استكمالًا لما بدأناه من سلسلة الزكاة في الإسلام، نتناول في هذا المقال زكاة الزروع والثمار, وقد تناولنا سابقًا زكاة النقود وزكاة عروض التجارة وزكاة الأسهم.
اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام
ما المقصود بزكاة الزروع والثمار
الزروع والثمار من نعم الله تعالى علينا الواجب شكرها باخراج حق الفقير منها، وبقصد بهما الخارج من الأرض، فالزروع كل ما ينبت من الأرض عن طريق البذر بهدف استغلال الأرض واستثمارها ولذلك يطلق عليها كذلك الحبوب مثل القمح، والشعير، والأرز، والذرة، وكل ما يقتات ويدخر مثل التمر والزبيب. أما الثمار فيقصد بها ما يؤكل من حمل الأشجار عمومًا سواء لها ساق مثل التمر والتفاح أو ليس لها ساق مثل البطيخ.
والزروع والثمار من نعم الله تعالى الواجب على الإنسان شكرها وذلك باخراج حق الفقير فيها، وقد وردت الأدلة الشرعية في إثبات وجود أخراج الزكاة من الزروع والثمار، يقول الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام | 141.
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) البقرة |267.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم عن زكاة الزروع والثمار: (فيما سقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ العشرُ، وفيما سقتِ السانِيَةُ نصفُ العُشْرِ)، السواني: جمع سانية، وهي الدواب مثل الإبل أو البقر أو الحمير التي يستخرج الماء بها بواسطة الدلاء الكبيرة، وقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الزروع والثمار سواء العشر أو نصف العشر بحسب طريقة السقاية.
اقرأ أيضًا: تعرّف على 8 مسائل عن زكاة المال في الإسلام
الزروع والثمار الواجب فيها الزكاة
اختلف الفقهاء القدماء والمعاصرين حول الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة، وجاء في ذلك عدة أقوال:
- ذهب بعض الفقهاء إلى حصرها في أربعة أصناف وهي القمح والشعير من الزروع، والتمر والزبيب من الثمار.
- وذهب البعض إلى وجوبها في كل ما يقتات (أي يعيش به البدن ولا يؤكل تنعمًا) ويدخر (أي ييبس ويمكن حفظه لمدة طويلة).
- ذهب البعض إلى وجوبها في كل ما ييبس ويبقى ويكال.
- ذهب الحنفية إلى وجوبها في كل ما يستنبت من الأرض ويقصد به استنماؤها، وهو ما اختارته ندوة قضايا الزكاة المعاصرة في دورتها الثامنة.
اقرأ أيضًا: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي
نصاب زكاة الزروع والثمار
يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تبلغ نصابًا، ونصابها خمسة أوسق وهذا ما اتفق عليه جكهور الفقهاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلَّم: (ليس فيما دون خَمسِ أوسُقٍ صَدقةٌ).
ويقدر الوسق بستين صاع نبوي بإجماع العلماء، بذلك يكون النصاب ثلاثمئة صاع، لكن اختلف اعلماء المعاصرون في تقدير الصاع النبوي، وقدرته ندوة البركة بأنه بكيلوين وأربعين غرامًا من البُر الرزين أي المتوسط، بالتالي يكون نصاب الزروع (611) كيلو غرامًا من القمح حبة متوسطة. وما زاد عن النصاب فإنه يحسب قل أو كثر.
أما نصاب الزكاة بالمكيال فإن دائرة المعارف الإسلامية قدرت الصاع بثلاثة ألتار، بالتالي يكون النصاب الزروع والثمار 900 لترًا كيلًا. وتضم الأنواع في الجنس الواحد إلى بعضها البعض في حساب نصاب الزكاة لأنواع الزروع والثمار المختلفة لكن لا تضم الأصناف المختلفة في الجنس إلى بعض.
ولا يمنع الدين زكاة الزروع والثمار لعموم قول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) التوبة|103، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر جباة الزكاة بأخذ الزكاة من أصحاب الثمار ولا بأمرهم بالتقصي والسؤال عن الدين مع أن غالب المزارعين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسلفون السنة والسنتين فيكون دين على صاحب الزرع ومع ذلك النبي عليه السلام كان يقدر ناتج الثمار ويزكونها.
اقرأ أيضًا: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً؟
المقدار الواجب في زكاة الزروع والثمار
يختلف مقدار الواجب في زكاة الزروع والثمار بناء على التكلفة التي تحملها المزارع، وهي على ثلاث أوجه:
- الزرع أو الثمر الذي سقي بدون مؤونة يجب فيه العشر، أي أن الزرع أو الثمر الذي سقي بدون كلفة واعتمد على مياه الأمطار أو عيون الماء الطبيعية، الزكاة الواجبة فيه عشر الناتج الزراعي.
- الزرع أو الثمر الذي سقي بمؤونة أي بكلفة يجب فيه نصف العشر، وذلك ارفاقا بحال المزارع الذي تحمل تكاليف إضافية في زراعته.
- الزرع الذي سقي بالطريقتين السابقتين، أي بعض السنة اعتمد على مياه الأمطار أو العيون وبعض السنة اعتمد على السقاية اليدوية، فهذا النوع تجب الزكاة ثلاث أرباع العشر.
أما إن كان أحد نوعي السقي كان غالبا على الآخر فإن الحكم يكون للغالب، فلو أن غالب العام كان السقي من ماء المطر وبعض الأحيان السقي اليدوي هنا تجب العشر لأن الغالب كان السقي بدون مؤونة.
ودالألة على ذلك واردة في السنة والأجماع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سَقتِ السَّماءُ والأنهارُ والعيونُ العُشرُ، وفيما سَقتِ السَّانيةُ نِصفُ العُشر ) والسانية هي الدابة التي يحمل الماء عليها، وقوله: (فيما سقتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا، العُشْرُ، وما سُقِي بالنَّضْحِ، نِصفُ العُشر) ويقصد بالعثري النبات الذي يشرب بجذوره من الأرض.
متى تجب زكاة الزروع والثمار
لا يعتبر شرط الحول في زكاة الزروع والثمار وإنما يراعى الموسم والمحصول، يقول الله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأنعام|141، فالخارج من الأرض هو نماء في ذاته لذلك تجب فيه الزكاة على الفور، فلو اخرجت الأرض أكثر من محصول في العام اخرجت الزكاة عن كل محصول.
وهذا مخالف لباقي الأصناف الزكوية التي اشترط فيها الحول لوجوب الزكاة حتى يتمكن صاحب المال من تحقيق النماء، لكن في الزروع والثمار النماء يتحقق ببدو الصلاح وبه تجب الزكاة.
وتجب الزكاة في الزروع والثمار ببدو الصلاح ويقصد به بداية النضج، يكون بدو الصلاح في الثمار باشتداد الحب، فهو يصبح بذلك طعام أي صالح للأكل، ويكون بدو الصلاح في الثمار بالتلون للحمرة أو السواد أو الصفرة، وتغير الطعم إلى الحلو، ومنها ما يكون بلين الثمرة وطراوتها. ولا يشترط بدو صلاح جميع الثمر فبدو صلاح بعضه كصلاحه كله.
وبدو الصلاح في الزروع (الحبوب) باشتداد الحب واستغناءه عن السقي، ووقت بدو الصلاح هو وقت الوجوب والخرص (أي تقدير الزكاة) وأما وقت اخراج الزكاة هو بعد التنقية وتصفية الحبوب من القشور والقش والتبن وبعد جفاف ويبس الثمار.
ويترتب على ذلك بعض الأحكام مثل الضمان، فلو تلف المحصول قبل وقت الوجوب (بدو الصلاح) لا تجب الزكاة على مالك المحصول ابتداءً، لكن لو تلف المحصول بعد وقت الوجوب فلا تسقط عنه الزكاة إلا إذا كان تلفها خارجًا عن حدود قدرته وبغير تقصير منه.
كما يتعلق في ذلك مسألة بيع المحصول، فلو باع المحصول قبل بدو الصلاح، فهنا لا تجب الزكاة على الزارع (البائع) بل تجب على المشتري.
اقرأ أيضًا: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول
ملاحظات هامة فينا يتعلق بزكاة الزروع والثمار:
- عند احتساب نصاب زكاة الزروع والثمار تضمن أصناف الجنس الواحد إلى بعضها البعض مثل أنواع التمر المختلفة تعتبر صنفًا واحدًا، في حين لا تضم الأجناس المختلفة إلى بعض لاستكمال النصاب.
- تضم الزروع والثمار التابعة لشخص واحد إلى بعض وإن اختلفت الأرض التي زرعت فيها.
- تؤثر الخلطة في الزروع الثمار، ويراد في ذلك أن المحصول الزراعي الواحد لو كان شركة بين أكثر من شخص وقد اتفقوا على خلط أموالهم، فإن المال يعامل على أنه مال واحد.
- إذا تفاوت جودة الزروع أو الثمار يؤخذ من أوسطها جودة فما فوق، ولا يؤخذ ما دون الوسط في الجودة.
- يقدر مقدار زكاة الزروع والثمار بالخرص عند بدو الصلاح، ويقصد به التقدير التقريبي لمقدار الزكاة، ويقوم بذلك أهم الخبرة.
- الأصل في زكاة الزروع والثمار أن تخرج من عين مال الزكاة، إلا أن الفقهاء اجازوا اخراج قيمتها إذا كان في ذلك تحقيق لمصلحة الفقير، ويكون ذلك بعد احتساب المقدار الواجب ينظر كم تساوي قيمته بسعر السوق ثم تخرج نقدًا.
- تكون زكاة الزروع في الأرض المستأجره على مستأجر الأرض.
اقرأ أيضًا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول سبحان الله كيف أن نظام الزكاة عامة وزكاة الزروع والثمار خاصة تتحسس حاجة الفقير باستمرار، فجعل زكاة الزروع والثمار ترتبط ببدو الصلاح وموسم الثمر وكأنها إسعاف طارئ للفقير على مدار العام.