تعتبر قضية العدالة التوزيعية عنصر جوهري في الأنظمة الاقتصادية، وهو من الأهداف الاقتصادية التي تسعى المجتمعات لتحقيقها، حيث يعتمد النمو الاقتصادي ونجاح الفعالية الاقتصادية على العدالة التوزيعية لما لها من تفرعات وآثار في الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية في عموم المجتمع، ويؤدي أهمال مسألة العدالة التوزيعية إلى تعطيل الفعالية الاقتصادية وتعطيل التنمية.

اختلفت وجهات نظر الأنظمة الاقتصادية في عملية توزيع الدخل، واختلفوا نظراً لاختلاف الأسس الفكرية والاعتقادية والنظرية التي يستند لها كل نظام من الأنظمة الاقتصادية الثلاث، سواء الاقتصاد الإسلامي أو النظام الاقتصادي الرأسمالي وكذلك النظام الاقتصادي الاشتراكي.

في هذا المقال سنعرض للكيفية التي اعتمدتها النظم الاقتصادية في تحقيق العدالة التوزيعية.

علاقة العدالة التوزيعية بالدخل القومي

الأنظمة الاقتصادية

الأنظمة الاقتصادية

أهتم الاقتصاديون والسياسيون بالدخل القومي والعدالة التوزيعية، حيث أن الدخل القومي يعد مؤشراً عاماً لقدرة الاقتصاد التشغيلية والإنتاجية، كما أنه انعكاس لمستوى الرفاهية للفرد والمجتمع عند الحديث عن توزيع الدخل على أفراد المجتمع، لذلك فالدخل القومي مؤشر رئيسي لقوة الدولة الاقتصادية.

مفهوم توزيع الدخل

يعكس أسلوب التوزيع في كل نظام اقتصادي آلية عمل النظام وطبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين عناصر الانتاج.

المقصود بتوزيع الدخل القومي الطريقة التي يعتمدها النظام الاقتصادي في تحديد حصة كل عنصر من عناصر الإنتاج بناءً على مقدار مساهمته في العملية الإنتاجية.

يمكن معرفة متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي من خلال حساب مجموع الدخل القومي من إنتاج السلع والخدمات مقسوماً على عدد السكان، فكلما قل عدد السكان زاد نصيب الفرد من الدخل القومي، ينال موضوع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي أهمية خاصة لأنه يعكس القوة الشرائية للفرد في حال ثبات معدل التضخم، لكن يجب الإشارة أن متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي وحده لا يدل على الحالة الاقتصادية للأفراد في المجتمع إلا إذا ارتبط بالقوة الشرائية للنقود. ومن ناحية أخرى يجب أن يرتبط بالعدالة التوزيعية للدخل والثروة، حيث يشير الاقتصادي الإيطالي باريتو إلى أن 20% من السكان في إيطاليا يمتلكون 80%.

اقرأ أيضاً: ما هي أهداف المجتمع الاقتصادي

والآن لنرى كيف عالجت النظم الاقتصادية المختلفة مسألة توزيع الدخل:

أولاً: الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية

يرى أتباع الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية أن التفاوت في الدخل مسألة طبيعية ومقبولة، بل يرى البعض أن التفاوت في الدخول مطلوب في حلبة التنافس العالمي وشرطاً ضرورياً من شروط التنافس.

تعالج مسألة توزيع الدخل عملية توزيع الناتج الكلي على عناصر الإنتاج التي شاركت فيه، والتي تنقسم إلى أجور وأرباح والريع والفائدة، حيث يقسم الدخل على الأفراد بناءً على مساهمة كل عنصر في العملية الإنتاجية دون النظر لحال هذا الأفراد الذين يكونون هذا العنصر.

اقرأ أيضاً: تعرّف على الرأسمالية في 3 نقاط فقط

مبادئ التوزيع في النظام الرأسمالي

يتم توزيع الدخل في هذا النظام بناءً على ميزة “الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج”، حيث توزع الدخول على المنتجين المباشرين ممن أسهموا بالعملية الإنتاجية، حيث يقسم الدخل القومي كما يلي:

  1. العمال ممن أسهموا بعملهم في الإنتاج يستحقون الأجر.
  2. ملاك الأراضي يستحقون الريع، ويقصد به العائد على تأجير الأرض أو العقار عموماً.
  3. أصحاب رؤوس الأموال النقدية ونصيبهم الفائدة، ويقصد بها الزيادة المشروطة والمضمونة على رأس المال.
  4. المنظمون وهم من يمزجون عناصر الإنتاج ويشرفون عليها ويتحملون المخاطرة ونصيبهم الربح.

ويلاحظ أن النظام الاقتصادي الرأسمالي قام بتوزيع الدخل القومي على أساس وظيفي كل بحسب مشاركته في العملية الإنتاجية دون النظر لتحقيق العدالة التوزيعية.

ثانياً: النظام الاقتصادي الاشتراكي

تعمل الإشتراكية على تعبئة موارد المجتمع وطاقاته الإنتاجية وتسخيرها لخدمة مصالح الجماعة، ويرى أتباع الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية أن توزيع الثروة يكون لصالح مالكي عناصر الانتاج، وبما أن مالك عناصر الإنتاج هو المجتمع لذلك عملية توزيع الثروة يجب أن تكون لصالح المجتمع ككل وليس لصالح طبقة معينة، ويجب أن يكون التوزيع لعوائد الإنتاج عادلاً بما يتفق مع الجهد الذي ساهمت به كل وحدة من وحدات عناصر الإنتاج، بحيث تذوب الفوارق بين الطبقات وتتقارب الدخول.

وهذا ينسجم مع الفكر الاشتراكي الذي يقوم على أساس الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج وينطلق من فكرة “من كل بحسب طاقته ولكل حسب عمله” حيث بكون العمل وحده هو أساس التوزيع ولذلك سيحصل المنتجون المباشرون “العمال” على كل العوائد.

يقول الاشتراكيون:

“أن الملكية الخاصة وسوء توزيع الثروة هما السبب في البؤس والحرمان الذي تعيشه بعض فئات المجتمع”

فيما يخص العدالة التوزيعية يرى الاشتراكيون إن المساواة بين الناس وتطور مهاراتهم الجسمية والعقلية، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، لا يمكن أن تتحقق ما دامت الملكية الخاصة قائمة، وما دامت الثروة التي يساهم في إنتاجها الأكثرية تقع في أيدي الأقلية.

اقرأ أيضاً: 6 معلومات أساسية عن الاشتراكية

ثالثاً: النظام الاقتصادي الإسلامي

تميز النظام الاقتصادي الإسلامي في سعيه لتحقيق العدالة التوزيعية بنظام توزيعي مختلف عن النظم الأخرى، حيث ينقسم النظام التوزيعي في الإسلام إلى ثلاث مراحل:

  1. مرحلة التوزيع الابتدائي
  2. ومرحلة التوزيع الوظيفي
  3. ومرحلة إعادة التوزيع

1- مراحل توزيع الدخل

أولاً: مرحلة التوزيع الابتدائي

يبحث التوزيع الابتدائي في الأسباب المنشئة للملكية الفردية، وقد شرع الاقتصاد الإسلامي مجموعة من الأحكام والضوابط التي تضبط هذه العملية، من أمثلة ذلك شرّع العمل كسبب من أسباب إنشاء الملكية، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ”، وهذا يعني أن الأرض غير المزروعة وتحتاج إلى استصلاح لو جاء شخص وقام باستصلاحها وزراعتها تصبح ملكاً له، ثم جاء وربط استمرار الملكية باستمرار العمل فيها، حيث يقول النبي صلى الله عليه السلام: “ولَيسَ لِمُحتَجِرٍ حَق بَعدَ ثَلاث سِنين”.

قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ”
“ولَيسَ لِمُحتَجِرٍ حَق بَعدَ ثَلاث سِنين”

كما جعل هناك مجموعة من الموارد لا تصح ملكيتها ملكية خاصة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الناس شُركاءُ في ثلاثٍ ، في الكَلَإِ ، والماءِ ، والنَّارِ”.كما أن الأنظمة الاقتصادية الإسلامية منعت كل طرق الاستيلاء على المال بطرق غير مشروعة تستند إلى القوة والجاه مثل وضع اليد على الأرض.

اقرأ أيضاً: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

ثانياً: مرحلة التوزيع الوظيفي

يستند التوزيع الوظيفي إلى العناصر المشاركة في العملية الإنتاجية، وعناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي يشمل العمل والأرض ورأس المال.

  • العمل

ينقسم العمل في الاقتصاد الإسلامي العمل الأجير والعمل المضارب أو العمل المخاطر، والعمل الأجير هو الذي يقدم مهارته ويستحق أجر معلوم مضمون مقابل ما قدمه من جهد.

وإما أن يكون عمل مضارب، حيث يدخل العامل في المشروع ضمن عقد مضاربة حيث يقدم رأس المال من جهة والعمل من جهة أخرى، والخسارة تكون على كل طرف مما قدم، والربح بحسب الاتفاق بينهما.

والعمل المخاطر وهو الذي يقابل عنصر التنظيم في الاقتصاد الرأسمالي حيث يتحمل العامل كامل المخاطرة ويستحق كامل الربح.

  • الأرض

يمكن أن تشارك الأرض في الاقتصاد الإسلامي من خلال عقود عدة مثل عقد المزارعة حيث تقدم الأرض من جهة والعمل على رزاعتها من جهة أخرى ويكون الناتج بينهما بحسب الاتفاق.
والمساقاة ويقصد بها تقديم الأرض المشجرة من جهة والعمل على العناية بالأشجار من تقليم وسقاية ومتابعة من جهة أخرى ويكون الناتج بينهم بحسب الاتفاق.

  • رأس المال

تختلف مكافأة رأس المال في الاقتصاد الإسلامي عن النظام الرأسمالي الذي يمنحه الفائدة، في الاقتصاد الإسلامي الفائدة محرمة حيث لا يعطى رأس المال عائد مضمون كنسبة من رأس المال، حيث يرتبط عائد رأس المال في الاقتصاد الإسلامي بنتيجة النشاط الاقتصادي ويتحمل المخاطرة، حيث يستحق نسبة شائعة من الربح المتوقع تحققه، وفي حال حدوث الخسارة فإن رأس المال سوف يتحمل الخسارة.

اقرأ أيضاً: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا

ثالثاً: مرحلة إعادة التوزيع

تتجلى العدالة التوزيعية في مرحلة إعادة التوزيع، ويقصد بإعادة توزيع الدخل عملية تأتي بعد عملية التوزيع بحسب أسس غير وظيفية، حيث يتم تمليك بعض الأفراد جزء من ناتج العملية الإنتاجية على الرغم من عدم مشاركتهم فيها.

تحقيق العدالة التوزيعية في هذه المرحلة يتم في اقتصاد إسلامي من خلال آلية الزكاة وهي فريضة مالية دورية تجب في مال المسلم، وهي آلية تعيد توزيع الدخل على أساس الحاجة تتم بشكل سنوي، من خلال نقل المال من فئات الفائض إلى فئات العجز.

وفي النهاية نلاحظ أن الأنظمة الاقتصادية حاولت تحقيق العدالة التوزيعية كل من وجهة، برأيك أي النظم الاقتصادية حققت العدالة أكثر؟

ما المقصود بالتوزيع الوظيفي للدخل ؟
ما المقصود بإعادة توزيع الدخل ؟
كيف حقق الإسلام العدالة التوزيعية ؟