في مقالات سابقة تطرقنا لدراسة سوق المنافسة الكاملة كما تطرقنا إلى دراسة الاحتكار الذي يعتبر النقيض لها، وفي هذا المقال سنعرض أسواق المنافسة الاحتكارية والتي تغطي المساحة الرمادية ما بين سوق التنافس الحر وسوق الاحتكار التام.
تعتبر الأسواق الاحتكارية (Monopolistic Competition) مزيج من سوق المنافسة وسوق الاحتكار التام، وتتراوح اقتربًا وابتعادًا بينهما حسب مدى توافر شروط المنافسة التامة في السوق. في هذا المقال سنتطرق إلى نوعين رئيسيين في الاسواق الحتكارية وهو سوق المنافسة الاحتكارية وسوق احتكار القلة.
اقرأ أيضًا: تعرّف على 4 شروط لسوق المنافسة الكاملة
أولا: أسواق المنافسة الاحتكارية
تعبر سوق المنافسة الاحتكارية بشكل رئيس عن الأسواق التي تعمل بها شركات متعدد تنتج منتجات يمكن أن تكون بدائل لبعض إلا أنها لا تعتبر بدائل مثالية عنها، في ذات الوقت لا تؤثر قرارات الشركات المختلفة على بعض داخل السوق الواحد، فيما يلي سنعرض لخصائص أسواق المنافسة الاحتكارية بشيء من التفصيل:
- تواجد عدد كبير من المشروعات الصغيرة بحيث يكون مساهمتها ضئيلة في عرض الصناعة وبناءًا عليه سيكون تأثيرها على السعر محدودًا، وهذا يمنح كل شركة من الشاركات المشاركة في سوق المنافسة الاحتكارية حرية تحديد الأسعار الخاصة بها دون دراسة أثر القرار على الشركات الأخرى، لأن قرار كل شركة له تأثير ضئيل في السوق، ولذلك فلن يكون هناك خوف من ردود فعل انتقامية جرّاء رفع الأسعار.
- تمايز المنتجات، المشروعات في سوق المنافسة الاحتكارية تنتج سلعًا متشابهة لكنها لا تصل إلى حد التجانس الموجود في سوق المنافسة الكاملة، فهناك فروق غير سعرية فيما بينها، وبناءًا على هذا التشابه فإن منتجات المشروعات المختلفة تشكل بدائل قريبة ولكنها غير كاملة لبعضها مثل البيبسي والكوكاكولا، وشركات الاتصالات في البلد الواحد، فهي تقدم نفس الوظائف الأساسية ولكنها تختلف في المظهر الجودة والسمعة، وهذا يحد من قدرة المنتج على رفع أسعار السلع أو الخدمات خوفًا من تحول المستهلكين عنه إلى منتجين آخرين للخدمة و السلعة.
- سهولة الدخول والخروج من السوق، ينتج عن ذلك عدم دوام الأرباح الاقتصادية في الأجل الطويل، وذلك لأن في حال وجود أرباح صافية ستتحفز شركات جديدة للدخول إلى السوق من ثم يزيد العرض فينخفض السعر وستعود الأرباح إلى مستواها العادي، وفي حال وجود خسائر ستتجه بعض الشركات للخروج من السوق فيقل العرض بالتالي يرجع السعر لمستواه العادي.
- تتناقص أهمية المنافسة السعرية في سوق المنافسة الاحتكارية، في حين تزداد أهمية المنافسة غير السعرية من خلال التمييز السلعي بالعلامات التجارية وبناء علاقة ولاء مع العملاء، الأهتمام بخدمات ما بعد البيع مثل الصيانة والضمان وكذلك الأهتمام بإتاحة السلعة وسخولة الوصول لها من خلال الفروع أو البيع أونلاين مع خدمات التوصيل، وهذا كله يشكل علاقة مع المستهلك بحيث يزيد تقديره للسلعة أو الخدمة المقدمة.
- عدم وجود معلومات كاملة لدى المستهلكين، حيث أن هناك العديد من المنتجات تخدم نفس الغرض بأسعار مختلفة، فقد تجد منتج بسعر مخفض ومنتج آخر يقدم ذات الغرض بسعر أعلى إلا أن المستهلك لا يمكنه معرفة ما إذا كانت المنتجات الأعلى سعرًا أكثر جودة أم لا، وذلك نتيجة لعدم وجود معلومات كافية حول الفروق الدقيقة أو السعر العادل، حيث يتم استخدام الإعلانات بشكل مكثف في سوق المنافسة الاحتكارية نظرًا لتشابه المنتجات.
اقرأ أيضًا: ما يجب أن تعرفه عن الاحتكار في الاقتصاد
تتماثل خصائص سوق المنافسة الاحتكارية مع سوق المنافسة الكاملة في الأجل الطويل، إلا أن الاختلاف بينهما يتمثل في وجود عدم تجانس السلع وقدر كبير من المنافسة غير السعرية، لذلك تسعى الحملات الإعلانية لتمييز ما تنتجه عما ينتجه الاخرون وإقناع المستهلك أن هذه السلعة مميزة عن السلع الاخرى، فإذا اشتد تفضيل المستهلك للسعلة زاد تأثيؤ الشركة في السوق بسبب ولاء المستهلكين، وحينها يمكن للمنتح أن يرفع ثمن السلعة دون أن يفقد عملائه على عكس سوق المنافسة الكاملة.
الفرق بين سوق المنافسة الاحتكارية وسوق المنافسة الكاملة والاحتكار التام
تضم سوق المنافسة الاحتكارية خصائص من سوق الاحتكار وسوق المنافسة الكاملة، بالتالي فإنها تقع في مرتبة وسط بينهما، حيث يكون المنتجون فيها صناع قرار إلا أنهم لديهم قوة سوقية ضعيفة!، فيما يلي سنوضح الفروق ما بين هذه الأسواق الثلاثة بشيء من التفصيل:
وجه المقارنة | سوق المنافسة الاحتكارية | سوق المنافسة الكاملة | سوق الاحتكار التام |
عدد المنتجين | يكون السوق عدد قليل من الشركات خمسة أو ستة | هناك عدد لا نهائي من المنتجين الذين ينتجون سلعًا متجانسة. | هناك منتج واحد يحتكر المعروض من المنتج في السوق. |
قوة التسعير | المنتج هو من يحدد السعر لمنتجاته ولا يتلقاه من السوق، إلا أن ما يحدده من سعر يؤثر على مبيعاته. | يتم تحديد السعر بناءًا على قوى العرض والكلب في السوق ككل، ولا يمكن لأحد المنتجين أن يؤثر في السعر. | المحتكر هو من يحدد سعر المنتج ويترك للسوق تحديد الكمية، وفي بعض الخالات يحدد السعر والكمية. |
تمايز المنتج | هناك بدائل للمنتج تقدم نفس الغرض الأساسي من المنتج إلا أنها لا تعد بدائل مثالية. | هناك العديد من البدائل التي يمكن أن يتوجه إليها المستهلكون، فهم غير مجبرين على الشراء من المنتج. | لا بديل عن المنتج في السوق، فلا يكون السوق سوق احتكار تام إن كان هناك بدائل يمكن أن يلجأ لها المستهلكون. |
توفر المعلومات | تتوافر المعلومات لدى المستهلكين إلا أنها ليست معلومات كاملة. | تتوافر المعلومات عن جميع المنتجات من حيث السعر والنوع سواء للمستهلكين أو المنتجين. | المحتكر هو مصدر المعلومة الوحيد، يفصح عما يريد من معلومات ويخفي ما يريد. |
حرية الدخول إلى السوق والخروج منه | يوجد عوائق قليلة أمام دخول شركات جديدة إلى السوق | حرية الدخول والخروج من السوق دون وجود قيود قانونية أو مؤسسية. | صعوية الدخول إلى السوق لوجود عوائق قانوينة أو حكومية أو إدارية، مما يمنع المنافسين من الدخول للسوق. |
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر سلوك الأفراد في الأسعار
أمثلة على سوق المنافسة الاحتكارية
تعتبر المتافسة الاحتكارية من أسواق المنافسة التي تتميز وتظهر في أسواق المنتجات المألوفة بكثرة للمستهلكين في حياتهم اليومية، فيما يلي نورد بعض الأمثلة من الحياة اليومية على هذه السوق:
- المطاعم: تنتشر المطاعم بشكل كبير في مجتمعاتنا وتتنوع من حيث ما تقدمه من وجبات إلا أنها لا تمتلك أن تنافس على السعر نظرًا لصغر تأثيرها على السوق، لذلك نلحظ وبشكل واضح المنافسة غير السعرية بين المطاعم المختلفة، فنراهم يتنافسون في جودة الخدمة، مذاق الطعام، وطريقة تقديم الطعام، وتجربة العميل في المكان عمومًا.
- مساحيق الغسيل: هناك العديد من مساحيق الغسيل والتي تتقارب بشكل ملحوظ من حيث الأداء والأسعار، نلاحظ المنافسة غير السعرية بشكل واضح في التمييز الذي تحاول الشركات تحقيقه من خلال الإعلانات لبناء صورة ذهنية لدى العملاء.
- المشروبات الغازية: من أشهر الأمثلة حيث أن الحرب الدائرة بين كوكاكولا وبيبسي من أقدم حروب عالم الأعمال، حيث أن كلًا منخما تسعى لبناء الولاء من قبل العملاء من خلال الحملات الإعلانية.
اقرأ أيضًا: هلع التسوق في الأزمات – كيف يدفعنا الخوف إلى تخزين السلع؟
تعطي نظريات التجارة الجديد أهمية لسوق المنافسة الاحتكارية على اعتبار أنها تحفز التمايز والمنافسة غير السعرية مما ينتج لنا علامات تجارية قوية، كما توفر منتجات وخدمات بمزايا أفضل للمستهلكين بالإضافة أنها تتيح بدائل متنوعة للجمهور مما يعزز الرفاهية الاجتماعية.