في الآونة الأخيرة كثيرًا ما تداولت نشرات الأخبار مخاوف دخول الاقتصاد العالمي في ما يسمى الركود التضخمي، وسارع البنك الفيدرالي لرفع سعر الفائدة كاجراء لتدارك ما يمكن تداركه، فقد بدأت معالم الركود التضخمي تظهر على الاقتصاد اعتبارًا من الربع الثالث لعام 2021.
تناولنا في مقالات سابقة الكساد الاقتصادي والركود الاقتصادي وكذلك التضخم الاقتصادي، وفي هذا المقال سنتعرف على توليفة يخشاها الاقتصاديون تجمع الركود مع التضخم.
اقرأ أيضًا: التضخم الاقتصادي السارق الخفي
ماهو الركود التضخمي؟
يقصد بالركود التضخمي حالة يعيشها الاقتصاد تتسم بالتباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع المستوى العام للأسعار (التضخم) والبطالة. ويمكن تعريفه بشكل أكثر اختصارًا بأنه حاله من التضخم المصحوبة بانخفاض الناتج المحلي، غالبًا ما يحدث الركود التضخمي يتم التوسع في عرض النقد في حين يكون العرض مقيدًا.
يعتبر هذا المزيج من الركود والتضخم مزيج غير منطقي وغير مستبعد في النظريات الاقتصادية، حيث كان يعتقد الاقتصاديون أن العلاقة بينهما علاقة عكسية، فمعدلات التضخم المرتفعة سيرافقها انخفاض في معدلات البطالة، إلا أنه خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات تحطمت هذه القناعة حيث عانى الاقتصاد الأمريكي والأوروبي من ارتفاع في معدلات التضخم مع ارتفاع في معدلات البطالة. تعددت التحليلات لأسباب الركود التضخمي في تلك الفترة إلا ذلك بقي محل خلاف بين الاقتصاديين.
اقرأ أيضًا: 10 اسباب تؤدي بالدول إلى الركود الاقتصادي
الركود التضخمي في السبعينيات
كان أول ظهور لمصطلح الركود التضخمي في الستينيات من القرن الماضي في المملكة المتحدة، حيث عانت المملكة المتحدة في الستينيات من التضخم إلا أن عدم اعتراف الاقتصاديين بدور السياسة النقدية في السيطرة على التضخم. واستخدموا سياسات غير نقدية في التعامل مع الأزمة وهذا أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير.
استخدم المصطلح مرة أخرى في السبعينيات بعد أزمة أسعار النفط حيث شهدت الولايات المتحدة خمسة أرباع من النمو السلبي في الناتج المحلي الإجمالي. حيث وصل معدل البطالة إلى 9% عام 1975، كما وصل مؤشؤ أسعار المستهلك إلى 14% عام 1980.
تم ربط حدوث الركود التضخمي بأسعار النفط والمضاربات على العملات، بالإضافة إلى ضغط النقابات العمالية لزيادة الأجور، كمان كان دور كبير وواضح للسياسات النقدية للبنك الفيدرالي التي زادت المعروض النقدي و زادت الإنفاق الإجتماعي ووالإنفاق على الحروب في تلك الفترة.
ومنذ ذلك الوقت أصبح التضخم شرط عام للاقتصاد حتى في فترات النمو الاقتصادي البطيء أو السلبي، كما شهد كل ركود معلن في الاقتصاد الامريكي ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار.
اقرأ أيضًا: الفرق بين الركود الاقتصادي و الكساد
أسباب الركود التضخمي
لايزال أسباب الركود التضخمي محل نزاع بين الاقتصاديين، ,ظهرت عدة حجج لتفسيره وبيان أسباب حدوثه:
- ارتفاع أسعار النفط: ترى هذه النظرية أن الزيادة المفاجئة في أسعار النفط تؤدي إلى تقليل القدرة الانتاجية للاقتصاد، كما حدث في عام 1973 حيث قامت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوبك) بحظر تصدير النفط للدول الغربية مما أسهم في ارتفاع أسعار النفط عالميًا.نتج عن ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج للسلع وارتفاع تكاليف النقل وإيصال السلع إلى الرفوف، ارتفاع الأسعار أدى إلى تسريح العمال وانتشار البطالة.ضاعف حدة ارتفاع الأسعار قيام أمريكا في نهاية العقد بحظر النفط الإيراني مما أدى إلى ارتفاع إضافي معدلات البطالة دون اتخاذ أي اجراءات لتهدئة التضخم.إلا أن منتقدو هذه النظرية يرون أن صدمات ارتفاع أسعار النفط التي حدثت في السبعينيات لم تحدث في حالات الركود التضخمي التي حدث فترات تالية.
- السياسات الاقتصادية السيئة: ترى هذه النظرية أن التنظيم القاسي للأسواق والعمالة والسلع في بيئة تضخمية سبب أساسي في حدوث الركود التضخمي. يشير الاقتصاديون إلى ساسية الرئيس نيكسون على أنها مقدمة للركود التضخمي الذي حدث في 1970.حيث استمر نيكسون بالإنفاق على الحرب في فيتنام وتوسع في الإنفاق الإجتماعي، إلا أن التحول الاقتصادي حدث عندما وضع قيودًا على الأجور والأسعار والتعريفات الجمركية على الواردات وذلك لمنع ارتفاع الأسعار، إلا أن هذه الصدمة المفاجأة أدت إلى نقص النفط وارتفاع المستوى العام للأسعار بمجرد إزالة هذه القيود.انتهت هذه الأزمة باتباع رئيس الإحتياطي الفيدرالي لسياسة انكماشية جريئة للسيطرة على التضخم حيث رفع معدل الفائدة إلى ما يقارب 19%.لكن منتقدو هذه النظرية في تفسير الركود التضخمي يرون أن هذه النظرية تفسر الركود التضخمي في السبعينيات ولا تفسر الركود المصاحب للتضخم الذي حدث في فترات لاحقة.
- معيار الذهب: تشير هذه النظرية إلى العوامل النقدية التي تلعب دور في الركود التضخمي، حيث اسقط نيكسون إتفاقية بريتون وودز الدولي التي تربط الدولار بالذهب وتربط العملات العالمية بالدولار، حيث تم كسر ارتباط الدولار بالذهب وأصبح الدولار عملة ورقية وتم تخفيض قيمته، وهذا انهى القيود العملية على التوسع النقدي وتخفيض قيمة العملة.
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر البنك المركزي على النشاط الاقتصادي؟
الفرق بين الركود التضخمي والتضخم والركود
تعتبر الفروق بين التضخم والركود التضخمي دقيقة، حيث يمكن تعريف التضخم بأنه ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار، اقتصاديًا يعتبر وجود مستوى منخفض من التضخم أمر صحي، حيث أن البنك الفيدرالي يعتبر معدل تضخم سنوي 2% على المدى الطويل يحقق استقرار الأسعار والحد الأقصى من فرص العمل، لأن هذه النسبة من التضحم تحمي الاقتصاد من الانكماش وتدعم النمو الاقتصادي.
أهتم العلماء بتفسير ظاهرة التضخم الاقتصادي لما لها من ارتباط وثيق بالمجتمعات البشرية، وقد وضعن عدة نظريات لتفسير سبب حدوث التضخم، وهنا نورد بعض النظريات المفسرة للتضخم:
- تضخم جذب الطلب: ترى هذه النظرية أن التضخم ينتج عن زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي، عند زيادة اقبال الأفراد على السلع المعروضة بالسوق مع عدم قدرة المنتجين على زيادة المعروض النقدي ينتج عن ذلك ارتفاع بالاسعار، مما يؤدي الى مطالبة النقابات العمالية بزيادة الأجور مما يدخل الاقتصاد في دوامة من الزيادات المتعاقبة.
- تضخم دفع الكلفة: تفسر هذه النظرية التضخم بأن مصدره ارتفاع تكاليف التشغيل مثل أسعار مصادر الطاقة وزيادة سعر الفائدة وينتج عن ذلك زيادة السعر النهائي للمنتج مما يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهنا ستظهر النقابات العمالية لتطالب بزيادة الأجور، وهذه الزيادة ستظهر بشكل مباشر في أسعار السلع والخدمات مجددًا، وسيدخل الاقتصاد في دوامة متعاقبة من ارتفاع الأسعار.
- التضخم الاقتصادي الوافد: يظهر التضخم في الاقتصاد نتيجة الاقتصاديات الشريكة تجاريًا، فكلما زاد اعتماد الدولة على الاستيراد زاد تعرضها للتضخم.
الفرق الوحيد بين التضخم والركود التضخمي، أن التضخم يقترن بالنمو الاقتصادي وقد يظهر التضخم كنتيجة للنمو الاقتصادي، في حين أن الركود التضخمي يرتبط فيه التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضًا: الدورات الاقتصادية ، كيف تحدث الأزمات الاقتصادية؟
مؤشر البؤس
يعتبر الركود التضخمي أسوأ ما تعرض له الاقتصاد، وقد دفع الاقتصادي آرثر أوكون إلى صياغة ما يعرف بمؤشر البؤس والذي يقوم بقياس حالة البؤس التي يعيشها الأفراد نتيجة لتزامن البطالة مع التضخم الاقتصادي، وكلما ارتفع مؤشر البؤس زادت حالة البؤس التي يشعر بها المواطن العادي.
يتكون مؤشر البؤس من التضخم والبطالة، فالتضخم هو ارتفاع بالمستوى العام للأسعار وانخفاض في القوة الشرائية للنقود، في حين أن البطالة هي عدد القادرين على العمل والباحثين عنه إلى أجمالي القوة العاملة .
يعتبر الاقتصاديون أن حالة التوظيف الكامل تكون مع معدل بطالة 5% أو 4%، في حين البنك الفيدرالي يستهدف معدل بطالة 2%، وبناء على ذلك فإن مؤشر البوس المقبول يكون ما بين 7% أو 6%.
اقرأ أيضًا: صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح الاقتصادي.
مخاوف دخول الاقتصاد في الركود التضخمي
يتزايد القلق العالمي حول الدخول في حالة من الركود التضخمي حيث قام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 6.1% إلى 3.6% كما زاد توقعاته للتضخم من 3.9% في يناير لعام 2022 إلى 5.7%، هذا التغير في التوقعات كانت نتيجة تطورات الحرب الأوكرانية الروسية التي نتج عنها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
يتوقع أن تستمر معدلات التضخم في الارتفاع ولذلك تسعى البنوك المركزية للسيطرة عليهباستخدام سعر الفائدة، حيث قام 22 بنك مركزي حول العالم بزيادة سعر الفائدة خلال هذا العام باستثناء بنكين مركزيين قاما بخفض سعر الفائدة وهما الصين وروسيا.
بشكل عام لا يوجد علاج للركود التضخمي، إلا أن الاقتصاديون يشيرون إلى وجوب زيادة الإنتاجية مع الحد الذي تحقق فيه النمو دون زيادة في تضخم إضافي، سيسمح ذلك بتشديد السياسة النقدية لكبح معدلات التضخم وهذا الأمر لا يتحقق بسهولة، ولذلك لابد من اتخاذ إجراءات استباقية لحماية الاقتصاد من الدخول في الركود التضخمي.