اكتسب مفهوم حوكمة الشركات أهمية كبيرة، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية التي عصفت في العالم في العقدين الأخيرين، وما ترتب عليه من انهيار شركات عملاقة. لما لها من دور في تحسين واستدامة أعمال المنشآت.

يرادف مصطلح الحوكمة في اللغة العربية لمصطلح الإدارة الرشيدة، ويعود أصل هذه الكلمة للغة الإغريقية Governance التي تعني ربان السفينة الذي يقودها الى بر الأمان، وأصبحت هذه الكلمة مرادفة لآليات الإدارة الحديثة.

اقرأ أيضًا: ما يجب أن تعرفه عن الشمول المالي.

مفهوم حوكمة الشركات.

يشار إلى حوكمة الشركات بأنها مجموعة الأنظمة والضوابط والمعايير والإجراءات التي تنظم العلاقة بين أصحاب المصلحة، وفقًا للأساليب والمعايير المعتمدة دوليًا.

تبدأ ممارسة حوكمة الشركات من خلال بناء نظام الحوكمة المتكامل ثم تحديد السلوكيات التي تخدم مصالحها، وتشجيع القادة على اتخاذ القرارات الاخلاقية.

حيث يتم تحديد المسؤوليات والواجبات لمختلف الأطراف الموجودة في المنظمة، وهم المساهمون، والدائنون، وأعضاء مجلس الإدارة والأوصياء، بالإضافة للإدارة التنفيذية، والعاملين وذلك في سبيل تحقيق مجموعة من العوامل مثل الشفافية، وضمان المساءلة، وحماية الحقوق والواجبات لجميع أصحاب المصلحة في المؤسسة.

يعتبر تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 2004 Organization for Economic Co-operation and Development (OECD) وهو ( مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة المؤسسة و مجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصلحة).

اقرأ أيضًا: الشركات القابضة | المزايا والعيوب.

الفرق بين حوكمة الشركات وإدارة الشركات.

على الرغم من أن كل من إدارة وحوكمة الشركات يسعيان إلى نجاح الشركة وتطويرها، إلا أن هناك بعض الفروق بينهما:

  1. إدارة الشركة موجهة نحو أداء المهام والعمليات اليومية، في حين أن الحوكمة تهتم بالصورة العامة للشركة وتحقيق الأهداف ونجاحها ككل.
  2. تسعى الإدارة لنمو الشركة في حين تسعى الحوكمة لحماية الشركة.
  3. تشير الإدارة إلى الأساليب والتكتيكات التي يستوعبها المسؤولون في مساعدة الشركة على النمو والازدهار، في حين أن الحوكمة تشير إلى القواعد والعمليات التي تضمن انصياع الشركة للقوانين وخدمة مصالح جميع الأطراف.

اقرأ أيضًا: 7 معلومات عليك معرفتها عن شهادات الاستثمار.

أهمية حوكمة الشركات

ظهرت أهمية حوكمة الشركات لما لها من دور كبير في التنمية الاقتصادية، وتوفير الحصانة القانونية، والرفاهية لشعوب،  فقد برزت أهمية العولمة عقب الأزمة المالية الآسيوية 1997- 1998 التي أظهرت فضل حوكمة الشركات مما أدى إلى انهيار شركات كبرى في العالم.

بالإضافة إلى عدد من الأحداث الاقتصادية التي حدثت في العقدين الماضيين مثل فضيحة بنك الائتمان والتجارة الدولي، وأزمة القروض والمدخرات في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية في روسيا والولايات المتحدة، هذه الأزمات عملت على تأكيد أهمية حوكمة الشركات كآلية تحكم عمل الاقتصاد العالمي.

حيث تتمثل حوكمة الشركات في عدة جوانب:

أهمية حوكمة الشركات في الجانب الاقتصادي

تتمثل الحوكمة في الجانب الاقتصادي فيما يلي:

  • إعادة الثقة في الاقتصاد من خلال تهيئة الظروف المناسبة للنمو الاقتصادي، والحد من هروب رؤوس الأموال من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحقيق التنمية المستدامة، مما يزيد القدرة التنافسية للقطاع الخاص.
  • تطبيق الحوكمة في القطاع العام والقطاع الخاص يؤدي إلى زيادة الإصلاحات الاقتصادية العالمية.
  • انخفاض تكلفة الاستثمار واستقرار سوق المال وزيادة فرص التمويل، من ناحية اخرى تعمل الحوكمة على تحسين جودة الإنتاج السلعي أو الخدمي بالتالي زيادة القدرة التنافسية وتحقيق التكامل في الأسواق العالمية.
  • زيادة ثقة الجمهور في مشاريع الخصخصة التي تقوم بها الدول.

اقرأ أيضًا: كيف تعمل شركات التأمين ؟

أهمية حوكمة الشركات في الجانب الرقابي والمحاسبي.

  • الرقابة والمتابعة لاكتشاف الانحرافات والتجاوزات، مما يؤدي إلى تعديل وتطوير عمل الشركات من خلال تصحيح الانحرافات.
  • تحقيق الحيادية  والنزاهة والاستقامة لجميع العاملين في الشركة على مختلف المستويات ابتداء من مجلس الادارة وصولًا إلى أقل المستويات الإدارية، مما يعني محاربة الفساد الإداري والمالي.
  • الاستفادة القصوى من نظم الرقابة والمحاسبة الداخلية مما يحقق مستويات أعلى من الشفافية والإفصاح في التقارير المالية.
  • الإلتزام بمعايير التدقيق مما يحقق الاستقلالية وعدم الخضوع لأي ضغوطات.

أهمية حوكمة الشركات في الجانب الاجتماعي.

  • تعمل الحوكمة على ربط مصالح الأفراد والشركات بالمجتمع من خلال تحقيق التوازن ما بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، كما توازن بين مصلحة الفرد والجماعة.
  • تساهم الحوكمة في تخفيف حدة الفقر وإرساء العدل والاستمرارية في الشركات، لأن انهيار الشركات لا يعد خسارة للشركات فقط، بل هو خسارة للعاملين وأصحاب المصالح أيضًا.
  • يؤدي اهتمام الشركات في الجوانب الاجتماعية إلى تحسين صورتها وتقبلها في المجتمع بشكل أكبر، مما يؤدي إلى ازدهار الشركات ونموها ويساعد في توفير فرص العمل، مما  يحسن مستوى المعيشة ويعزز التماسك الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الاستثمار الجريء.

أهمية حوكمة الشركات في الجانب القانوني.

تعتبر التشريعات واللوائح التنظيمية العمود الفقري لأطراف وآليات حوكمة الشركات، حيث تنظم القوانين والقرارات العلاقة بين الأطراف المعنية في الشركات والاقتصاد عمومًا، تتداخل نظم حوكمة الشركات مع الكثير من القوانين مثل قانون الشركات، والمعايير المحاسبة والتدقيق، وقانون الضرائب الضرائب، وقانون الاستثمار، وغيرها من القوانين والممارسات، بحيث يحصل الأفراد أصحاب المصالح على كافة حقوقهم.

بالتالي فالحوكمة تنظم علاقة الشركات بحملة الأسهم، ومجلس الإدارة التنفيذية، والمقرضين، والعاملين، والبنوك، والدوائر الحكومية، والمستثمرين.

إيجابيات وسلبيات حوكمة الشركات.

إيجابيات حوكمة الشركات.

تطبيق الحوكمة يترتب عليه العديد من النتائج الإيجابية التي ستنعكس على الشركات والاقتصاد الوطني ككل:

  1. تخفيض مخاطر الفساد الإداري والمالي، وتصحيح مسار الاقتصاد الوطني من خلال  الكشف عن الممارسات السلبية مثل غسيل الأموال، والاحتكار، وتمويل الإرهاب.
  2. الارتقاء بالانضباط الإداري والمالي في كافة المنشآت، والإرتقاء بمهارات المديرين الوطنيين، بالإضافة إلى تكوين علاقات تكامل اقتصادي بين النشاطات والمشروعات المختلفة.
  3. جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة معدلات النمو والاستثمارات في المجتمع، مما يحقق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية.
  4. تحسين ميزان المدفوعات من خلال زيادة حجم التدفقات من النقد الأجنبي، مما يؤدي إلى إشباع حاجات المجتمع من السلع والخدمات، مع احتمال تصدير الفائض من المنتجات الوطنية.
  5. إيجاد فرص عمل، واكساب العمالة الوطنية خبرات ومهارات فنية.
  6. المحافظة على حقوق جميع أصحاب المصالح في الشركة دون تمييز، كما تضمن عدم قيام مجلس الإدارة بإساءة استخدام سلطاته لإضرار بالمساهمين أو أي غيرهم من أصحاب المصالح، كما تضمن استقلالية أموال المساهمين.

اقرأ أيضًا: ما هو غسيل الأموال؟

سلبيات حوكمة الشركات.

على الرغم من إيجابيات الحوكمة إلا أن عدم تطبيق الحوكمة كما يجب قد يؤدي إلى ظهور بعض السلبيات، سواء كان ذلك في الإفراط في إخضاع الشركات للمسألة أو التساهل في تطبيقها.

حيث تؤدي الحوكمة المتشددة إلى فقدان الدافع الاقتصادي لدى المستثمرين، يعزفون عن العمل وبدء مشروعات جديدة بهدف الربح. وينتج عن ذلك ظهور بعض الاحتكارات نظرًا لقلة المستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية.

في حين يترتب على عدم الجدية في تطبيق حوكمة الشركات إلى انتشار الفساد الإداري مثل المحسوبية، والرشاوي، والاختلاسات، والعمل على السيطرة والإستغلال للأسواق لصالح الفئات المستثمرة لضمان وجودهم دون منافس مقابل مبالغ مالية.

كما تؤدي إلى انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية نتيجة عدم وجود بيئة محفزة على الاستثمار، والخوف من استغلال الحوكمة بشكل خاطئ من خلال مصادرة الأموال وتجميدها. ونتيجة لذلك تنخفض معدلات النمو الاقتصادي، بسبب انخفاض فرص تكوين رأس المال اللازم لإنشاء المشروعات الاقتصادية وتطويرها.

اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن ميزان المدفوعات.

ما هي عناصر حوكمة الشركات؟

حتى يتم الإستفادة من حوكمة الشركات لابد من الحرص على معرفة استراتيجيات حوكمة الشركات للوصول إلى مخرجات تلبي الأهداف مع الاستغلال الأمثل للموارد، وقد أشار الباحثون إلى العناصر التي تضمن ممارسة الحوكمة بشكل متكامل.

  1. الشفافية: يقصد بها ضمان الكشف عن البنود المهمة في الوقت المناسب التي تتعلق بالشركة لحملة الأسهم وعلى نحو  متكرر سواء سنوي أو ربعي أو شهري.
  2. تطبيق التنوع: وجود تنوع في مجالس الإدارة يجعلها أقل عرضة للمخاطر نسبيًا، كما تعتبر أقل تقلبًا في العائدات وأكثر تحقيقًا للأرباح. يكون التنوع من حيث الجنس، والسن، وتمثيل الأقليات.
  3. تقديم تقارير مجلس إدارة وافية: حيث تعمل مجالس الإدارة بشكل أفضل عند حصولها على تقارير عالية الجودة، حيث يمكنها ذلك من اتخاذ قرارات ووضع خطط أعمال لنمو المنظمة بشكل يحقق الاستدامة.
  4.  تحديد حقوق المساهمين: لابد من تحديد ما يتعلق بحقوق وصلاحيات حملة الأسهم، هل جميع حملة الأسهم متساوون في حقوق التصويت؟ هل لمجلس الإدارة أن يقر القرارات دون الرجوع لحملة الأسهم؟ ماهي السياسة المتبعة فيما يتعلق بمعاملات الأطراف ذات الصلة أو المعاملات الاستثنائية؟
  5. تدريب المديرين وتطويرهم وتقييم مجلس الإدارة : يجب على المديرين أن يتأكدو من قدرتهم على تطبيق القواعد والتشريعات التي تنطوي على بعض الصعوبة، فإن زيادة المسؤوليات واتساع المطالب التنظيمية يؤدي إلى ارتفاع كفاءة مجلس الإدارة.

اقرأ أيضًا: أنواع الاسهم في الشركات المساهمة.

الفرق بين الحوكمة المالية والامتثال وإدارة المخاطر

حوكمة الشركات

كما أشرنا سابقًا أنها مجموعة السياسات والإجراءات والقواعد التي تستخدمها الشركة في تحقيق أهدافها، وتحديد مسؤوليات أصحاب المصالح.

وتشتمل على الأخلاق والمساءلة وإدارة الموارد، وسياسية حل النزاعات، والشفافية وتبادل المعلومات.

الامتثال.

يقصد بالامتثال تطبيق القواعد والقوانين، وتتعلق بالمتطلبات القانونية والتنظيمية التي تضعها الهيئات الصناعية، كما يتعلق بسياسات الشركة الداخلية، يسعى الامتثال الى تنفيذ الإجراءات لضمان امتثال الانشطة التجارية للوائح والقوانين.

إدارة المخاطر.

تتعرض الشركات لمجموعة من المخاطر بما في ذلك المخاطر المالية والقانونية والأمنية والاستراتيجية، إلا أن الإدارة السليمة للمخاطر تساعد في التنبؤ بالمخاطر وتحديدها وإيجاد طرق لمعالجتها.

تلجأ الشركات لاستخدام برنامج لإدارة المخاطر المؤسسية للتنبؤ بالمشاكل المحتملة وتقليل الخسائر.

اقرأ أيضاً: لمحة سريعة عن 3 أنواع من الأوراق المالية.

تعد حوكمة الشركات من  أهم العمليات اللازمة للتأكد من سير عمل الشركات على الوجه الأمثل، والتأكد كم نزاهة الإدارة والوفاء بإلتزاماتها، وهذا يضمن تحقيق المنشأة لأهدافها القانونية والاقتصادية، بالإضافة لزيادة الجودة وتطوير الأداء، مما يحقق حفظ حقوق جميع الأطراف أصحاب المصالح في الشركة.