في هذا العالم المنفتح لا يمكن لدولة أن تعزل اقتصادها عن الاقتصاد العالمي، فهناك حركة دائمة للصادرات والواردات بين الدول المختفلة، وحتى تتمكن الدولة من ضبط هذه الحركة لابد لها من سجل، يطلق على السجل الذي تدرج في العمليات الاقتصادية “ميزان المدفوعات“، فما هو ميزان المدفوعات؟، وما أهميتة؟، وماهي هي أقسامه؟.

ميزان المدفوعات هو النافذه التي يطل منها الاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد العالمي والعكس كذلك، فهو سجل تسجل فيه جميع العمليات الاقتصادية التي تربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي، ويتضمن حركة انتقال السلع والخدمات ورأس المال، تكمن أهمية ميزان المدفوعات في أنه يعكس مدى تداخل الاقتصاد المحلي مع الاقتصاد العالمي كما يعكس قوة الاقتصاد الوطني وقدرته على المنافسة.

أولاً: ماهية ميزان المدفوعات؟

هو سجل تدرج فيه المعاملات الاقتصادية على شكل حقوق وديون بين الأشخاص المقيمين في الدولة والأشخاص المقيمين في الدول الأخرى، خلال مدة زمنية تحدد غالبًا بسنة.

وهنا يجب أن ننبه أن ميزان المدفوعات يعكس علاقة اقتصاد دولة باقتصاد دولة أخرى، لذلك فهو أشار إلى معاملات المقيمين في الدولة حتى لو لم يكونوا من حملة جنسيتها إلا أن لديهم إقامة دائمة فيها، بالتالي فما يدفعه السياح والزائرين للدولة لن يدرج فيه. وبنفس المنطق لن يدرج فيه معاملات من يحمل الجنسية ولكنه لا يقيم في بلده.

تعريف صندوق النقد الدولي

سجل يعتمد على القيد المزدوج يتناول احصائيات فترة زمنية معينة بالنسبة الى التغيرات في مكونات أو قيمة أصول اقتصاديات دولة مـا، بسبب تعاملها مع بقية الدول الاخرى، أو بسبب هجرة الأفراد، كذلك يعتمد على التغيرات في قيمة أو مكونات ماتحتفظ بـه من ذهب نقدي وحقوق سحب خاصة من الصندوق، وحقوقها والتزاماتها تجاه بقية دول العالم.

تسجل العمليات في ميزان المدفوعات بما يعرف بطريقة القيد المزدوج، حيث يتم تسجيل كل عملية تتم مع العالم الخارجي مرتين مرة في جانب الدائن ومرة في جانب المدين، فكل عملية تؤدي إلى حصول البلد على إيرادات “نقد أجنبي” تسجل في جانب الدائن، في حين أن كل عملية تؤدي إلى خروج النقد الأجنبي من البلد تسجل في جانب المدين، وهذه الطريقة من المفترض أن تجعل ميزان المدفوعات متوازناً دائما من الناحية المحاسبية، لأن كل عملية تسجل في الجانبين، لكن نادراً ما يتوازن من الناحية الاقتصادية.

مثال للتبسيط: 

قامت شركة أردنية نرمز لها بالرمز “ن” بشراء طن من الأرز بقيمة 250 دولار من شركة “ص” وجنسيتها أمريكية، وهنا الشركة “ن” سوف تستلم القمح وتدفع للشركة “ص” 250دولار، عندما تمت عملية التسليم حدث التالي:

الاقتصاد الاردني خرج منه 250 دولار، وهنا تسجل في ميزان المدفوعات (-250) واردات، ودخل للاقتصاد الأمريكي 250 دولار يسجل في ميزان مدفوعاتها (250) ربح حققته الشركة الأمريكية.

بالإضافة لعمليات انتقال سلع وخدمات، هناك عمليات أخرى تسجل في ميزان المدفوعات مثل انتقال الأموال من بين اقتصاد الدول، وهذا يظهر في الحوالات النقدية من مقيم في دولة ما لشخص آخر في دولة أخرى، فنحن نتتبع حركة النقد الأجنبي بكل أشكالها.

اقرأ أيضاً: 7 مفاهيم أساسية تتعلق بالحسابات القومية

ثانياً: فوائد ميزان المدفوعات

  1. يعد حساب مختصر يندرج فيه جميع المعاملات بين المقيمين في الدولة وباقي العالم، بشكل إجمالي وموجز.
  2. يقدم وصف لحالة العلاقات الاقتصادية للدولة، بالتالي إظهار مركزها الاقتصادي الدولي التي تحتله، وهذا يساعد في الوصول لقرارات تتعلق بالسياسات النقدية والمالية والتمويل والتجارة الخارجية.
  3. تحيليل ميزان المدفوعات يبين مقدرة الدولة على مواجهة عملية الاستيراد وباقي المعاملات الاقتصادية بواسطة صادراتها، كما يبين مدى مقدرتها على تخفيض الأصول الأجنبية أو الحصول على منح خارجية.
  4. بيان إن كانت الدولة دائنة أم مدينة.
  5. بيان آثار تخفيض قيمة العملة المحلية، ومدى تأثيرها على صادرات الدولة يظهر ذلك من الجزء المخصص للحساب الجاري في كشف المدفوعات.

ثالثاً: أقسام ميزان المدفوعات

الحساب الجاري

ينطوي هذا القسم على الميزان التجاري، حيث يندرج فيه جميع عمليات التجارة السلعية أي الصادرات والاستيرادات ، للسلع “تجارة منظورة”. كما يشمل الحساب الجاري على ميزان الخدمات الذي يمثل المعاملات غير المنظورة، اي الخدمات التي يقدمها المقيمون الى غير المقيمين، وكذلك الخدمات التي يقدمها غير المقيمين الى المقيمين.

قد يحقق الحساب الجاري عجزاً عندما ينفق سكان الدولة أكثر على الواردات ستعمل الدولة على تمويل العجز من خلال الاقتراض من دولة أخرى، أو توفير استثمار خارجي حيث يُستثمر في أعمال الدولة التي تعاني من العجز. غالباً تكون الدولة المقرضة على استعداد لدفع العجز لأن شركاتها تستفيد من صادراتها إلى بلد التي تعاني من العجز على المدى القصير، فإن عجز الحساب الجاري هو فوز لكلا البلدين.

ولكن في حال استمرار العجز في الحساب الجاري لفترة طويلة، سينتج عنه بطئ في النمو الاقتصادي. وهذا سيشكك المقرضون الأجانب في إمكانية حصولهم على عائد مناسب لاستثماراتهم، ففي حال انخفاض الطلب قد تنخفض معه قيمة عملة البلد المقترض. مما يؤدي إلى التضخم مع ارتفاع أسعار الاستيراد. من ناحية أخرى سينتج عنه معدلات  فائدة أعلى حيث يتعين على الحكومة دفع عوائد أعلى على سنداتها.

حساب رأس المال

هذا الجزء يسجل فيه التدفقات الرأسمالية الوافدة للبلد والخارجة منه، ويقسم إلى قسمين :

  1. حساب رأس المال طويل الأجل يتضمنالتدفقات الرأسمالية لأكثر من سنة، أي يجب سدادها بعد أكثر من سنة. وتشمل القروض طويلة الأجل سواء ممنوحة من الأجانب أو ممنوحة للأجانب، والاستثمار المباشر الذي يتولاه أصحابه بشكل مباشر.بشكل عام كل تدفق للقروض والاستثمارات الى الدولة يعني تدفق العملات الاجنبية إليه، ولذلك تسجل في الجانب الدائن، وبالمقابل فأن القروض الوطنية المتجهة إلى الخارج تسجل في جانب المدين لأنها تعبر عن خروج النقد الاجنبي، مع انها تقلل مديونيته تجاه العالم .
  2. حساب رأس المال قصيرة الأجل يتضمن حركة الودائع الجارية بين البنوك، وعمليات بيع وشراء الأسهم والسندات التي تستحق بفترة أقل من سنة بين المقيمين وغير المقيمين، تتم عادة بين لأغراض تسوية المعاملات الأخرى في الميزان التجاري.

اقرأ أيضاً: رحلة النقود من القمح إلى الدولار

صافي الاحتياطيات الرسمية

تشمل الاحتياطيات الدولية السائلة كل من

  • صافي الذهب النقدي وصافي الاحتياطيات النقدية من العملات الاجنبية والاصول السائلة التي تحتفظ بها السلطات النقدية الرسمية في البنك المركزي.
  • الذهب النقدي الأجنبي وودائع البنوك الاجنبية والذهب النقدي الاجنبي لدى البنك المركزي.
  • موارد صندوق النقد الدولي وبالإضافة لحصة البلد من حقوق السحب الخاصة.

من الناحية الاقتصادية يمثل العجز والفائض في ميزان المدفوعات حصيلة الرصيد الصافي للمعاملات الجارية أي الحساب الجاري، بالإضافة إلى المعاملات الرأسمالية أي حساب رأس المال. وبناء على ما سبق عندما يكون جانب المدين أكبر من جانب الدائن فهذا يعني وجود عجز في ميزان المدفوعات، والعكس في حال كان جانب الدائن أكبر سيكون فائض فيه.

حساب الإحتياطيات الرسمية بالإضافة لحساب رأس المال قصير الأجل يكمن دورها في تسوية حالة العجز والفائض، حيث تتم فيهما صافي التغيرات في الاحتياطيات الدولية السائلة بهدف اجراء التسوية الحسابية.

اقرأ أيضاً: الدورات الاقتصادية ، كيف تحدث الأزمات الاقتصادية؟

تعد مشكلة العجز في ميزان المدفوعات من أبرز المشكلات التي يواجهها العالم العربي والإسلامي، حيث تمثل الديون سلطة بيد الدائن تسلب المدين حريته، حيث برزت كمشكلة من مشكلات الدول النامية في خمسينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين والدول تسعى جاهدة للتخلص من عبء المديونية.

ماهي أقسام ميزان المدفوعات ؟
ما هو الفرق بين ميزان المدفوعات والميزاان التجاري ؟