جميعنا قد يعاني من الفوضى المالية في وقت من أوقات حياته، فقد نواجه أزمات مالية وأوقات صعبة تؤدي بنا إلى هذا الحال، بعضنا يلقي اللوم على الظروف الخارجية والاقتصاد الكلي، لكن تذكر دائما أن هناك ما يمكنك فعله لتحسين وضعك المالي في جميع الحالات.
لابد أن تكون حذرًا عندما يتعلق الأمر بحياتك المالية، وإلا فقد تسير ببطئ نحو طريق مليئ بالفوضى دون أن تدرك، لذلك سنتحدث في هذا المقال عن ما هية الفوضى المالية، وأهم العلامات التي تدل على أنك تعيشها، وماهي الطرق التي يمكنك اتباعها كي تنقذ نفسك منها.
اقرأ أيضًا: 16 خطوة لبناء الوعي المالي.
ماهي الفوضى المالية؟
يقصد بالفوضى المالية أنها حالة من عدم الإدراك للوضع المالي الشخصي في جوانبه المتعددة، من حيث الدخل والالتزامات وتنظيم الأولويات المالية.
قد تشاهد حالات الفوضى المالية يعيشها من حولك من الأصدقاء والأقارب، قد ترى البعض دائما بحاجة لاقتراض المال، ومنهم من هو من يؤجل الدفعات بشكل مستمر، والبعض يعيش في حالة قلق مستمر حول قدرته على الوفاء بنفقات أسرته.
هذا كله ينتج بشكل أساسي عن عدم الاهتمام بالتربية المالية، على الرغم من اهتمام الأهل بجوانب التربية الخلقية والبدنية والدراسية، إلا أن هناك إغفال واضح لتزويد الأبناء بمهارات التعامل مع المال.
إذا كنت لا تعلم مقدار دخلك الشهري الإجمالي، والتزاماتك الشهرية، ولا تعرف كيف تحدد أولوياتك المالية ولا تعد ميزانية شهرية لأسرتك، إذا كنت لا تخطط لنفقاتك المستقبلية، وليس لديك خطة للخروج من الديون، فمن المحتمل أنك ستكون صيدًا سهلًا للفوضى المالية.
اقرأ أيضاً: أشهر 6 أخطاء مالية نقع بها
علامات تدل على أنك تعيش حالة الفوضى المالية.
بغض النظر عن الظروف التي تعيشها الآن، لابد أن هناك سبيل للخروج من الفوضى المالية وتخفيف الضغط الذي تعيشه، الخطوة الأهم في ذلك أن تعترف بوقوعك في هذه المشكلة، في ما يلي علامات تدل على أنك في حالة من الفوضى المالية:
أولًا: الفوضى في التعامل مع الفواتير والمدفوعات.
كل شهر يحمل معه مجموعة من الفواتير والإلتزامات المالية، كيف تتعامل معها وتنظم دفعها، هل أنت من النوع الذي يراكم الفواتير ولا تدفعها إلا بعد بدأ الغرامات أو التهديد بقطع الخدمة، هل تتهرب من الدفع وتؤجله لأكبر وقت ممكن!.
قد تعتقد أن تأخير بعض الفواتير أو الإلتزامات سيتيح لك مقدار أكبر من المال في هذا الشهر، أو قد لا تكون قادر على دفعها كلها أو على الأقل جزء منها، إلا أن ذلك سيجعلك مثقلًا بالإلتزامات المالية لفترات سابقة وقد يترتب على ذلك غرامات تأخير أو فصل بعض الخدمات وتضطر لدفع رسوم التوصيل، ستعيش حالة من الفوضى المالية التي لا تنتهي.
كل ذلك بالإضافة للضغط النفسي والحالة السيئة التي ستعيشها نتيجة لذلك، دائما ستشعر بأنك منهك ماليًا، وغير قادر على الادخار أو على الأقل أن تعيش بدون ديون.
الحل: حان الوقت لتحسين مهاراتك التنظيمية أو على الأقل تحسين المهارات المالية، في البداية لابد أن تعلم أن كل شهر يأتي بالالتزامات والدخل الخاص به، لذلك فإن ترحيل فواتير والتزامات شهر للشهر الذي يليه يعني تدمير ميزانية الشهر القادم.
- الفكرة الأهم الواجب العمل بها أن جميع الإلتزامات الشهرية لابد أن تدفع في نفس الشهر، لذلك لا تقوم بتأجيل أي إلتزام أو فاتورة للشهر القادم، على الرغم من بساطة هذه الفكرة كان لابد من التذكير بها لأهميتها.
- لابد من تعقب فواتيرك الشهرية، جزء مهم من حل المشكلة أن يكون لديك وعي بالفواتير والالتزامات الشهرية الواجبة عليك، احتفظ بمواعيد الالتزامات والفواتير الخاصة بك على الهاتف، وقم بتفعيل التنبيه قبل بأيام من موعد الدفع النهائي.
- احتفظ بجميع الفواتير وقائمة بالإلتزامات المالية في مكان واحد، حتى يسهل الرجوع لها عند موعد الدفع.
- حدد مصدر الدخل الذي ستغطي منه الفواتير، على سبيل المثال فاتورة الكهرباء والماء ستغطيها من الراتب الشهري، أقساط المدارس ستغطيها من إيجار عقار مؤجر لديك وهكذا، هذه القاعدة ستكون بداية لتنظيم التزامتك وتغطيتها، أهم شيء أن تلتزم ولا تغير الخطة عندما تمسك الأموال بين يديك.
اقرأ أيضًا: إدارة الديون | كيف اتجنب الوقوع في فخ الديون ؟
ثانيًا: الاستخدام الخاطئ أو المفرط للبطاقات الائتمانية.
هل تستخدم البطاقة الائتمانية بشكل متكرر؟ كم عدد بطاقات الائتمان التي تستخدمها؟ هل تسدد قروض البطاقة الائتمانية في الموعد المحدد أم تتأخر وتضطر لدفع الفوائد الربوية؟
القاعدة الأساسية في الإدارة المالية أن تنفق أقل مما تكسب من الدخل، لذلك لابد من تحديد أولوياتك بوضوح، لذلك لا يجب اللجوء إلى الديون حتى لو كان اللجوء إلى بطاقات الائتمان هو الحل الأسهل.
تذكر أن الديون ستأكل من دخلك المستقبلي، كما أنها حاجز أمام أي محاولة للادخار لأنك مشغول في سداد الديون، أضف إلى ذلك أن الشراء من خلال بطاقات الائتمان يقلل من ألم الدفع، مما يجعل قابليتك أكبر لشراء منتجات ترفيهية قد لا تحتملها ميزانيتك.
الحل: يمكنك التحكم في التعامل مع البطاقات من خلال النصائح التالية:
يعتبر الدفع نقدًا أفضل من الدفع باستخدام البطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والدفع عبر الهاتف، لأن الدفع نقدًا سيشعرك بالتحكم في عملية الدفع، اندفاعك للشراء سيكون أقل لأنك في نهاية عملية التسوق سترى أموالك التي تعبت في الحصول عليها تخرج دون عودة، لذلك النصيحة الأولى أن تدفع نقدًا قدر الإمكان.
لكن قد يرى البعض أن الدفع من خلال بطاقة الائتمان يمنحك بعض الخصومات والنقاط التي يمكن الاستفادة منها في عمليات الشراء، هذا صحيح ولا يمكن إنكار ذلك، يمكنك استخدام البطاقة للحصول على بعض الخصومات، لكن حتى تتجنب الدخول في الفوضى المالية نتيجة استخدامها لابد أن تحدد الأشياء التي تشتريها باستخدام البطاقة، مثلًا ضع قاعدة لنفسك أن تشتري فقط الضروريات من خلال البطاقة، مثل حاجات المنزل الشهرية، وفواتير الماء والكهرباء والاتصالات وغير ذلك من الضروريات، ويمنع منعًا تامًا شراء الكماليات من خلال بطاقة الائتمان.
النصيحة الاخيرة والأهم في حال استخدام بطاقة الائتمان لابد من التسديد في الموعد المحدد لتجنب دفع الفوائد الربوية أو غرامات التأخير.
لكن في حال عدم قدرتك على ضبط التعامل مع البطاقات اقطع استخدام هذه البطاقات تمامًا، وتأكد أن سلامتك من الديون وعدم دفع الفوائد الربوية، أكبر فائدة من أي خصومات سوف تحصل عليها.
اقرأ أيضًا: ألم الدفع: كيف تؤثر طريقة الدفع على عادات الإنفاق.
ثالثًا: التسوق القهري!
كما تعلم عزيزي القارئ أن المراكز والأسواق التجارية جميعها مصممة بطريقة تجعلك تقضي وقت أطول فيها، ولجذب انتباهك لأكبر قدر من المنتجات، هل تذهب لهذه الأماكن للتنزه والترفيه ثم تعود وقد اشتريت مجموعة من الأشياء، أو تقضي وقت فراغك في تصفح المتاجر الإلكترونية التي تلح عليك بالشراء في كل لحظة.
إذا كنت تقوم بذلك ثم تقوم بعمليات الشراء فقط لرغبتك في الشراء وليس لحاجة حقيقية، غالبًا أنك تقع ضحية للتسوق القهري، الذي يعد من أهم مسببات الفوضى المالية.
التسوق القهري هو الاندفاع نحو الشراء بصورة رغبة لا يمكن السيطرة عليها، قد يؤدي ذلك بالفرد لإدمان عملية التسوق والشراء بشكل متكرر، مع عدم وجود حاجة حقيقية لشراءها.
يصنف التسوق القهري طبيًا كاضطراب نفسي ضمن اضطرابات السيطرة على الدوافع، حيث يقوم المتسوق بالتسوق للشعور بالسعادة والرفاهية، يشبه في ذلك مدمن الكحول الذي يبدأ بمستوى غير إدماني ثم يفقد السيطرة على الكميات التي يستهلكها.
تشير بعض الدراسات إلى أن 5% من السكان البالغين خاصة الإناث في الدول المتقدمة يعانون من التسوق القهري.
الحل: يمكنك تقليل الفوضى المالية في حياتك من خلال السيطرة على الرغبة الملحة بالتسوق، يمكنك إتباع النصائح التالية:
- تتبع عمليات الإنفاق الخاصة بك، يعد تتبع الإنفاق من أهم طرق ضبط الشراء، لأنك ستكتب بيدك وترى أمام عينيك عمليات الشراء غير الضرورية التي قمت بها، مع الأيام سيزداد وعيك حول نمط الإنفاق الخاص بك وتقوم بتحسينه.
- لا تعامل المراكز التجارية والأسواق كمكان للترفيه، ابحث عن أماكن للترفيه خالية من المحلات مثل المدن الرياضية.
- احذف تطبيقات التسوق الإلكتروني من هاتفك، العديد من عمليات الشراء تتم نتيجة تصفحنا المستمر لتطبيقات التسوق، عدا عن الإشعارات التي ترسلها في كل لحظة لمشاهدة الخصومات أو إتمام عملية الشراء.
اقرأ أيضًا: تأثير ديدرو | لماذا نشتري ما لا نحتاج؟
رابعًا: عدم وجود صندوق ادخار للطوارئ.
تخيل أنك فقدت وظيفتك بشكل مفاجئ، أو تعرضت سيارتك أو منزلك لاضرار كبيرة، كيف ستواجه هذه الحالة الطارئة، هل لديك مدخرات لمواجهة مثل هذه الحالات، أم أنك ستلجأ للاقتراض!
الظروف الطارئة غير المخطط لها تعتبر من أهم أسباب الدخول في الفوضى المالية، فقد يكون لديك قدر من السيطرة على حياتك المالية إلا أن ظهور حادث مفاجئ يقلب جميع هذه الموازين، ويدخلك في حالة من الفوضى قد يصعب الخروج منها وتمتد لفترة طويلة.
الحل: كي لا تقع ضحية الفوضى المالية نتيجة الظروف الطارئة، ستحتاج إلى بناء صندوق ادخار للطوارئ.
يقصد بصندوق الادخار للطوارئ أن تقوم بتجنيب نسبة من الدخل بشكل شهري، بحيث تخصص هذه الأموال لحالات طارئة غير اعتيادية وغير مخطط لها، مثل فقدان الوظيفة، أو إصلاحات غير مخطط لها في السيارة أو حالة طبية غير مغطاه بالتأمين الصحي، وغيرها من الحالات التي ولا تستخدم هذا المال في الرحلات ولا تغطية نفقات المناسبات الإجتماعية ولا تحديث الهاتف.
يفترض أن يغطي صندوق الادخار للطوارئ النفقات الضرورية لمدة تتراوح ما بين ثلاث إلى ستة أشهر، حسب طبيعة استقرار العمل، فإذا كان عمل حر الأفضل أن يغطي ستة أشهر على الأقل، لكن إن كان عملًا أكثر استقرارًا يمكن الاكتفاء فقط بالنفقات الضرورية لثلاث أشهر.
يمكن تحديد حساب بنكي خاص كصندوق ادخار للطوارئ، وتقوم بتحويل تلقائي للمبلغ المالي بشكل شهري لهذا الحساب، ويكون غير متاح للاستخدامات الروتينية ولا يسمح بالسحب منه من خلال الصراف الآلي.
اقرأ أيضًا: 6 خطوات لبناء صندوق مدخرات الطوارئ من الصفر.
خامسًا: عدم وجود ميزانية شهرية.
تعد الميزانية الشهرية من أهم الأدوات الشخصية التي تحميك من الفوضى المالية، هل تعرف مقدار الدخل الشهري الذي تحصل عليه؟ هل تعرف مقدار الالتزامات ومصاريف الشهرية التي تتحملها؟ كم تبلغ مصاريفك الضرورية شهريًا؟ كم مقدار الديون التي تتحملها الآن في حال وجود ديون؟ ماهي خطتك لسداد الديون؟
تعد معرفة الإجابات لهذه الأسئلة من أهم الدلائل على استقرارك المالي، فإن عدم معرفتها يدل على حالة الفوضى المالية التي تعيشها.
إذا كنت من الأشخاص الذين يضعون راتبهم في المحفظة ثم يبدأون بالإنفاق منه حسب الحاجة الآنية، فهذا يعد جريمة صارخة ترتكبها في حق حريتك المالية!
الحل: إذا لم تقم بإعداد ميزانية حتى الآن فهذه اللحظة هي الأنسب للقيام بذلك، سوف تساعدك الميزانية في التخلص من الفوضى المالية في حياتك.
الخطوة الأولى أن تعد قائمة بالنفقات والالتزامات الشهرية المتوقعة، فرِّق في هذه القائمة ما بين النفقات الثابتة التي لا يمكنك الاستغناء عنها مثل إيجار البيت، وأقساط المدرسة، مخصصات المواصلات وغيرها، والنفقات المتغيرة التي يمكن الإقتصاد بها أو تقليلها.
الخطوة الثانية أن تقوم بحساب الدخل المتوقع من المصادر المختلفة، مثل الراتب الشهري، والدخل من عقار مؤجر، أو الأرباح الموزعة من الاستثمار وغيرها، إذا كان دخلك غير منتظم اعتمد متوسط الدخل الذي تحصله عادةً.
الخطوة الثالثة الموازنة ما بين الدخل والنفقات، لابد أن يكون دخلك أكبر من نفقاتك، وفي أسوأ الحالات أن يكون دخلك مساوي لنفقاتك. في حال كان النفقات أكبر من الدخل، لابد من إعادة النظر في نفقاتك مرة أخرى.
تذكر قائمة الالتزامات والنفقات الشهرية التي قمت بإعدادها في الخطوة الأولى، قم بتأملها جيدًا وحدد بنود الإنفاق الممكن تقليصها أو إلغاءها كليًا. إلى أن تصل على الأقل لحالة من التساوي ما بين الدخل والنفقات مبدئيًا، على أن تبدأ بالتخطيط في إنشاء صندوق ادخار للطوارئ في أقرب وقت.
اقرأ أيضًا: خطوات إعداد ميزانية البيت.
نصائح للتخلص من الفوضى المالية.
بعد أن أوضحنا بعض المظاهر التي تدل على الفوضى المالية في الحياة، اقدم لك بعض النصائح السريعة التي تساعدك في أن تعيش حياة أكثر استقرارًا ماليًا:
- لا تبدأ ديون جديدة: من أهم ما يحميك من الفوضى المالية أن تكون خاليًا من الديون، سواء كانت تتحمل بعض الديون أم لا فلا تبدأ ديون جديدة، وإن اضطررت للاقتراض حدد المصدر الذي سيتم تسديد المبلغ منه وتاريخ السداد قبل الاقتراض.
- حدد أولوياتك: لا تجعل عملية الإنفاق عفوية، حدد الضروريات والكماليات، وحدد الميزانية المخصصة لكل بند، هذه العملية ستحميك من الإنفاق الاندفاعي العاطفي.
- تعدد مصادر الدخل: في الظروف الحالية لا يمكن الإعتماد على مصدر دخل واحد فقط، لأن ذلك ينطوي على مخاطرة كبيرة في حال فقد العمل، لذلك لابد من السعي لتعدد مصادر الدخل، يمكنك تقديم الخدمات على الإنترنت، أو البدء في عمل مستقل بجانب وظيفتك الأساسية، أو العمل بدوام جزئي.
- ابدأ في الاستثمار: يمكنك البدأ من خلال تخصيص مبلغ من أموالك مهما كان صغيرًا، قم بالادخار في حساب استثماري، ثم ابدأ ببناء محفظتك الاستثمارية وتطوير مهاراتك حول التعامل معها، الاستثمار هو ما يضاعف مدخراتك على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: كيف يكون الادخار المالي أسلوب حياة
في النهاية عزيزي القارئ الجميل لا تترك حياتك المالية تسير دون مراقبة أو تحليل ومراجعة دائمة، نحن بطبيعتنا ننجرف وراء الخيارات السهلة التي لا تحتاج التخطيط والمتابعة والمراجعة، وهذا يسهّل وقوعنا في الفوضى المالية.
تذكر أن حياتك هي انعكاس لمجموع القرارات التي تتخذها كل يوم مهما كانت صغيرة، شاركنا بعض النصائح التي تعتقد أنها تساعد في أن نعيش حياة أكثر استقرارًا ماليًا.