كثيراً ما نسمع بمصطلح التضخم الاقتصادي، في النشرات الإخبارية وبرامج التحيليل الاقتصادي وحتى في أحاديثنا اليومية، وهذا ليس غريباً حيث يعد التضخم الاقتصادي من أهم المصطلحات الاقتصادية في عالمنا المعاصر، وأهم المشكلات التي تواجهها الدول، فما هو التضخم وكيف يؤثر في حياتنا وممتلكاتنا.

تعريف التضخم الاقتصادي

التصخم الاقتصادي هو ظاهرة نقدية تعبر عن نفسها بإرتفاع محسوس في المستوى العام للأسعار، تؤدي إلى اختلال ما بين المعروض السلعي والنقدي، ويؤدي إلى نمو غير مرغوب في المستوى العام للأسعار.

أي أن التضخم ظاهرة تصيب المعروض النقدي بحيث تنخفض قوته الشرائية، وهذا يؤثر علينا كمستهلكين في مقدار السلع الذي نشتريه بنفس مقدار النقود، فلو كنا نشتري سيارة من نوع محدد بخمس آلاف دينار، فإننا بعد التضخم سوف نشتري ذات السيارة بثماني آلاف دينار مثلاً.

ماهي أسباب حدوث التضخم الاقتصادي

أهتم العلماء بدراسة وتفسير حالة التضخم الاقتصادي لما لها من أهمية وآثار مباشرة في المجتمعات الإنسانية، ولذلك عملوا على صياغة عدة نظريات تفسر التضخم، حيث توضح هذه النظريات أسباب حدوث التضخم من عدة جوانب.

أولاً: تضخم جدب الطلب

هذا النوع من التضخم الاقتصادي ناتج عن زيادة في الطلب الكلي عن العرض الكلي، حيث يواجه المجتمع زيادة في إقبال السكان على شراء المنتجات المعروضة بالأسواق، مع عدم قدرة المنتجين على زيادة المعروض السلعي، وهذا سوف يؤدي في الأجل القصير إلى زيادة الأسعار، واستجابة لهذه الزيادة في الأسعار ستتطالب النقابات العمالية بزيادة في الأجور لأن القيمة الحقيقية للأجور قد انخفضت، مما سيؤدي مرة أخرى إلى زيادة الطلب وسوف ينتج عنها زيادة في الأسعار.

اقرأ أيضاً: 10 اسباب تؤدي بالدول إلى الركود الاقتصادي

ثانياً: تضخم جذب الكلفة

يظهر هذا النوع من التضخم نتيجة زيادة تكاليف التشغيل مثل زيادة أسعار الطاقة، أو زيادة سعر الفائدة للتمويل وهنا تظهر ميزة الاقتصاد الإسلامي وأنه أقل عرضه لهذا النوع من التضخم لأنه يحرم العائد الثابت على التمويل، حيث يجعل التمويل مشارك في تحمل المخاطرة.

عندما تزيد أسعار تكاليف الإنتاج فإن المنتج النهائي سوف يزيد سعره، بالتالي سوف ينتج زيادة في المستوى العام للأسعار، وهنا ستظهر النقابات المهنية من جديد لتطالب بحقوق  العمال و رفع الأجور ، وبما أن أجور العمال من مدخلات الإنتاج الرئيسية سيظهر أثر زيادة الأجور في أسعار المنتجات النهائية وسيرتفع المستوى العام للأسعار.

ثالثاً: تضخم دفع الربح

يعود سبب التضخم الاقتصادي في هذه النظرية إلى تحول السوق إلى البنية الإحتكارية ، وهذا سوف يعطي المنتجين القدرة على فرض يغطي متوسط التكلفة الكلية مع هامش ربح مقبول لدى المنتج، في حين المستهلك لا يملك إلا الرضا بالسعر.

والاحتكار يرفع الأسعار مرتين، مرة حين يقيد العرض فلا تنتج المصانع بأقصى طاقة لها مما يهدر جزء من الطاقة، وهذا متوسط التكلفة الكلية، ومن ناحية الاحتكار يزيد السعر لانه يعطي قوة للمحتكر في تحديد الربح الذي يريد.

رابعاً: التضخم الاقتصادي الوافد

التضخم الاقتصادي في هذه النظرية يأتي من الاقتصاديات الشريكة تجارياً، فكلما زادت الانكشاف التجاري للبلد (يقصد به الاعتماد على الاستيراد بصورة كبيرة) زاد تعرض الاقتصاد للتضخم، وتعد البلدان النامية أكثر اعتمادا على الاستيراد بالتالي تكون أكثر تعرضا للتضخم الوافد.

خامساً: التضخم الهيكلي

يكون في هذا النوع من التضخم الطلب الفعلي أكبر من الطلب اللازم لتحقيق التوظيف الكامل، فتظهر هذه الزيادة في ارتفاع المستوى العام للأسعار، حيث أن الجهاز الاقتصادي لا يتمكن من زيادة الإنتاج لأنه يعمل في أقصى حدود له.

سادساً: التضخم العالمي

يعتبر التضخم العالمي من حالات تضخم جذب الطلب، حيث أصبح التضخم ظاهرة عالمية بعد بريتون وودز، الذي جعل الدولار عملة قيادية عالمية والبنك الفيدرالي بنك مركزي عالمي يتحكم بالسيولة. حيث أن إفراط أمريكا في طباعة الدولار لتمويل حروبها أدى الى زيادة المعروض النقدر عن المعروض السلعي، مما أعطى الصلاحية لأمريكا بأن تسرق من قيمة عملات الشعوب، وتنعم وحدها بأرباح الاصدار النقدي. ويعد هذا سبباً رئيسياً في التضخم الذي يعيشه العالم الآن.

اقرأ أيضاً: كيف أصبح الدولار حجر أساس في النظام النقدي العالمي؟

آثار التضخم الاقتصادي

  1. يشوه نظام التوزيع ويقوم بإعادة توزيع عبثية للثروة، يستفيد منها المدينون والمضاربون في المضاربات المالية، مما يؤدي إلى تركيز الثروة والقضاء على الطبقة الوسطى.
  2. يحد من الادخار، لأن الأفراد سيزهدون في الإدخار لذلك سيوجه الفرد نسبة أكبر من دخله للاستهلاك.
  3. يحد من الاستثمار، حيث يعتمد الاستثمار على الادخار ، وبما أن الادخار انخفض بالتالي سوف ينخفض الاستثمار.
  4. يحد من النمو الاقتصادي، لأنه يعتمد على الطاقة الإنتاجية التي تعتمد على الاستثمار الحقيقي، مما يؤدي إلى تراجع فرص النمو الاقتصادي.
  5. يزعزع التضخم البنية الإجتماعية والإخلاقية بسبب الفساد الإداري والمالي، مما يؤدي إلى الحقد في المجتمعات.
  6. يخالف أهداف المجتمع الاقتصادي، مثل عدالة التوزيع والكفاءة والاستقرار والنمو، وهذا يؤثر سلباً على المجتمع.
  7. الإخلال في العقود الممتدة عبر الزمن، مثل البيع الآجل والقرض الحسن وبيع التقسيط، حيث سيقتصر التعامل على المعاملات الحالية مما يحرم الاقتصاد من فرص للتوسع.
  8. الحد من الصادرات بسبب ارتفاع تكاليف انتاجها، مما يضعف قدرتها على المنافسة في الاسواق العالمية.

علاج التضخم الاقتصادي

أولاً: علاج تضخم جذب الطلب، يمكن علاج تضخم جذب الطلب من خلال السياسة النقدية، من خلال رفع نسبة الاحتياطي القانوني، ورفع سعر حسم الأوراق المالية في البنوك، ورفع سعر الفائدة عند الاقتراض.

ثانياً: استخدام السياسة المالية في علاج التضخم، من خلال رفع معدلات الضرائب أو فرض ضرائب جديدة، و خفض الإنفاق الحكومي، الاقتراض من الجمهور لتقليل حجم المعروض النقدي.

ثالثاً: استخدام السياسة السعرية، مثل تثبيت أو إدارة أسعار السلع الحكومية للحد من جذب الطلب. أو تثبيت أسعار مدخلات الإنتاج الأساسية مثل الطاقة والأجور  للحد من تضخم جذب الكلفة.

رابعاً: استخدام السياسة النقدية في علاج التضخم، حيث يقوم البنك المركزي باحتكار الاصدار النقدي والتحكم في ضبطه.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي؟

فرص حدوث التضخم في اقتصاد إسلامي

يرى أتباع المذهب الاقتصادي الإسلامي أن فرصة حدوث التضخم في اقتصاد إسلامي أقل من الاقتصاديات الاخرى، فما هي مبررات وجهة النظر هذه.

  1. تحريم الربا يحد من فرص توليد النقود في المصارف التجارية، حيث ينفرد البنك المركزي في إدارة المعروض النقدي وتحقيق  بما يتناسب مع المعروض السلعي.
  2. تحريم الربا يزيل عقبة أمام الاستثمار الحقيقي مما يزيد فرص الاستثمار الحقيقي الذي يزيد بالتالي المعروض السلعي.
  3. تحريم الاحتكار فيه حماية للمجتمع من الأثار السلبية له، ويضعف قوة المحتكر، وهذا يزيد المعروض السلعي.
  4. إيجاب الزكاة يؤدي إلى تحفيز الاستثمار، حيث يسعى المستثمر للتنمية الأموال لكي يدفع الزكاة من الربح وليس من رأس المال نفسه، وهذا بدوره سيزيد المعروض السلعي.
  5. تحريم المضاربة بالنقود يحقق الاستقرار النقدي ويساعد في قيام النقود بوظائفها.

اقرأ أيضاً: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول

هل كنت عزيزي القارئ على علم بأثر التضخم الاقتصادي على ممتلكاتك،  وأن التضخم الاقتصادي يعمل على إنقاص ملكياتك، برأيك هل توافق أتباع المذهب الاقتصادي الإسلامي في أن الاقتصاد الإسلامي أقل عرضة للتضخم من الاقتصاديات الأخرى.