تعاني الدول من المشكلات الاقتصادية وقد أيقنت منذ ثلاثينيات القرن الماضي أن لها دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي، حيث بدأت باستخدام أدوات السياسة المالية للتأثير بالنشاط الاقتصادي، والعمل على تنظيم النمو الاقتصادي، وتقليل النفقات الاقتصادية بعد أن كانت الدولة محايدة اقتصادياً لا تتدخل في النشاط الاقتصادي.

ماهية السياسة المالية

هي مجموعة التدابير والإجرءات التي تستخدمها الحكومات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خلال التلاعب في مستويات الضرائب والإنفاق الحكومي. وتعتبر السياسة المالية شقيقة السياسة النقدية التي يؤثر من خلالها البنك المركزي على المعروض النقدي بهدف تحقيق أهداف معينة.

أهداف السياسة المالية

يتمثل الدور الرئيسي للسياسة المالية في دور الحكومة في استخدام الإيرادات “الضرائب” والنفقات لتحقيق أهداف محددة ويمكن إيراد الأهداف التالية:

  1. زيادة الإنتاج والإنتاجية في الاقتصاد ككل.
  2. زيادة مستوى الدخل للأفراد.
  3. تحقيق التوظيف الكامل في النشاط الاقتصادي.
  4. تحقيق الاستقرار في الأسعار، محاربة التضخم والكساد.
  5. تحسين توزيع الدخل بين الأفراد في المجتمع.

اقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي السارق الخفي

أدوات السياسة المالية

تستخدم الدولة عدد من الأدوات المالية لمواجهة المشكلات التي تتعرض لها، مثل التضخم والبطالة، حيث تقوم بتنظيم النشاط الاقتصادي من خلال هذه الأدوات:

أولاً: الضرائب

الضرائب هي اقتطاع مالي تقتطعه الدولة، بشكل اجباري من الأفراد، وتعتبر مساهمة منهم في الأعباء العامة للدولة، بعض النظر عن المنافع الخاصة التي قد تعود على الفرد بشكل شخصي، تستخدم الدولة الضريبة في تغطية النفقات العامة للدولة، وتحقيق أهداف سياسية ومالية.

تعد الضرائب من الأدوات المالية التي تستخدم في زيادة أو تقليل من الإنفاق الكلي في الاقتصاد ككل، وأهم أنواع الضرائب التي يمكن استخدامها الضرائب على الدخول والأرباح، وضرائب المبيعات، وضرائب التجارة الخارجية.

يمكن استخدام الضرائب في التأثير على المسائل التي تقع ضمن سيطرة الحكومة المباشرة، حيث تقوم الدول باستخدامها في التأثير في النشاط الاقتصادي بشكل عام، على سبيل المثال تخفيض الضرائب الشخصية سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك، وهذا سيكون له تأثير في زيادة النشاط الاقتصادي. كما أن تخفيض الضرائب على قطاع الشركات سوف يدفعها للاستثمار.

اقرأ أيضاً: دليلك المبسط لفهم الضرائب

ثانياً: الإنفاق الحكومي

يراد بالإنفاق الحكومي ما تنفقه الدولة من الإعانات والمدفوعات التحويلية والرواتب والأجور في القطاعات الحكومية، والنفقات الرأسمالية كالإنفاق على المباني والالات والمعدات، والمشاريع الحكومية والإنفاق على البنية التحتية، مثل الطرق والشبكات الصرف الصحي وغير ذلك.

تقوم الدولة في حالات الانكماش الاقتصادي بزيادة الإنفاق الحكومي مما يؤدي إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، في حين تلجأ الدول إلى تخفيض الإنفاق الحكومي وفرض الرسوم مما يؤدي إلى تقليل المعروض النقدي ويحد من أثر التضخم الاقتصادي.

ثالثاً: إدارة وتنظيم الدين العام

تلجأ الدول في بعض الحالات إلى زيادة الإنفاق الحكومي بمقدار يفوق ما تحصل عليه من إيرادات عن طريق الضرائب، ينتج عن ذلك عادة زيادة عجز الموازنة الحكومية، مما يضطرها إلى الاقتراض عن طريق إصدار أشكال مختلفة من السندات الحكومية وأذونات الخزانة بهدف زيادة الانفاق الكلي، يطلق على هذه الأسلوب في إدارة الأدوات المالية “السياسة المالية التوسعية”، وتلجأ له الدولة في حالات الكساد والتدهور الاقتصادي.

في حالة التضخم الاقتصادي سوف تسعى الدولة إلى تحقيق فائض في الموازنة العامة وتقليل الانفاق الحكومي، وزيادة الضرائب، بهدف تقليل الفجوة التضخمية، ويطلق على هذا الأسلوب “السياسة المالية الانكماشية”.

اقرأ أيضاً: 4 معلومات جوهرية عن معدل البطالة

السياسة المالية والدورة الاقتصادية

تستخدم الدول توليفه من التدابير المالية لمواجهة المشاكل الاقتصادية كالتضخم والانكماش الاقتصادي، بحيث تعمل على توجيه النشاط الاقتصادي الوجهة المرغوبة.

السياسة المالية في الانكماش الاقتصادي

تسعى الدولة لإيجاد التوازن ما بين معدلات الضرائب والإنفاق الحكومي. على سبيل المثال، تحفيز الاقتصاد الراكد من خلال تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي  سيؤدي إلى زيادة مخاطر التضخم، لأن الزيادة في كمية المال في الاقتصاد “عرض النقود” ، سوف تليها زيادة في الطلب الاستهلاكي، ويمكن أن يؤدي هذا إلى انخفاض في قيمة المال أي حدوث تضخم اقتصادي.

من ناحية أخرى لنفترض أن الاقتصاد بدأ بالتباطؤ سوف ترتفع مستويات البطالة، ومن ثم ينخفض إنفاق المستهلكين، مما يعني انخفاض أرباح الشركات الكبيرة، وهنا قد تقرر الحكومة توجيه السياسة المالية  عن طريق خفض الضرائب، وهذا يمنح المستهلكين المزيد القدرة على الإنفاق في نفس الوقت قيام الحكومة بزيادة الإنفاق العام في شكل شراء الخدمات من السوق مثل بناء الطرق أو المدارس. من خلال شراء الخدمات من الأفراد تخلق الحكومة وظائف وأجورًا جديدة ويتم ضخها في الاقتصاد. في هذه الأثناء ستنخفض مستويات البطالة الإجمالية.

السياسة المالية في التضخم الاقتصادي

عندما يعاني الاقتصاد من مستويات عالية من التضخم، قد يحتاج إلى كبح هذا التسارع. في مثل هذه الحالة ستعمد الحكومة إلى استخدام السياسة المالية من خلال زيادة الضرائب لامتصاص النقود من الاقتصاد. كما قد تعمل على تخفيض الانفاق الحكومي لتقليل النقد المتداول أيضاً. قد يترتب على ذلك آثار سلبية في المدى الطويل مثل الانكماش الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة. لذلك لابد للدولة من الاستمرار في عقد الموازنات لضبط مستويات الإنفاق والضرائب، بهدف إنهاء الدورات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: 10 اسباب تؤدي بالدول إلى الركود الاقتصادي

زيادة المال في الاقتصاد وقلة الضرائب سيزيدان من طلب المستهلكين على السلع والخدمات، وهذا سيقوم بدوره بإعادة إحياء الأعمال ويحول الدورة الاقتصادية من حالة الركود إلى الرواج الاقتصادي.

لكن إن لم يكن هناك إدارة كفوءة للسياسة المالية، فإن الزيادة في الإنتاجية الاقتصادية قد تتجاوز ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتؤدي إلى زيادة المعروض النقدي في السوق. مما يؤدي إلى انخفاض قيمة المال مع رفع الأسعار مع الاستمرار في زيادة الطلب الاستهلاكي. وبالتالي ، سوف يتجاوز التضخم المستوى المعقول وتفشل في السيطرة عليه.

لذلك فإن ضبط الاقتصاد من خلال السياسة المالية وحدها قد يكون مهمة صعبة، إن لم تكن غير متوقعة النجاح، في الوصول إلى الأهداف الاقتصادية المنشودة.

اقرأ أيضا: الدورات الاقتصادية ، كيف تحدث الأزمات الاقتصادية؟

بالتالي فالدولة يمكنها من خلال أدوات السياسة المالية تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال تعويض أي عجز في الموازنة العامة، كما تمكنها من مواجهة المشكلات الاقتصادية وتحقيق التوظيف الكامل، فأي خلل في النشاط الاقتصادي يمكن للدولة أن تعيده إلى المستوى المرغوب من خلال أدوات السياسة المالية، إلا أنها لا يمكنها لوحدها تحقيق هذه الأهداف، فلابد من التنسيق بينها وبين السياسات الأخرى.

ما الفرق بين السياسة النقدية والسياسة المالية ؟

السياسة المالية : تستخدم الضرائب والإنفاق الحكومي، وتدار من قبل الإدارة حكومية؛ في حين تستخدم السياسة النقدية عرض النقود وأسعار الفائدة وتدار من قبل البنك المركزي للدولة. تؤثر كل من السياسات المالية والنقدية على الأداء الاقتصادي للبلد ككل، وغالبا ما يستخدمان معاً.