استكمالًا لما بدأناه من سلسلة الزكاة في الإسلام، نتناول في هذا المقال زكاة الأنعام في الإسلام، ويقصد بالأنعام الدواب من الإبل والبقر والغنم، وتعد الأنعام من عظيم نعم الله تعالى علينا. قد أمتن الله سبخانة على بني البشر بأن سخر ما في الكون من  مخلوقات له، ليستفيد من لحومها وألبانها في مأكله وجلودها وأوبارها وأصوافها في مسكنه وملبسه، عدا عن استخدامها في التنقل وحمل الأمتعة والحرث.

يقول الله تعالى: ” أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون* وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون” يس|71-73. وقوله تعالى: “والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون” النحل|5,6. ومن الواجب علينا عرفانًا بفضل الله علينا وتكريمه لنا شكر الله على النعم وأداء الحق الواجب الذي أوحبه كحق من خلال الزكاة.

ثبتت زكاة بهيمة الأنعام في الأدلة العامة لوجوب الزكاة، بالإضافة لورود أحاديث خاصة بوجوبها، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم، لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ( الظلف: هو الحافر) ، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس) رواه مسلم، كما أجمع الفقهاء على وجوب زكاة الأنعام في الإبل والبقر والغنم.

اقرأ أيضًا: ما يجب معرفته عن الزكاة في الإسلام

شروط وجوب زكاة الأنعام

تجب زكاة الأنعام في الإبل والبقر ويشمل الجاموس والغنم ويشمل معهالمعز، وتجب فيها الزكاة بالشروط التالية:

  1. بلوغ النصاب: وهو الحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، نصاب الإبل خمس، ونصاب البقر، ونصاب الغنم أربعون، وليس في أقل من ذلك زكاة واجبة، ودليل ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) والذود هي الإبل، وما ورد عن معاذ رضي الله عنه: (بعثنى رسول الله أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة)، ولقوله عليه السلام: (فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة، فليس فيها صدقة). 

  2. أن يحول عليها الحول الهجري: وذلك بأن يمر عليها حول كامل عند مالكها وهي بالغة للنصاب، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول).

  3. أن تكون سائمة:أي أنها تأكل وترعى من كلأ مباح، أي ما نبت في الأرض بغير فعل الإنسان، أما إن كانت ترعى مما يزرعه فلا تعد سائمة ولا زكاة عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: (في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون). إلا أن الإمام مالك لم يعتد بشرط السوم فأوجب الزكاة على السائمة والمعلوفة،والأنسب إحتساب تكلفة العلف واستعادها م

  4. أن تكون معدة للدر والنسل: ويقيد بذلك أن لا تكون عاملة في الحرث والنقل بل معدة للإستفادة من ألبانها ونسلها، فإن كانت تستخدم في الحرث أو سقاية الأرض، أو نقل المتاع والأحمال. فالإبل العاملة لا تجب فيها زكاة لأنها تدخل في حاجات الإنسان الأصيلة، في حين إذا خصصت للتأجير فإن الزكاة تكون في أجرتها إذا بلغت نصاب بنفسها أو ضمها لغيرها وحال عليها الحول. 

اقرأ أيضًا: تعرّف على 8 مسائل عن زكاة المال في الإسلام

نصاب زكاة الأنعام 

من شروط زكاة الأنعام أن تبلغ النصاب، وجاء في نصابها تفصيل من حيث الأعداد والواجب في زكاة الأنعام من الإبل والبقر والغنم على التفصيل التالي: 

أولا: نصاب الزكاة في الإبل

ورد نصاب زكاة الأنعام من الإبل على التفصيل في كتاب أبي بكر إلى أنس بن مالك رضي الله عنها، وجاء تفصيل ذلك على النحو المبين في الجدول التالي :

الزكاة الواجبة فيها

عدد الإبل

شاه

5 – 9

شاتان

10 – 14

ثلاث شياه

15 – 19

أربع شياه

20 – 24

بنت مخاض (الناقة أتمت سنه)

25 – 35

بنت لبون (الناقة أتمت سنتين)

36 – 45

حقة (الناقة أتمت 3 سنوات)

46 – 60

جذعة (الناقة أتمت 4 سنوات)

61 – 75

بنتا لبون

76 – 90

حقتان

91 – 120

في كل 40 بنت لبون وفي كل 50 حقة

120 فما أكثر

اقرأ أيضًا: العدالة التوزيعية في النظم الاقتصادية، أيها أكثر عدلاً؟

ثانيًا: نصاب الزكاة في البقر

ورد فيما يخص نصاب زكاة الأنعام  من البقر ورد عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: ( بعثني النبي إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة) والتبيع والتبيعة هو ما أتم السنة من البقر، والمسنة ما أتمت سنتان.

ويكون نصاب زكاة البقر على النحو الآتي: 

الزكاة الواجبة فيها

عدد البقر

تبيع

30 – 39

مسنة

40 – 59

تبيعان

60 – 69

تبيع ومسنة

70 – 79

مسنتان

80 – 89

وما زاد عن ذلك يكون زكاته في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة، فمثلًا لو أن أحدهم كان له 120 من البقر ستكون زكاته إما أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات، ولو أن أحدهم له 110 من البقر ستكون زكاته مسنتان وتبيع. وتنطبق ما ورد في نصاب البقر على الجاموس.

اقرأ أيضًا: 9 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الأول

ثالثًا: نصاب زكاة الغنم

أما عن زكاة الأنعام من الغنم حديث أنس رضى الله عنه السابق: (وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها).

الزكاة الواجبة فيها

عدد الغنم

شاه

 40 – 120

شاتان

121 –  200

ثلاث شياه

201 – 300

وفيما زاد عن ذلك يكون في كل مئة من الغنم زكاته شاه واحدة، فلو أن أحدهم لديه 500 من الغنم يكون زكاته 5 شياه. والغنم نوعان الضأن وهو ما يغطيه الصوف والمعز وهو ما يغطيه الشعر ويقال لأنثى الضأن والمعز شاه.

اقرأ أيضًا: 8 أمور لابد معرفتها عن الاقتصاد الإسلامي

تأثير الخلطة على زكاة الأنعام

يقصد بالخلط تأثير اختلاط المال مع مال مالك آخر وتأثيره على زكاة الأنعام، وتكون الخلطة نوعين: 

النوع الأول: خلطة الأعيان: ويقصد بها أن يكون المال مملوك ملكًا مشاعًا مشتركًا بين اثنين أو أكثر، سواء حدث الملك بالشراء أو الميراث، دون أن يتميز نصيب الواحد منهم.

النوع الثاني: خلطة الأوصاف: يكون كل مال من هما متميزًا معروفًا، ولكنهم يشتركان في مكان الرعي، ومكان المبيت والمأوى، ويشتركان في المحلب والمشرب والفحل. وباستيفاء هذه الشروط يكون المالان كالمال الواحد.

كلا النوعين من الخلطة يؤثران في المال بجعله كالمال الواحد، والواجب فيها كالواجب في المال الواحد إذا بلغا نصابًا معًا، وقد ورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يخص الخلطة: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فهما يتراجعان بينهما بالسوية)، وذلك بهدف التهرب من الزكاة

فلو انطبقت وصف الخليط على شخصين لكل واحد منهما عشرون شاه، فمجموع ما لديهما أربعون تجب فيها شاه واحدة، ولو أنه أصبح لكل واحد ستون شاه فكلاهما مئة وعشرون شاه لم تزد الزكاة عليهم، لكن لو افترضنا أن المالين غير مخلوطين تجب على كل واحد شاه لامتلاكه ستون شاه.

اقرأ أيضًا: الآثار الاقتصادية للربا: كيف ينظر الاقتصاديون للربا

شروط خلطة في زكاة الأنعام

يشترط خمس شروط في المال حتى تعتبر الخلطة:

  1. أن تكون الخلطة في سائمة الأنعام ولا تؤثر في غيرها من الأموال.
  2. أن يكون مالكا الأنعام من أهل الزكاة، فلو كانت الخلطة مع ذميًا لا تؤثر لأن المال لم يكمل النصاب.
  3. أن يختلطا في مال  بالغ النصاب، فلو اختلطو فيما دون النصاب لا زكاة عليهما.
  4. أن يختلطا في ستة أشياء، بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر، وهي المسرح (مكان الرعي)، والمشرب، والمحلب (مكان الحلب)، والمراح (مكان الراحة)، الراعي ، والفحل، فإذا تحققت هذه الشروط كان المال كالمال الواحد.
  5. أن تكون الخلطة جميع الحول من أوله إلى آخره.

فإذا تحققت هذه الشروط عامل ساعي الزكاة المال كالمال الواحد، لا يفرق بين مجتمع من الأنعام ولا يجمع متفرق سواء لزيادة الزكاة أو للتخفيف منها.

اقرأ أيضًا: 7 ممارسات اقتصادية تميز بها الاقتصاد الإسلامي |الجزء الثاني

مبادئ عامة في زكاة الأنعام

  1. أن تخرج زكاة الأنعام من أوسط المال، فلا يُلزم المزكي باخراج أحسن ما لديه من المال، ولا يقبل أردأ ما لديه، وقد جاء ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

  2. لا تؤخذ المريضة ولا المعيبة ولا الهرمة، كما لا يؤخذ تيس الغنم إلا أن كان ذلك رغبة المزكي.

  3. يجب اخراج وكاة الأنعام من الجنس الأنعام التي عند المزكي وفق ما ورد في الأنصبة، ولا يجوز اخراج القيمة وهذا رأي الجمهور، لكن أجاز الحنفية اخراج القيمة.

  4. لا تجب زكاة الأنعام في الحيوانات من غير الأنعام، باستثناء إذا كانت عروض تجارة فإنها تعامل معاملة عروض التجارة.

  5. تخرج الزكاة من السن (العمر) المحدد في الأنصبة ويجوز اخراج سنًا أكبر إن طابت بها نفسه، وله أن يأخذ فرق القيمة من جابي الزكاة.

  6.  إذا ملك المسلم أنعامًا أقل من النصاب سواء من نصاب الإبل، أو نصاب البقر، أو  نصاب الغنم، وكانت للتجارة؛ فإنه يضمها إلى بعض فإذا أتمت نصاب عروض التجارة وتزكى زكاة النقدين بقيمتها، أما إذا كانت لغير عروض التجارة فلا يضم بعضها إلى بعض.

  7. نتاج سائمة بهيمة الأنعام من الصغار حولها هو حول أمهاتها إن كانت الأمهات قد بلغت نصاباً، فإذا كانت الأمهات لم تبلغ نصابًا تكون بداية الحول من كمال النصاب بالصغار؛ وقد روي عن عمر  رضي الله عنه أنه قال لساعي الزكاة: (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم).

وبهذا نكون قد قدمنا عزيزي القارئ لمحة فيها شيء من التفصيل فيما يخص زكاة الأنعام، واخراج الزكاة من شكر النعم التي تعد سببًا في زيادة الرزق ومباركته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)