لن تحتاج إلى إثبات دخل، أو تقديم أوراق رسمية أو تقديم فحص ائتماني عندما تقترض من العائلة أو الاصدقاء، حيث يتمتع هذا النوع من القروض بالمرونة من حيث المبلغ وترتيبات الدفع، وتكفي الثقة الشخصية غالبًا لمنح القرض.
- قروض نقدية رخيصة: غالبًا ما تكون هذه القروض بدون فائدة ربوية، ولن تحتاج إلى دفع رسوم تقديم القرض أو اجراءات قبوله، كما أنك لن تدفع رسوم تأخر عن موعد السداد إذا اضطررت لذلك، عادة ما يقدم الأقارب والأصدقاء هذه القروض من بدافع الرحمة والتعاون دون توقع مكاسب مالية.
- مراعاة الظروف الطارئة: إذا ما تعرضت لظرف طارئ في أثناء فترة السداد مثل المرض، أو فقدان الوظيفة أو ظهور حدث مالي كبير وغير مخطط له، غالبًا يتسامح لأقارب والأصدقاء بالتوقف عن السداد مؤقتًا ثم استكمال الدفع في وقت لاحق.
- تجنب الربا: يمكن أن يساعدك هذا النوع من القروض النقدية بتجنب كبيرة من الكائر في الإسلام وهي التعامل بالربا، يقول الله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَذَرُوا۟ مَا بَقِیَ مِنَ ٱلرِّبَوٰۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ٢٧٨ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُوا۟ فَأۡذَنُوا۟ بِحَرۡبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَ ٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩﴾ البقرة ٢٧٨-٢٧٩.
اقرأ أيضاً: 16 خطوة لبناء الوعي المالي
سلبيات القروض النقدية من العائلة والأصدقاء
- احتمالية الإضرار بالعلاقات: قد تؤدي اقراض العائلة أو الاصدقاء إلى توتر في العلاقات إذا ما انتهك المقترض الشروط المتفق عليها، ففي هذه القروض لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن عدم استرداد المال سيؤثر بشكل رئيسي على علاقتك بالمقترض\ المقرض، لذلك من الأفضل مناقشة هذه المشاكل المحتملة في البداية.
- أنها ذات نهاية مفتوحة: ما لم يتم الإتفاق على خطة سداد واضحة ومحددة ومنظمة، فإن غالب القروض النقدية بين العائلة والأصدقاء مفتوحة من حيث وقت السداد. بالتالي فإن المقرض لا يعرف وقت استرداد المال. لفادي هذه الإشكالية من الأفضل على تحديد طريقة السداد ومواعيد الدفع بشكل واضح ومحدد.
- قد لا يكون السداد أولوية: السهولة التي تتمتع بها هذه القروض النقدية تجعل من السهل على المقرض أن لا يجعلها أولوية، فهي لن يترتب عليها فوائد ربوية بسبب التأخير، ولن يتأثر سجلك الائتماني، مما يجعل المقترض يعطي عمليات شراء غير ضرورية أولوية على سداد ديونه، لذلك لابد للمقرض أن يستمر بالمطالبة بأمواله إذا لاحظ أن المقترض من هذا النوع.
- أنه مبني على العاطفة، وليس المنطق: قد لا يعتمد قرار إقراض المال لشخص تهتم لأمره على المنطق، وقد تكون العلاقة العاطفية بالمقترض تشعره بالإلتزام بتقديم المساعدة له ودعمه، مما يعني ذلك تجاهل علامات حمراء مثل عادات الإنفاق السيئة عند المقترض، أو خلل الأولويات لديه.
- الحاجة إلى المال: مع المرونة التي تتصف بها القروض النقدية العائلية، قد لا تعرف موعد السداد المحدد، كما أنك عرضة للتأجيل، في حال اقرضت الأموال الخاصة بصندوق الادخار للطوارئ، ستكون مكشوف ماليًا في حالات مثل فقدان العمل، أو ظهور حالة طبية طارئة.
اقرأ أيضًا: 6 خطوات لبناء صندوق مدخرات الطوارئ من الصفر.
هل يجب أن أكتب اتفاقية قرض رسمية؟
قد يكون توثيق القروض النقدية بين العائلة أو الأصدقاء أمرًا فيه بعض الإحراج، إلا أن فيه حفظًا للحقوق وتقليلًا للنزاعات التي قد تنشأ خلال فترة السداد، لذلك أمرنا الله تعالى بكتابة الدين في أطول آية في القران الكريم وهي آية الدين في سورة البقرة، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾.
لذلك لابد من كتابة عقد الدين وتوقيعه بغض النظر عن علاقتك بالطرف المقترض، وهذا يحمي الطرفين في حال حدوث خلاف بينهما، يمكن أن يتضمن عقد القرض ما يلي:
- تحديد مبلغ القرض وتاريخ السداد.
- الاتفاق على آلية السداد، إذا كان على دفعات يتم تحديد قيمتها وتاريخ الدفعة، وإذا كان سيتم إرجاعه دفعة واحدة يوضح تاريخ الدفع.
- تحديد الضمانات المرهونة في حال وجود ضمانات.
- توضيح ماذا يحدث في حال تم التوقف عن الدفع كليًا أو بسبب ظرف طارئ.
- توضيح متى يحق للمقرض التصرف بالضمانات المرهونة لديه أو إتخاذ إجراء قانوني.
- الإشهاد على عقد الدين، إمّا أن يشهد رجلين، أو رجل وامرئتان.
اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الشخصية.
كيف يمكن التأكد من أنه سيتم استرداد أموال القرض؟
المرونة التي تتمتع بها القروض العائلية تؤدي لوجود صعوبة سواء في استرداد الأموال، أو معرفة موعد استرداد القرض علة وجه اليقين، إلا أن هناك بعض النصائح التي تزيد إحتمالية استرداد أموالك.
- ضع شروطًا واضحة في اتفاقية كتابية، أكبر مشكلة في القروض بين العائلة والأصدقاء أنه من الصعب تذكر الإتفاقيات الشفوية التي تم الاتفاق عليها قبل سنة أو سنتين، مما يجعل المقرض والمقترض في وضع حرج عند حدوث مشكلة، لكن وجود إتفاقية مكتوبة يحل جميع الخلافات من هذا النوع.
- ضمن الاتفاقية الشروط والمعلومات الرئيسية، لا تكتفي في عقد الدين أن تكتب المعلومات العامة للقرض، اكتب جميع التفاصيل التي تهمك ، مثل أصل الدين، وطريقة السداد وغيرها.
- حدد طرف ثالث يمكن الرجوع إليه في حال تخلف المقترض عن السداد.
- اسأل عن سلوك الشخص المقترض المالي قبل إعطاءه قرض، حاول أن تجمع بعض المعلومات عن المقترض هل سلوكه المالي غير متزن؟ هل يقترض لأجل الكماليات؟ ما مدى التزامه برد الأموال التي اقترضها سابقًا ممن حوله.
- تأكد أن المقترض يفهم أن هذا قرض وليس هدية.
- البقاء بعيد قليلًا، لا يعني أن قمت باقراض شخص الأموال سواء لتسوية التزامات أو بدء مشروع أن لك الحق في التدخل في حياته أو قراراته أو مشروعه، تذكر أنه لا يحق لك ذلك.
اقرأ أيضًا: 9 أسباب تدفعك نحو الخروج من الديون.
هل من الجيد لك إقراض أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء؟
قبل أن تقرر تقديم القروض النقدية للعائلة والأصدقاء لابد أن تفكر في الأمور التالية:
- هل يمكنك تحمل الاستغناء عن مبلغ القرض في الوقت الحالي؟ هل ستكون مكشوف ماليًا في حال قمت بالإقراض؟ إذا كنت تقوم بحل أزمات الآخرين على حساب حياتك الشخصية والضغط المالي على نفسك وأسرتك؟ تذكر أنك لست سوبر مان الذي سينقذ الجميع، يجب أن لا تفعل ذلك لانك تهدد استقرار أسرتك.
- هل تثق بالشخص المقترض وسلوكه المالي؟ لابد أن تكون واثقًا من قدرة المقترض على السداد، كما يجب أن تتأكد من سيرته المالية وسلوكه المالي.
- ماذا سيحدث لو لم يتمكنوا من سداد الأموال؟ فكر في السيناريو الأكثر سوءًا وهو عدم سدادهم للديون، هل لديك استعداد على شطب هذه الأموال، إذا كنت لا تستطيع تحمل شطب الأموال فكر بجدية أكبر في من تريد أن تقرضه.
سواء كنت أنت المقرض أو المقترض، تذكر أن القروض النقدية ليست الحل السحري ولا الأوحد للخروج من الأزمات، فكر على المدى البعيد دائما وحاول إيجاد خيارات تقلل لجوئك للاقتراض مثل إنشاء صندوق ادخار للطوارئ، أو الاشتراك في الجمعية التكافلية التي يقوم بها بعض الأشخاص.
