شهر الصوم من المواسم المميزة في جميع الجوانب التعبدية والاجتماعية والمالية، وفي ذات الوقت فإنّ هذا الموسم ينطوي على مجموعة من التحديات في جوانبه المتعددة.
من أبرز هذه التحديات وأكثرها وضوحًا هي التحديات المالية نتيجة للتغيرات في نمط الحياة وما يرافق شهر الصوم من نفقات خاصة، وما يتبعها من نفقات التجهيز للعيد والواجبات الإجتماعية فيه.
كل ذلك يدعونا للاهتمام بإدارة الميزانية في هذا الشهر الكريم لتحقيق التوازن والاستقرار المالي، مما يتيح لنا الطمأنينة في العبادات المختلفة والاستمتاع بالمناسبات والأجواء العائلية في شهر الصوم. في هذا المقال سنلقي نظرة على بعض النصائح الفعّالة لتحقيق التوازن المالي خلال شهر الصوم.
اقرأ أيضًا: التخطيط المالي: الاستعداد لرمضان 6 نصائح ذهبية.
أولًا: وضع خطة مالية مسبقة في شهر الصوم.
قبل بداية شهر رمضان يجب وضع خطة مالية تقديرية تشمل جميع النفقات المتوقعة خلال الشهر، الطبيعة المختلفة لشهر الصوم غالبًا ما تؤدي لوجود إنفاق أكبر من باقي الشهور. لذلك التقدير المسبق للنفقات يساعدك في تحديد المصروفات وتخصيص ميزانية مناسبة لكل جانب من جوانب الإنفاق.
تحتاج فقط للجلوس إلى أسرتك وورقة وقلم وابدأ النقاش حول ما تحتاجونه في هذا الشهر، حاول تصنيف النفقات إلى فئات حتى يسهل تذكرها وتنظيمها. على سبيل المثال نفقات الطعام، ونفقات الهدايا أثناء الزيارات الرمضانية، نفقات مستلزمات البيت من زينة ومستلزمات للمطبخ والتنظيف، والزيادات المتوقعة على الفواتير عمومًا.
بعد ذلك قم بجمع التكلفة التقديرية لكل بند ومن ثم التكلفة الإجمالية. المبلغ النهائي هو ما تحتاجه خلال الشهر. وهذه هي ميزانيتك لهذا الشهر.
لكن تذكر أن لا تنجرف وراء العاطفة أو التباهي في الإنفاق، حاول أن تسجل المفقات دون مبالغة أو إسراف، وتذكر أن شهر الصوم هو شهر تزكية النفس وأن مظهره الأكبر هو الامتناع عن الاستهلاك.
اقرأ أيضًا: بناء العادات المالية في رمضان.
ثانيًا: تحديد أولويات الإنفاق.
بعد أن قمت بتحديد الإنفاق لكل فئة من الفئات خلال شهر الصوم حان الوقت لتبدأ في ترتيب الأولويات، هل المبلغ النهائي للنفقات في النقطة السابقة مناسب لدخلك.
الان قبل البدء بالمراجعة حدد المبلغ المتاح للإنفاق خلال هذا الشهر. يمكنك تحديد ذلك من خلال الخطوات التالية:
- حدد مصادر الدخل على سبيل المثال راتب من الوظيفة، ديون سيتم تسديدها لك خلال الشهر، إيجار عقار، دخل ناتج عن عمل إضافي خلال الشهر، وغير ذلك من مصادر الدخل.
- حدد النفقات الأساسية والإلزامية مثل قسط السيارة، الأقساط المدرسية، إيجار المنزل، فواتير المياه والكهرباء والهاتف …
- الفرق بين النقطة الأولى والثانية هي الدخل المتاح للاستهلاك.
الآن في ضوء الدخل المتاح للاستهلاك لابد من مراجعة النفقات، إذا كان مقدار النفقات أكبر من دخلك لابد من مراجعة النفقات. هات قلم أحمر وابدأ بتحديد جميع النفقات التي لا يمكن الاستغناء عنها في رمضان على سبيل المثال مستلزمات الطعام الأساسية، فواتير المياه والكهرباء والهاتف وهكذا.
يمكنك التوفير في جوانب عدة مثل مظاهر الزينة والتجهيزات الجمالية لشهر الصوم، الملابس الخاصة إذا كنت ممن يتسوق بشكل خاص لملابس رمضان، نفقات السهرات في الخيام الرمضانية فهي مكلفة من ناحية ومن ناحية أخرى أنها تخالف الشريعة الإسلامية في الغالب.
تذكر أن كل ما هو خارج النفقات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها يمكنك التوفير فيه.
اقرأ أيضًا: الاستهلاك في رمضان ، كيف تم برمجتنا؟
ثالثًا: الاعتدال في الإنفاق.
شهر الصوم جوهره الاعتدال والتقليل من الاستهلاك، إلا أن ما يحصل هو عكس ذلك تماما نتيجة لعدة عوامل، فالصائم عادة ما يكون أكثر عرضة للشراء العاطفي، خاصة مع ضغط الاعلانات والعروض، من ناحية أخرى ضعف القدرة على تحديد الكميات المناسبة في الولائم أو حتى زيادة الكميات بهدف رفع الحرج الاجتماعي.
إليك بعض النصائح التي يمكنها أن تساعدك في أن تكون أكثر اعتدالًا:
- ضع قائمة لما تحتاجه وتسوق في بداية الشهر.
- اكتب ما تريد شراءه قبل خروجك من البيت والتزم بالقائمة.
- لا تتسوق وأنت صائم، يمكنك التسوق بعد العشاء، سيقلل ذلك من الشراء العاطفي.
- لا تتسوق في اللحظات الأخيرة، لأن الشعور بالضغط يفقدك السيطرة، حاول أن تخطط للولائم قبل بوقت كافي كي تحدد ما تريده بالضبط.
- ادفع نقدًا لكل عمليات الشراء، وجدت العديد من الدراسات في سلوك المستهلك أن الذين يدفعون نقدًا أكثر وعيًا فهم ينفقون بحكمة، ويتجنبون شراء العناصر غير الصحية، ولا يندمون بعد التسوق، ويرجع ذلك أن عملية الدفع نقدًا ينتج عنها ألما فوريًا.
- كن منطقيًا في تحديد الكميات، على الرغم من أن رمضان شهر التقوى وتزكية النفس إلا أنه الشهر الأكثر اهدارًا للطعام، ابتداء من السفرة اليومية للعائلة ومرورًا بالولائم التي نضطر للتخلص من كميات كبيرة من الطعام. حاول أن يكون إعداد الطعام بناءًا على عدد الأفراد وأن تكون الزيادة لا تتجاوز حاجة ثلاث أفراد كحد أقصى.
تذكر أن التوفير يسير جنبًا إلى جنب مع روحانية شهر الصوم، وأن من صفات المؤمنين كما جاء في سورة الفرقان| 67 {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}، اجعل هذه الآية معيارًا لك في رمضان وراقب سلوكك المالي خاصة فيما يتعلق بالطعام.
اقرأ أيضًا: 10 نصائح تضمن لك تسوقاً ناجحاً.
رابعًا: توظيف الصدقة والزكاة بحكمة.
يعتبر شهر رمضان حافزًا لكل أنواع الطاعات الروحانية والمادية، ففيه يتضاعف ثواب الأعمال، لذلك لابد من استثمار هذه الفرصة وتنظيم عملية التبرع.
البعض يفضل أن يجعل موعد إخراج الزكاة في رمضان طمعًا في مضاعفة الثواب وهذه تعبر خطوة ذكية، أما عن الصدقات العامة انصحك صديقي العزيز أن لا تترك هذه الصدقات بدون تخطيط، خطط للصدقة كما تخطط لنفقات الشهر.
قم بتخصيص مبلغ محدد تقوم بالتصدق به في يوم محدد من الأسبوع وأن تكرر ذلك أسبوعيًا بنفس الموعد، كما يمكنك أن تقوم بشراء مستلزمات طبخة معينة وتقوم باعطائها لعائلة فقيرة بحيث تنال أجر تفطير صائم.
من ناحية أخرى حفّز من حولك على إخراج الصدقات، قد يغفل البعض عن هذه العبادة في رمضان، أو يكتفي بالصدقات غير المخطط لها، ادعُ من حولك على التبرع وقم بتجهيز طرود للحاجات الأساسية وارسلها للمحتاجين، تذكر أن هذا الشهر الذي يمر عليك دون أي اشكالية مالية، هناك أُسر يمثل إعداد الطعام يوميًا مشكلة لديهم لأنه يستهلك الكثير من الموارد غير المتوفرة بشكل دائم.
اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام.
خامسًا: الخروج الآمن بدون ديون.
بعض النظر عن ظروفك الحالية سواء كنت تعاني من الديون أم لا، فإنّ الهدف المالي الأول والأهم في رمضان أن تخرج من هذا الشهر بدون ديون، مهما كان دخلك متدني لا تدخل الشهر بدون خطة للنفقات، تذكر يا صديقي ليست القيمة في ذات النقود إنما في المنفعة المتحققة منها، وأن الدولار مع التخطيط يعطيك قيمة دولارين!
حدد الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها، اشتر الكميات التي تحتاجها للشهر كامل سيكون ذلك أوفر من الشراء بشكل يومي وما يرافقه من شراء للنثريات التي لا تحتاجها.
لا داعي لتحمل ما لا تطيق في سبيل مجاراة النمط العام في شهر رمضان، سواء كان ذلك في الولائم التي تستضيفها أو في الاستهلاك اليومي.
تذكر أن الكثير من المظاهر التي ليس لها صلة بالدين أو تعظيم شعائر الله، على العكس تمامًا فإنها تدخل ضمن الإسراف والتبذير. فأنت مأجور من الله تعالى على كل عملية توفير أو حفظ للنعمة.
اجعل الاقتراض في رمضان خط أحمر لن تصل إليه، أكبر مكافأة تهديها لنفسك مع نهاية شهر الصوم أن تكون خاليًا من الديون.
اقرأ أيضًا: الخروج من الديون | 3 استراتيجيات أساسية.
سادسًا: التخطيط للعيد.
لا يمكن الحديث عن التخطيط لشهر الصوم دون الحديث عن التخطيط للعيد، عادة ما يرافق العيد مصاريف إضافية مثل شراء الملابس والتجهيز للعيد بالقهوة والحلوى، والعيديات (هدية مالية) التي تعطى للأطفال والنساء في العيد.
وبما أن العيد له نفقاته الخاصة فيجب أخذ هذه النفقات بعين الاعتبار عند التخطيط لرمضان، حاول تقدير النفقات التي تحتاجها للعيد، حدد ميزانية خاصة للملابس لا يمكن تجاوزها، لا تؤجل عملية شراء الملابس للعشر الأواخر من شهر الصوم، لأن الأسعار سترتفع بشكل عام، ومن ناحية أخرى لا تضيع الأوقات المباركة من العشر الأواخر في الأسواق. وذات الشيء ينطبق على باقي تجهيزات العيد.
فيما يخص العيديات لمن ستقدمها؟ حددهم بالاسم وعند كل اسم حدد المبلغ الذي ستقدمه. بهذه الطريقة أصبح لديك تصور واضح حول ميزانية العيد. وضوح الالتزامات التي عليك يجعلك أكثر وعيًا وحكمة في تصرفاتك المالية عمومًا.
اقرأ أيضًا: 7 من النصائح المالية الأساسية لعام 2024.
تحقيق التوازن في شهر الصوم يتطلب التخطيط والانضباط، وهي فرصة مميزة لتعزيز الوعي المالي والتدرب على التخطيط المالي، لأن رمضان شهر له طبيعة مختلفة عن باقي الشهور، يمكنك اعتباره دورة تدريبية تطبيقية في التخطيط المالي ترى نتائجها في نهاية الشهر المبارك.
إذا لم تقم بالتخطيط المالي من قبل لا تفوت هذه الفرصة لتجربة ذلك، مهما كان مقدار دخلك تأكد أن التخطيط المالي يضاعف قيمته.
إذا كنت تتبع خطوات لتحقيق الاستقرار المالي في رمضان شاركنا بها في التعليقات.