تعد الميزانية الشخصية من أبرز وأهم أدوات الإدارة المالية، وهي الخطوة الأولى في طريق الحرية المالية وتحقيق الأهداف المالية الذكية، جميعنا قام بوضع ميزانية ولو لمرة واحدة إلا أن القليل منا يلتزم بتنفيذها، وعلى الرغم من أهمية الميزانية الشخصية إلا أن الالتزام في تطبيقها يعد نقطة الضعف لدى الكثيرين، في هذا المقال سنتناول أبرز الأسباب التي تؤدي إلى فشل الالتزام في تطبيق بالميزانية الشخصية.

أولًا: عدم وجود ميزانية شخصية مكتوبة!

من أشهر أسباب فشل الميزانية الشخصية هي عدم كتابتها والاكتفاء بالتخطيط الذهني، معظمنا يظن أن تخطيط الالتزامات والنفقات ذهنيا قد يكون كافي، خاصة إذا كان الدخل منخفض نسبيًا بحجة “كل دولار مكان إنفاقه واضح لانه المال محدود” أو كما يقولون “الراتب مقسم نفسه بنفسه”.

لكن هذه الفكرة تسبب الكثير من المشاكل المالية أقلها عدم الالتزام بأولويات الإنفاق، والانصياع للإنفاق العاطفي، أضف إلى ذلك عدم كفاية الأموال إلى نهاية الشهر.

الحل: لابد من وجود ميزانية مكتوبة سواء على الورق أو على الحاسوب أو حتى الهاتف، لن يأخذ إعداد الميزانية الشخصية الكثير من وقتك، حدد مصادر الدخل لديك، الراتب، إيجار عقار … ، ثم حدد نفقاتك و التزاماتك الشهرية، قسط سيارة، مصاريف البيت الأساسية، مياه وكهرباء، ومخصصات الترفيه مثل الطعام خارج البيت، الذهاب في رحلة.

بعد أن قمت بذلك ستكون لديك صورة واضحة عن أولوياتك في الإنفاق، ومقدار المال المخصص للترفيه ومقدار المتبقي لديك، وبذلك ستكون أكثر وعيًا وبصيرة بوضعك المالي الحقيقي وليس ما يوهمك به عقلك.

اقرأ أيضًا: ما هو الهدف من الوعي المالي؟

ثانيًا: أهداف الميزانية الشخصية غير واقعية.

غالبًا ما يأخذنا الحماس أثناء وضع الميزانية الشخصية فنحدد أهداف غير واقعية، على الرغم من أن الهدف الأساسي للميزانية الشخصية هي التخطيط لتحقيق الأهداف المالية، والوفاء بالإلتزامات الشهرية، وحل المشكلات المالية على المدى الطويل.

يحاول بعض الأفراد بناء ميزانية لتسديد الديون السابقة بأسرع وقت ممكن، مما يأتي بنتائج عكسية، فتحميل الميزانية الشخصية أكثر مما تحتمل يعني أن تقوم بإجراء تغيرات جذرية في نمط حياتك بشكل مفاجئ، إلا أن هذا لا يمكن الإلتزام به على المدى الطويل و يثنيك عن الاستمرار في الميزانية، بالإضافة إلى حالة الإحباط وفقدان الأمل التي ستعيشه.

الحل: إذا لم يكن لديك ميزانية مسبقًا فمن المستحيل أن تنتقل إلى ميزانية تحاول بها خفض الإنفاق بأكبر قدر ممكن، والالتزام بخطة إنفاق تقشفية، مع وجود أهداف مالية كبيرة، هذه الأمور هي الطريق الأسهل لفشل الميزانية!

حاول أن تبحث عن الميزانية الأنسب لك ولعائلتك، قم بتتبع الإنفاق لشهر أو على الأقل لأسبوعين، سجل جميع عمليات الإنفاق التي تقوم بها مهما بلغ حجمها من الصغر، ستدرك من خلال هذه العملية عادات الإنفاق السلبية لديك، بالإضافة إلى حجم الإنفاق الحقيقي الذي تحتاجه شهريًا، فإذا كان 80% من دخلك يذهب لحاجاتك الأساسية، سيكون من المستحيل أن تدخر 50% من الدخل.

الأفضل أن تحدد أهداف مالية صغيرة، على الرغم من أنك ستحتاج إلى وقت أكبر لتحقيقها، إلا أن تحقيقها سيكون أسهل عليك وعلى أسرتك، لن تحتاج إلى تغيرات جوهرية في نمط حياتك، كما يمكنك إجراء بعض التعديلات البسيطة لتوفير المال كأن تقلل عدد المرات التي تتناول بها الطعام خارج المنزل، والذهاب لأماكن ترفيه أقل تكلفة.

تذكر أن الطريقة الأساسية لنجاح الميزانية الشخصية وتحقيق أهدافك المالية هي الإعتدال في الادخار والإنفاق. 

اقرأ أيضًا: 9 أسباب تدفعك نحو الخروج من الديون.

ثالثًا: عدم وجود مخصصات ترفيه كافية.

وجود الميزانية الشخصية والعمل على الالتزام بها لا يعني العيش بحياة صارمة خالية من الترفيه! عدم وجود مخصصات للترفيه سيجعل الإلتزام بالميزانية أكثر صعوبة، ويجعلك تشعر بالاستياء والضغط جرّاء ذلك، ويسهل خرق الميزانية بشكل غير مدروس أو حتى إلغاؤها.

الحل: تحديد ميزانية مخصصة للترفيه مسبقًا سيسهل الالتزام بالميزانية، امنح نفسك بعض المساحة بين الحين والآخر لتعيش بعض المتعة التي تحب، إن كنت تصنع القهوة في البيت بهدف التوفير يمكنك تناول القهوة بين الحين والآخر في المقهى الذي تحب، أو أن تكافئ نفسك بشراء قميص جديد في حال حققت بعض الأهداف المالية.

يمكنك إتباع خطة إعداد الميزانية الشخصية 20 | 30 | 50 ، حيث يقسم الدخل الشهري إلى 50% نفقات الضرورية، و 30% للكماليات، و20% للادخار.

الالتزام بالميزانية الشخصية يشبه إلى حد كبير الإلتزام بنظام غذائي، فإذا كان النظام الغذائي صارم بشكل كبير زادت فرصة خرق النظام، في حين وجود يوم للراحة المدروسة يعزز فرصة الإلتزام به.

اقرأ أيضًا: 16 خطوة لبناء الوعي المالي.

رابعًا: عدم وجود صندوق للطوارئ.

قد تتضمن الميزانية الشخصية الخاصة بك بعض الأهداف المالية وتشعر أن حياتك المالية تحت السيطرة، إلى حين حدوث أمر مفاجئ يعيدك إلى دائرة الديون من جديد، ذلك بسبب عدم الاستعداد لمثل هذه الحوادث.

اسأل نفسك ما المصير الذي ستواجهه في حال فقدت عملك؟ أو حدث عطل مفاجئ في السيارة يحتاج إلى مبلغ كبير، هل ستعود إلى فخ الديون من جديد!، في دراسة اجريت في 2020 في امريكا اشارت إلى أن 15% فقط لديهم صندوق ادخار للطوارئ!

يعتبر صندوق الإدخار للطوارئ من أهم أدوات الإدارة المالية التي تبقيك على استعداد لمواجهة الأحداث غير المتوقعة، وهو مبلغ من المال المخصص لمواجهة الظروف غير الاعتيادية وغير المخطط لها، مثل التسريح المفاجئ من العمل، أو فاتورة طبية كبيرة، أو حتى أعطال مفاجئة في البيت أو السيارة.

لا يتم استخدام الأموال في صندوق الطوارئ إلا في حالات محددة، ينصح الخبراء أن يغطي هذا الصندوق النفقات الضرورية لمدة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى ستة أشهر.

الحل: إذا لم يكن لديك صندوق إدخار للطوارئ لابد أن تخصص بعض الأموال الشهرية في ميزانيتك لتغذيته، كما يمكن توجيه أي دخل غير منتظم مثل الهدايا والمكافأت وحتى الزيادة في الراتب الشهري لتغذيته، إلى أن يبلغ ما يغطي النفقات الضرورية لفترة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى ستة أشهر.

ففي حال كان العمل منتظم ومستقر يمكن الاكتفاء بتغطية النفقات الضرورية لثلاثة أشهر فقط، لكن في حال كان العمل حر أو موسمي أو بعقود لمشروع واحد فلابد أن يغطي صندوق الإدخار للطوارئ النفقات الضرورية لستة أشهر.

اقرأ أيضًا: 6 خطوات لبناء صندوق مدخرات الطوارئ من الصفر.

خامسًا: عدم مراجعة الميزانية الشخصية أولًا بأول.

إعداد الميزانية الشخصية هي الخطوة الأولى في تحقيق الإستقرار المالي، إلا أن إعداد الميزانية فقط لا فائدة منه في حال عدم المتابعة لها والتأكد من السير بالطريق الصحيح، الكثير منّا يقوم بإعداد الميزانية الشخصية في لحظة حماسية للتغير، إلا أن هذا الحماس يتلاشى بعد مدة قصيرة، لأن وجود ميزانية يعني إجراءات بعض التعديلات في حياتك الشخصية بالإضافة إلى التخلي عن بعض ما تحب.

الحل: لابد أن تقوم ببناء روتين بسيط لتتبع الميزانية الشخصية، في البداية ضع الميزانية في مكان ظاهر تقع عينك عليه باستمرار، قم بتخصيص عشر دقائق يوميًا لمراجعة عمليات الإنفاق التي قمت بها خلال اليوم، في نهاية الأسبوع ستحتاج إلى نصف ساعة لمراجعة نفقاتك والتأكد من أنك على المسار الصحيح.

لا تنس أن تكافئ نفسك بين الحين والآخر على الإلتزام بالميزانية، لكن احذر من المكافآت الباهظة الثمن لأنها ضد الهدف الذي تسعى إليه، فلا يمكن أن تكافئ نفسك برحلة تنفق بها ما ادخرته خلال الشهر! هناك الكثير من المتع غير المكلفة مثل تخصيص وقت للاسترخاء مع تناول وجبتك المفضلة، شراء حبوب القهوة المفضلة لك، شراء قطعة ملابس كنت تخطط لشرائها.

اقرأ أيضًا: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها.

سادسًا: التركيز على الأداة أكثر من الخطة.

هناك العديد من الطرق والتطبيقات التي تساعدك في إعداد الميزانية الشخصية، والتي تتراوح ما بين كتابة الميزانية على ورقة واحدة إلى التطبيقات المدفوعة، بغض النظر عن الأسلوب المتبع في كتابة الميزانية، تذكر أن الهدف الأساسي من الميزانية أن تسيطر على نفقاتك وتحقق أهدافك المالية، لذلك لابد أن يكون الأسلوب المتبع في تدوين الميزانية الشخصية يساعدك في تحقيق ذلك.

الحل: إذا كان الأسلوب المتبع في تدوين الميزانية يشتت انتباهك، ويقلل من حماسك للاستمرار في الميزانية، ابحث عن أبسط أسلوب يمكنك معه الاستمرار فيها، لا فرق في أن تكتب ميزانيتك على قصاصة ورق أو أن تدونها في تطبيق مدفوع.

ينصح بالبدء في الميزانية الورقية لأنها تجعلك أكثر سيطرة ووعيًا بدخلك ونفقاتك، لن تحتاج سوى ورقة تدون عليها الدخل والنفقات، ولا تخش التعديل عليها بين الحين والآخر لأن الميزانية ليست نص مقدس! تأكد أن تعكس الميزانية التغيرات المالية في حياتك مثل الزيادة في الدخل، أو الزواج والطلاق، أو استقبال طفل جديد.

يمكنك مشاهدة الفيديو التالي، سيساعدك في إعداد الميزانية بأبسط الطرق.

سابعًا: عدم الجدية في تقليل النفقات.

بعد إعداد الميزانية الشخصية قد تحتاج إلى التقليل من نفقاتك، سواء كان ذلك لتوفير المال في سبيل تحقيق أهدافك المالية أو للوصول للتوازن ما بين دخلك ونفقاتك، هذا الأمر يتطلب منك بعض الحزم وأن تقول “لا” لبعض النفقات التي اعتدتها فيما سبق.

هناك العديد من النفقات التي قد تعاملها على أنها مسلمات لايمكن تغييرها، مثل فواتير المياه والكهرباء والهاتف والإنترنت، على الرغم إمكانية التقليل منها.

الحل: راجع الميزانية الشخصية الخاصة بك، حدد النفقات التي يمكنك التقليل منها، لا تستهين بأي بند يمكن التقليل من الإنفاق فيه مهما كان مقدار ذلك.

يمكنك الاقتصاد في ما تستخدمه من مياه وكهرباء، كما يمكنك التحويل لتعرفة انترنت وهاتف أوفر، تذكر أن كثير القليل كثير، معنى ذلك أن قيامك بتوفير نسب قليلة من نفقات متنوعة ينتج عنها في النهاية مبلغ توفير إجمالي جيد، لذلك لا تستهين بأي تخفيض في النفقات مهما كان قليلًا.

اقرأ أيضًا: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً.

ثامنًا: نسيان أو الخطأ في تخمين النفقات.

من أسباب نجاح الميزانية الشخصية شمولها لجميع النفقات التي لديك، تجاهل أو نسيان بعض النفقات يؤدي إلى الاضطراب في الميزانية لعدم استعدادك لهذه النفقات، وقد يؤدي ذلك إلى شعورك بصعوبة الميزانية وعدم جدوى وجودها.

كذلك الخطأ في تقدير المخصص لكل بند من بنود النفقات، فقد تلاحظ أنك تنفق بشكل متكرر على بعض البنود أكثر مما تم تقديره، بهذه الحالة الأفضل أن يتم إعادة مراجعة مخصصات هذه البنود، فقد تحتاج زيادة الميزانية لهذه البنود، وهذا قد يعني تقليل الإنفاق في جوانب أخرى لتجنب تجاوز ميزانيتك الشهرية.

كما يجب ملاحظة أنك تقوم بتوزيع الفواتير السنوية والنصف والربع سنوية على جميع الشهور، فليس من الصواب تحميل هذه الفواتير على بضع شهور، هذا سيؤدي إلى الإخلال في وضعك المالي ككل.

الحل: كي تضمن نجاح ميزانيتك الشخصية لابد من مراجعة مخصصات الإنفاق بشكل شهري والتعديل عليها، بالإضافة إلى الإنتباه لشمول البنود لجميع نفقاتك وإضافة وحذف بعض البنود بما يتناسب مع حياتك، كما يجب تقسيم النفقات السنوية أو النصف أو الربع سنوية على جميع الشهور بالتساوي.

اقرأ أيضًا: الإدارة المالية الشخصية.

تاسعًا: عائلتك أو أصدقائك ليس لديهم نفس الهدف.

إذا كنت تسعى لوضع ميزانية والالتزام بها لكن من حولك من أفراد العائلة أو الأصدقاء لا يشاركوك نفس الهدف أو ليسوا على دراية بمساعيك، فيمكنهم تخريب أو تعطيل خطتك من غير قصد، هل يسخر منك شريكك أو أصدقائك من محاولات توفير المال؟ هل يصفونك بالبخل؟ هل يحفزوك ويقنعوك على إنفاق المال على سلع خارج إطار ميزانيتك؟ هل يتفهون من أهداف الادخار لديك؟

يؤثر الأفراد الذين تقضي وقتك معهم على عادات الإنفاق لديك وطريقة تعاملك مع المال، فإذا لم يكن الأشخاص حولك على معرفة بما تخطط له من أهداف مالية ستواجه صعوبة في الاستمرار عليها لمدة طويلة.

الحل: قبل فرض الميزانية على عائلتك تحدث إليهم عن أهدافك قصيرة وطويلة المدى، اجعل الميزانية هدف جماعي للعائلة تسعون لتحقيقه، سيسهل عليك ذلك الالتزام بالميزانية.

من ناحية اخرى اخبر اصدقائك المقربين بما تسعى إليه، واخبرهم أنك قلصت ميزانية الترفيه، يساعدك ذلك في تجنب الإحراج في بعض المواقف، تأكد أنهم سيفهمون ذلك.

اقرأ أيضًا: 5 من أهم الأخطاء المالية التي يقع بها الآباء الجدد.

الالتزام باتباع الميزانية الشخصية ليس سهلًا وقد يبدو أنه صعب في البداية، كما ستواجه العديد من التحديات والإغراءات التي تثنيك عن الاستمرار في تطبيق الميزانية، إلا أن الأمر ليس بالصعوبة التي تظهر لك في البداية، بمجرد إيجاد الصيغة الأنسب لك في الميزانية الشخصية سيغدو الأمر سهلًا جدًا وتستمر في طريقك لتحقيق أهدافك المالية. 

 

ماهو الوقت المناسب لإعداد الميزانية الشخصية؟
كيف يمكنني إعداد قائمة بنفقاتي لأول مرة؟